كانت تركيا أكبرَ مستقبلٍ للسوريين اللاجئين على مستوى العالم، منذ بدايةِ موجاتِ اللجوءِ السوري؛ بفعل الحرب التي شنَّها نظامُ الأسد ضد الشعب السوري، بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011م.
وبحسب تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في عام 2018، قُدِّر عددُ اللاجئين إلى خارج سوريا بنحو 5.6 ملايين لاجئ. ومع مرورِ الوقتِ تزايد عددُ اللاجئين السوريين، فزادت حصةُ تركيا منهم بما يزيد على 3.7 ملايين لاجئ، بحسب المديرية العامة للهجرة التركية، وهم موزعون على مختلف الولايات والمدن التركية في عام 2021، يُستثنى منهم من استمر بالعيش في المخيمات، وإنِ انخفضت نسبتُهم من 10% في نهاية عام 2015، إلى 1.4% في عام 2021، بحسب إحصائيات جمعية اللاجئين.
لم تعدْ قضيةُ اللجوء قضيةً صغيرة، بل باتتِ اليوم على رأس أولويات الدول، وقد صدرت عدةُ كتب خلال عامَي 2016 و2017 تتحدث عن هذه الظاهرة، وأنَّها باتت إحدى المشكلتين الرئيستين في العالم، نقصد بذلك مشكلتي اللجوء والمناخ، ومن أبرز تلك الكتب، كتابٌ أعدَّه الصحفي الألماني مارك إنجلهارت، باسم (ثورة اللاجئين)، وهو كتابٌ جمع فيه مقالاتٍ لمراسلين ألمانيين، يعرضون قصصًا لطالبي اللجوءِ الذين جرى احتجازُهم في مخيمات اللاجئين في العالم. تتحدث التقاريرُ عن معاناة اللاجئين وأحلامهم وطموحاتهم وقلقهم من المستقبل، وكذلك محاولاتهم للتكيّف مع البلدِ الذي استقروا فيه، أو لجؤوا إليه، والذين فقدوا أقاربهم، أو أُصِيبوا في أثناء فرارهم. وليس غريبًا أن تتصدرَ الحكايةُ السورية مقدمة الكتاب؛ لأنَّها كانت أكثرَ القضايا سخونةً قبل الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقد ظهرت دراساتٌ ومقالاتٌ تناولت أدب اللجوء بصفة عامة، واختارت بعضُها الحالة السورية من الناحية الاجتماعية، ولكنَّها لم تكن مخصصةً بالأدب السوري اللاجئ في تركيا، بل كانت الحالةُ السوريةُ جزءًا منها. وهناك دراساتٌ تناولتِ الحالة السورية بشكل عام في كل دول اللجوء. ودراسات أخرى تحدثت عن اللجوء ضمن سياقٍ محدَّد، وركزت على الرواية. وقسمٌ من هذه الدراسات تناول الرواية ضمن أطرٍ سياسية أو قوالب أخرى، مثل: أدب السجون الذي كُتِب في دول اللجوء، أو السرد المناهض الذي له امتدادٌ تاريخيٌّ قبل الثورة السورية. وبعضُ المقالات ناقشت جنسية الأدب، وتساءلت: هل هناك أدب لجوء؟ وكانت أغلب الدراسات تتناول الرواية لكتّاب مشهورين في بلاد مختلفة، فكادت هذه الدراسات تكون مكرّرة، وإن تناولت العمل ذاته من زاوية مختلفة. كما تناولت هذه الدراساتُ أعمالًا مختلفة في التوجهات، وتحدثت عن شخصيات تكاد تكون في مناطق متباعدة، فبعضُ الكتّاب تناول حالة اللجوء بوصفه متفرّجًا، وبعضُهم بوصفه ناقلًا، وبعضُها كان كمن عاشها.
وسنحاول في هذا البحث الإجابة عمّا يأتي: هل استطاع الأدب السوري في تركيا أن ينقل إلى القارئ صورة اللاجئ وحالته وهواجسه وأحلامه؟ وهل تمكّن الأدبُ -شعرًا أو نثرًا- من التعبير عن النشاط السوري والحالة السورية في بلد اللجوء تركيا؟