الملخّص: تحاول هذه الورقة البحثية تسليط الضوء على حقيقة الصراع المحلي والإقليمي الدائر في اليمن، وتأثير ذلك في السلم الأهلي اليمني والأمن الإقليمي. كما تكشف الأهداف الحقيقية للدول الإقليمية المشاركة في هذا الصراع، سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة. إضافة إلى ذلك تعرض الورقة الوسائل والأساليب التي تستخدمها القوى الإقليمية لبسط هيمنتها على اليمن، ومن تلك الأساليب تغذية الصراع بين مكوّنات المجتمع اليمني من خلال دعم أطراف النزاع. كما تبيّن الدراسة كيف أصبح العنف هو الوسيلة الوحيدة لبعض الدول الإقليمية لتحقيق أهدافها الإستراتيجية والاقتصادية والأيديولوجية، وتكشف الدور السلبي للنخب والقوى اليمنية، وكيف ساعدت هذه النخب القوى الإقليمية للسيطرة على مقدرات البلد الاقتصادية وغيرها.
مقدّمة:
"إنّ الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب قلّ أن تستحكم فيها دولة، والسبب في ذلك اختلاف الآراء والأهواء، وأن وراء كل رأي منها وهوى عصبية تمانع، فيكثر الانتقاض على الدولة، والخروج عليها في كل وقت، وإن كانت ذات عصبية؛ لأن كل عصبية ممن تحت يدها تظنّ في نفسها منعة وقوة"[1]. تنطبق هذه النظرية الخلدونية على المجتمع اليمني، فهو مجتمع قبلي تقليدي محافظ، وتنتشر فيه العصبيات، وهو ما جعل هذا البلد العربي يعيش في صراع دام لقرون من الزمن. عرَّضت تلك الصراعات سواءً تلك التي كانت تتفجر بين الأئمة الزيود أنفسهم في شمال اليمن على السلطة، أم بين الإمامة وبين الخلافة العثمانية- السلمَ الأهلي اليمني والنسيجَ المجتمعي للدمار.
إنّ التمرد الحوثي أدّى إلى تدويل القضية اليمنية، وهذا سمح لبعض الأطراف الدولية والإقليمية أن تتدخل بشكل مباشر في الشأن اليمني. " تدخلت هذه الدول في شؤون اليمن، كلّ حسب منهجه وأهدافه، فأضعف الوحدة اليمنية القائمة، وهيّأ البيئة المناسبة لجميع القوى المعادية للوحدة والنظام الجمهوري"[2]. يؤكّد الباحث في علم الاجتماع لويس كوسر أنّ الصراع هو" تنافس على القيم، وعلى القوة والموارد، ويكون الهدف فيه بين المتنافسين هو تحييد أو تصفية أو إيذاء خصومهم"[3].
أصبح واضحًا من خلال المعارك الدائرة في اليمن أنّ هناك أطرافًا دوليةً تصفّي حساباتها مع بعضها بطريقة مباشرة وغير مباشرة. على سبيل المثال، تريد السعودية أن تصفّي حساباتها مع إيران في اليمن، كما تريد إيران أن تنتقم من السعودية من خلال دعم حركة التمرد الحوثية، خصوصًا وأن هناك علاقات مذهبية وأيديولوجية بين الحركة الحوثية والنظام الإيراني، وهو ما جعل كلا الطرفين في خندق واحد لمواجهة السعودية أيديولوجيًّا، وعسكريًّا، وسياسيًّا.. إلى آخره. أصبح الصراع إقليميًّا ودوليًّا واضحًا، وساحته أراضي الجمهورية اليمنية، إلا أن بعض الباحثين العرب أكّدوا أن الصراع في اليمن ليس بين القوى الإقليمية والدولية فحسب بل "هناك جذور للصراع الداخلي اليمني، تتجّسد في بنية النظام الاجتماعي القائمة على البعد القبلي، وانعكاس هذه البنية في الحالة السياسية والأمنية في اليمن، إضافة إلى مشكلة الوحدة التي تمّت على أساس قسري باستخدام القوّة العسكرية. لذا فمن المرجّح استمرار الصراع القبلي، وبقاء جذور الصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين الشمال والجنوب"[4].
وهكذا عندما يدخل أي بلد تقليدي قبلي ومحافظ وفقير في صراعات داخلية، وحروب أهلية، يصبح عرضة للتدخلات الإقليمية والدولية، حيث تستخدم القوى الدولية التي لها أطماع استعمارية القوى الداخلية المتصارعة، وتدعم بعضها ضد بعضها الآخر، من أجل تمرير مشروعاتها الخاصة، كما هو الحاصل الآن في اليمن. أصبحت بعض أطراف النزاع المسلح في اليمن مجرد أدوات بيد دول الإقليم، وإن كانت جماعة الحوثي الانقلابية هي السبب فيما وصل إليه الشعب اليمني اليوم، إلا أنّه لا أحد ينكر أن هناك أربع دول إقليمية تتصارع في اليمن وبأدوات يمنية.
أولًا: أطراف الصراع الداخلي اليمني:
حين "خرجت أُولى مسيرات حاشدة في تعز للمطالبة بإسقاط نظام صالح تأثرًا بتنحي الرئيس المصري محمد حسني مبارك، وبدأ أول الاعتصامات في محافظة تعز، وخرجت مظاهرات حاشدة في عدن ومحافظات أخرى قوبلت بالقمع". [5] أصبح نظام الرئيس اليمني الراحل صالح ضعيفًا، ولم يستطع الوقوف ضد الجماهير اليمنية المتعطشة للحرية والعدالة، وسيادة القانون. حاول صالح أن يمسك العصا من الوسط، وأن يتحاور مع اللقاء المشترك (تكتل أحزاب المعارضة اليمنية) على أمل أن يُفشِل ثورة الربيع اليمني، وأن ينهي فترته الرئاسية، لكنه أخفق في ذلك. بعد ذلك تدخلت دول الإقليم وبدعم من المجتمع الدولي وفرضوا تسوية سياسية على جميع الأطراف، سُمّيت بالمبادرة الخليجية، والتي كان من ضمن نصوصها "تشكيل حكومة "مناصفة" بقيادة المعارضة، ومنح الحصانة للرئيس اليمني علي عبدالله صالح بعد استقالته".[6] لكن، شعر علي صالح بالخطر على مستقبل أسرته وحزبه السياسي بعد أن خرج من السلطة بصورة شكلية، فبدأ بتشكيل تحالفات تقليدية مع بعض شيوخ القبائل في صنعاء، وعمران، وحجة، وصعدة، وذمار، والجوف، وأيضًا مع الطبقة الهاشمية السياسية ممثلة بذراعها المسلح "جماعة الحوثي"، من أجل إسقاط حكومة الوفاق الوطني المُشكلة من جميع أطراف العمل السياسي، بما في ذلك حزب صالح الذي كان مسيطرًا على نصف الحكومة اليمنية بموجب المبادرة الخليجية.
بدأ شيوخ القبائل في مناطق الشمال اليمني بالتماهي، وأحيانًا بالتورط بشكل مباشر مع جماعة الحوثي لإسقاط المحافظات، كما حصل في محافظة عمران، وصعدة، وحجة. كانت القبائل تؤكّد أنها لا تتدخل في ذلك الصراع؛ لأنه بين الحوثي من جهة و قبيلة آل الأحمر وحزب الإصلاح اليمني الإسلامي من جهة أخرى، فكان المواطنون البسطاء يصدّقون تلك الدعايات التي أدارها فريق متخصص من الأجهزة الاستخباراتية اليمنية في الدولة العميقة.
التمرد الحوثي أدّى إلى تدويل القضية اليمنية وهذا سمح لبعض الأطراف الدولية والإقليمية أن تتدخل بشكل مباشر في الشأن اليمني تدخلت هذه الدول في شؤون اليمن كلّ حسب منهجه وأهدافه فأضعف الوحدة اليمنية القائمة
كانت الحركة الحوثية في عامَي 2013 و2014 تستولي على القرى، والمديريات، والمحافظات الواحدة تلو الأخرى، بدعم مباشر من صالح وأركان حزبه، والطبقة القبلية التقليدية المحيطة به، وبمباركة إقليمية من دول الإقليم المجاورة لليمن؛ لأن الهدف كان إجهاض ثورة 11 فبراير اليمنية، وتدمير العملية السياسية برمتها، ومنع الشباب اليمني وتيار الإسلام السياسي بشكل خاص من الوصول إلى السلطة، ولو كان ذلك بطريقة ديمقراطية حقيقية وحضارية؛ لأن الدول الإقليمية ذات الطابع التقليدي والقبلي التي تفتقر لأدنى مقومات الدولة المدنية، كانت تخشى من نجاح المشروع اليمني، ومن ثم ستطالب شعوب المنطقة في شبه الجزيرة العربية بتغيير هذه الأنظمة أسوة بما حصل في اليمن. لذلك، سارعت الدول الإقليمية لإفشال المشروع اليمني بكل الوسائل والطرق، وأسهموا بطريقة سلبية مع بعض الأطراف الداخلية حتى أوصلوا اليمن إلى هذا الوضع الكارثي.
استخدمت الحركة الحوثية عدة شعارات من أجل إسقاط البلاد بيدها، فتارة كانت تقول للمواطنين نحن لسنا ضد أحد، بل نقاتل اليهود وأمريكا، وشعارنا واضح، هو: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت، لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام"[7]، وهذا الشعار مستوحى من شعارات ثورة الخميني الإيرانية. لكن، الحقيقة التي لا ينبغي أن يتجاهلها أحد هي أن الحركة الحوثية لم تكن سِوى أداة من أدوات النظام الإيراني في المنطقة، وتنفّذ ما يُملى عليها من دوائر صنع القرار في طهران.
في "مارس ألفين وثلاثة عشر انطلق مؤتمر الحوار الوطني اليمني، بعد أن اتُّفِق بإشراف الأمم المتحدة على نسب المشاركين، وهي عشرون في المئة للشباب، وثلاثون في المئة للنساء، إضافة إلى خمسين في المئة لمحافظات الجنوب"[8]، وضم كافة شرائح المجتمع اليمني، وقواه السياسية، والقبلية، والمدنية، والعسكرية، والشبابية. شكّل ذلك المؤتمر التاريخي مخرجًا سليمًا للوصول بالبلد إلى برّ الأمان، والخروج من دوامة العنف والفوضى. لكن، شعرت بالخطر الطبقة التقليدية التي كانت تمسك بنظام الحكم المركزي في صنعاء، وخصوصًا بعض أطراف النظام السابق والطبقة الهاشمية، التي لا توجد لها حاضنة شعبية في المناطق الجنوبية، والشرقية، والغربية الغنية بالنفط والغاز، والثروة السمكية؛ إذ عرفت هذه الطبقة أن مخرجات الحوار الوطني وتطبيقها في أرض الواقع سيضعفان نفوذها المركزي، فقررت الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية، وأجهضت العملية السياسية برمتها، وأدخلت البلد في نفق مظلم.
في 21 من أيلول/ سبتمبر 2014، أسقط الحوثي العاصمة اليمنية صنعاء بدعم مباشر من شيوخ القبائل والنظام اليمني السابق بقيادة علي عبدالله صالح، وفرض شروطه على باقي أطراف العملية السياسية بالقوة، ووُقِّع ما يُسمى باتفاق السلم والشراكة، ونصّ الاتفاق "على أن يجري الرئيس مشاورات تفضي إلى تشكيل "حكومة كفاءات" في غضون شهر فيما تستمر الحكومة الحالية التي استقال رئيسها محمد سالم باسندوة في وقت سابق بتصريف الأعمال"[9]. رفض الحوثي اتفاق السلم والشراكة، ولم يقبل التوقيع على ملحقه الأمني الذي نصّ على إلزامه بخروج ميلشياته من المدن. بعد ذلك، تمدّد الحوثي جنوبًا وشرقًا حتى وصل إلى تخوم مأرب، شرق اليمن، ومدينة عدن جنوبًا. في تلك الأثناء، شعرت الدولة السعودية بأن الأطراف الرئيسة اليمنية التي كانت تتحكم في المشهد اليمني منذ سبعينيات القرن الماضي والتي كانت تدين بالولاء المطلق للنظام السعودي- أصبحت خارج المشهد، ولم يعد بيدها القرار، وأن من يدير الأمور ليس نظام صالح، وإنما جماعة الحوثي المدعومة من إيران. أدرك السعوديون خطورة الحركة الحوثية على أمنهم القومي، فحاولت السعودية أن تثني الحوثي، وأن تستقطبه من خلال منحه الكثير من الامتيازات، لكنه رفض. بعد ذلك، أصدرت السعودية تحذيرات لجماعة الحوثي، ووجّهت له دعوة لعقد حوار مع أطراف العملية السياسية اليمنية كافة، لكنه لم يستجب لذلك العرض، وقام بتدريبات عسكرية في حدود السعودية الجنوبية. وبحسب صحيفة الشارع، فقد حذرت إيران جماعة الحوثي في بداية عام 2015 من الاقتراب من باب المندب وحدود السعودية الجنوبية؛ لأن التوقيت لم يكن مناسبًا في ذلك الوقت،[10] إلا أن جماعة الحوثي أصرّت على التقدم عسكريًّا إلى باب المندب وإقامة مناورات عسكرية. في فجر 26 مارس 2015 أطلقت السعودية العملية العسكرية "عاصفة الحزم" "التي دكت المطارات والمواقع العسكرية والإستراتيجية في صنعاء، معلنة دعم الشرعية وردع الانقلاب الحوثي، حيث أعلنت السعودية ومعها بعض الدول الأخرى مناصرة الحكومة".[11] بعد أقل من شهر وبالتحديد في 21 إبريل/ نيسان 2015، أعلن التحالف العربي "انتهاء عاصفة الحزم في اليمن وانطلاق عملية "إعادة الأمل"، استجابة لطلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي".[12] لم تنجح عاصفتا الحزم والأمل حتى كتابة هذا الورقة البحثية، بل ازداد عدد الضحايا، ودُمِّرت البنية التحتية، وانتشرت المجاعة، والأمراض، والأوبئة، وهناك تقارير دولية تتحدث عن أرقام مخيفة حول الأزمة الإنسانية في اليمن.
بعد عاصفة الحزم ظهرت مليشيات وكيانات موازية للدولة اليمنية، وبدعم مباشر من التحالف العربي، وعلى وجه التحديد دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث شكّلت أحزمة أمنية انفصالية في عدن، وشبوة، وحضرموت وبعض المناطق الجنوبية. وقد درّبت عشرات الآلاف من أبناء المناطق الجنوبية، وسلحتهم ووظّفتهم، ودفعت لهم مرتبات شهرية. تستخدم الإمارات هذه الأحزمة لتصفية من يعارض وجودها في المناطق المحررة، والموانئ، والجزر اليمنية، وقد كثرت الاغتيالات في عدن خاصة، ضد قيادات التجمع اليمني للإصلاح، وبعض القوى الوطنية الأخرى التي تعارض المشروع الإماراتي في اليمن بشكل عام. كما دعمت الإمارات مليشيات خارج إطار الدولة في محافظة تعز، تُسمّى كتائب "أبو العباس"، ودعمت أيضًا بعض الأحزاب الأخرى ذات الحضور الضعيف؛ من أجل مواجهة حزب الإصلاح اليمني، وقوى الثورة الشبابية السلمية في تعز. لكن، بعد تُدخل الإمارات في المشهد ظهرت خلافات عميقة بين أبناء تعز. كما شكّلت الإمارات مليشيات مسلحة خارج إطار الشرعية اليمنية في إقليم تهامة بقيادة طارق صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح. وهكذا، يتضح أن لدينا عدة أطراف متصارعة في المشهد اليمني، وكل طرف يخدم أجندات خارجية بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث تستخدم الدول الإقليمية هذه الأطراف الداخلية لتنفيذ أجندتها الخاصة.
وهذه الأطراف هي كالآتي: الطرف الأول: الأحزمة الأمنية في عدن (الحراك الانفصالي)، وقوات طارق صالح في إقليم تهامة، والمليشيات السلفية وبعض القوى القومية في تعز. تنفذ هذه الأطراف أجندات دولة الإمارات العربية المتحدة. صحيح أن هذه الأطراف المحلية تكنّ العداء لجماعة الحوثي وتحاربها، لكن من يحركها هو القائد الإماراتي الذي يقيم في عدن. سنذكر بالتفصيل جزءًا من هذه الأحزمة الأمنية، الذي يعدّ الأهم؛ لأنه يملك قوة عسكرية لا بأس بها على الأرض، وينادي بالانفصال، بينما الأحزمة الأخرى، مثل الحركات السلفية في تعز، والمقاومة التي يقودها طارق صالح في الحديدة لا تنادي بالانفصال، وإن كانت لديها تصفية حسابات مع بعض الأطراف في الشرعية اليمنية، إلا أنها تتمسك بوحدة البلاد الجغرافية.
في 11 مايو / أيار 2017، وقف محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي أمام علَم اليمن الجنوبي السابق وأعلن عن إنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي المؤلف من 26 عضوًا[13]".[14] تلقى هذا المجلس دعمًا مباشرًا من دولة الإمارات العربية المتحدة، إلا أنه لا يحظى بدعم كلي من أبناء الجنوب. وضع هذا المجلس هدفًا رئيسًا له، هو تحقيق الانفصال عن الشمال اليمني، إلا أنه لم يتمكن من بسط سيطرته على الجغرافيا في جنوب اليمن كافة، حيث إنه لا يسيطر سِوى على مناطق محدودة خاصة في عدن ومحافظة الضالع وبعض المناطق الأخرى. كما جاء في البيان الرسمي للمجلس الذي صدر يوم 21 مايو/أيار 2017 حيث تحدث المجلس بوضوح عن الاستقلال، وإرساء الفيدرالية، وأسس الدولة الكاملة السيادة، فشدّد على أن "شعبنا الصامد قد اختار طريقه ومصيره، وعلى العالم الوقوف إلى جانبه بكل وضوح وشفافية، ومساعدته في تحقيق استقلاله وطنًا ودولة وهوية، وإرساء ركائز دولته الفدرالية الجنوبية"[15]. حاول هذا المجلس الانقلاب على شرعية اليمن الدستورية، وتلقى دعمًا مباشرًا من الإمارات في نهاية يناير عام 2018، "وتدخل الطيران الإماراتي لصالح الانفصاليين"[16]. لكن لم ينجح ذلك الانقلاب، إلا أن هذا المجلس مستمرّ، حتى كتابة هذا البحث، في استقطاب قدر لا بأس به من أبناء الجنوب، وتدريبهم على السلاح، وتجري عسكرتهم، ويتسلّمون مرتبات مباشرة من حكومة أبوظبي. يستغل المجلس الانتقالي حالة الفوضى الموجودة في جنوب اليمن، كما يستغل فقر الشباب والعاطلين عن العمل، ويقوم بعسكرتهم وتعبئتهم بأفكار ضد الوحدة اليمنية وما شابهها.
بعد عاصفة الحزم ظهرت مليشيات وكيانات موازية للدولة اليمنية وبدعم مباشر من التحالف العربي وعلى وجه التحديد دولة الإمارات العربية المتحدة حيث شكّلت أحزمة أمنية انفصالية في عدن وشبوة وحضرموت وبعض المناطق الجنوبية
الطرف الثاني: جماعة الحوثي: التي تنفّذ أجندات إيرانية، وهي التي قامت بالانقلاب على الدولة اليمنية في 21 سبتمبر/ أيلول 2014. يسعى المشروع الحوثي إلى توطيد أركان حكمه في المرتفعات الشمالية في شمال اليمن حيث إن هذه المناطق كانت معقلًا تاريخيًّا للحركة الإمامية، واستمر حكم بعض الأسر الزيدية الإمامية التي كانت تدّعي حقّها التاريخي في الحكم في بعض هذه المرتفعات الوعرة لفترات متقطعة خلال القرون الماضية، حيث كانت تحكم مناطق محددة، إلا أنها كانت تُخفِق في بسط سيطرتها على الأراضي اليمنية كافة. لا تريد الحركة الحوثية أن يبقى اليمن موحّدًا بقدر ما يهمها أن تبسط سيطرتها على المرتفعات الشمالية، وجزء من المناطق الوسطى، وأن يكون لها منفذ بحري على البحر الأحمر. حاليًّا، تسعى الحركة الحوثية إلى أن يكون لها حكم ذاتي في المناطق التي تحت سيطرتها، وقد اقترح وزير الدفاع الأمريكي السابق جون ماتيس: "تقسيم اليمن إلى مناطق حكم ذاتي لإنهاء الحرب الأهلية الدموية[17]"[18]. أشار الوزير الأمريكي بهذا المقترح إلى الحركة الحوثية، بحيث تُمنَح حكمًا ذاتيًّا في بعض المناطق الشمالية، بشرط أن توقف الحركة الحوثية اعتداءاتها على الأراضي السعودية. إذن، من الواضح أن الحركة الحوثية تريد تحقيق الأهداف الآتية: أولًا، حكم ذاتي في إقليم آزال، مع وجود منفذ لها على البحر الأحمر. ثانيًا، إخلاء هذا الإقليم من أي وجود سني سلفي، بحيث يكون الجانب الديني مغلقًا على الحركة الحوثية، وهذا ما لا يُمكن تحقيقه؛ لأن المجتمع اليمني حتى الذين يقطنون مناطق إقليم آزال يرفضون فكر الحوثي، ويعدّونه دخيلًا عليهم. ثالثًا، تريد الحركة الحوثية أن يبقى السلاح بيدها بحيث تستطيع أن تخمد أي مقاومة ضدها في إقليم آزال، كما أنها تريد تكرار تجربة حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحرس الثوري في إيران، وهذا الهدف هو الذي عرقل ويعرقل عملية السلام مع هذه الحركة؛ لأن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا ترفض هذا الشرط، وتريد أن تسلّم الحركةُ الحوثية السلاح الذي نهبته إلى الدولة اليمنية، وأن تنخرط في عملية سياسية وهي منزوعة السلاح. رابعًا، إعادة نشر الفكر الزيدي القائم على الحق الإلهي في الحكم، المنحصر في البطنين في المناطق الوسطى والشمالية والغربية، ولو بقوة السلاح، وهو ما تقوم به الحركة الحوثية في الوقت الحالي. كما أن الحركة الحوثية تهدف "إلى استعادة الحكم الإمامي البائد، بالتوكؤ على نظرية الولاية والاصطفاء لآل البيت التي يحاولون تكريسها كجزء أساس من الدين"[19]. خامسًا، طرد كل الحركات السلفية التي تنتمي إلى الحركة الوهابية، وعدم فتح مراكز لها في المناطق الشمالية اليمنية، وقد أحرقت حركة الحوثي بعض دور التحفيظ التابعة للحركة السلفية في بعض المناطق التي تسيطر عليها، وبخاصة في صعدة. سادسًا، إضعاف أيّ وجود للحركة الإسلامية الإصلاحية اليمنية (حزب الإصلاح اليمني) في مناطق صنعاء، وعمران، وصعدة، وحجة، وذمار، وقد أحرقت الحركة الحوثية مراكز حزب الإصلاح في بعض المحافظات الشمالية، كما نهبت جامعة الإيمان، وسيطرت على المساجد، ودمّرت بعضها، حيث أشارت بعض التقارير إلى "أن الحوثيين انتهكوا حرمة نحو 750 مسجدًا، واختطفوا 150 من الأئمة والخطباء، وتوزعت الانتهاكات بين التفجير الكلّي، والقصف بالسلاح الثقيل، ونهب المحتويات، إضافة إلى تحويل بعض المساجد إلى مجالس لتعاطي القات، وأخرى استخدمت كثكنات عسكرية".[20] سابعًا، السيطرة على القضاء والأوقاف والعدل، حتى ولو حدثت تسوية سياسية. ثامنًا، تكرار التجربة الإيرانية بكل حذافيرها في اليمن، وهناك أهداف أخرى للحركة الحوثية لا يسع المجال لذكرها في هذه الورقة البحثية.
الطرف الثالث: شيوخ القبائل وبعض شيوخ الدين وجزء من التنظيمات الإسلامية في بعض المناطق الشرقية والشمالية: وهؤلاء يخضعون للإملاءات السعودية بطرق هادئة؛ لأنه لم يتبق لهم صديق في المنطقة، ولو وجدوا حليفًا قويًّا ما خضعوا للإملاءات السعودية، كما أن المجتمع الدولي وبعض الدول الإقليمية الأخرى ضد الربيعِ العربي وضد ثورة اليمن التي هي جزء من الربيع العربي، والإسلاميون بلا شك جزء أساسي في ثورة 11 فبراير 2011 اليمنية. هذا الرفّ يمثّل ثقلًا لا بأس به في حكومة اليمن الشرعية. أما بالنسبة للحكومة اليمنية الشرعية فهي مسيطرة على المشهد في المناطق الشرقية، وبخاصة في مأرب، وحضرموت، والجوف، وتخوض حربًا سياسية مع التحالف العربي، وعسكرية مع جماعة الحوثي. هناك اتهامات لهذه الحكومة بأن من يديرها هو التيار الإسلامي بقيادة حزب الإصلاح اليمني، إلا أن هذه الاتهامات ليست صحيحة، لأن من يرأس الحكومة ورئاسة الجمهورية، وأيضًا مجلس النواب ليسوا من أبناء هذا التيار، وإن كان لهم حضور في بعض الوزارات، إلا أنه ضعيف. ويٍمكن القول إنّ لهم حضورًا لا بأس به في الجيش الوطني الشرعي، وهو ما جعل الإمارات تنشئ كيانات مسلحة موازية للجيش اليمني الشرعي. إذن، أصبح المشهد اليمني معقدًا، ومن يتحكم به هو دول الإقليم، لا القوى المحلية. وهذا يجعل انتهاء الحرب في المستقبل المنظور صعبًا، ما لم تكن هناك مصالحة إقليمية شاملة تضمّ أطراف الصراع الحقيقي (إيران- السعودية)، ومن ثم مصالحة يمنية، بحسب وجهة نظر الباحث.
أطراف الصراع الخارجية وأهدافها من التدخل العسكري المباشر وغير المباشر في الحرب اليمنية
من الواضح أن الأطراف الخارجية تسعى إلى تنفيذ أهدافها السرية والمعلنة، مستخدمة كل الوسائل السياسية والعسكرية، وغير ذلك، وهذه الأطراف كالآتي:
الطرف الأول: المملكة العربية السعودية: كان اليمن تحت الوصاية السعودية بطريقة هادئة وغير مباشرة منذ سبعينيّات القرن الماضي، خصوصًا منذ أن "وضعت الحرب أوزارها رسميًّا في عام 1970 بعد المصالحة بين أنصار الجمهورية والإمام، واعترفت الرياض بدولة شمال اليمن وعرضت قدرًا كبيرًا من الدعم المالي"[21]، حتى بداية عام 2011. ثم غيرت سياستها تجاه اليمن حينما شعرت أن ثوار 11 شباط/ فبراير 2011 يتوقون لدولة يمنية مستقلة، غير مرتهنة لأي نظام إقليمي. سعت الدولة السعودية لإيجاد توازنات في المشهد حتى لا يخرج اليمن من دائرة النفوذ السعودي، وفرضت التسوية السياسية بين الثوار ونظام الرئيس صالح، إلا أن تلك التسوية أخفقت كما وضحنا ذلك آنفًا. وحتى لا نخوض في التفصيلات سنوضح أهم الأهداف الإستراتيجية التي تريد السعودية تحقيقها في اليمن، وهي كالآتي: أولًا: هزيمة المليشيات المدعومة من إيران (الحركة الحوثية)، إذا لم تَعُد إلى حضن الطاعة السعودي مثلما فعلت الإمامة (أسرة آل حميد الدين) في سبعينيات القرن الماضي حينما هُزمت على يد الثوار اليمنيين. ثانيًا: حفظ أمنها القومي في الحدود الجنوبية. ثالثًا: الحفاظ على علاقاتها التاريخية مع شيوخ القبائل اليمنية وبعض الحركات الدينية، كالسلفية وجزء من الطبقة الزيدية، وعدم خروج هؤلاء عن طاعتها، وتشكيل لجنة خاصة لدعمهم بالمال، من خلال توفير مرتّبات شهرية لهم. رابعًا: تنفيذ مشروع مدّ أنبوب نفطها عبر محافظة "المهرة" اليمنية إلى البحر العربي إن أمكن ذلك، لأنّها تريد الخروج من هيمنة إيران في مضيق هرمز، ولكن هناك معارضة شديدة من قِبل أبناء المهرة لهذا المشروع، ويرفضون وجود قوات التحالف العربي في المحافظة. خامسًا: ألّا يتحكم حزب الإصلاح اليمني الإسلامي بالمشهد السياسي، وأن تكون هناك دولة يمنية ذات طابع تقليدي- قبلي- عسكري تدين بالولاء للنظام السعودي. سادسًا: الحفاظ على أمن الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. سابعًا: مواجهة المشروع الإيراني وعدم السماح له بالتغلغل في المناطق الشمالية؛ لأن ذلك يُمثّل خطرًا على كيان ووجود الدولة السعودية برمتها.
الطرف الثاني: دولة إيران الفارسية: لهذه الدولة أطماع طائفية واقتصادية في اليمن، وشبه الجزيرة العربية بشكل عام منذ القدم، لا أنّه وليد اللحظة كما يروّج بعض المحلّلين، حيث تريد إيران السيطرة على خطوط الملاحة الدولية، وخنق السعودية في حدودها الجنوبية، من خلال دعمها لجماعة الحوثي الانقلابية. من الواضح أن هذا الطرف الإقليمي هو الداعم الحقيقي للمليشيات الحوثية، وهو شريكها في الجرائم التي ارتكبتها جماعة الحوثي بحق اليمنيين. كما أن لإيران أطماعًا وأهدافًا جيوإستراتيجية في البحر الأحمر، وبحر العرب. فإيران تريد تنفيذ مخططها التوسعي في المنطقة، ولو على حساب الأبرياء، كما أن أنها تريد السيطرة على مكة والمدينة، وحاليًّا تطوّق شبه الجزيرة العربية من ثلاث جهات، من جهة الشرق سلطنة عُمان والبحرين؛ إذ لا أحد يُنكر أن هناك روابط مذهبية بين النظام الفارسي الإيراني والنظام العُماني والغالبيةِ الساحقة من الشعب البحريني، فالمذهب الإباضي في عُمَان هو من يمسك بزمام الأمور. كما أن أغلب سُكّان البحرين هم من الشيعة، وهؤلاء لا يمثّلون خطرًا على النظام البحريني فحسب، بل يمثّلون خطرًا شديدًا على النظام السعودي، والسعودية تفهم ذلك. عندما خرجت مظاهرات ضد نظام آل خليفة في البحرين، "أرسل السعوديون قوات عسكرية إلى البحرين. يقال إن عدد القوات السعودية القادمة إلى الجزيرة هو 1000 جندي، بالإضافة إلى نحو 150 مركبة، بما في ذلك عربات مدرعة خفيفة (مدولبة) ومزوّدة برشاشات ثقيلة محملّة على سقوفها".[22]
كما أن هناك تنظيمات شيعية في المناطق الشرقية السعودية الغنية بالنفط يدينون بالولاء لإيران، ولا يدينون بالولاء للنظام السعودي. تستغلّ إيران الخلاف المذهبي في المنطقة من أجل تمدّدها، وبسط نفوذها عبر هؤلاء الوكلاء. أما المليشيات العراقية فهي ترابط على حدود شبه الجزيرة العربية الشمالية، وتنتظر الإشارة لاجتياح السعودية، والمليشيات الحوثية في جنوب الجزيرة العربية تخوض حربًا شرسة مع النظام السعودي حتى وقت كتابة هذا البحث.
إذن، أهداف إيران في اليمن واضحة ولا تحتاج لتفسيرات من هنا وهناك، وهي تعمل على تنفيذ هذه الأهداف مهما كانت النتائج، وستستمر إذا لم تُردَع بشتى الوسائل القانونية والدفاعية في الوقت نفسه.
الطرف الثالث: دولة الإمارات العربية المتحدة: من المعروف أن هذه الدولة حديثة النشأة، فعمرها لا يتجاوز خمسة عقود، إلا أنها نتيجة للطفرة المالية أصبحت لاعبًا إقليميًّا وحليفًا غير موثوق به لبعض الدول في المنطقة. تدخّلت هذه الدولة في الصراع اليمني من خلال مشاركتها في عاصفة الحزم التي انطلقت في 26 من مارس 2015 بقيادة السعودية؛ لدعم الحكومة اليمنية الشرعية ضد الانقلاب الحوثي. لكن سرعان ما غيرت الإمارات الهدف من مشاركتها في عاصمة الحزم، وتحولت إلى طرف يعادي الشرعية اليمنية. من الواضح أن لدولة الإمارات أطماعًا اقتصادية بحتة، ولا يهمها مستقبل الشعب اليمني، ولا الحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه، بقدر ما يهمها السيطرة على ميناء عدن، والجزر اليمنية، ومضيق باب المندب، ومناطق النفط والغاز المسال في شبوة ومأرب. في الظاهر، تدّعي أنها تدعم شرعية اليمن الدستورية بقيادة الرئيس اليمني عبد ربه هادي، ولكنها تقوم بدعم مليشيات خارج إطار الدولة اليمنية، وتقوّض أعمال الحكومة اليمنية، وتمنع عودة كبار الدولة لممارسة أعمالهم، وأيضًا أصدرت قائمة بأسماء بعض المواطنين ورجال السياسة الممنوعين من العودة إلى عدن. ولتنفيذ أهدافها في جنوب اليمن، أقامت الإمارات سجونًا سرية لتعذيب من يعارضها، ونُشِرت تقارير دولية حول السجون الإماراتية السرية في اليمن. وقد طالب وزير الداخلية اليمني الإمارات "بضرورة إغلاق السجون، والعمل على خضوعها للنيابة والقضاء، واستكمال معالجة ما تبقى من أمور وإشكاليات في هذا الملف"، وأكد ضرورة "معالجة جميع الإشكاليات المتعلقة بقضية السجون وضرورة إغلاقها"[23]، كما درّبت الإمارات قوات موالية لها كما ذكرنا سابقًا، ونشرت مدرعاتها وجنودها في الأماكن الغنية بالنفط والغاز، وفي الجزر والموانئ اليمنية.
كان اليمن تحت الوصاية السعودية بطريقة هادئة وغير مباشرة منذ سبعينيّات القرن الماضي خصوصًا منذ أن وضعت الحرب أوزارها رسميًّا في عام 1970 بعد المصالحة بين أنصار الجمهورية والإمام
الطرف الرابع: سلطنة عُمان الصامتة: ليس لعُمان أطماع استعمارية في اليمن، إلا أنّ لها تصفية حسابات مع الإمارات وبعض الدول الإقليمية الأخرى. فقد قرّرت هذه الدولة الحياد، ورفضت حصار قطر، والتدخل العسكري في اليمن. وقد أكّد تقرير لمجلة الإيكونومست البريطانية أن "سلطنة عمان التزمت بالحياد في صراعين خليجيين: الأول عسكري، والآخر دبلوماسي واقتصادي"[24]، في إشارة إلى أن سلطنة عُمان رفضت عاصفة الحسم، ورفضت أيضًا حصار قطر. وقد أكّد التقرير أن هذه الخطوات التي قامت بها سلطنة عُمان قد تكون أكبر من قدرتها على التحمل على المدى الطويل، خصوصًا وهي تعاني مشكلات اقتصادية. إلا أن سلطنة عُمان رفضت كلّ الإغراءات التي عُرضت عليها؛ لأن لديها مشكلات مع الإمارات خاصةً، فيما يخصّ "مسندم العمانية". لذلك، يبدو أن سلطنة عُمان لم تثق في التحالف العربي، حتى تكون شريكًا إستراتيجيًّا معه، وتشاركه في عملياته العسكرية في اليمن. علاوة على ذلك، لسلطنة عمان مشكلات أخرى مع الإمارات، خصوصًا وأن مسقط كانت "قد أعلنت في 2011 عن كشف شبكة تجسس كبيرة بدعم وتمويل من ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، تضمّ مدنيين وعسكريين، وكانت تهدف بالنهاية إلى انقلاب دموي بالسلطنة، وتنصيب نظام موال يفتقد إلى الطموحات الوطنية".[25] ومن ثَمّ تساعد عُمان الحركة الحوثية سياسيًّا ودبلوماسيًّا، وتستضيف قادة الحركة الحوثية وتعالج جرحاها، وهناك اتّهامات لسلطنة عمان بأنها تزود الحوثي بالسلاح، إلا أن صحة هذه الاتهامات غير مؤكدة. من الواضح أيضًا أن سلطنة عمان تريد الحفاظ على حدودها الغربية مع اليمن، ولا تريد أن ترى القوات السعودية والإماراتية ترابط على حدودها الغربية. لذلك تدعم شيوخ القبائل في المهرة، من أجل مواجهة الوجود السعودي الإماراتي. ولا نستبعد أن يحدث صراع مسلح بين التحالف العربي وبعض القبائل في محافظة المهرة. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن سلطنة عمان فتحت منافذها البرية، والبحرية، والجوية للمسافر اليمني، في الوقت الذي تغلق الإمارات مطاراتها ومنافذها في وجه المواطن اليمني، كما أن السعودية لا تفتح منافذ بلادها للمسافر اليمني، وإن كانت تقدّم بعض التسهيلات لرجال الدولة اليمنية وتستضيفهم على أراضيها.
تأثير الصراع الإقليمي في اليمن في السلم الأهلي اليمني، ودوره في بروز جماعات العنف المسلحة
يسعى المشروع الحوثي إلى توطيد أركان حكمه في المرتفعات الشمالية في شمال اليمن حيث إن هذه المناطق كانت معقلًا تاريخيًّا للحركة الإمامية واستمر حكم بعض الأسر الزيدية الإمامية التي كانت تدّعي حقّها التاريخي في الحكم في بعض هذه المرتفعات الوعرة لفترات متقطعة خلال القرون الماضية
من الواضح أن الصراع الدائر قد مزّق اللّحمة الوطنية اليمنية، ونشر العنصرية المقيتة، وغذّى الصراع الطائفي، والصراع المذهبي بشكل مخيف، ومن الصعب تجاوز هذه المعضلات خلال السنوات القليلة القادمة. كما أن هذا الصراع ساعد على بروز جماعات العنف المسلحة و(المؤدلجة) طائفيًّا، وهناك عدة جماعات ظهرت على السطح بعد انقلاب الحوثي المدعوم إيرانيًّا. لن ترضخ هذه الجماعات المسلحة لأيّ حوار سلمي، ولن تقبل بالتعايش؛ لأنّ العنف جزء من أيديولوجيتها، وأيضًا من يحركها قادة تقليديون متشددون، لا يعرفون القيم العصرية، كحق الآخرين في التعبير، وحرية العبادة، والانتماء وما إلى ذلك. كما أن الصراع الدائر أظهر كيانات تقليدية جديدة تعمل خارج الإرادة الجمعية للشعب اليمني، وتسعى إلى تقسيم اليمن إلى كانتونات صغيرة ومتناحرة. تظن هذه الكيانات أنه من مصلحتها أن يبقى اليمن مقسّمًا على أسس جهوية، ومناطقية، وطائفية.
الخاتمة والمقترحات:
في نهاية الورقة يمكننا القول: أولًا: إن استمرار الصراع الدائر سيؤثر في الأمن الإقليمي، وسيمتد لهيبه إلى مناطق أخرى في شرق الجزيرة العربية، وبخاصة البحرين، وشرق السعودية، في حال لم يُتوصَّل إلى عملية سياسية، وولم تُنفّذ مخرجات الحوار الوطني اليمني، والقرارات الدولية المتعلقة بالصراع اليمني. كما أن استمرار الصراع بدون حسم عسكري سينمّي جماعات العنف الطائفية والمسلحة في شمال اليمن (جماعة الحوثي)، والقاعدة في جنوب وشرق اليمن، وأيضًا المليشيات الانفصالية التي يدعمها النظام الإماراتي في عدن وبعض المحافظات الجنوبية الأخرى.
ثانيًا: لا ينبغي السماح للطبقة الطائفية وجناحها المسلح في الاستمرار في انقلابها العسكري في شمال اليمن، والسماح للطبقة التقليدية العسكرية والقبلية في جنوب اليمن بتمرير مشروعاتها الانفصالية؛ لأن ذلك سيؤدي إلى انقسام القبائل بين أطراف النزاع، وسينقسم الشعب اليمني إلى كانتونات سياسية ومتناحرة، وسيتعرض النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي لخطر غير مسبوق، ليس على الشعب اليمني فحسب، ولكن على دول الإقليم قاطبة. إضافة إلى ذلك إذا استمر التحالف العربي في سياسته الحالية تجاه اليمن، فالمستقبل سيكون مجهولًا بالنسبة للأنظمة الخليجية التي تدخلت في الصراع اليمني بشكل مباشر، وسيكون كيان هذه الدول معرضًا للانهيار بالكامل، إذا لم يتم تجاوز الأخطاء والوقوف مع الشعب اليمني، من أجل الوصول إلى سلام دائم ومستدام يحفظ أمن الأراضي اليمنية ووحدتها وسلامتها.
ثالثًا: محاولة تصوير الصراع الحالي في اليمن على أنّه مذهبي ليس من صالح المجتمع اليمني، ولا من صالح دول الإقليم، واستمرار الخطاب الطائفي لدول الإقليم المجاورة لليمن سيغذي نزعة الانتقام للجماعات الشيعية في البحرين، والسعودية، والإمارات، والكويت، وسلطنة عُمان تجاه الأنظمة الخليجية، وهذا قد يجعل هذه الجماعات والأقليات تعلن دعمها بشكل مباشر لجماعة الحوثي، ومن ثم تحمل السلاح ضد الأنظمة الخليجية، وهذا يعني الدخول في حرب مذهبية طويلة الأمد، وستدفع شعوب المنطقة ثمن ذلك، وهو ما لا تريده شعوب المنطقة. والحل للحفاظ على كيان هذه الدول وعلى أمن المنطقة القومي يتمثّل في إنهاء الانقلاب الحوثي، وتمكين السلطة الشرعية اليمنية من ممارسة مهامها تجاه مواطنيها، ووقف دعم جماعات العنف المسلحة في جنوب اليمن التي تستقبل دعمًا مباشرًا من دولة الإمارات.
رابعًا: على السعودية أن تأخذ في الحسبان أن اليمن ما بعد 2011 ليس كما قبله، وأنّها لن تستطيع تنفيذ أجندتها الخاصة من خلال شراء الولاءات والذمم ودفع مرتبات شهرية لقادة الطبقة التقليدية بشقيها القبلي والهاشمي، وأن هذا الأسلوب لم يعد مجديًا في الوقت الحاضر. كما ينبغي عليها أن تتعامل مع اليمن بوصفها دولة ذات سيادة لا كحديقة خلفية للسعودية؛ لأن الأسلوب الحالي الذي تنتهجه السعودية تجاه اليمن لن يُكلَّل بالنجاح، وعليها أن تعتبر بما حصل ويحصل اليوم في المنطقة. كما ينبغي على الإمارات أن تتعلم الدروس من أخطائها في الصومال وجيبوتي، وأنّ مشروعها الاستعماري التوسعي في اليمن من خلال استعمال القوة لن ينجح، ولو لم يكن هناك انقسام في المجتمع اليمني ما استمرت الإمارات في اليمن مدة شهر واحد.
خامسًا: القوى المحلية اليمنية الحالية لا يُعوَّل عليها؛ لأنها تحولت إلى أدوات بيد الدول الإقليمية، وتنفّذ ما يُملَى عليها. لذلك لن يرى الشعب اليمني النور ما لم تكن هناك قوى وطنية حيّة تضع مصلحة اليمن فوق كل اعتبار، وتعيد ترتيب الصفوف لإخراج البلد من دوامة العنف والحرب الأهلية الدائرة، وبناء نظام فيدرالي قوي يحفظ أمن البلاد وسيادتها.
الهوامش والمصادر:
[1] - ابن خلدون، عبد الرحمن. تاريخ ابن خلدون 1-7 المسمّى كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر ج1 ) .دار الكتب العلمية، 2016)، ص130.
[2] - جواد، جازع. "الحركة الحوثية في اليمن: دراسة في الجغرافية السياسية". ديالي، العدد 49 (2009)، ص1-54.
[3] - العلي، علي زياد. المرتكزات النظرية في السياسة الدولية. (القاهرة-مصر: دار الفجر للنشر والتوزيع، 2017)، ص81.
[4] - الهياجنة، عدنان. "الصراعات الداخلية في الوطن العربي.. رؤية مستقبلية"، الجزيرة نت، شوهد في تاريخ 01-01-2019 ، في https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/38fb64e9-bf31-4f7f-badd-20771e9f9a25
[5] - العليي، همدان. "أهم محطات (ثورة التغيير) اليمنية"، العربي الجديد، 11فبراير 2015، (شوهد في 6 نوفمبر/ 20118.): goo.gl/PGgW6B
[6] - "نص المبادرة الخليجية" جريدة الرياض، 24 نوفمبر 2011، (شوهد في 6 نوفمبر 2018): http://www.alriyadh.com/685755
[7] - "الموت لأمريكا، الموت، لإسرائيل، اللعنة على اليهود"...أنصار الله، المنار، 05-03-2015، (شوهد في 9 نوفمبر/ 2018): goo.gl/hfWj7J
-[8] "أبرز محطات الحوار الوطني اليمني" الجزيرة، 10 فبراير 2016، (شوهد في 6 نوفمبر 2018): goo.gl/BixRgF
-[9] "اليمن: اتفاق بين الحوثيين وباقي الأطراف السياسية على تشكيل حكومة كفاءات"، فرانس 24، 22-09-2014، (شوهد في 6نوفمبر 2018): goo.gl/AUeq3n
-[10] عايش، عبده. "إيران تبلغ الحوثيين باجتناب باب المندب وحدود السعودية" الجزيرة، 3/2/2015 ، (شوهد في 6 أكتوبر 2018). goo.gl/RDsy43
-[11] "كيف يرى اليمنيون عاصفة الحزم بعد ثلاث سنوات؟"، (تاريخ الدخول 7 أكتوبر 2018): goo.gl/NT1zLe
-[12] "عاصفة الحزم... أهم المراحل" RT، 23 أبريل 2015، (شوهد في 8 أكتوبر 2018): goo.gl/nKpgvF
(Forster, 2017) [13] وترجم بواسطة الباحث.
[14] Forster, Robert. “The Southern Transitional Council: Implications for Yemen's Peace Process”, Middle East Policy, September, 2017. accessed on 02-01-2019 (https://www.researchgate.net/publication/319600171_The_Southern_Transitional_Council_Implications_for_Yemen%27s_Peace_Process
-[15] "الانتقالي الجنوبي: تمرد على الشرعية بدعم إماراتي"، الجزيرة، (شوهد في 30-12-2018). goo.gl/kLjXrZ
- [16] "الإمارات ودعم الانفصاليين.. فرض واقع جديد، ولعب بمقدرات اليمن" الخليج أونلاين، 30-01-2018، (شوهد في تاريخ 13-12-2018) goo.gl/bZ8YD9
[17] (Alwly, 2018) ، ترجم بواسطة الباحث.
[18] Alwly, Ahmed. “US Floats Idea of Division in Yemen, Houthis Torpedo Plan”, Al-Monitor, 4 Dec. 2018, accessed on 02-01-2019 (https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2018/11/yemen-us-self-rule-areas-houthis-war.html)
-[19] أمين، عادل. "الحوثية: الأهداف الإستراتيجية والتكتيك السياسي". إسلام أون لاين، 22-01-2015. (شوهد في 2-01-2019). goo.gl/RsFsiS
[20] - حسن، ياسر. "الحوثيون ينتهكون حرمات المساجد ويلاحقون الأئمة".، الجزيرة نت، 15-04-2017. (شوهد في 03-01-2019). goo.gl/noNv8M
[21] - أوركابي، آشير. "الحرب السعودية مع الحوثيين: حدود قديمة، خطوط جديدة"، معهد واشنطن، 29 نيسان/ أبريل 2015. (شوهد في 10-أكتوبر 2018). goo.gl/hzWAHY
-[22] هندرسون، سايمون. " أزمة البحرين: القوات السعودية تتدخل في أزمة الجزيرة." معهد واشنطن، 15 مارس 2011. (شوهد في 11-10-2018). goo.gl/4hiEYk
-[23] "وزير الداخلية اليمني يدعو الإمارات إلى إغلاق السجون السرية وإخضاعها للنيابة"، العربي الجديد، 9 يوليو 2018، (تاريخ الدخول 12-10-2018). goo.gl/8HXkK5
[24] - “Oman Is Benefiting from the Standoff over Qatar, for Now”. The Ecnomist, goo.gl/K15B6r
- [25]الراجحي، إسلام. خلاف تاريخي وتحرشات متلاحقة... الإمارات تواصل إغضاب السلطنة، 21-03-2018، (شوهد في 11-10-2018). goo.gl/jHWXaB