رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

مستقبل اتفاقية ممر الحبوب بعد انسحاب روسيا منها

تتناول الدارسة الحالية آثار انسحاب روسيا من اتفاقية ممرّ الحبوب ومستقبل الاتفاقية، حيث كانت أزمة الغذاء العالمية إحدى المشكلات الرئيسة التي ترافقت مع الحرب في أوكرانيا. أدت أزمة الغذاء إلى نقص الغذاء من ناحية، وإلى ارتفاع حاد في أسعار الغذاء في العلم من ناحية أخرى، وهذا تسبب بتضرر كبير في البلدان الفقيرة. وقد بادرت عدة جهات، منها تركيا والأمم المتحدة، للوصول إلى اتفاقية ممر الحدود، واستطاعت تمديدها لثلاث مرات. ترى الدراسة أن تقييم مسوِّغات الأسباب التي قدمتها روسيا، ومستقبل هذا الاتفاق المهم ما يزالان يحمل أهمية كبيرة في سياق الحدّ من أزمة الغذاء العالمية.

مستقبل اتفاقية ممر الحبوب بعد انسحاب روسيا منها

كانت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، منذ اندلاعها، سلبيةً عميقةً على التوازنات الاقتصادية العالمية، وما تزال تشكل عوامل خطرٍ يمكن أن تزيد من تفاقم الأزمات، وفي مقدمتها أزمة الغذاء. وإن أفضل ما يمكن القيام به من أجل اقتصادات العالم هو وقف هذه الحرب بحسب قول وزيرة خزانة الولايات المتحدة جانيت لويز يلين مؤخرًا.

لكن الحرب مستمرةٌ، وقطاع الأغذية الذي يتميز بطابعه الإنساني يشكل واحدًا من أهم القطاعات التي تواجه مخاطر جسيمة على المستوى العالمي؛ لأن أوكرانيا والاتحاد الروسي من اللاعبين العالميين في أسواق الأغذية الزراعية. فبينما تتبوّأ أوكرانيا المرتبة العاشرة في صادرات القمح العالمية، تُعَدّ روسيا أيضًا منتِجًا ومصدرًا عالميًّا مهمًّا للحبوب. ويشغل البلدانِ معًا 53 بالمئة من التجارة العالمية في زيت وبذور عباد الشمس، و27 بالمئة من تجارة القمح العالمية، وتبلغ حصصهما من واردات القمح والذرة والشعير وبذور اللفت وزيت عباد الشمس وبذور عباد الشمس: 25,9 بالمئة لتركيا، و23 بالمئة للصين، و13 بالمئة للهند.

من ناحيةٍ أخرىٍ فإن الدول ذات الدخل المنخفض هي الأكثر عرضة للآثار السلبية للحرب الروسية الأوكرانية؛ لأنها تعتمد على هذين البلدين في تأمين وارداتها من الحبوب. وتشير حسابات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) إلى أن أكثر من 5% في المتوسط من سلة واردات البلدان الأكثر فقرًا هي منتجات من المرجّح أن تواجه زيادة في الأسعار نتيجة الحرب المستمرة في أوكرانيا. وبالنسبة للبلدان الأكثر ثراءً، تبقى هذه الحصة أدنى من 1 بالمئة. وفي غضون أكثر من عامٍ منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، بُذِلت وما تزال تُبذَل جهودٌ عالميةٌ للتخفيف من السلبيات التي شهدها قطاع الغذاء على مستوى العالم. وتشكّل "وثيقة مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية" أو اختصارًا "اتفاقية ممر الحبوب" الموقعّة في إسطنبول، أهم خطوةٍ جرى اتخاذها نحو تخفيف القيود المفروضة على الإمدادات الغذائية العالمية بسببِ الحربِ الدائرة بين أوكرانيا وروسيا (وهما البلدان المهمّان في إنتاج الأغذية والحبوب)، وغيابِ الأمن في طريق تصدير الأغذية من هذين البلدين إلى البلدان الأخرى. في البداية، جرى توقيع الاتفاقية لمدة أربعة أشهر، ثم مُدِّدت لاحقًا ثلاث مراتٍ، ولكن عندما انتهت فترة التمديد الأخيرة البالغة شهرين في 17 يوليو 2023، أعلنت روسيا انسحابها من الاتفاقية. وذكرت روسيا في بيانها أنها لا ترغب في تمديد الاتفاقية، مؤكدةً أنها بعد مرور عام على تطبيق هذه الاتفاقية أصيبت بخيبة الأمل، ومن ثَمَّ أعلنت إلغاء ضمانات الملاحة الآمنة، وتضييق ممر المساعدات الإنسانية البحرية، وإعادة إنشاء المنطقة الخطرة مؤقتًا في شمال غرب البحر الأسود، وإيقاف المشاركة في مركز التنسيق في إسطنبول.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...