رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

سوريا بعد عملية (نبع السلام) التركية

غيّرت عملية "نبع السلام" التركية في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 المشهد الميداني الذي كان يتسم بالاستقرار الشكلي لمصلحة الإدارة الذاتية، حيث تسببت العملية في إنهاء هيمنة الكتلة الأمنية المسيطرة، والمتحكّمة بالمشهد في ظل وجود تركي في كل من تل أبيض ورأس العين بمباركة روسية وأمريكية. ويمكن توصيف التفاهمات بأنها لم تكتمل بعد، لكنها حقّقت المهمّة الأولية في إنهاء المشروع السياسي السابق، والدفع إلى انضواء قوات سوريا الديمقراطية نحو تفاهمات مع النظام وروسيا، والقبول بسقف مختلف عن السابق. إنّ العملية غيّرت من التوازنات الإقليمية، ودفعت نحو تفاهمات "أضنة2" التي لم تكتمل؛ فاتحةً المجال أمام تركيا لهيكلة المناطق الحدودية أمنيًّا، ثم التوجه إلى إدلب؛ لإيجاد صيغ جديدة للتفاهمات الروسية التركية هناك.

سوريا بعد عملية (نبع السلام) التركية

خلفية العملية

شُكِّل التحالف الدولي ضد داعش في أيلول عام 2014، ثم شُكِّلت قوات سوريا الديمقراطية- قسد في 10 تشرين الأول 2015 بوصفها شريكًا حصريًّا ميدانيًّا للتحالف، وعلى شكل غطاء يلتفّ على إشكالية ارتباط وحدات حماية الشعب (YPG) مع حزب العمال الكردستاني المصنّف في تركيا جماعة إرهابية. ورغم مطالبة تركيا بوقف التسليح لهذه المجموعة وإنشاء منطقة آمنة، إلا أن شدة هذه المطالبات ازدادت بشكل جدّي مع تهديد مستمر واستعداد للتدخل العسكري بعد إعلان الرئيس ترامب القضاء على التنظيم وخلافته في 2019. حيثُ طالبت تركيا مجددًا بحلّ هذا التنظيم، ووقف التعاون معه من طرف أمريكا، وتسليم الأسلحة الثقيلة، وتأمين الحدود من خلال آليات تركية ودوريات مشتركة. وتأتي هذه المطالب بوصفها جزءًا من إعادة تعريف للمصالح التركية في سورية بشكل حصري ضمن إطار أمني، واستمرارًا في المطالبة بتشكيل منطقة آمنة على طرف الحدود بحيث تخفّف من تدفق اللاجئين وتضمن عدم التسرب للجماعات المهددة للأمن التركي. وبعد سلسلة من المفاوضات الأمريكية والتركية لتطبيق "المنطقة الآمنة" ابتداء في منبج وما رافقها من التفاهمات الجزيئة التي لم تفرز أي تنفيذ جدّي، انطلقت عملية " نبع السلام" التركية في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 في شرق الفرات على الحدود التركية-السورية. وحدّدت تركيا أهدافها في "تطهير منطقة شرق الفرات من وحدات حماية الشعب-YPG وداعش الإرهابييَن، والقضاء على الممرّ الإرهابي الذي تَشكَّل على الحدود التركية".

من الناحية "الحوكمية" كانت منطقة شرق الفرات تعيش حالة من "الحوكمة" الإدارية والأمنية التي تختلف عن مثيلاتها في المناطق الأخرى. فمن جهة الشكل تبدو أكثر انضباطًا وتشاركية ولكنها تشكو من تضخم في الهياكل والموارد البشرية. كما أنها كانت من حيث الممارسة والقانون الناظم والإجراءات غير مستقرة، وتجنح نحو الأسلوب الشمولي الاستبدادي في الحكم وفي المركزية الشديدة للقرارات رغم ادعاءات الفدرالية، حيث إن القرارات المهمة يتخذها أشخاص غير سوريين ومجهولو الأسماء سواء أكان في قنديل أم في غيرها. وهذا أدى في كثير من الأحيان إلى عدم وجود جهة يلجأ إليها المواطن أو المجموعات للاحتجاج كما حصل في قرار التعليم باللغة الكردية، حيث اصطدمت مجموعات مسيحية مع الإدارة الذاتية، وكما حصل كذلك في خلافات عشائر عربية من الرقة ودير الزور بسبب مصادرة قراراتهم. إن الوضع القائم قبل العملية لم يكن مستدامًا سواء من الناحية المحلية السورية أم من ناحية المشروع المعادي لدول الجوار، وغير المتصالح مع الواقع الجغرافي. ورغم أن العملية قد لا تحلّ المشكلات وربما تخلق مشكلات جديدة، لكنها من وجهة النظر التركية كانت ضرورية لإنهاء حالة هشّة يمكن أن تزداد كلفتها الأمنية لاحقًا. 


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...