رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

تأثير التعدّد الإثني في الاستقرار السياسي والأمني في شمال إفريقيا دراسة حالة الطوارق في مالي إثر الحرب الليبية

تناقش هذه الدراسة التطورات التي شهدتها منطقة شمال إفريقيا في السنوات القليلة الماضية، ولاسيّما بعد سقوط شمال مالي في يد الانفصاليين الطوارق، على خلفية مطالب سياسية إثنية بلغت إلى حدّ المشروع الانفصالي

تأثير التعدّد الإثني في الاستقرار السياسي والأمني في شمال إفريقيا  دراسة حالة الطوارق في مالي إثر الحرب الليبية

ملخص تناقش هذه الدراسة التطورات التي شهدتها منطقة شمال إفريقيا في السنوات القليلة الماضية، ولاسيّما بعد سقوط شمال مالي في يد الانفصاليين الطوارق، على خلفية مطالب سياسية إثنية بلغت إلى حدّ المشروع الانفصالي، لكن الصراع بين مالي والطوارق تحوّل جذريًّا في عام 2012، بعد تمرد الطوارق الأخير واستيلائهم على الشمال، الذي أسهمت فيه جماعاتُ إسلامية مسلّحة متطرّفة، والتداعياتُ السلبية لما بعد الثورة الليبية على الاستقرار السياسي الداخلي في دول شمال إفريقيا، بعد تدفّق آلاف المقاتلين الطوارق، مدججين بالأسلحة، عائدين إلى النيجر ومالي. واستدعى ذلك تدخل فرنسا، ومن ورائها القوى الغربيّة، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس)، إلى جانب الحكومة الماليّة، مع بداية عام 2013، في حرب ضدّ هذه الجماعات الإسلامية التي سيطرت على شمال البلاد.

 

مقدمة: تتميز منطقة شمال إفريقيا على غرار باقي المناطق الإفريقية بالتعدد الإثني، الذي يعدّ الطابع الأساسي للقارة الإفريقية كلّها، وهو ما أصبح يشكّل هاجسًا كبيرًا للأمن والاستقرار في القارة. وفي هذا الإطار يتفق عدد من المحللين السياسيين على وجود علاقة ارتباط قوية بين أزمة الاندماج الوطني والواقع الاقتصادي والسياسي في الدول الإفريقية، وهذا يؤكد أن التعددية الإثنية في حدّ ذاتها ليست خطرًا في الدول التعددية، وإنما تصبح مشكلة عندما تشعر جماعة ما بحرمانها من بعض المميزات التي تعدّ حقًّا لها، وتشعر باستبعادها وتهميشها سياسيًّا واقتصاديًّا وإداريًّا، ومِن ثمّ فالقضية الأهم هي إدراك مفهوم الجماعة للسيطرة السياسية، فالصراعات الإثنية العنيفة غالبًا تكون نتيجة رؤية جماعة معينة أن هناك جماعة ما تسيطر على الدولة ومؤسساتها ومواردها. وهذا القول ينطبق على أقلية الطوارق التي تتوزع على دول الساحل، وبالأخص في دولة مالي، حيث كان شمال مالي طوال عقودٍ منطقة صراع مسلّح تخوضه حركات طوارقية ماليّة متمرّدة ضدّ الحكومة المركزية في البلاد، على خلفية مطالبَ سياسية إثنية بلغت حدّ المشروع الانفصالي، لكن الصراع تحوّل جذريًّا في عام 2012 من خلال انخراط جماعات إسلامية مسلّحة متطرّفة فيه، ودخول فرنسا، ومن ورائها القوى الغربيّة، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) إلى جانب الحكومة الماليّة مع بداية عام 2013، في حرب ضدّ هذه الجماعات الإسلامية التي سيطرت على شمال البلاد.

إذن، فإشكالية الدراسة تدور حول معرفة تأثير التعدد الإثني في شمال إفريقيا في الاستقرار السياسي والأمني بالمنطقة، والأسباب الكامنة وراء تبني المجموعات الإثنية للأساليب النزاعية في تحقيق مطالبها، بشكل أثّر في أمن واستقرار المنطقة كلها، ثمّ معرفة السبل التي يجب على الدول ذات التعددية الإثنية انتهاجها للاستجابة إلى مطالب هذه الأقليات، ووضع حدّ للانزلاقات الأمنية المتكررة.

محاور الدراسة:

المحور الأول: التعددية الإثنية/ مدخل مفاهيمي

المحور الثاني: ثنائية التعددية الإثنية والمعضلة الأمنية في شمال إفريقيا

المحور الثالث: أزمة الطوارق في مالي وتأثيرها في الاستقرار الأمني لمنطقة الساحل وشمال إفريقيا

المحور الأول: التعددية الإثنية/ مدخل مفاهيمي

من الناحية اللغوية لفظ الإثنية Ethnecity مشتق من الكلمة اليونانية Ethnos، وهي تشير في ذات السياق من الناحية اللغوية إلى أصل الشعوب الذين لم يتبنوا النظام السياسي والاجتماعي لدولة المدينة. والإثنيون عند اليونانيين القدامى هم أفراد مبعدون عن ثقافتهم، لكنهم غير مشمولين داخل دولة المدينة في العادات الكنسية(1)، في حين أن المدلول المعاصر للإثنية يعني الجماعة السلالية أو العرقية.(2)

أمّا تركيب الجماعة الإثنية Ethnic group فيرجع استخدامه إلى قرن من الزمان، ومحتوى المفهوم بوصفه تركيبًا اجتماعيًّا قديم، وقد حلّ هذا المفهوم حديثًا محلّ مفهوم العنصر؛ لضعف مقولة إن الخصائص البيولوجية تحدّد إلى قدر كبير الخصائص الاجتماعية والحضارية عمومًا.(3)

أما من الناحية الاصطلاحية فيشير إلى أنه كل تجمع بشري يشترك أفراده في بعض المقومات البيولوجية (كوحدة الأصل أو السلالة)، أو الثقافية (كوحدة اللغة أو الدين أو التاريخ أو العادات والتقاليد)، ويكون أفراد الجماعة العرقية وأفراد الجماعات الأخرى الذين يعيشون معهم ضمن الأمة نفسها مدركين تباين جماعتهم وتمايزهم عن غيرها في أي سمة من السمات، على نحو يخلق لديهم الشعور بالانتماء لجماعتهم.(4)

وهناك من يرى أن الإثنية مجموعة من الناس أو فئة اجتماعية تشترك في خصائص عرقية وثقافية، وتستوطن رقعة جغرافية واحدة، ويجمع بينها شعور بالتضامن والتناصر. كل ذلك يجعلها في عرف أعضائها وعرف الآخرين مجموعة متميزة، فتتصرف هي ويتصرف الآخرون حيالها تبعًا لذلك.(5)

وعليه يمكن القول إن البعدين الإثني والثقافي يؤدّيان دورًا كبيرًا في تحديد هوية أيّ جماعة بشرية. ففي إفريقيا عمومًا تتراوح الأشكال التقليدية للهوية فيها ما بين القبيلة أو الجماعة الدينية أو اللغوية أو غيرها، وهي بذلك تتعارض أو تتناقض مع الشعور والإحساس بالهوية الوطنية أو القومية. ولابد هنا من إدراك أن بناء الدولة الحديثة يجب أن يتخطى أطر الجماعات الإثنية والمحلية إلى بناء مؤسسات، وأطر وطنية شاملة.

وبناء هذه الأطر الشاملة لا يعني بالضرورة القضاء على خصوصية الجماعات الإثنية الفرعية (الأقليات ضمن إطار الجماعة الوطنية الشاملة)، بل إبقاؤها ولكن ضمن إطار الوحدة الوطنية الشاملة التي تضم عموم الجماعة الوطنية.

المحور الثاني: ثنائية التعددية الإثنية والمعضلة الأمنية في إفريقيا

أ- إشكالية التعدد الإثني في إفريقيا

يُعَدّ التنوع الإثني من أهم الظواهر الإنسانية التي تتقاسمها عدد من المجتمعات، حيث ينتشر في العالم قرابة 8000 إثنية، في إفريقيا وحدها 2200 إثنية، وفي آسيا التي تحتضن 3 مليارات من السكان 2000 إثنية.(6)

وبحسب بعض الباحثين، فإن الإثنية أصبحت بتعدد دلالاتها تشكل تهديدًا للاستقرار السياسي لكثير من الدول؛ لأنها تهدد بخلق كيانات سياسية جديدة، وتؤدي إلى انقسامات أو تحالفات جديدة. وبعض هذه الوحدات الصغرى (الإثنية) التي تقوم على روابط العرق، والدين، والانتماء القبلي تبدأ بتقوية علاقاتها الداخلية، مؤكدة وجودها، مؤثرة في سياسات الحكومات؛ وفي حالات محددة يكون وجود الحكومات مرتبطًا بالتوجهات السياسية لهذه الوحدات الاجتماعية.(7)

لكن الباحث برهان غليون يرى أن التعددية الطائفية لا تتحول إلى مشكلة تهدد الديمقراطية كما تهدد الحياة الوطنية، حتى في الدول الاستبدادية، إلا عندما يغلب الانتماء للطائفة أو العشيرة على الانتماء للجماعة الوطنية، أو يمحوه، أو يتنازع معه، أو عندما يصبح الإطار الوحيد للتضامن، ولا يحصل ذلك إلا نتيجة نقص أو عطب في النظام السياسي العام، والنخب السائدة هي التي تشحن التمايز الطائفي والقبلي بمفاعيل ومدلولات سياسية، وتستخدمه في النزاع على السلطة، ومن دون ذلك لا تنتج الاختلافات الثقافية والقومية نزاعات خاصة مختلفة عن النزاعات الاجتماعية العادية أو الطبيعية ... من هنا تعبر عودة الولاءات الطائفية والعشائرية عن انهيار التضامن الوطني الذي يجمع الأفراد على صعيد أعلى وأشمل هو صعيد الدولة، الذي يعبر هو نفسه عن ضعف الدولة وقصورها في تكوين رابطة وطنية فعلية.(8)

         وتتميز المجتمعات الإفريقية بصفة عامة بتعدد أشكال التعددية وأنماطها، سواء أكانت تعددية إثنية أم لغوية أم دينية، فعلى صعيد التعددية اللغوية يوجد في إفريقيا أكثر من ألفي لغة ولهجة، إلا أن هذا العدد يمكن تقليصه إلى نحو 50 لغة رئيسة، إذا ما تم تجميع اللغات واللهجات المتشابهة، والاقتصار على اللغات الرئيسة، وتنتمي هذه اللغات في مجملها إلى مجموعتين رئيستين، هما: مجموعة اللغات الأفروآسيوية، ومجموعة لغات النيجر والكونغو، وكلتاهما تتكون من مجموعات لغوية فرعية.(9)

وعلى صعيد التعددية الدينية يشهد الواقع الإفريقي أيضًا تعددًا وتنوعًا في الأديان والمعتقدات، فإلى جانب الدين الإسلامي والمسيحية توجد الأديان التقليدية، التي هي بدورها متعددة ومتنوعة بقدر تنوع وتعدد الجماعات الإثنية في القارة، إذ تتميز الأديان التقليدية بأنها محلية الطابع، لا تملك أي فعالية خارج نطاق الجماعة الدينية المؤمنة بها.(10)

لكن على الرغم مما سبق ذكره حول التعددية اللغوية والدينية تبقى التعددية الإثنية هي النمط الأهم من أنماط التعدديات الموجودة في المجتمعات الإفريقية، إذا علمنا أن الرابطة الإثنية تتميز بوجود تمايزات واضحة داخل الجماعة الإثنية الواحدة، ولعل هذا ما يسوغ الصراعات الداخلية داخل كل جماعة إثنية، وهو الأمر الذي يزيد من تعقيد ظاهرة التعددية الإثنية في القارة الإفريقية، هذا التنوع أفضى إلى ظاهرة أخرى تتمثل في التعامل مع الآخر، الذي ينتمي إلى جماعة إثنية مختلفة على أنه عدو، وهذا ما يتوافق وطرح المقاربة الأوليةprimordial approach التي تلخص سبب النزاعات الإثنية في الاختلاف والتنوع.

ويرى بعض المهتمين بالأوضاع الإفريقية وحالات الاستقرار فيها أن ظاهرة التنوع بما تحويه تُعدّ سببًا في تعقيد الأمور وتفجير الإثنية فيها، نظرًا إلى التمسك بهذه الاختلافات، وعدِّها معايير للفصل ووضع الحدود مع الآخر، ومنه تحديد المنتمي من المقصي، فالكثير من المختصين بالشأن الإفريقي ينظرون إلى التنوع الإثني بوصفه سببًا رئيسًا للفوضى وإراقة الدماء وعدم الاستقرار السياسي، فكلما كان عدد المجموعات الإثنية أكبر يزيد احتمال النزاع وعدم الاستقرار، ويضربون أمثلة من الواقع الإفريقي، والعدد الهائل الذي يحويه من الجماعات الإثنية.(11)

كما أثر العامل الإثني في إفريقيا بدوره في تشكيل الأحزاب السياسية على أسس إثنية، وما يترتب عن هذا من تمثيل للمصالح والتعبير عنها، بل وتوزيع الثروة والسلطة وفقًا لهذه الأسس، حيث تعدّ ظاهرة الأحزاب التي تقوم على أسس إثنية من أهم مميزات الساحة السياسية الإفريقية، مما يؤدي إلى إلغاء الدور الحقيقي للحزب السياسي، واعتباره آلية لتقسيم المجتمع سياسيًّا، وتوعيته وتعبئته لتوسيع المشاركة السياسية.

وعليه فإن تأسيس العمل الحزبي على أساس إثني يؤدي إلى إضعاف دور الأحزاب المنوط بها، لأن الحزب في حالة وصوله للسلطة سوف يعمل على خدمة جماعته الإثنية، وهذا ما ينتج عنه شخصنة المؤسسات السياسية، وشخصنة الحكم، واعتباره ملكية خاصة.(12) وقد تكرس هذا الوضع في ظل تفشي ظاهرة ما يسمى بالدولة العاجزة  Failed Stateسواء أكان مصدرًا أم محصلة للنزاع بين المجموعات الإثنية، التي تعمل في كل حالة على تغذية هذه الوضعية.

وعلى صعيد آخر تمثل النزاعات الإثنية أحد أهم النقاط التي ترتكز عليها الأطراف الخارجية، إذ تمثل الجو الملائم لتنفيذ مخططاتها، وبخاصة الدول ذات الأهمية الإستراتيجية. هذه الأطراف تسعى لاستغلال جماعات إثنية لمحاربة النظام وتأليبها عليه، ومنها الزيادة في حدة التوترات السياسية والأمنية، الأمر الذي يعطي المجال لإملاءات المشروطية الخارجية، والقضاء على أي برامج وطنية إفريقية تتعلق بنمط الحكم والسياسات الاقتصادية، ومنها فرض إصلاح خارجي لا يتوافق ومتطلبات وتصورات إفريقيا.

ويجمع عدد من الدراسات على أن التحريك هو جزء مهمّ في تفعيل الاختلافات الإثنية، ويتحدد دور النخب في هذا التحريك بالوصول إلى تحقيق مصالح وأهداف ذاتية، وهذا ما يعدّ فسادًا سياسيًّا للنخب الإفريقية.(13)

ب- التعدد الإثني والمعضلة الأمنية:

   أفرزت نهاية الحرب الباردة بروز فواعل جديدة، بعد أن ظلت الدولة فاعلًا أساسيًّا لتحليل جلّ الظواهر في العلاقات الدولية، بما فيها الأمن. حيث انحسرت سيادة الدول، وبرزت الحركات الإثنية، مطالبة بالاستقلال والحرية وتأكيد هويتها، ولكنها كانت أكثر حدة في الدول الإفريقية، حيث أخذت النزاعات في إفريقيا طابعًا إثنيًّا، فأدت المتغيرات الجديدة التي أفرزها هذا النمط من الفواعل الجديدة في السياسة الدولية إلى تطور الأطر التحليلية النظرية لتلائم تفسير هذه المفاهيم  الجديدة.

 كما شهدت هذه الفترة أيضًا بروز ما يسمى بالدول العاجزة Failed States، وهي أن يختفي تحكم الدولة بأقاليمها، وتنتفي مظاهر سيطرة الحكومة واحتكارها لاستخدام القوة ووسائل القهر، والأهم من ذلك هو أن المجموعات المتناحرة -المجموعات الإثنية داخل الدولة- تتبنى إستراتيجية إشاعة الفوضى لتحقيق أهدافها. وهدفها هنا ليس الاستيلاء على السلطة، لأن ذلك ليس في حدود إمكانياتها. إلا أن اعتمادها على إستراتيجية إشاعة الفوضى جعلها تلجأ إلى أسلوب جديد للمواجهة باستخدام الميليشيات شبه العسكرية، والعصابات الإجرامية والأطفال، لسهولة تعبئة هذه الفئات والتحكم بها، وحتى توريطها في أعمال إجرامية محظورة دوليًّا.(14) في هذه الحالة لم يعد بالإمكان الاعتماد على المعضلة الأمنية (حسب المفهوم الواقعي) الناجم عن سباق التسلح لتفسير التحديات الجديدة.

لذلك حاول الإثنو- واقعيون Ethnic Realists تكييف النظرية الواقعية مع الخصوصيات الإثنية للنزاعات، حيث ركزوا على الإثنية بوصفها مستوى أساسيًّا للتحليل بدل الدولة لدى الواقعيين، كما قاموا بتكييف مفهوم الفوضى الذي يعدّ ميزة للنظام الدولي لدى الواقعيين، فالعلاقات الإثنية تؤدي إلى نزاعات لأنها غير خاضعة  للسلطة الفعلية للدولة، فعندما تنهار الدولة تحلّ الفوضى الداخلية التي تشبه الفوضى في النظام الدولي، فمعضلة الأمن تنطبق على الإثنيات كما هو الحال بالنسبة للدول.(15)

ويُعَدّ باري بوزان أول من طبق المعضلة الأمنية على الواقع الإثني، إذ يرى "بوزان" Buzan أن المعضلة الأمنية تتمحور حول الهوية، حول ما يمكّن المجموعة من الإشارة إلى نفسها بضمير "نحن" ["نحن" "أبناء المهاجرين" في "فرنسا"، "نحن" "الأكراد" في "تركيا"، و"نحن" "سكان الضواحي الفقيرة" في "ريو دي جانيرو"]، لكن مكمن التحدي هنا هو جانبها التطوري. فهو عملية تفاعلية مستمرة للتحكم في المطالب الملحة وإشباع حاجات معينة، حيث يؤدّي الإدراك والذّاتية دورًا مهمًّا. غير أن هذا المسار التفاعلي قد يقود إلى معضلة أمنية مجتمعية، إذا أصبحت الهوية جوهرًا للصراع على المصالح، وسندًا للسعي من أجل الهيمنة، أو سندًا لبنية العلاقات القائمة مع المجموعات الأخرى. ويتضح ذلك في تغليب مظاهر "الأنا" على المظاهر التعاونية، بالالتجاء إلى المكونات المجتمعية، بدل مؤسسات الدولة، كإطار للصراع من أجل البقاء، وكضمان وحيد للأفراد للحصول على الحماية في مناخ يسوده الخوف.(16)

هذه الوضعية المعقدة تقتضي استجابة دولية متعددة الأوجه، تهدف بالأساس إلى إقرار سلام مستديم، وذلك بمعاقبة مجرمي الحرب، وإعادة تثبيت أسس الاقتصاد الرسمي، الذي يعدّ كفيلًا بتخفيف مستويات الاستياء، وبقدرة المجموعات على التعبئة للنزاع. والنتيجة تتمثل في إنهاء المعضلة الأمنية المجتمعية، وهي الحالة التي يعكسها تعريف "بالدوين" بتدني احتمالات إلحاق الضرر بأي من القيم  المكتسبة. ولكن كيف يمكن تفعيل مساعي التدخل لمعالجة الاختلالات الناجمة عن المعضلات الأمنية المجتمعية، ولاسيما أنها تنطوي على تخصيص اعتمادات مالية، وقبل ذلك تحتاج إلى الشرعنة؟ إن ذلك يتطلب إضفاء الطابع الأمني عليها to be securitized، وهذا يقتضي من الفاعلين الرسميين وغير الرسميين توسيع أجندتهم الأمنية لتشمل التهديد الذي تفرضه المعضلات المجتمعية.(17)

فالمأزق الأمني المجتمعي يطرح تحديات حقيقية أمام السياسات الأمنية الوطنية والدولية، بالنظر إلى حجم التهديد الذي يمكن أن يشكّله سواء على المستوى المحلي للدولة، أم على المستوى الإقليمي أو الدولي. وتتعدد الأمثلة في هذا السياق، ولعل ما يحدث في جمهورية مالي يعكس لنا علاقة التعدد الإثني بالأمن المجتمعي، إذ يعدّ تمرد الطوارق كونهم إثنية من الإثنيات الحية في مالي مثالَا جيدًا لذلك، ومن جهة أخرى إن وضع مالي يؤثّر في دول الجوار، إذ  قد ينعكس ذلك على الأمن المجتمعي في الجزائر وباقي دول الساحل الإفريقي: النيجر، موريتانيا، تشاد باعتبار التمدد العرقي. وهذا ما سنتناوله في المحور اللاحق، لتوضيح مدى خطورة الوضع الذي أصبحت عليه منطقة الساحل وشمال إفريقيا، عقب تمرد الطوارق في مالي في 2012، والسيطرة على شمال مالي، وما أحدثه ذلك من انحلال أمني تجسد في عجز الحكومة المالية عن اتخاذ تدابير حاسمة لاسترجاع الأقاليم، والحد من تفاقم الأزمة، وهو ما دفع الحكومة إلى طلب التدخل الفرنسي للسيطرة على الوضع. وأسفر ذلك عن دخول فرنسا ومن ورائها القوى الغربيّة والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) إلى جانب الحكومة الماليّة مع بداية عام 2013، في حرب ضدّ هذه الجماعات المتمردة التي سيطرت على شمال البلاد.

المحور الثالث: أزمة االطوارق وتأثيرها في الاستقرار الأمني لمنطقة الساحل وشمال إفريقيا

  • تمرد الطوارق في شمال مالي

تُعَدّ مشكلة أقليةِ الطوارق من المشكلات الأمنية ذات النمط التقليدي التي تعود خلفياتها إلى تراكمات نهاية الحقبة الاستعمارية، وبخاصة مع ظهور الدولة القومية، بعد حصول عدد من الدول الإفريقية على استقلالها، حيت سعت الدول الجديدة إلى تكريس سلطتها من خلال محاولة إحكام سيطرتها على الحدود الموروثة عن الاستعمار، الأمر الذي أدى مع مرور الوقت إلى تقويض حركة تنقل الطوارق عبر الفضاء الساحلي، والمعلوم أنه كثيرًا ما اعتمدت هذه الأقلية على حياة البدو والترحال والتجارة، بوصفها طريقة للعيش وسط البيئة الصحراوية القاسية، فالطوارق بطبيعتهم لا يعترفون بالحدود المصطنعة، لتزداد معاناتهم نتيجة تزايد موجات الجفاف التي عرفتها المنطقة الساحلية.

يتوزع سكان الطوارق على معظم دول الساحل الإفريقي من النيجر ومالي إلى الجزائر وليبيا وحتى بوركينافاسو وتشاد، إلا أن النزاع القائم محصور في دولتين رئيستين، هي مالي والنيجر، مع امتداد آثاره إلى الدول المجاورة التي بها طوارق نتيجة للتضامن الإثني، وهي خاصية تتميز بها النزاعات الإثنية، نتيجة لميوعة الحدود الشكلية والمخترقة، فمن شمال مالي والنيجر تمتد جبال "أضغاغ إيفوغاس" الشاهدة على التاريخ المشترك للبلدين تحت الاحتلال الفرنسي، واجتماعيًّا تتقاسمان قبائل "السونغاي" و"الطوارق"، ومن جهة أخرى يعدّ النزاع مشتركًا بين البلدين منذ مراحله الأولى تقريبًا.(18)

خريطة توضح مناطق توزع الطوارق على دول الساحل

 

ظلّت الخريطة الاقتصادية والاجتماعية لمالي على مرّ عقود الاستقلال ترسم خطّ فصل افتراضيًّا بين جزأين متمايزين: شمال وهو الأكثر تضررًا من الجفاف والأقلّ تنمية، وتمثّل تمبكتو وغاو وكيدال أهمّ مدنه، وجنوب وتقع فيه العاصمة باماكو، وتتركّز فيه الأنشطة الاقتصادية الأساسية في البلاد.

علاوةً على التمايز الاقتصادي والاجتماعي بين إقليمَي مالي، هناك أبعاد أخرى يجب تناولها على أنها عوامل للأزمات المتتالية في مالي. إذ إنّ دولة مالي البالغ عدد سكّانها 14.5 مليون شديدة التنوّع من الناحية الإثنية، وغنيّ عن القول إنّ هذا التنوّع الهجين نتيجة للحدود التي وضعتها فرنسا لمستعمرة "السودان الفرنسي" (تشكّلت في أغلبها من أراضي دولة مالي الحاليّة) ضمن تقسيم مستعمراتها الثماني في غرب إفريقيا في عام 1895 والمعتمد على معايير الثروات الطبيعية التي تمتلكها كلّ مستعمرة، وعلى أساس مدى السيطرة الفرنسيّة على مناطقها المختلفة، وليس على أساس التجانس بين سكّان هذه المستعمرات.(19)

تاريخيًّا كانت مطالب المتمردين الطوارق تقتصر على تحسين ظروف العيش، وتشجيع التنمية في شمال مالي، وهو ما كانت الحكومات المالية تجادل فيه بدعوى محدودية الموارد الاقتصادية للبلد كله. هذا ما عدا مسألة الهوية والتمثيل في الحكومة والإدارات الحكومية، وهي ما بذلت فيه الحكومة المالية جهودًا معتبرة. إلا أن عودة المقاتلين الطوارق من ليبيا وسط أجواء الربيع العربي جعلهم –وهم الممثلون في الحركة الوطنية لتحرير أزواد- يرفعون سقف مطالبهم عاليًا، ويطرحون مسألة "تقرير المصير" و"الاستقلال" علنًا لأول مرة. حيث جاء في أول بيان تصدره الحركة أن الحركة قامت بالهجوم على القوات المالية ردًّا على الاستفزازات التي تقوم بها الحكومة في باماكو، المتمثلة في عسكرة إقليم "أزواد"، وبناء الثكنات، وإرسال المزيد من القوات العسكرية للإقليم، بدل التركيز على مستحقات السلام التي بموجبها التزمت الحكومة المالية ببناء الطرق والمدارس وتحسين ظروف عيش سكان الإقليم. ولهذا "تختلف مطالب الحركة عن سابقاتها في تسعينيات القرن الماضي التي تمكن النظام المالي من إخمادها، وكذا عن تلك التي أطلقها منتصف عام 2006 القائد العسكري الأزوادي إبراهيم أغ باهانغا، لكونها استفادت من كل التجارب، ولن تقبل الالتفاف مرة أخرى على مطالبها" كما جاء في تصريحات رئيس مكتبها السياسي محمود أغ عالي، حيث أكد أغ عالي أن المطلب الرئيس للحركة هو الانفصال عن دولة مالي، لأن "سكان الإقليم" يختلفون عرقيًّا وثقافيًّا عن بقية سكان البلاد.(20)

ويعدّ الصراع الحالي بين الطوارق والحكومة المالية هو الرابع في سلسلة حروب -بعضها طاحن- نشبت بين الطرفين، كانت أولاها سنة 1963 ضد نظام موديبو كيتا الشيوعي، وهو أول رئيس لدولة مالي المستقلة، بينما كانت الثانية بين (1990-1996) وانتهت باتفاقية بين المتمردين الطوارق وحكومة موسى تراوري في تمنراست بالجزائر في يناير 1991، والتي استكملت بملحقات سميت بالميثاق الوطني بعد أن تجدد الصراع بين الطرفين بعد الاتفاقية الأولى.

ثم في 23 مايو 2006 اندلعت الموجة الثالثة من النزاع، بعد أن أعلن كل من الزعيمين المتمردين إبراهيم أغ باهانغا والحسن فاغاغا الحرب من جديد ضد الحكومة المالية بعد إخفاق وساطة غير معلنة قام بها زعيم طارقي آخر هو إياد أغ غالي، وفشل فيها بإقناع الرئيس آمادو توماني توري بالمطالب التي قدمها زعيما التمرد في لقاء جمع الاثنين في 22 مايو/أيار 2006 في قصر كولوبا الرئاسي. بعد ذلك تمكن الأطراف من توقيع اتفاقية السلام في الجزائر في يوليو 2006 التي أنهت رسميًّا تمرد الطوارق، ولكن وكما في المرات السابقة اضطر الطرفان أيضًا لقبول وساطة ليبية أسفرت عمّا سمي بـ"بروتوكول تفاهم" وقع عليه الطرفان في 20 مارس 2008 في طرابلس بليبيا، وهو ما وضع حدًّا للأعمال العدائية التي سببها هجوم قام به المتمردون الطوارق على مركز عسكري للجيش المالي وقع على بعد 150 كم شمال كيدال، كبرى مدن الشمال المالي، وهو ما شكل خرقًا لاتفاقية الجزائر.(21)

أما الموجة الرابعة من النزاع وهي الأعنف على الاطلاق، فقد اندلعت عام 2012، حيث هاجمت الحركة الوطنية لتحرير أزواد القوات العسكرية المالية في 17 يناير/كانون الثاني 2012 في مدينة "مناكا"، التي تعدّ ثالث أهم مدينة في إقليم "أزواد"، من حيث الكثافة السكانية والأهمية الإستراتيجية بعد مدينتي تمبكتو وغاوة. وفي عقب هذا الهجوم أعلن الطوارق استقلال المناطق التي يسيطرون عليها في شمال مالي، تحت اسم جمهورية أزواد- كما هو مبين في الخريطة بالأسفل-، والذي انتهى بتوقيع بعض الحركات المسلحة في مارس/آذار من عام 2015 على اتفاق السلام والمصالحة.

وتعد هذه الحركة -أزواد- أكبر تجمع مسلح أنشأه الطوارق على الإطلاق: إذ يندمج فيه لأول مرة جل العرب والطوارق تحت لواء تنظيم واحد يمثل الأقاليم الثلاثة المسماة بـ"أزواد"، والتي تضم كلًّا من تمبتكو، وغاوه، وكيدال. ويضم هذا التكتل الجديد أسماء مغمورة ليست من القيادات التاريخية للمتمردين الطوارق مثل بلال أغ شريف، الأمين العام للحركة، ومحمود أغ عالي رئيس مكتبها السياسي، وعبد الكريم أغ متافا رئيس مجلسها الثوري، وربما يعود ذلك لكونهم من العناصر الجديدة للحركة المتمردة.(22)

وفي ظرف أيام، تمكن المتمردون من السيطرة على كيدال وغتو مقر قيادة أركان الجيش، ومن بعدها تمبكتو، ليسيطروا بذلك على النصف الشمالي للبلاد، مستفيدين من الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس أمادو توماني توري في 22 مارس.

2- أسباب الإطاحة بالرئيس المالي أمادو توماني توري:

في 22آذار/ مارس 2012 أطاح انقلابٌ عسكري بالرئيس أمادو توماني توري، وأصبحت السمة الرئيسة للوضع في العاصمة الماليّة باماكو هي الصراع على السلطة في ظلّ توازن قوى هشّ بين النخب السياسية المدنيّة والانقلابيّين العسكريّين الذين أمسكوا بزمام السلطة. في هذا الإطار، بررت اللجنة العسكرية انقلابها بما سمته سوء تسيير الرئيس أمادو توري لملف تمرد الطوارق في شمال البلاد، وذلك من خلال بيان قصير بثته هيئة الإذاعة والتلفزيون المالية التي احتلها الانقلابيون غداة الانقلاب في 22 مارس 2012 جاء في وقت تشهد فيه البلاد تمردًا حقيقيًّا.

أضيف إلى حالة الإهمال التي تعيشها القوات المسلحة شعور بمذلة لا تطاق أمام التقدم المستمر لمتمردين في غاية التسلح. وارتفعت حدة التوتر بسبب شكاوى الرأي العام المتزايدة من سلبية الرئيس أمادو توماني توري، عندما ترك مسلحين يتدفقون من ليبيا بعد سقوط القذافي إلى مالي من دون أن تنزع منهم أسلحتهم كما جرى في النيجر المجاور. ومن الأسباب التي زادت من استياء الجيش كذلك، هجوم وقع يوم 24يناير/كانون الثاني 2012 على حامية عسكرية في الشمال وقضى فيه سبعون جنديًّا أو أكثر بعد أن باغتهم مسلحون بينهم عناصر من الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وجماعات تنتمي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، كثيرًا ما أطلق عليها في بعض التقارير "الجماعات الإرهابية"- وجهاديون من جماعات أنصار الدين التي يقودها إياد آغ غالي أحد وجوه تمرد التسعينيات. وكان من آثار ذلك تصاعد الانتقادات الموجهة للرئيس أمادو توماني توري ولم تعد تقتصر على اتهامه بالتقصير في الجانب الأمني، بل باتت تشمل تخاذله في مواجهة الفساد المستشري في البلاد.(23)

وعقب الانقلاب على الرئيس أمادو توري، بدأت الأوضاع في مالي تشهد حالة انفلات أمني خطير، بات يلقي بثقله ليس على انهيار الدولة فقط، بل امتدت آثاره السلبية إلى الدول المجاورة. وبرز مستويان: أمني وإنساني لتبعات الانقلاب على النظام في مالي، على دول الجوار في منطقة الساحل، مثل موريتانيا والجزائر وليبيا والنيجر. فهذه البلاد فضلًا عن بوركينافاسو تعدّ الأكثر تضررًا من الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس أمادو توري.

وفضلًا عن التعقيدات الأمنية فإن الآثار الإنسانية للانقلاب المتمثلة في مشكلة اللاجئين باتت مصدر معاناة لبلدان الجوار كموريتانيا والجزائر وليبيا والنيجر. ونظرًا لغياب الأمن الغذائي في المنطقة كلها، فإن اللاجئين يعيشون أغلب الأحيان ظروفًا صعبة جدًّا بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

3 – تأثير الثورة الليبية وسقوط نظام القذافي في تمرد الطوارق  

 إن العامل الأهم الذي أسهم في تحول النزاع إلى نقطة ساخنة، كان الثورة الليبية وإسقاط نظام معمر القذافي، الذي كان الداعم الأساسي للطوارق في المنطقة. فالبيئة الليبية تشكل مصدرًا مغذيًّا لحركات التمرد في الجوار الإقليمي، واللافت في هذا السياق أن عودة المقاتلين الطوارق، الذين حاربوا إلي جانب القذافي، إلى شمال مالي، أججت الصراع المسلح بين الحكومة والحركة الوطنية لتحرير أزواد، والتي ارتفع سقف مطالبها من الحكم الذاتي إلى الانفصال عن دولة مالي.

 وازدادت فرصة الطوارق في تقوية تمردهم إلى مرحلة الانفصال، بظهور متغير آخر، هو "حركة أنصار الدين" التي تحارب حكومة مالي في إقليم أزواد، وترتبط بعلاقات مع تنظيم القاعدة، ويتم تمويلها بالأسلحة التي خرجت من ساحة المعركة في ليبيا. كما أن النيجر مرشحة بفعل تداعيات الوضع الليبي لتفجر علاقة صراعية مع الطوارق. ويمكن القول إن اختفاء القذافي الذي كان يغدق مساعداته على الطوارق، ويتوسط لحل مشكلاتهم مع الحكومات، لعب دورًا أساسيًّا في إعادة صراعهم مع الحكومات إلى الواجهة، مستغلين حالة ضعف السلطة، والعجز الأمني في منطقة الساحل والصحراء.(24)

وقد ضاعف تمرد الطوارق من الهشاشة والضعف الداخلي لكل من النيجر والمالي. وبخاصة في ظل وجود  الانقسام الحادّ بين الشمال والجنوب، والتنافس العرقي بين الأقليات، والتهميش الاقتصادي والسياسي والتخلف والتجارة غير الشرعية، إلى جانب تأثير الظروف المناخية القاسية كالجفاف والتصحر، وكلها عوامل ساعدت على عدم استقرار هذه الدول، وجعلت العنف وسيلة لتغير الوضع القائم.  

يمكن رصد أهم التحولات التي شهدتها قضية الطوارق منذ اندلاع الثورات العربية وبالأخص الثورة الليبية –باعتبار أن ليبيا كانت الداعم الأساسي للطوارق في المنطقة- حيث تضافرت مجموعة من المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية أسهمت في إعادة أحياء القضية الطارقية بشكل أكثر خطورة هذه المرة.

وقد لخص محمد فال هذه العوامل في النقاط الآتية:(25)

  • صحوة طوارقية عامة وشاملة رفعت سقف مطالب "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" إلى "حق تقرير المصير والاستقلال" والإعلان عن "حرب التحرير"، ومن الممكن أن تكون مدمرة جراء ما لفظته الحرب في ليبيا من أسلحة حربية متطورة، ومقاتلين مدرَّبين.

ويمكن إدراج هذه الصحوة وهذا التطور ضمن التفاعلات السياسية والمستجدات في المنطقة، ومنها على وجه الخصوص:

  • الحراك الشعبي في المنطقة العربية عمومًا وفي شمال إفريقيا المتاخم لشريط الساحل خصوصًا شكل حافزًا للطوارق ليخوضوا حربًا جديدة لفرض حل لقضيتهم التاريخية في خضم الأحداث والتحولات التي يشهدها العالم، مستأنسين بتجربة جنوب السودان الذي تأسست له دولة مستقلة.
  • السقوط المدوي لنظام القذافي الذي أدى عمليًّا إلى "هجرة عكسية" للمقاتلين الطوارق من ليبيا إلى مواطنهم الأصلية: (مالي والنيجر بشكل خاص) مدججين بالسلاح والعتاد الحربي المتطور، ولم يبق أمامهم اختيار آخر بعد انهيار القذافي الذي كان بالنسبة لهم متنفسًا وحاضنًا وداعمًا –بالحد الأدنى– في ظروفهم المعيشية.
  • دخول القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على الخط، ومن حولها شبكات التهريب والجريمة المنظمة، ومعسكرات الاكتتاب والتدريب، والمتاجرة بالسلاح والمخدرات والسيارات والسجائر، والاتجار بالبشر، والهجرة السرية.. كل ذلك حول شريط الساحل المأزوم أصلًا من منطقة رمادية خارجة عن السيطرة إلى برميل بارود آخذ في الانفجار.
  • تفاقم الأوضاع الإنسانية للاجئين الطوارق في موريتانيا والجزائر وبوركينا، وتباطؤ أعمال الإغاثة، وتخاذل المجتمع الدولي في اتخاذ المبادرات اللازمة لإيجاد حل فعال للنزاع.
  • تقاعس المجتمع الدولي عن موضوع "أزواد"، في حين يحتدم الصراع بين الدول العظمى سعيًا إلى السيطرة على الثروات الطبيعية الهائلة للمنطقة: من نفط وغاز ويورانيوم وذهب ونحاس...إلخ.

4- التدخل العسكري الفرنسي في مالي

جاء التدخّل العسكري المباشر لفرنسا في أعقاب إعلان حالة الطوارئ في مالي، وبناءً على طلبٍ رسمي من الحكومة الماليّة؛ الأمر الذي أسهم تبرير فرنسا تدخّلها بأنه يقع ضمن إطار مساندة دولة صديقة، وليس انتقاصًا من سيادتها، وبهدف طرد المجموعات الإسلامية المتطرّفة، أي أنّ حرب فرنسا أصبحت تقع ضمن "الحرب على الإرهاب "التي أصبحت تعبيرًا هلاميًّا وغير محدّد، لكنّه مبرّر ومقبول على الصعيد الدولي في ظلّ استهداف حركات في بلدان عدّة، وبغضّ النظر عمّا تعنيه من اختراق لسيادة تلك البلدان، بل من دون أن تثير أسئلة أو أزمات في منظومة العلاقات الدولية.(26)

وكان الجهد السياسي الفرنسي هو العامل المحرّك لقيام المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إكواس" بإرسال قوّات إلى مالي في مهمّة الحفاظ على وحدة التراب المالي. اعتمدت إستراتيجية فرنسا في التعاطي مع الأزمة في مالي أساسًا على تدويل الأزمة، وحشد الدعم الإقليمي والدولي لمساندة الحكومة المركزية في مالي، إضافةً إلى اعتمادها على الجهد العسكري لبلدان غرب إفريقيا مع دعمها لوجستيًّا، وماليًّا، واستشاريًّا. وعلى الرغم من تعدّد الأهداف وتداخل المصالح الإقليمية بين بلدان غرب إفريقيا ومالي، فإنّ أحد العوامل المحفّزة لتدخّل قوّات مجموعة دول غرب إفريقيا كان لتحقيق الرؤية والأهداف الفرنسيّة إزاء الأزمة. بل يمكن القول إنّ فرنسا كانت ستكتفي بالتدخّل الإفريقي العسكري لو أنّه كان قادرًا على حسم المعركة، أي أنّها كانت ستكون راضية بأن تخوض قوّاتٌ أخرى معركة بالوكالة عنها فتحقّق أهدافها ورؤيتها من الأزمة الماليّة من دون أن تتورّط قوّاتها في القتال بصورةٍ مباشرة.

و إذا كانت فرنسا قد لجأت إلى التدخّل العسكري في مالي لتحقيق رؤيتها لحلّ الأزمة في إطار المحافظة على نفوذها ومصالحها، فاللافت للانتباه هو عدم وجود ممانعة دولية أو إقليمية لهذا التدخّل. فبالنظر إلى غياب الحدّ الأدنى من التفاهم بين الدول الكبرى بشأن التدخّل في أزمات مختلفة في العالم، كان من المتوقّع أن يثير تدخّل فرنسا في مالي نوعًا من المعارضة، أو على الأقلّ التردّد لدى أقطاب المجتمع الدولي أو الإقليمي. وتشير مراجعة مواقف الدول الكبرى إلى أنّ العكس هو الصحيح، فقد حظي هذا التدخّل بدعم المجتمع الدولي، بل إنّ روسيا عرضت تقديم دعمٍ عسكري للتدخّل الفرنسيّ. إنّ نجاح فرنسا في كسب موافقة المجتمع الدولي يترجم اليوم في مؤتمرٍ دولي حول مالي واضح الأجندة، ناقش إمكانية تحويل قوّات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لتصبح قوّة حفظ سلام أممية.(27)

وجاءت تصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بأنّ فرنسا لن تغرق في "مستنقع" جديد في مالي، بعد أن سحبت قوّاتها من المستنقع الأفغاني، نظرًا لأنّها تحظى بدعم الشعب المالي والاتّحاد الأوروبي والمجتمع الدولي، فنجاح القواّت الفرنسيّة والإفريقية في إعادة الاستقرار إلى مالي يتوقّف على عاملين: أوّلهما مصير التحالف بين هذه المجموعات والحركات الطوارقية المتمرّدة، أمّا ثانيهما فهو إيجاد حلٍّ شامل وعادل لمطالب الطوارق، من خلال عملية سياسية شاملة في مالي، تسمح ببناء نظامٍ ديمقراطي يستوعب جميع أطياف المجتمع الماليّ، وبخاصّةً الطوارق الذين يعانون من التهميش والإقصاء. وهو الحل الفعال إذا ما تمكنت كل الأطراف من التزامه.

أما عن الأسباب غير المعلنة للتدخل الفرنسي في مالي فإنها تنحصر في البعد الإستراتيجي، خاصة مع وجود لاعبين جدد في القارة الإفريقية كالصين والهند والبرازيل ومحاولة التموقع في القارة على حساب المعسكر القديم المتمثل في فرنسا وأمريكا وبريطانيا، وهو ما يعد دافعًا لهذه القوى الثلاث أن تبذل الجهود في محاولة لاستعادة مكانتها القديمة مرة أخرى في إفريقيا. والجدير بالذكر أنه تم اكتشاف البترول واليورانيوم والفوسفات في شمال مالي، من قِبل شركة إيطالية في 2010، لذا تسعى فرنسا لإيجاد موطئ قدم لها في منطقة الساحل الإفريقي الذي يحتوي على احتياطي نفطي كبير، يكون بديلًا عن أي نقص قد ينتج جراء إقدام إيران على إغلاق مضيق هرمز الإستراتيجي الذي يمر فيه جزء كبير من بترول الخليج العربي إلى الخارج.(28)

إذن، يمكن القول إن التدخّل العسكري الفرنسي في مالي حقّق على الأقل بعض أهدافه المعلنة، منها وقف تقدم المجموعات الإسلامية المتطرفة نحو جنوب البلاد، والحيلولة دون تهديد العاصمة بماكو، وتدمير ما كانت تملكه من أسلحة متطورة، إلى جانب تحرير معظم المدن الرئيسة في الشمال ممّا دفع هذه المجموعات للاحتماء بالمناطق الجبلية الوعرة في الشمال الشرقي لمالي على الحدود الجزائرية. إلا أن هذا التدخل لم يضع حلًّا نهائيًّا للنزاع الذي يمكن أن يتجدد في أي لحظة، وبخاصة مع زيادة نشاط الجماعات الإرهابية في المنطقة، التي يصعب التحكم فيها بدون تضافر الجهود الإقليمية والدولية معًا.

 

5- التحديات الإقليمية للأزمة المالية

أدّى التأثير الإقليمي المباشر لأزمة مالي إلى إحياء النشاط الإرهابي في بلاد المغرب العربي من جديد، إذ تحولت مالي إلى نقطة ارتكاز مهمة للتنظيمات الإرهابية في شمال إفريقيا، بتأمينها ملاذًا آمنًا للإرهابيين، أو معقلًا لتدريبهم، أو نقطة انطلاق لهم، أو وجهة نهائية لنشاطهم. ولذلك كان تصاعد المخاطر وزعزعة الأمن الإقليمي نتيجة متوقعة لذلك، مع زيادة انتشار الأسلحة التي تدفقت على المنطقة بعد انهيار نظام القذافي. كما شكّلت عودة المرتزقة من ذوي الخبرة العسكرية من ليبيا دعمًا لقدرات الجماعات المسلحة، وهناك أيضًا أدلة على التعاون بين القاعدة في المغرب الإسلامي وجماعة بوكو حرام في نيجيريا التي كانت مسؤولة عن عدد متزايد من الهجمات العنيفة، بما في ذلك تفجير انتحاري لمقر الأمم المتحدة في أبوجا في أغسطس/آب 2011 الذي قُتل فيه 24 شخصًا، وموجة من التفجيرات الأخرى في يناير/كانون الثاني 2012 والتي خلّفت أكثر من 200 قتيل في أكبر مدينة في نيجيريا.(29)

إن منطقة الساحل فضاء إقليمي واسع، ومن ثَمّ تتطلب مشكلاتها حلولًا إقليمية مشتركة.(30) إذ تتجاوز التحديات التي تواجهها المنطقة حدود الدول، وتمتد من أقصى الساحل والصحراء إلى أقصاه، ومن هنا لا يمكن أن تكون مواجهتها ومعالجتها إلا بتعاون إقليمي على مستوى الدول والشعوب، يمتد إلى التعاون مع التجمعات الإقليمية المحاذية. فتطورات الأوضاع في المنطقة يرتبط مباشرة بالأوضاع في إفريقيا الغربية وإفريقيا الوسطى والقرن الإفريقي والمنطقتين المغاربية والمتوسطية وغيرها، وقد وضعت دول المنطقة عددًا من الخطط والبرامج للخروج من أزماتها، إلا أن أغلبها انتهى إلى الإخفاق بسبب عدم أخذ هذا البعد الجهوي العابر للحدود بعين الاعتبار.

في هذا الإطار يعدّ تجمع دول الساحل والصحراء) المؤسس في أوائل فبراير/شباط 1998(، أوسع تجمع لدول المنطقة. فهو يضم 92 دولة، وحوالي نصف سكان القارة الإفريقية. والأهم أن أعضاءه اتفقوا على تعزيز العمل المشترك في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

ومن هنا اعتمدت الدورة الاستثنائية لقمة رؤساء دول وحكومات التجمع في 17 فبراير/شباط 2013 بالعاصمة التشادية إنجمينا معاهدة جديدة للمنظمة، ومجموعة من النصوص المتعلقة بالنظام الداخلي لقمة رؤساء دول وحكومات التجمع، والنظام الداخلي للمجلس التنفيذي والنظام المالي، وعُدّ ذلك ولادة جديدة لتجمع دول، والأهم أن أعضاءه اتفقوا على تعزيز العمل المشترك في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.(31)

كما طُرِح عدد من المبادرات الإقليمية والدولية لإيجاد حل للنزاع ومنع تطوره مستقبلًا، على غرار إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، بموجب قرار مجلس الأمن 2100 المؤرخ في 25أبريل 2013، الذي عملت البعثة بموجبه على تدعيم العملية السياسية إلى جانب العديد من المهام الأمنية لتحقيق الاستقرار، مع التركيز على المراكز السكنية، وخطوط الاتصال، وحماية المدنيين، وتوفير الظروف للمساعدات الإنسانية، وبسط سلطة الدولة، والتحضير لانتخابات حرة شاملة. إلى جانب موافقة مجلس الأمن على نشر قوات عسكرية في شمال مالي، لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

وقد تعزز هذا العمل المشترك في الإطار المؤسساتي، لتجاوز المخاطر التي استفحلت في منطقة الساحل وشمال إفريقيا، بل وفي القارة كلها، مع الدور الفعال الذي تؤديه الجزائر، باعتبارها دولة محورية في المنطقة، إلى جانب خبرتها في مكافحة الإرهاب والجماعات المتمردة. وقد نجحت الجزائر ومنذ الستينيات من القرن الماضي في دمج مواطنيها الطوارق في العملية السياسية من خلال تمثيل الوجهاء في البرلمان، أو هياكل جبهة التحرير الوطني، وتوطين السكان في المدن الجنوبية، وتوفير البنى التحتية الحديثة اللازمة، وتحسين ظروفهم المعيشية، لأن مطالب الانفصال تهدد بالفعل الأمن القومي الجزائري ووحدة أراضيها، ولهذا السبب أدّت الجزائر دورًا رئيسًا في الوساطة بين الطوارق في الشمال المالي والحكومة المركزية في باماكو في 1990، 2006 وأخيرًا في 2012.

تَعُدّ الجزائر إحدى ركائز سياستها المتعلقة بقضية الطوارق أن على دول المنطقة وحكوماتها معالجة المطالب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية المشروعة للأقلية الطارقية في كل منها. ومما لا شك فيه أن الانقلاب الذي أدخل مالي في أزمة سياسية مستعرة أجبر الجزائر على إعادة تقييم سياستها الأمنية على طول الحدود الجنوبية الواسعة مع مالي، ثم السعي للتوصل إلى حل سلمي لهذا النزاع.(32)

إذن فعودة الاستقرار إلى مالي ومنطقة الساحل -في ظل تضافر العوامل التي ذكرناها سابقًا، والديمقراطية الهشة لدول الساحل، وتدخل عدد من القوى الكبرى ذات المصالح المباشرة في المنطقة الذي أسهم بشكل كبير في تعقد الأزمة التي تجاوزت سمة النزاع الإثني- تتوقّف على مدى جدّية العملية السياسيّة وشموليتها، ووضع أسس لسياسة تنمويّة شاملة، بدعمٍ إقليمي ودولي على حد سواء.

خـــاتمة:

تعدّ منطقة شمال إفريقيا متخمة بالمشكلات والتحديات، ولاسيما التعدد الإثني الذي يطغى على الحياة السياسية، إلى جانب امتداد المنطقة واتساعها، وصعوبة تضاريسها الصحراوية، وهذا الذي جعلها ملاذًا آمنًا لعصابات المخدرات، والحركات الإسلامية الراديكالية الوافدة، ولعل الإقصاء والتهميش اللذين يطال معظم الأقليات في تلك المنطقة جعلاها تكوِّن تحالفات مع كل من يقاتل حكوماتها، بما في ذلك الحركات الإسلامية الوافدة. وهما السببان اللذان دفعا أقلية الطوارق إلى التمرد على الأوضاع .

والواقع أن نظرة إلى توزيع الجماعات الثقافية في مختلف دول العالم تفيدنا أن السبب الذي يتحكم في الاستقرار السياسي ليس حجم هذه الجماعات ولا نوعها، بل تسييس الاختلافات الثقافية، واتخاذها سندًا لتمييز جماعة على أخرى، وهذا الذي يحدد إذا ما كانت الأقليات ستصبح إحدى إضافات النظام السياسي، تغذيه بدماء جديدة، وتنعش اقتصاده، وتؤكد ديمقراطيته، وتكون أداته لتنفيذ أهدافه الخارجية، أم ستصبح إحدى نقائصه على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ومن خلال التحليل السابق نخلص إلى أن هناك مجموعة من العوامل المتضافرة، أدت إلى تمرد الطوارق في شمال مالي، وهو ما أدى بدوره إلى زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الساحل وشمال إفريقيا، وأنه يتوجب على دول المنطقة أخذ هذه العوامل بعين الاعتبار، من أجل تبني إستراتيجية مشتركة بعيدة المدى، لإعادة الاستقرار والأمن في المنطقة. ونجمل هذه العوامل في النقاط الآتية:

  • تأكّد من خلال التحليل السابق أن وجود النزاعات الإثنية في ظل عجز الوظائف المؤسساتية للدولة – أو الديمقراطية الهشة- يجعل أمر الانعكاس السلبي عليها منطقيًّا، بسبب التأثير في وضعية الأمن والاستقرار في الدول الإفريقية، الأمر الذي يستدعي تعجيل البحث عن حلول، أو على الأقل وسائل لإدارتها من أجل التخفيف، وكذلك السعي لإصلاح الحكم وفقًا لما يلاءم وخصوصيات الشعوب الإفريقية.
  • ضرورة تحقيق التوازن بين المقاربات الأمنية الوطنية والتي تقدرها كل دولة لنفسها، مع المقاربة الأمنية الإقليمية التي تركز على تحقيق الأمن الإقليمي، وهذا يتطلب تضافر جهود الدول، وتجاوز الخلافات البينية من أجل تبني درع دفاعي مشترك يحول دون زعزعة الاستقرار الداخلي لكل دولة، ومن ثَمّ الحفاظ على الأمن الإقليمي.
  • يجب أن تدرك الدول كافة أن المقاربة الأمنية الإقليمية يجب أن تتبلور وفقًا للواقع الأمني الموجود في هذه المنطقة، والذي يشير إلى الإمكانيات المتوفرة لدول المنطقة في حماية أمنها المشترك، ثمّ تعزيز الأمن  القومي لكل دولة على حدة. 
  • تعزيز النزعة التضامنية بين دول المنطقة التي تقوم على أقصى درجات الإحساس المشترك بالتهديد الإرهابي، بغض النظر عن اختلاف مستوياته من دولة إلى أخرى، بحيث لا يجب أن يطغى التقدير المحلي لخطورة التهديد الإرهابي على العمل الأمني الإقليمي لمواجهته، كما يقوم تعزيز هذه النزعة التضامنية على الاندماج الفعال في المقاربة الأمنية الإقليمية برِهاناتها المشتركة من دون التوقف عند التشكيك في خلفياتها بالشكل الذي يعطل مصلحة مؤكدة من أجل تجنب مفسدة محتملة.

 

الهوامش والمراجع:

 

[1]) François gaulme ,Question d’ethnies, Politique Africaine, N°68, Karthala, Paris,1997, p-p,121-124.

2) محمد مهدي عاشور، التعددية الإثنية في جنوب إفريقيا (طرابلس: دار الكتب الوطنية ، 2004)، ص28.

3) عبده مختار، صراع الهويات ومحددات الوحدة في السودان (مركز السودان للبحوث الإستراتيجية، 2007)، ص9.

4)  أحمد وهبان، الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر) الإسكندرية: كلية العلوم السياسية،2007)، ص81 .

5) عبده مختار، مرجع سابق، ص10

6) إدريس لكريني، " التعددية العرقية والممارسة الديمقراطية"، جريدة الاتحاد، العدد 12987، الإمارات العربية المتحدة، ديسمبر2009

7)  شفيق الغبرا، "الإثنية المسيسة: الأدبيات والمفاهيم، " مجلة العلوم الاجتماعية، عدد3، 1988، ص44.

8) برهان غليون، "الإثنية والقبيلة ومستقبل الشعوب البدائية" مجلة التسامح، العدد22، ربيع2003، ص1.

9) حمدي عبد الرحمن حسن، التعددية وأزمة بناء الدولة في إفريقيا الإسلامية، مركز دراسات المستقبل الإفريقي، القاهرة، 1996، ص ص30- 36.

 10)  نفس المرجع، ص ص36، 37.

 (11Abiero  opordo," Ethnicity : causes of political instability in Africa" ?p.1 in: www.graudslacs.net/doc2731.pdf.

 12)  أشفيقة الطاهر سعيد، الديمقراطية والقبيلة في إفريقيا: الصومال نموذجًا، ورقة مقدمة إلى الندوة الدولية حول إفريقيا الحاضر وآفاق المستقبل، )ليبيا: جامعة السابع من أبريل، 2008(، ص15.

13 ( Merea Gudina, the state competing Ethnic e nationalism and democratization in Ethiopia, African journal of political science, volume 9, November 1,2004, p.28.

14) Charles Hermann et al. eds. “Violent Conflict in the 21st Century: Causes, Instruments, Mitigation” (IL: American Academy of Arts and Sciences, 1999), p 14.

 

15)  محمد أحمد عبد الغفار، فض النزاع في الفكر والممارسة الغربية (الجزائر: دار هومة، 2003)، ص21.

16)  عادل زقاغ، "المعضلة الأمنية المجتمعية"، المجلة الإفريقية للعلوم السياسية، على الرابط: http://www.maspolitiques.com/mas/index.php?option=com_content&view=article&id=240(01/11/2015)

 

17)  عادل زقاغ، مرجع سابق.

18) Astrif Meier, « Natural disartes ? Droughts and Epidemics in precolonial sudanic Africa,” The medieval history journal, 2007.p133.

19) "أزمة مالي والتدخل الخارجي"، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات: وحدة تحليل السياسات، فبراير2013. على الرابط: http://www.dohainstitute.org/release/afe68c3a-2d7c-48cf-acab-40491fd0f9ad

 20)  مادي إبراهيم كانتي، "الأزمة السياسية في مالي"، مجلة آفاق إفريقية، المجلد العاشر، العدد36، 2012، ص112.

21)  أحمد عمرو، "طوارق مالي وسيناريوهات حل الأزمة"، موقع سياسات، على الرابط: http://www.seyasat.net/index

22)   الحاج ولد ابراهيم، "أزمة شمال مالي... انفجار الداخل وتداعيات الإقليم"، مركز الجزيرة للدراسات، مارس2012. على الرابط: http://studies.aljazeera.net/reports/2012/02/20122129582152916.htm(10/11/2015)

23) مادي إبراهيم كانتي، مرجع سابق، ص ص113،114

24) خالد حنفي علي "الجوار القلق: تأثيرات الثورة في علاقات ليبيا الإقليمية،" مجلة السياسة الدولية، عدد 188، أبريل2013، على الرابط: http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/3/112/2353

25)  محمد فال ولد بلال، "قضايا الأمن والاستقرار في منطقة الساحل: الواقع والمآلات"، مرجع سابق.

26)  أزمة مالي والتدخل الخارجي، مرجع سابق.

27)  نفس المرجع.

28)  عبير شليغم، "التدخل الفرنسي في مالي، البعد النيوكولونيالي تجاه إفريقيا"، المركز العربي للبحوث والدراسات. على الرابط: http://www.acrseg.org/36650

 

29) بوحنية قوي، "الجزائر والانتقال إلى دور اللاعب الفاعل في إفريقيا"، مركز دراسات الجزيرة. الرابط: http://studies.aljazeera.net/reports/2014/01/201412972843923537.htm(11/11/2015)

30 ) ---Mali, Niger and More : Does the Touerg question have an answer ? in Political stability and security in west and north Africa Highlights from the conferance (Canada, april 2014), p p.53-57.

31)  سعد الدين العثماني، "منطقة الساحل والصحراء، التحديات والآفاق المستقبلية"، على الرابط: http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2014/2/1-(11/11/2015)

32) يحيى زبير، "الجزائر والوضع المعقد في منطقة الساحل: منع الحرب ومكافحة الإرهاب" تقارير الجزيرة، على الموقع: http://studies.aljazeera.net/reports/2012/11/201211289594704997.htm

 

 

   * )  أستاذة مساعدة بقسم العلوم السياسية/ كلية الحقوق -جامعة بومرداس/ الجزائر

      البريد الإلكتروني   fergani_f@yahoo.com


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...