رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| كلمة رئيس التحرير < رؤية تركية

آيا صوفيا: استمرار التسامح والسيادة الوطنية

إن هذا العدد يتطرق إلى ملفات مرتبطة بالمتغيرات والتحوّلات التي تشهدها المنطقة، في خضمّ واقع متجدّد ومتقلّب من آن لآخر. ويتميز العدد بمشاركة نخبة من السياسيين والباحثين، وعلى رأسهم رئيس مؤسسة الصناعات العسكرية التركية إسماعيل دمير، ونائب وزير الخارجية التركي ياووز سليم كيران.

آيا صوفيا: استمرار التسامح والسيادة الوطنية

كلمة رئيس التحرير 

يتناول العدد الجديد من مجلة (رؤية تركية) مجموعة من الموضوعات المرتبطة بسعي تركيا لتكريس سيادتها على حدودها البرية والبحرية، مثل موضوع إعادة آيا صوفيا من متحف إلى مسجد، وموضوع التنقيب عن الطاقة في المناطق البحرية التركية، بالإضافة إلى موضوعات إقليميّة ودوليّة في الشرق الأوسط. إن هذا العدد يتطرق إلى ملفات مرتبطة بالمتغيرات والتحوّلات التي تشهدها المنطقة، في خضمّ واقع متجدّد ومتقلّب من آن لآخر. ويتميز العدد بمشاركة نخبة من السياسيين والباحثين، وعلى رأسهم رئيس مؤسسة الصناعات العسكرية التركية إسماعيل دمير، ونائب وزير الخارجية التركي ياووز سليم كيران.

نستهلّ بحوث العدد بدراسة إسماعيل دمير، رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية في تركيا، وعنوانها: "تاريخ صناعة الدفاع التركية ومسوّغات الصعود والتحوّل فيها". يتناول الكاتب فيها نقاط التحول الحاسمة، مثل أزمة قبرص في عام 1974، وإنشاء مكتب إدارة تطوير ودعم صناعة الدفاع في عام 1985، والحرب المستمرة ضد الإرهاب، وإعادة هيكلة تركيا للنظام السياسي، والالتزام الثابت لحكومات حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس أردوغان بالاستثمار في صناعة الدفاع المحلية، حيث تحوّلت صناعة الدفاع التركية منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، من نموذج مشتريات يعتمد إلى حدّ كبير على الواردات الأجنبية إلى نموذج أكثر اعتمادًا على الذات مع أساس قوي للبحث والتطوير، وعدد متزايد من الصادرات. وبفضل التزام وتصميم ومرونة المهندسين والفنيين والعمال والشركات في تركيا، تحولت صناعة الدفاع إلى صناعة إنتاجية بمليارات الدولارات، تتميز بالعمق التكنولوجي، والفعّالية العالمية.

أما نائب وزير الخارجية التركي ياووز سليم كيران فقد تناول في بحثه موضوع آيا صوفيا، حيث أشار إلى أنّ "كلّ القرارات المتعلقة بآيا صوفيا مسألة سيادة وطنية". ومع ذلك، لن يكون للتغيير الوظيفي لآيا صوفيا أيّ تأثير في تقليد تركيا الممتد لقرون في تعزيز التسامح والوئام والتنوع. على العكس من ذلك، ستزداد آفاق الحوار من خلال تطبيق سياسة الباب المفتوح للجميع، بغضّ النظر عن الخلفية الدينية أو القومية أو العرقية. إن آيا صوفيا، كما يوحي اسمها "الحكمة المقدسة"، هي المكان الذي يجتمع فيه المؤمنون للاستفادة من الحكمة الإلهية. ستستمر آيا صوفيا في احتضان وتوحيد الجميع، بوصفها رمزًا للسلام والتنوع بين الثقافات والأديان. وبلا شك ستستمر جهودنا للحفاظ على ممتلكات التراث العالمي، وإدارتها بشكل مستدام، بما في ذلك آيا صوفيا.

وفي ذات السياق تناولت دراسة الباحثين رمضان آقكِر ويوسف أوزكِر بالتفصيل ملف تحويل آيا صوفيا من جديد إلى جامع آيا صوفيا الكبير، حيث تقدّم الدراسة لمحة عن تاريخ آيا صوفيا حتى وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، وتركز الدراسة بشكل أساسي على النقاشات الدائرة حول تحويل آيا صوفيا إلى جامع، وترى أنّ تركيا بهذا القرار عزّزت سيادتها مرّة أخرى. فجامع آيا صوفيا مؤشّر مهمّ من المؤشّرات السيادية لتركيا، إلى جانب كونه رمز فتح إسطنبول. وإن الجدل الذي كان يدور حول آيا صوفيا في هذا السياق، داخل تركيا وخارجها، شكّل الأرضية السيكولوجية للتطبيع الذي حدث في العلاقات بين الدين والدولة، وأصبح في الوقت ذاته عاملًا يعزّز سيادة تركيا.

 

ولعل من أهم الملفّات التي يتناولها هذا العدد موضوع اكتشاف تركيا للغاز في البحر الأسود، بعد سنوات طويلة من البحث، ومدى تأثير ذلك في الجمهورية التركية من الناحية السياسية والاقتصادية وغيرهما. تقدّم الباحثة في مجال الطاقة غلوريا شكورتي أوزدمير في بحثها: "اكتشاف الغاز الطبيعي في البحر الأسود: ماذا يعني ذلك لتركيا؟" إطارًا عامًّا لتحوّل الطاقة في تركيا، يليه تحليل عن تأثير الاكتشاف الأخير في حقل سكاريا في تركيا من ثلاثة منظورات مختلفة: منظور الطاقة، ومنظور الاقتصاد، والمنظور الجيوسياسي.

واستمرارًا في السعي لاستكشاف مواقف الفاعلين في تطورات شرق المتوسط، سلّط كلّ من يوجال أجار وإدلير ليكا في بحثين منفصلين الضوء على مواقف اليونان وفرنسا على التوالي، وفيما أشار أجار إلى المنازعات القانونية الناشبة حول قضية الجزر نتيجة ترسيم الحدود البحرية بناءً على معاهدة الجرف القاري الموقّعة بين اليونان وإيطاليا عام 1977، ومعاهدة المنطقة الاقتصادية الخالصة عام 2020، حيث تختلف اليونان مع تركيا في مقارباتها الحقوقية المتعلقة بقضية ترسيم الحدود البحرية في بحر إيجة منذ الستينيات، وفي شرق المتوسط منذ السنوات القليلة الماضية- فقد رأت دراسة ليكا حول فرنسا أنه إذا كانت سياسة المعايير المزدوجة الخطيرة التي تنتهجها فرنسا في شرق البحر الأبيض المتوسط وليبيا ستتمخض عن عواقب، فإن هذه العواقب هي مساعدة روسيا على الاستقرار في شمال إفريقيا، وتعريض الجناح الجنوبي لحلف الناتو للخطر.

وقبل التطرق إلى بقية ملّفات المنطقة تناول هذا العدد ملفّين حقوقيين: الأول يتعلق بمحاكمات أعضاء تنظيم غولن في تركيا، والثاني يتعلق بالأطفال الأتراك في ألمانيا، حيث تناول الأكاديمي جم دوران أوزون في بحثه "محاكمات انقلاب 15 تموز في عامها الرابع"، دور المؤسسة القضائية في الدولة التركية، التي أصدرت قرارات توقيف بحق الانقلابيين منذ الساعات الأولى للانقلاب، وذلك إدراكًا لخطر تغلغل تنظيم غولن الإرهابي في مؤسسات الدولة، ولا تزال المحاكمات المتعلقة بمحاولة 15 تموز 2016 الانقلابية تجري بشكل عادل فعّال، وقد قاربت النهاية. ويرجع الفضل والأثر الفعّال إلى هذه المحاكمات المستمرة والمحاكم والجهود الخاصة إلى أعضاء السلطة القضائية- في إنهاء قضايا انقلاب 15 تموز في فترة زمنية معقولة. واستطاعت هذه المحاكم تجاوز جهود تنظيم غولن الإرهابي، ومحاولات المتّهمين، وسعيهم إلى تمييع القضايا.

وتجدر الإشارة أخيرًا إلى أن الفصل في القضايا في المحاكم الابتدائية لا يعني انتهاء الإجراءات القضائية. فبعد هذه المرحلة ستأتي مرحلة النظر في القضايا في محاكم الاستئناف (ومحاكم العدل الإقليمية)، ثم مرحلة التمييز (المحكمة العليا). وستستمر العملية مع تقدّم الأفراد بطلباتهم إلى المحكمة الدستورية، ثم الطلبات التي ستقدّم إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وستستمر الإجراءات القضائية، وربما تمتدّ لخمس سنوات قادمة أخرى.

أما الباحثة زليخة إلي أتشيك فتسلّط الضوء على ملف مهمّ قلّ تسليط الضوء عليه في الأدبيات العربية، هو المشكلات التي تحصل بين "مكتب الشباب الألماني" (Jugendamt) والعائلات التي تنحدر من الأصول التركية، والأطفال المهاجرين. فأعداد الأطفال المهاجرين الأتراك والمسلمين الذين يُوضَعون تحت حماية مكتب الشباب الألماني تزداد يومًا بعد يومٍ. ويمكن سرد المشكلات التي تحصل بين العائلات التركية ومكتب الشباب على النحو الآتي: إبعاد الأطفال عن عائلاتهم بشكل غير عادل، وترك الأطفال المهاجرين الموضوعين تحت الحماية لدى عائلات تختلف ثقافتها عن ثقافة عائلاتهم الأصلية، وعدم مراعاة لغة الأطفال المهاجرين ودينهم وثقافتهم في دور الرعاية، وانعدام ثقة العائلات المهاجرة بمكتب الشباب، والتمييز المؤسساتي والإسلاموفوبيا، والاختلافات الثقافية، وصراع الأجيال داخل الأسرة.

ومع تزايد تعرض إيران للهجمات السيبرانية يتناول الأكاديمي محجوب الزويري، والباحثة يارا نصار في بحثهما المعنون بـ"إيران والهجمات السيبرانية: فصل جديد في الحرب غير المعلنة" فصولَ الحرب السيبرانية بين إيران والولايات المتحدة و(إسرائيل)، في مُحاولة لفهم ما يجري من هجماتٍ سيبرانية مُكثّفة، انطلقت منذ أواخر يونيو 2020؛ مستهدفةً مُنشآت عسكرية ونووية وصناعية إيرانية، وذلك من خلال رصد ما الذي استُهدف ومتى وكيف؟ ومُحاولة فهم سياقات هذه الهجمات وأسبابها وتبعاتها. وترى الدراسة أن (إسرائيل) لن تألوَ جهدًا في إحباط أيّ مُحاولات لتحسين العلاقات بين واشنطن وطهران، ولاسيّما ما يتعلّق بالاتّفاق النووي، ولعلّها ستعتمد على الهجمات السيبرانية؛ لأنّها أقلّ ظهورًا، وذات تأثير كبير في آنٍ واحد.

ونختتم موادّ العدد بـثلاثة بحوث؛ تتعرض لمسائل إقليمية: أوّلها للباحثة بدرية الراوي، ويتناول المشهدَ السياسي اللبناني بعد انفجار مرفأ بيروت، وتحلّل الباحثة في سياق تاريخي المشهدَ السياسي والاقتصادي اللبناني في العقد الأخير، ولبنانَ ما بعد ثورة 17 تشرين الأول 2019، وانفجار المرفأ، ثمّ الدورَ الفرنسي في لبنان (2020). وثانيها للباحث محمد مكرم بلعاوي الذي أجرى تحليلًا لتوقيع اتفاقية السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، في الدوحة في 29 يناير/شباط 2020م، التي نصّت على الانسحاب الأمريكي الكامل خلال 14 شهرًا- وتداعياتها على الأطراف المعنية كافة، وثالثها للباحث أوميت تتيك، وهو يتناول الصراعات المسلحة والإرهاب في ظل وباء فيروس كورونا.

وختامًا نأمل أن تكون ملفّات هذا العدد قد قدّمت للقارئ تحليلًا متماسكًا بمنظور مختلف، ورؤية واضحة للقضايا التي تناولتها، ونأمل أن نتواصل معكم في الأعداد القادمة من خلال المزيد من البحوث والدراسات العلمية الرصينة التي تتناول التطورات في تركيا والمنطقة.

 

 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...