الحرب في تطورها الراهن إلى حرب غير متماثلة، حرب تجري بين متحاربَينِ تختلف قوتهما العسكرية والإستراتيجية بشكل كبير، وهذا يحدث عندما يقابل جيش نظامي محترف حركةَ تمرد أو حركةَ مقاومة أو فواعل من غير الدول، ومثل هذه الحرب تقوم بشكل أساسي على إستراتيجيات غير تقليدية، بحيث يقوم الطرف الأضعف بمحاولة استخدام إستراتيجيات معينة لموازنة أوجه الضعف الكمية والنوعية الموجودة
عنده، وهذا يمنحه إمكانيات التصدي لجيوش نظامية، وفي ذلك ما يعني فقد أو إضعاف القوة الصلبة تأثيرها في الحرب غير المتماثلة.
خالفت تطوّرات الواقع الأفغاني في العقدين الأخيرين كلّ الفرضيات التي تقوم عليها النظريات والمفاهيم التي تتبنى المفهوم التقليدي للقوّة؛ بدءًا من كاليكلس (Callicles) وثيوسيديدس (Thucydides) ومناصريهما في العصور القديمة، وصولًا إلى مورغنثاو (Morgenthau)وميرشايمر (Mearsheimer) ومؤيديهما في العصر الحالي، حيث يسود الاعتقاد أنّ الغلبة في أيّ حرب تكون للجيش الأقوى؛ الذي يمتلك التفوّق في القوّة والقدرات، والسيطرة على الأرض والجو، لكن المواجهات الميدانية بين الجيش الأمريكي ومسلحي حركة طالبان حادت عن هذا النسق الذي يعتدّ بالتفوق في مستوى القوّة بين طرفي الصراع، وأبدت طالبان بمجموعات غير نظامية، وبسلاح تقليدي، الصمود والانتصار ضد أكبر تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في حربٍ دامت عقدين من الزمان، ولم تتحقق الغايات الأمريكية منها في القضاء على الحركة، كما لم تستطع إنهاءها بخروج مشرّف، رغمًا عن امتلاكها ترسانة من الأسلحة الحديثة فائقة التكنولوجيا.