رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

سياسات الأمازيغ والاندماج الوطني في ليبيا منذ عام 2011

تسعى هذه الورقة للاقتراب من الأطروحات السياسية والثقافية لجماعة الأمازيغ في ليبيا، وانعكاسها على مسألة الاندماج الوطني، وخصوصًا ما يتعلق بسياساتهم تجاه المرحلة الانتقالية وعمليات بناء النظام السياسي، وهذه النقطة تلقى أهمية من وجهة أن انسحاب الأمازيغ ارتبط بعاملين، هما: زيادة الوعي الإثني بمطالبهم بصفتهم جماعة إثنية، وتزايد الانقسامات في الدولة. فاستمرار هذه الحالة سوف يعزّز الحلول الانعزالية، كالمطالبة بالحكم الذاتي أو الفيدرالية. وتحاول الورقة تناول الآثار المترتبة على مقاطعة الأمازيغ لعمليات بناء النظام السياسي، وخصوصًا الاستثناء السياسي، كما في حوار "الصخيرات" بالمغرب، أو الاستبعاد الاجتماعي الديني في حالة إثارة الاختلاف المذهبي، بوصفه أحد عوامل الصراع، ومدى إسهام ذلك في ظهور مشكلة في الاندماج الوطني وتراجع تكامل الدولة.

سياسات الأمازيغ والاندماج الوطني في ليبيا منذ عام 2011

كشفت المراحل الانتقالية عن ظهور نماذج من المطالب الاجتماعية والسياسية، ارتبطت بالجماعات السكانية، وبخاصة تلك التي واجهت اضطهادًا تحت حكم معمر القذافي، ولذلك تتناول نظرة الأمازيغ إلى فكرة الحقوق اللغوية بوصفها منطلقًا للحقوق الدستورية، ومدى اقترابها من تجانس النظام الثقافي للدولة.

يذهب الأمازيغ إلى أن الوحدة الوطنية تتحقق بالاعتراف المتبادل ضمن دولة المواطنة والعدل والمساواة، ويستندون في مطالبهم إلى دورهم التاريخي في بناء ليبيا، واستمرار وضوح الهوية الأمازيغية. وما يشير إلى تزايد الوعي بالهوية انعقاد ثلاثة مؤتمرات منذ سبتمبر 2011، بشكل يعكس الرغبة في ترسيم الهوية الأمازيغية في الدستور، والخروج من عصر الاضطهاد في النظام السابق، بوصف ذلك حقًّا إنسانيًّا لكل السكان، وأنّه يعكس تنوع مصادر الهوية الليبية.

وخلال هذه الفترة، شكلت الحقوق اللغوية المحور المركزي لمطالب الأمازيغ، حيث رأوا أن الوضع الدستوري للغة الأمازيغية يعد من المكونات الأساسية للدولة، فهو لايخضع للتصويت، ورغم انحسار الاختلاف حول كيفية تنظيمه في الدستور تراجعت المشاركة السياسية للأمازيغ، حيث ثارت مطالب أخرى تتعلق بنظام الحكم وطبيعة النظام المحلي.

وخلافًا لجماعتي الطوارق والتبو ظلّ الأمازيغ متمسكين بمبدأ التوافق حول إقرار المواد الدستورية الخاصة بالمكونات الثقافية، أمّا الطوارق والتبو فقد ذهبوا للمشاركة في انتخابات الهيئة التأسيسية ومجلس النواب على أساس القبول بمبدأ التصويت وفق الأقلية والأغلبية، وفي هذا السياق تتناول الورقة أثر اختلاف سياسات الجماعات الإثنية في الوضع السياسي لجماعة الأمازيغ ومدى اندماجهم في الدولة.

وهناك إشكالية أخرى تتمثل في أن ظهور مطالب الأمازيغ في ظل التواء الدولة ما بين الانقسامات الاجتماعية والسياسية يشكل تحدّيًا أمام الاندماج الوطني، وهذا ما يرتبط بتعقيدات تعريف الحقوق الإثنية، ومدى تحقيقها للمواطنة وتكافؤ الفرص، وهذا ما يُحدِث نوعًا من القلق في النظام السياسي، وبخاصة في ظل تزايد مطالب الأقليات، وضعف فرص الانتقال السياسي، وتزايد الانقسامات المؤسسية.

 

أوّلًا: الإطار الاجتماعي لأمازيغ  ليبيا 

تتسم القبائل في ليبيا بتماسك الهويات الجماعية، ورغم اتساع المدن أدّت الهوية القبلية دورًا قويًّا، وبخاصة في الشرق. كما كان التمركز حول العرقية الثقافية واضحًا في مجتمعات الأمازيغ والطوارق والتبو. ويتكون المجتمع في ليبيا من أربع فئات لغوية كبرى، هي: العربية والأمازيغية والتباوية، إضافة إلى فئات لغوية أصغر تتمثل في الهوسا والفولاني، وفيما يخص الأمازيغ، تبدو أهمية تناول التطورات التنظيمية المصاحبة لثورة فبراير/شباط 2011.

مجتمع الأمازيغ

هناك تقديرات بأن الناطقين بالأمازيغية يشكلون حوالي 5-10% من سكان ليبيا، ويقيم غالبيتهم في جبل نفوسة وزوارة وغدامس، إضافة إلى الطوارق والأواجلة ويتكلمون العربية، إضافة إلى الأمازيغية، أما أمازيغ جبل نفوسة فيُعَدَّون الأكثر تمسكًا باللغة والثقافة الأمازيغية، وقد يكون سبب ذلك قربهم الجغرافي من الجزائر، أما الأواجلة فيَعدُّون أنفسهم مستعربين أكثر من سكان جبل نفوسة.

 

 


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...