رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

سياسة المساعدات الاجتماعية في تركيا

يقارن هذا البحث مفهوم المساعدات الاجتماعية في الماضي بمفهومه في الحاضر، وذلك من خلال تحليل محتوى برامج المساعدات الاجتماعية وأهدافها التي طُبِّقت حتى الآن. ومن جهة أخرى، سيعرض مقترحات التأثيرات الإيجابية للمساعدات الاجتماعية، والاقتراحات التي من شأنها زيادة فعالية العمل في العلاقة بين المساعدات الاجتماعية والاقتصاد.

سياسة المساعدات الاجتماعية في تركيا

 ملخص: تُعدّ ممارسات المساعدات الاجتماعية التي تختلف بحسب نظام الرفاهية الذي يعتمده كل دولة والتي تهدف إلى إزالة حالة عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين الأفراد متشابهة من حيث الهدف المخطط له في العديد من الدول. وكانت المساعدات الاجتماعية التي تعدّ وسيلة مؤثرة في دعم مشاركة الفقراء والمحتاجين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية من خلال تلبية حاجاتهم- موضع نقاش على نطاق واسع خلال أعوام ما بعد 2000 في تركيا.

يقارن هذا البحث مفهوم المساعدات الاجتماعية في الماضي بمفهومه في الحاضر، وذلك من خلال تحليل محتوى برامج المساعدات الاجتماعية وأهدافها التي طُبِّقت حتى الآن. ومن جهة أخرى، سيعرض مقترحات التأثيرات الإيجابية للمساعدات الاجتماعية، والاقتراحات التي من شأنها زيادة فعالية العمل في العلاقة بين المساعدات الاجتماعية والاقتصاد.

 

  1. مدخل

من أكثر الجوانب التي تُناقش في المساعدات الاجتماعية التي تختلف في أنظمة الحماية الاجتماعية، بين الدول والمجتمعات بحسب بنيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية- هي التكلفة والفعالية.

وقد تسبب ارتباط المساعدات الاجتماعية بمصطلحات كالفقر، والحاجة، والبطالة، والحرمان- في اختلاف الآراء حول تحديد المعايير التي يجب أن تقدم فيها المساعدات الاجتماعية.

ورغم وجود اختلافات مهمة في مفهوم المساعدات الاجتماعية وشموليتها، والكتل التي تستهدفها، في أنظمة الرفاهية بكل دولة، بحسب أنظمتها الليبرالية، والمحافظة، والديمقراطية الاجتماعية، ونظام رفاهية أوروبا الجنوبية- فإن الهدف المشترك للمساعدات الاجتماعية هو خفض نسبة الفقر والحرمان.

أدت المساعدات الاجتماعية التي تقدم للمحتاجين والفقراء والمحرومين بحسب أوضاعهم المختلفة، كي لا يتأثر مستواهم المعيشي بأي تأثير سلبي، وباعتبارها خدمة رفاهية تستخدم في العديد من الدول دون دفع أي مقابل- إلى تقييم المساعدات الاجتماعية مع تكلفتها المادية على اقتصاد البلاد.

يهدف نظام الرفاهية الذي تُموِّله طبقة الدخل المرتفع، لتقليل الأخطار والعراقيل التي تحول دون مشاركة المواطنين الضعفاء اقتصاديًّا واجتماعيًّا في الحياة الاجتماعية، والذي يعدّ أحد شروط دولة الرفاه[2]- إلى رفع نوعية الحياة لجميع المواطنين.

لكن عدم مشاركة المستفيدين من المساعدات الاجتماعية في دعم النظام بشكل فعال مقابل تلك المساعدات- جلب معه مشكلات حول التكلفة الاقتصادية وبخاصة في الدول النامية.

أما الدول المتطورة التي تملك أنظمة حماية اجتماعية ذات جودة عالية تقابل مفهوم "دولة الرفاه"- فلم تشهد نقاشات التكلفة الاقتصادية حتى تاريخ الأزمة المالية العالمية عام 2008، إذ ركزت هذه الدول على فعالية المساعدات الاجتماعية أكثر من تركيزها على ضروريتها.

إن نظام المساعدات الاجتماعية في تركيا شهد أيضًا تطورًا مناسبًا مع تصنيف الدول النامية والمتطورة.

وقد شهدت الفترة ما بعد إعلان الجمهورية التي تلازم فيها الحرمان مع العيش في الريف- تغيرات دورية مختلفة من ناحية الإجراءات التي اتخذت للتقليل من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية.

وكانت الاختلافات الدورية في الاقتصاد محدِّدة لممارسات الدولة الاجتماعية التي شهدت تطورًا مشابهًا بتطور الاقتصاد في تركيا.

وتلازمت في بيئة اعتُمِد فيها التأمين الاجتماعي نظامَ حماية اجتماعية، وحُدِّدت جودة الحماية الاجتماعية بحسب العمل في القطاعات المختلفة والمتمحورة على نظام التوظيف، وضمن نظام يخلق عدم المساواة بداخله- تلازمت كلمات، مثل "الحرمان، والبطالة، وغير القادرين على الإسهام" مع مفهوم المساعدات الاجتماعية.

كما تسببت المشكلات التي كان مصدرها عدم إيجاد المساعدات الاجتماعية مكانًا لها ضمن نظام الضمان الاجتماعي، وعدم تعريفها بمصطلح مشترك، ورؤية المساعدات الاجتماعية على أنها حلول قصيرة المدى- في تأجيل مناقشات نظام المساعدات الاجتماعية حتى حلول عام 2002.

وإلى جانب تميز الدول المتطورة في مفهوم المساعدات الاجتماعية، كاستنادها في تحديد برامج المساعدات إلى مبدأ "الحق"، وكونها تحمل هدف إزالة اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية على المدى البعيد، وسيادة نموذج تجاه العوامل التي تحول دون مشاركة الفرد في الحياة الاجتماعية والاقتصادية- فإن الاختلاف الأساسي ينجم عن المنظور الاقتصادي.

وإن ابتعاد الاقتصاد التركي عن تلبية حاجات طبقة الدخل المتدني وطبقة الدخل المتوسط ومتطلباتهما- هو نتيجة عدم توفر التمويل اللازم لتقوية هذه الطبقة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.

ونرى أنّ التحسينات التي عاشها الاقتصاد التركي بعد عام 2002 انعكست على برامج المساعدات الاجتماعية التي تشكل إحدى أهم نقاط الإنفاق الاجتماعي.

كما انعكست التوجّهات الإيجابية في مؤشرات الاقتصاد الكلّي على إيجاد الحلول لمشكلات كان مصدرها عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية الناتج عن الطبقة التي تعدّ من المحرومين في المجتمع، كالفقراء، والنساء، والأطفال، والمسنين، والمعوَّقين، والعاطلين عن العمل.

إنّ هذا البحث يتناول المفهوم المتغيّر للمساعدات الاجتماعية في تركيا التي تعدّ ضمن مجموعة الدول النامية، مع تغيّر المؤشرات الاقتصادية فيها، ويسلّط الضوء أيضًا على إسهام النمو الاقتصادي الذي يتحقق بشكل يتلائم مع تصنيف اقتصاديات الدول النامية في مرحلتها الأولى ويتناول أيضا المساعدات الاجتماعية، وعلى وجوب رؤية النقاشات التي تدورفي الدول المتطورة حول فعالية المساعدات الاجتماعية في تركيا أيضًا.

كما ذكِرت المقترحات التي تزيد من فعالية المساعدات الاجتماعية في تركيا التي شهدت تطورًا ملحوظًا في هذا المجال، وذلك من خلال التركيز على دور مشاركة الأشخاص في الحياة الاجتماعية والاقتصادية نتيجة المساعدات الاجتماعية، في تحديد مستوى فعالية العلاقة بين المساعدات الاجتماعية والاقتصاد.

  1. العلاقة بين المؤشرات الاقتصادية والمساعدات الاجتماعية:

كان من أبرز مسائل الاقتصاد التركي الذي كان أحد أكثر المجالات مشكلة- التقليل من عبء الديون، ودفع الفوائد المترتبة، وعرقلة الأزمات.

وقد تسبب بقاء الإنتاج الاقتصادي في معدلات متدنية، واستمرار النمو الاقتصادي بشكل غير مستقر- في اختلافات جدية في التصنيفات الاجتماعية والاقتصادية، وبخاصة عدم استفادة أصحاب الدخل المحدود من الخدمات والأموال المنتجة في البلاد.

وإن المؤشرات الاقتصادية الكلية في تركيا كالنمو، والتضخم، والعجز في الإنفاق- يقابلها في المعنى بالنسبة لطبقة الدخل المتدني والمتوسط، الحرمان.

كما كان مستوى دخل الفرد في تركيا حتى عام 2002[3]، بحسب بيانات البنك العالمي- ضمن مجموعة الدخل المتوسط المنخفض، وكانت مؤشرات الحرمان التي تظهرالمستوى المعيشي لذوي الدخل المتدني الذين يُعدَّون الفئة المستهدفة الأولى للمساعدات الاجتماعية- عالية جدًا.

وسبب اعتبار المساعدات الاجتماعية في تركيا وسيلة مؤثرة في مكافحة الفقر- هو ثلاثي المساعدات الاجتماعية، الاقتصاد  والفقر .

وكان أول مبادرة تجاه اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية من خلال قياس الفقر بالتركيز على الدخل فقط، وتجسدت في إصدار"قانون دفع مستحقات شهرية للمحتاجين، والضعفاء، ومن لا معيل له من المواطنين الأتراك ممن بلغوا الخامسة والستين" عام 1976، والذي يُعدّ أول مساعدة اجتماعية في تركيا.

أما في عام 1986 فقد عُرِّفت المساعدات الاجتماعية لأول مرة من خلال قانون تحفيز المساعدات الاجتماعية والتضامن، رقم 3294.

وشهدت الأعوام العشر المنصرمة أزمتين، هما: أزمة البترول عام 1980 التي تُعرف بأزمة البترول الثانية، وأزمة  أصحاب البنوك عام 1982.

وعلى الرغم من العلم بتأثير هاتين الأزمتين على مؤشرات الاقتصاد الكلي بشكل سلبي، فإنه لا توجد معلومات حول مدى تغييرها نسبة الفقرالذي يندرج مفهومه مع المساعدات الاجتماعية.

وتمت مباشرة تطبيق المساعدات الاجتماعية التي بدأت بتحديد الفروقات الاجتماعية والاقتصادية بمستوى الدخل، واستمرت بمنح خدمة "البطاقة الخضراء"[4] عام 1992 التي تؤمّن دخول الأفراد الذين لم يشملهم نظام التأمين الاجتماعي، ضمن نطاق التأمين الصحي، وبذلك أصبحت المساعدات الاجتماعية تشمل إلى جانب الدخل، الصحة التي تعدّ من خدمات الرفاه الأساسية.

ومع تطبيق خدمة "البطاقة الخضراء" أصبح بإمكان الأشخاص -من أجل إدامة معيشتهم- الذين لا يملكون أدنى مستوى للدخل، والذين يعدّون "محتاجين" بحسب مقياس الفقر المعتمد- أن يستفيدوا من الخدمات التي تؤمنها لهم الدولة.

وكون خدمة البطاقة الخضراء، هي المساعدة الاجتماعية الأساسية المقدّمة للفئة الفقيرة من المجتمع حتى أعوام الـ2000،  يُعبر عن المفهوم المستقر للمساعدات الاجتماعية في تركيا.

وأصبحت هناك هيكلية تهدف إلى تأمين احتياجات المواطن على الحد الأدنى أكثر من أن تكون كالمفهوم السائد للمساعدات الاجتماعية في اقتصاديات الدول المتطورة، والتي تقوم على التقليل من اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية، واستفادة جميع المواطنين من خدمات الرفاهية، كالصحة والتعليم، بغض النظر عن ميزاته الاجتماعية والاقتصادية.

وإن العنصر الأساسي في تكوّن هذه الهيكلية هو أوضاع الدول الاقتصادية، ويظهر الشكل1 حصة حجم النفقات التي خصصتها دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، للمساعدات الاجتماعية ضمن الدخل القومي بين عامي 1990- 2000.

الشكل1: مقدار النفقات الاجتماعية/ الناتج المحلي الإجمالي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بين عامي 1990– 2000 (%)

 

المصدر: منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية[5].

*لاتوجد معلومات حول عام 2000.

متوسط قيمة النفقات الاجتماعية، ومن بينها المساعدات الاجتماعية، ضمن دخل الدولة في الفترة ما بين عامي 1990- 2000- تشهد اختلافات كبيرة بين الدول النامية والمتطورة.

الدول المتطورة في ممارسات الرفاهية مثل السويد، والدنمارك، وفنلندا، والنروج- هي في مرتبة متقدمة جدًّا بالنسبة للدول الأخرى فيما يخص النفقات الاجتماعية، التي تدخل ضمنها المساعدات الاجتماعية.

من جهة أخرى، فإنه في أمثلة الدول، كألمانيا، وهولندا، وبلجيكا، وفرنسا- التي تنظر إلى المساعدات الاجتماعية على أنها "حق" للأفراد من أجل مشاركتهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية- فإن قيمة النفقات الاجتماعية ضمن الدخل القومي للبلاد مرتفعة جدًّا.

 

إن حصة النفقات الاجتماعية لتركيا في هذه الفترة التي تشمل الأعوام بين 1990- 2000، ضمن الناتج المحلي الإجمالي- كانت منخفضة جدًّا.

وإن التشابه في متوسط نسبة النفقات الاجتماعية والناتج الإجمالي المحلي لكل من تركيا والمكسيك يظهر علاقة النفقات الاجتماعية التي تدخل المساعدات ضمنها، مع ميّزات الاقتصاد في كلا البلدين.

وبينما تُصنَّف النفقات الاجتماعية وضمنها المساعدات في اقتصادات الدول المتطورة على أنها خدمات تزيد من رفاهية الدولة، يتم النظر إليها في البلدان النامية على أنها نفقات غير مجدية ولا فائدة منها.

وإن مجموع نسبة النفقات الاجتماعية والتي تدخل المساعدات ضمنها أيضًا، خلال الأعوام العشرة الماضية بين عامَي 1990- 2000 في تركيا تعادل 6,87% فقط من مجموع الدخل، وأما عدم وجود المعطيات الخاصة بعام 2000 فيظهر لنا النقص الذي تعانيه تركيا في مجال التأمين الاجتماعي.

أما في عام 2000 وما بعدها فقد تحولت المساعدات الاجتماعية في تركيا إلى وسيلة سياسية ومؤثرة، يستوجب استخدامها في حل العديد من المشكلات التي تؤثر في الدخل.

فعقب الانكماش الاقتصادي الذي قُدّر بـ 5,7% عام 2001 عاش الاقتصاد التركي نموًّا متواصلًا حتى عام 2009، وبعد  الانكماش الاقتصادي الذي شهده عام 2009 بمعدل 4,8% نتيجة تأثره من الأزمة المالية العالمية عام 2008 استمر الاقتصاد في نموه الإيجابي حتى الربع الأخير من عام 2015.

زاد الدخل السنوي لتركيا، وتسبب هذا في الوقت نفسه في زيادة الموارد المحولة إلى مجال المساعدات الاجتماعية، لذا فإنه يمكن بحث نوعية المساعدات الاجتماعية من خلال ربطها بالنمو الاقتصادي.

لهذا فإن الشكل2 يعطينا معطيات أولية لمعرفة سرعة تطور نسب النمو الاقتصادي التركي، والموارد المخصصة للمساعدات الاجتماعية. 

الشكل2: الناتج الإجمالي المحلي في تركيا وسرعة تطوره بالنسبة للأسعار الثابتة (2002-2014، %)

 

المصدر: مؤسسة الإحصاء التركية

إن زيادة الحصة التي تخصصها الاقتصادات ذات الدخل المرتفع للمساعدات الاجتماعية سنويًّا، واستمرار حصة الموارد المخصصة للمساعدات الاجتماعية في الانخفاض نسبيًّا في الاقتصادات النامية- يظهران لنا العلاقة بين التصنيفات الاقتصادية للدول وبين المساعدات الاجتماعية.

وإن النقطة المشتركة للمساعدات الاجتماعية التي تختلف بحسب تصنيفات الرفاهية المختلفة هي الإنفاق الاجتماعي المرتفع كمًّا ونوعًا في الاقتصادات المتطورة.

وعلى الرغم من تحميل النفقات الاجتماعية والتي تشمل المساعدات الاجتماعية مهامَّ مختلفة بحسب ميزات الدول السياسية والاقتصادية، فإن العلاقة بين المساعدات الاجتماعية والاقتصاد لها ميزة متشابهة.

  1. شمولية برامج المساعدات الاجتماعية في تركيا

يعدّ الوضع الاقتصادي وهيكليته من العوامل المهمّة التي تحدد محتوى المساعدات الاجتماعية، وشموليتها، وأهدافها.

إلا أن توجيه انتقادات قوية لاعتبار المساعدات الاجتماعية آخر ملجأ يُلجَأُ إليه من بين آليات التأمين الاجتماعي[6]، واستخدامها وسيلة لإتمام نواحي النقص الموجودة في نظام التأمين الاجتماعي[7]، ودفع المساعدات الاجتماعية الأفراد إلى الكسل- تسبب في أن يكون الجانب الاجتماعي للمساعدات الاجتماعية موضع نقاش إلى جانب منحاه الاقتصادي أيضًا.

وإن الادعاءات حول أن المساعدات الاجتماعية التي يُنظر إليها على أنها تكلفة اقتصادية تشكل ثقلًا كبيرًا على اقتصاد البلد- تلقى دعمًا حول فكرة استمرارية هذه التكلفة، عندما تفشل المساعدات الاجتماعية في إشراك الفرد في عملية الإنتاج الاقتصادي.

وحدثت عقب الأزمة المالية العالمية 2008 نقاشات حول فعالية المساعدات الاجتماعية في العديد من دول الاتحاد الأوروبي، مثل إسبانيا، والبرتغال، واليونان، وقد عُبِّر عن هذه النقاشات في تركيا خلال الفترة التي شملت ما بين عامي 2002- 2015 أيضًا.

إلا أن الفرق بين تركيا والدول الأخرى هو حدوث النقاشات حول فعالية المساعدات الاجتماعية في الفترة التي تم فيها تناول موضوع المساعدات الاجتماعية.

أما في اقتصادات الدول المتطورة فإن مصدر النقاشات حول فعالية المساعدات الاجتماعية التي يعدّ تقديمها للمحتاجين من مسؤولية الدولة الاجتماعية لترتفع إلى نسبة تسد احتياجات الأفراد المحتاجين- هو التأثير السلبي القوي للأزمة المالية العالمية.

وإن لتركيا ماضيًا قريبًا مقارنة بالدول المتطورة في مجال المساعدات الاجتماعية، وإن تجربتها في هذا المجال محدودة، وإنّ عدم وجود بيانات توضح النفقات الاجتماعية بين عامي 2000- 2005 دليل على أن تجربتها في هذا المجال جديدة.

وإلى جانب علاقة المساعدات الاجتماعية باقتصاد البلاد في تركيا، هناك عامل مؤثر آخر في المساعدات الاجتماعية، وهو أخذ الإرادة السياسية بعين الاعتبار طلبات واحتياجات طبقة الدخل المتدني والمتوسط من الشعب.

والرأي الغالب في هذا المجال هو فكرة تأثير استخدام الموارد الاقتصادية في مجالات التعليم والصحة والمواصلات التي تعد من ممارسات الرفاهية، وكذلك تأثير تأمين تكافؤ الفرص في هذه المجالات بشكل إيجابي في الطبقة التي توجد ضمن ذوي الاحتياجات الاجتماعية أكثر من باقي الطبقات الاجتماعية والاقتصادية.

ولوحظ في بحث حول كيفية تأثير حصة النفقات المخصصة للتعليم من قبل الدولة في تعليم الأطفال الذين من الطبقات الاجتماعية-الاقتصادية المختلفة- أن العائلات الفقيرة عندما ترسل أبناءها إلى المدرسة فإن أكبر مشكلة تواجهها هي المصاريف المدرسية.[8]

ولهذا السبب، فإن زيادة المصاريف المخصصة للتعليم والصحة من قبل الدولة في تركيا تعدّ عاملًا مهمًّا في استفادة الأفراد والعائلات الفقيرة من هذه الخدمات... والشكل3 يظهر لنا التغير الذي طرأ بين عامَي 2002- 2014 على نسبة نفقات التعليم والصحة ضمن الدخل القومي.

الشكل3: ميزانية التربية والتعليم/ الناتج الإجمالي المحلي والنفقات الصحية العامة/ الناتج الإجمالي المحلي (2002-2013، %)

 

المصدر: الميزانية والمديرية العامة للرقابة، منظمة الصحة العالمية

 

إن عملية الإصلاح في خدمات الرفاهية التي تشكّل الخطوة الأولى لنقطة التحول التي شهدتها المساعدات الاجتماعية خلال أعوام الـ2000، كان هدفها استفادة الأفراد الذين يحصلون على المساعدات الاجتماعية من الدولة بشكل فعال وعادل.

إن توزيع الكتب المدرسية خلال مراحل التعليم الأساسية التي تشمل 12 عامًا، وتضم المرحلة الابتدائية والمرحلة الإعدادية والمرحلة الثانوية، وافتتاح جامعة واحدة على الأقل في مجال التعليم العالي بكل مدينة- تحمل أهمية كبيرة من حيث مشاركة الطبقة الفقيرة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، التي ظلت نتيجة العوامل الاقتصادية المختلفة خارج العملية التعليمية.

كذلك فإن زيادة مِنَح الدولة في كل مرحلة تعليمية، وإلغاء المصاريف المدفوعة على التعليم- أسهمت في تقليل الأخطار الناجمة عن الفقر التي تواجه الطبقة الفقيرة والمحتاجة الأكثر تعرضًا لتأثير مصاريف التعليم، ومع خدمة الضمان الصحي العام التي تعدّ نقطة تحول في المجال الصحي أصبح كل فرد في تركيا ضمن التأمين الصحي.

وشملت ممارسات الرفاهية التي تطرقنا إليها بشكل عام فيما سبق جميع الأفراد من دون تفرقة اجتماعية أو اقتصادية.

أما المساعدات الاجتماعية فإنها أسهمت من خلال اختيار الأشخاص الضعفاء اجتماعيًّا واقتصاديًّا هدفًا لها- في تقوية هؤلاء الأفراد بدعمهم من الناحية الاجتماعية والاقتصادية.

وشهدت المساعدات الاجتماعية التي كانت تُقيّم ضمن نطاق الضمان الاجتماعي حتى الأزمة الاقتصادية عام 2001 في تركيا، والتي لم تجد لها مكانًا ضمن نظام التأمين الاجتماعي- تقدمًا ملائمًا للتطورات التي عاشتها ممارسات الرفاهية.

وشكلت الأزمة الاقتصادية عام 2001 التي تعدّ أكبر أزمة في الاقتصاد التركي نقطة تحول في مجال المساعدات الاجتماعية، وقبيل هذا التاريخ، كانت المساعدات المقدمة بوساطة التمويل التحفيزي لمؤسسة التعاون والتضامن التي أًسِّست سنة 1986- تُقدَّم وفق نظام  قصير المدى، وغير ممنهج، وكانت تنفذ من دون التنسيق بين المؤسسات المعنية، ومن دون وجود آلية مراقبة كافية. 

وبعد الأزمة الاقتصادية عام 2001 دخلت المساعدات الاجتماعية فترة مؤسساتية، عقب مشروع تقليل الخطر الاجتماعي (SRAP) الخاص بالطبقة الفقيرة، ويعدّ مشروع تقليل الخطر الاجتماعي نموذجًا حيًّا على قيام نظام مساعدات اجتماعية من خلال التقليل من الأخطار الاجتماعية والاقتصادية التي لحقت بطبقة الفقراء والمحتاجين، والتي تعدّ أكثر الفئات تضررًا من الأزمة الاقتصادية عام 2001.

وبعيدًا عن السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي شملت الجميع، وزادت من الدخل بشكل مفرط- فإن تشكيل نظام تجاه طبقة ذوي الحاجات الاجتماعية، يعدّ عنصرًا مؤثرًا لقبول نظام المساعدات الاجتماعية في تركيا.

وفي عام 2003 بُدِئ بتطبيق خدمة التحويلات النقدية المشروطة (ŞNT ) التي كان هدفها الأطفال والأمهات والحوامل، وقُدِّمت من خلال هذه الخدمة مبالغ معينة من المساعدات بشرط استمرار الأطفال في الذهاب إلى المدارس، وقيام معاينة الأمهات الحوامل بفحوصاتهن الصحية، ومراقبة نمو وتطور الأطفال حديثي الولادة لدى الطبيب.

وتتبوّأ خدمة التحويلات النقدية المشروطة في تركيا، التي تُقدَّم في الدول النامية، مثل البرازيل تحت مسمى (بولصا فاميليا)، وفي المكسيك تحت مسمى (بروغريسا)- مكانًا مهمًّا ضمن نظام المساعدات الاجتماعية.

إن وجود مؤشرات الصحة والتعليم ضمن قائمة مؤشرات التنمية البشرية، وارتباط وصول الفرد إلى مرحلة الكفاية في هذه المؤشرات، ووجود علاقة قوية بين متغيرات التعليم /الصحة وبين الدخل- تظهر لنا وجوب تقديم المساعدات الاجتماعية في هذه المجالات، ويبين الشكل4 مقدار إجمالي الموارد التي  خُصِّصت لمجال الصحة والتعليم من المخصصات النقدية المشروطة التي بدأ تنفيذها عام 2003.

الشكل4: مقدار الموارد المخصصة للمساعدات التعليمية والصحية المشروطة في تركيا (ألف ليرة تركية، 2003– 2014)

المصدر: وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية، المديرية العامة للمساعدات الاجتماعية.

 

إن المساعدات الاجتماعية التي كثفت نشاطاتها بداية في مجال التعليم والصحة- طورت أنشطتها فيما بعد في مجالات مختلفة بدعم من المجتمع وطلب منه.

وشكّل تحوّل مؤسسة التمويل التحفيزي للتعاون والتضامن الاجتماعي عام 2004 إلى المديرية العامة للتعاون والتضامن الاجتماعي- نقطة مهمّة في تنوّع المساعدات الاجتماعية ومؤسساتيتها.

وفي عام 2011 أُسِّست وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية التي تضم في بنيتها المديرية العامة للتعاون والتضامن الاجتماعي أيضًا.

ثمّ بُدِئ بتقديم المساعدات الاجتماعية التي شملت إلى جانب التعليم والصحة العديد من الفئات المحرومة، تحت إشراف وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية، التي كان من أهداف تحديد احتياجات المحتاجين، وغير المقتدرين اجتماعيًّا واقتصاديًّا، وتنفيذ الخدمات اللازمة لقضاء هذه الاحتياجات وتطوير السياسات في هذا المجال.

ويظهر الشكل5 المساعدات الموجودة والمقدمة ضمن بنية وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية اعتبارًا من عام 2015، حيث يُنفَّذ 25 برنامج مساعدات تحت عناوين رئيسة، مثل المساعدات العائلية، ومساعدات المعوَّقين، ومساعدات التوظيف، والمساعدات ذات الأهداف الخاصة، إلى جانب مساعدات التعليم والصحة.

 

الشكل5: برامج المساعدات الاجتماعية الحالية في تركيا، 2015

المصدر: المديرية العامة للمساعدات الاجتماعية في وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية.

وكما شهدت المساعدات الاجتماعية بعد 2002 اختلافًا كبيرًا في مفهوم ونظام المساعدات الاجتماعية عما كانت عليه قبل عام الـ2000، فإنها شهدت كذلك اختلافًا كبيرًا من حيث الموارد المخصصة لذلك.

ومن العوامل الرئيسة التي تسببت في هذه الزيادة اتجاه الاقتصاد في منحى إيجابي بشكل عام، وتجاوب المجتمع مع سياسات التقليل من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، ورضى المستفيدين من المساعدات الاجتماعية بالمساعدات التي تقدم إليهم.

ويظهر الشكل5 حجم المبالغ المخصصة للمساعدات الاجتماعية بين عامي 2002- 2014، وحصة هذه المبالغ ضمن الناتج الإجمالي المحلي.

الشكل6: حجم المساعدات الاجتماعية في تركيا (مليار ليرة تركية)، وحصة المساعدات الاجتماعية ضمن الميزانية (%)، 2007– 2015

المصدر: المديرية العامة للمساعدات الاجتماعية، وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية.

حجم المساعدات الاجتماعية 0,5% ضمن الناتج الإجمالي المحلي عام 2002، وقد وصلت هذه النسبة عام 2014 إلى 1,31%.

كان حجم الموارد المخصصة للمساعدات الاجتماعية بعد عام 2002 يُقدّر بـ1.376.069 ليرة تركية، بينما في عام 2014 ازداد قرابة 166% ليصل إلى 22.914.990 ليرة تركية، وهذه الزيادة النوعية في المساعدات الاجتماعية جعل تأسيس هيكلية ممنهجة في هذا المجال أمرًا لا بدّ منه.

كما طُوِّرت مقترحات حلول للمشكلات التي ظهرت حول أسس تقديم المساعدات الاجتماعية، ومعاييرها، وشموليتها، وحول تحديد مدتها.

ومن بين مقترحات الحلول هذه، مشروع خدمات المساعدات الاجتماعية المتكاملة، الذي بُدِئ العمل بتنفيذه خلال خطة العمل التي وضعت للأعوام 2006- 2010، وانطلق "مشروع خدمات المساعدات الاجتماعية المتكاملة" بعد التوقيع، في عام 2010.

وكان الهدف في إطار المشروع هو منح المساعدات الاجتماعية التي تعدّ أهم المشكلات المعترضة في مجال المساعدات الاجتماعية وفق مبدأ الحق، وعدم تكرار المساعدات الاجتماعية لنفس الأشخاص، وتأمين فعالية هذه المساعدات.

إن نظام خدمة المساعدات الاجتماعية المتكاملة هو نظام تجتمع فيه كافة البيانات المتعلقة بالمساعدات الاجتماعية، وبذلك ومن خلال جمع كل بيانات المؤسسات في نظام واحد، يمكن تحديد الأفراد والعائلات التي استفادت من المساعدات الاجتماعية، وزيادة فعالية المساعدات الاجتماعية من خلال إنشاء هيكلية متكاملة لها.

وإلى جانب نظام المساعدات الاجتماعية المتكاملة فُعِّل نظام معلومات المساعدات الاجتماعية (SOYBİS) عام 2010، وهو برنامج يؤمّن مشاركة المعلومات المتعلقة بالمساعدات الاجتماعية بين المؤسسات. وقد أسهم نظام معلومات المساعدات الاجتماعية في حل مشكلة الإجراءات البيروقراطية التي كانت تشكل عائقًا أمام وصول الأفراد المحتاجين إلى المساعدات الاجتماعية.

وإن هذا النظام الذي يراعى فيه أمن البيانات الشخصية، ويُنقل جميعها إلى الوسط الإلكتروني، يقدم أيضًا معلومات أولية من أجل تحديد نطاق المساعدات الاجتماعية والفئة التي ستُقدّم لها هذه المساعدات، إضافة إلى ذلك فإن البيانات التي يقدمها نظام معلومات المساعدات الاجتماعية تشكل أهمية من حيث تشكيل مقترحات الحلول تجاه المشكلات التي تظهر في أثناء عملية تنفيذ المساعدات الاجتماعية.

أما مشروع صيغة التقييم من خلال النقاط، الذي شُكِّل لتحديد الأشخاص أو العائلات التي ستُقدم لها المساعدات الاجتماعية، فهدفه أيضًا زيادة فعالية المساعدات الاجتماعية وإنتاجيتها.

إن استخدام الأشخاص للتحويلات الاجتماعية التي تعدّ من المساعدات الاجتماعية أيضًا، على الرغم من عدم وجود حالة فقر أو احتياج- أوجب استخدام قائمة معايير موضوعية بشأن تحديد مستخدمي المساعدات الاجتماعية.[9]

لذلك فإن الصيغة التقييمية التي طُوِّرت لهذا الهدف تشمل عملية تعتمد على تحليل الميزات الاجتماعية والاقتصادية لعينة من الأشخاص المستفيدين وغير المستفيدين من المساعدات الاجتماعية، وعلاقات هؤلاء الأشخاص بالمساعدات الاجتماعية.[10]

ويهدف مشروع التقييم كباقي المشروعات أيضًا إلى حل المشكلات التي تعترض قبل تقديم المساعدات الاجتماعية وفي أثنائه وبعده، ورفع مستوى استفادة الأفراد والمجتمعات من المساعدات الاجتماعية.

  1. النتائج والمقترحات

إن المساعدات الاجتماعية التي تتبوّأ مكانًا مهمًّا ضمن نظام التأمين الاجتماعي تختلف عملية سيرها في الدول النامية، مثل تركيا عن الدول المتطورة.

وعلى الرغم من اختلاف ميزات المساعدات الاجتماعية من ناحية المحتوى والشمولية بحسب تصنيفات الرفاهية التي تعتمدها الدول، فإنها تشترك في أهدافها، والتي تتجسد في التقليل من الفقر، وقضاء حوائج الأفراد المحتاجين.

والرؤية المشتركة حول الهدف تظهر في الانتقادات الموجهة للمساعدات الاجتماعية، حول تسببها في تشكيل ثقافة الاعتياد، وكونها مكلفة لاقتصاد البلد.

ولا تزال هناك خلافات ونقاشات حول كون المساعدات الاجتماعية مصاريف مثمرة وفعالة أم لا، حتى في الدول ذات الدخل المرتفع، والتي تعدّ المساعدات الاجتماعية "حقًّا" للأفراد، وعلى الرغم من ذلك، فإنه يوجد في اقتصاديات الدول المتطورة نظام تأمين اجتماعي قوي يضم المساعدات الاجتماعية، ونشاهد تغيرات بالمساعدات الاجتماعية في الدول النامية بحسب المؤشرات الاقتصادية.

وتسبب عدم وجود مصطلح يعرّف حدود المساعدات الاجتماعية في تركيا قبل أعوام الـ2000 في فتح الطريق أمام عدم التنسيق، وممارسات خاطئة، وغير عادلة في المساعدات الاجتماعية، إلا أن علاقة المساعدات الاجتماعية التي قُدّمت في تركيا قبل عام 2000، مع الوضع الاقتصادي في البلاد- تعدّ من الأسباب المحددة في مجال المساعدات الاجتماعية.

وحقيقة اصطحاب المساعدات الاجتماعية معها العجز الميزاني في السنوات التي تكاد تكون فيها الأزمات الاقتصادية دورية- تظهر لنا ارتباط المساعدات الاجتماعية بالبنية الاقتصادية للدول.

أما إعطاء نظام التأمين الاجتماعي أهمية أكثر من المساعدات الاجتماعية كإجراء للدولة الاجتماعية، فسببه مفهوم ارتباط  التأمين الاجتماعي بشرط التوظيف.

وعلى الرغم من هذا، فإن أسبابًا كالعجز التمويلي الموجود في نظام التأمين الاجتماعي، وبقاء المحتاجين ضمن هذا النظام وجهًا لوجه، مع الأخطار الاجتماعية والاقتصادية، وعدد المسنين- جعلت الإصلاح في نظام التأمين الاجتماعي أمرًا لا بدّ منه.[11]

ومع إعادة هيكلة نظام التأمين الاجتماعي، بدأت أيضًا إعادة هيكلة المساعدات الاجتماعية التي تكمن ضمن هذا النظام، ولم تُعرَّف بعد بشكل تام.

وإن عدم وجود تعريف واضح للمساعدات الاجتماعية في تركيا، نتيجة البنية الاقتصادية للدولة، والأخطاء الموجودة في نظام التأمين الاجتماعي، وعدم وجود بنية مؤسساتية لها- أظهرت لنا وجوب إعادة هيكلة المساعدات الاجتماعية. أما الأزمة الاقتصادية التي حدثت عام 2000 فقد أثّرت بثقلها في الطبقة الفقيرة، ببداية نقطة التحول في هذا المجال.

كما طُوِّر العديد من البرامج والمشروعات الاجتماعية المختلفة بحسب فئات الفقر وذوي الحاجة المتعددة، مثل الفقراء، والمحتاجين للعناية، والمعوّقين، والأطفال، والمسنين، وذلك من خلال عملية إعادة تنظيم المساعدات الاجتماعية التي أخذت الدعم من المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الإجمالي التركي.

ومع تحويل الصندوق التحفيزي للتعاون والتضامن الاجتماعي عام 2004 إلى المديرية العامة للتعاون والتضامن الاجتماعي، وتأسيس وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية عام 2011، ونقل المديرية العامة للتعاون والتضامن الاجتماعي إلى بنية الوزارة- تم تأمين مؤسّساتية المساعدات الاجتماعية.

إضافة إلى أن زيادة نسبة المورد المخصص للمساعدات الاجتماعية عام 2014 ضمن ميزانية الإدارة المركزية إلى 1,31%- تظهر لنا ارتفاع الموارد المخصصة للمساعدات الاجتماعية سنويًّا، وتسببت الزيادة في مقدار المساعدات الاجتماعية، في حدوث نقاشات حول فعالية الموارد المخصصة لهذا المجال.

إلا أن وجود انتقادات حول دفع المساعدات الاجتماعية الأفراد إلى الإدمان والكسل والاعتياد على الكسب المريح أكثر من انتقاد محتواها وأهدافها- يشكّل انحيازًا في فعالية المساعدات الاجتماعية وإنتاجيتها في تركيا.

وتشكل تقوية الأفراد المحتاجين والفقراء في مجال التعليم والصحة من خلال التحويلات المادية المشروطة- حجة قوية ضد الانتقادات والنقاشات التي تدعي عدم الحاجة إلى المساعدات الاجتماعية، وبأنها غير مثمرة.

وأحرزت تركيا التي لها ماض قريب في مجال مؤسسة المساعدات الاجتماعية وتكوين نظام ممنهج لها- تقدمًا مهمًّا من حيث تنوع برامج المساعدات الاجتماعية وشموليتها، ومقدار المورد المخصص لها.

وإن وجود نقاشات فعالة وانتقادات حول تسبب المساعدات الاجتماعية بتكلفة اقتصادية لا تقتصر على البلدان النامية فقط، بل توجد ضمن أجندة البلدان المتطورة أيضًا.

إلا أن دعم الأفراد غير المقتدرين اجتماعيًّا واقتصاديًّا من خلال المساعدات الاجتماعية يظهر "حق" المساعدات الاجتماعية، والمكانة التي تتبوّؤها ضمن نظام الضمان الاجتماعي.

وشهدت تركيا في مجال المساعدات الاجتماعية تقدمًا مهمًّا من حيث تحديد الأشخاص الذين ستُقدَّم المساعدات إليهم، ومن جهة شمولية برامج المساعدات.

لكن الانتقادات الموجهة بشأن فعالية المساعدات الاجتماعية وتكلفتها الاقتصادية، تصعّب من متابعة التغيرات التي تطرأ على مؤشرات المستفيدين من هذه المساعدات.

وبهذا سيكون من الممكن تحليل تأثير المساعدات الاجتماعية في حالات الفقر والعوز، ومن ثَمّ ستتأثر المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع بشكل إيجابي، بتأمين الحماية الاجتماعية الفردية، من خلال تأمين مشاركة الأشخاص المستفيدين من المساعدات الاجتماعية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

وسيسهم نظام المتابعة في تقليل الطلب المستمر للمساعدات الاجتماعية من قبل الأفراد الذين وصلوا إلى عتبة معينة من الحماية الاجتماعية، إلى جانب قياس مستوى تأثير المساعدات في الأشخاص المستفيدين منها.

وبذلك فإنه من خلال مشاركة الأشخاص الذين حصلوا على المساعدات، في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بفضل برامج المساعدات الاجتماعية- ستنعدم الحاجة إلى المساعدات الاجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك فإن تنوع المساعدات في مجال التعليم والصحة، ومتابعة نتائج المخصصات النقدية المشروطة، سيقويَّان الثروة البشرية للأشخاص، وبنفس الوقت سيؤثر إيجابًا في العلاقة بين المساعدات الاجتماعية والتوظيف.

ومن خلال التنسيق بين المؤسسات تُمكِن عرقلةُ استغلال المساعدات الاجتماعية، وبالأخص من الأشخاص الذين يعملون بشكل غير رسمي، والذين يستمرون في تلقي المساعدات الاجتماعية بشكل غير قانوني.

وستسهم ضرورة تحليل مدى تأثير المساعدات الاجتماعية في المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، في التقليل من الحكم المسبق حول عدم فائدة المساعدات الاجتماعية، وعدم الحاجة إليها.

فضلًا عن ذلك، فإن الممارسات التي تزيد من التأثير الإيجابي في آلية المساعدات الاجتماعية التي تعدّ جزءًا مهمًّا من نظام الحماية الاجتماعية كما هو الحال في الدول المتطورة- ستسهم في التطور الاقتصادي والاجتماعي لتركيا في أعلى مستوياتها، وسيكون هذا التطور بمثابة المرشد من أجل سياسات الحماية الاجتماعية في الدول النامية والأقل نموًّا، التي تتّخذ تركيا نموذجًا لها.

الهوامش:

 

[1]  حصلت على الشهادة الجامعية من فرع الرياضيات بجامعة قوجا ألي عام 2008، وعلى شهادة الدراسات العليا في مجال الاقتصاد عام 2012، وأكملت مرحلة الدكتوراه في قسم السياسة الاجتماعية بجامعة يلدرم بيازيد من خلال رسالتها: "تأثير المساعدات الاجتماعية في الرفاه الاجتماعي في تركيا". أعمالها مستمرة في مجالات أنماط السياسة الاجتماعية، والمساعدات الاجتماعية، وتفاوت الدخل، ومصاريف الدولة وفي النمو الاقتصادي.

*تم انجاز هذه الدراسة بإشراف من أردال طاناس قراغول أستاذ الاقتصاد في جامعة يلدرم بيازيد

 

[2]CICHON, M. (1996).. هل تستطيع أوروبا تمويل دولة الرفاهية في المستقبل أيضًا؟ تغير الحماية الاجتماعية ومشكلاتها في أوروبا، محاضرة ETUC-ETUI، (Der. A. BOSCO ve M. HUTSEBAUT)، بروكسل، معهد النقابات الأوروبية، نقابة هارب-إش، ص 75-100.

[3]Jesus Felipe, Tracking the Middle Income Trap, Asian Development Bank, No: 306, March, 2012.

 

[4]بوغرا، كيدر، (2011) كتابات السياسة الاجتماعية، دار إليتشيم للنشر، إسطنبول.

[5]https://data.oecd.org/socialexp/social-spending.htm.

[6]Ditch, J. (1999). “Full Circle: A Second ComingforSocial Assistance?”, ComparativeSocialPolicyConcepts,

TheoriesandMethods, Clasen, J, (der.) UK-USA:Blackwell, 114-135.

.

[7]أدهم جنغلجي، (1993)، ‘‘أهمية المساعدات الاجتماعية ودورها في تحقيق الرفاه الاجتماعي’’، مجلة المعهد العالي للخدمات الاجتماعية، مجلد: 11، العدد: 1-2-3، أنقرة.

[8]Castro-Leal, F. (1996). Povertyandinequality in thedistribution of publiceducationspending in South Africa. The World Bank..

[9]شكر، (2008) تأثير التحويلات الاجتماعية في الفقر في تركيا، تشكيلة تخطيط الدولة، رسالة تخصص، أنقرة.

[10]أردال قرة غول، يلدرم، مراد، أرالب، غونش، صونغور (2013). العوامل المحددة للمستفيدين من المساعدات الاجتماعية، مجلة كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، 15(1)، 1-22.

[11]رئاسة وزراء الجمهورية التركية (نيسان 2005)، "إصلاح الأمن الاجتماعي: المشكلات ومقترحات الحلول"، إعادة التنظيم في إدارة الدولة: 9، رئاسة وزراء الجمهورية التركية، أنقرة.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...