تطورت الحروب في ظل تطور التقنيات والوسائل المستخدمة فيها عبر العصور، انتقالًا من الحروب التقليدية بين جيشين نظاميين وهي تمثل الجيل الأول من الحروب، إلى الحروب النووية التي شكل العنصر النووي فيها حسمًا للمعارك وهي تمثّل الجيل الثاني من الحروب، ثم الحرب التكنولوجية التي شكلت الجيل الثالث من الحروب، وتضمنت إدخال أدوات تكنولوجية حديثة، وجاء الجيل الرابع من الحروب الهجينة ليضع تحديات جديدة أمام الجيوش وكيفية التعامل مع الأبعاد المختلفة لهذا النوع من الحروب.
استُخدِم مصطلح الحرب الهجينة في نهاية حرب الشيشان خلال العقد الأخير من القرن العشرين، إذ وُصِفت بأنها نموذج عصري لحرب العصابات، تُستخدَم فيها التكنولوجيا الحديثة والوسائل والأدوات لحشد الدعم النفسي والمعنوي والشعبي، وهو ما يضع الجيوش النظامية أمام حالة من الارتباك، فهي حروب تمتزج فيها الأسلحة التقليدية والحديثة مع التكنولوجيا وأدواتها المختلفة، وهي النموذج الأكثر تطورًا وتأثيرًا في ميدان الحروب، إذ تُوظف الحروب الهجينة كلًّا من المبادئ العسكرية، والنفسية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية معًا؛ من أجل تحقيق أهدافها، ففي الوقت الذي تسعى فيه الحروب الهجينة إلى استنزاف العدو عسكريًّا، تسعى بالمقابل إلى الضغط عليه نفسيًّا، واقتصاديًّا، وسياسيًّا، إلى جانب تهيئة الحواضن الاجتماعية للدعم والمساندة؛ لتقوم بدورها المطلوب وتقديم الدعم اللازم، وكل هذه العوامل مجتمعة تضع أمام الجيوش مزيدًًا من الصعوبات والتحديات في أداء مهام أعمالها في إطار الحرب الهجينة.
ويُعَدّ مفهوم الحرب الهجينة من المفاهيم التي لم يجرِ تطوير آلية موحدة لفهمها وتحديدها بشكل دقيق بعد، وهذا الأمر من شأنه أن يعوق من القدرة على مواجهة تهديدات الحروب الهجينة وردعها عند الضرورة. من أجل ذلك ولتقديم فهم أعمق للحرب الهجينة، جرى تصميم مشروع حملة تطوير القدرات متعددة الجنسيات (The Multinational Capability Development Campaign MCDC)، وذلك سعيًا إلى معالجة أوجه القصور المختلفة في محاولة وضع تعريف لمفهوم الحروب الهجينة عبر تطوير إطار تحليلي لفهم هذا النوع من الحروب، إذ يهدف هذا المشروع إلى زيادة فهم صانعي السياسيات والقوات المسلحة الوطنية ومتعددة الجنسيات للحرب الهجينة، من أجل تطوير حلول ممكنة لمواجهة هذه التهديدات الهجينة.
ويتضح بأن الحرب الهجينة، أو ما يُصطلَح على تسميته بحروب المستقبل، بأنها حرب متعددة ومتنوعة من حيث الأساليب والأدوات، يتم خلالها توظيف مختلف الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين من أجل تحقيق أهداف الحرب، وتتضمن أهدافًا متنوعة إلى جانب أهدافها العسكرية المعلنة، وتقوم كذلك على مبدأ توظيف أدوات مختلفة في الوقت نفسه، مثل الهجمات السيبرانية، والنفسية، والإعلامية، والعسكرية، والاقتصادية، في الوقت نفسه الذي يتم فيه تنفيذ هجمات عسكرية على الخصم، وهذا يجعل الدولة المستهدفة في حالة فوضى يصعب معها التصدي لمثل هذا النوع من الهجمات المتنوعة.
ومن وجهة نظر غربية، تُعَدّ الحروب الهجينة تقويضًا أو إضعافًا لمستوى الخصم من خلال التأثير في البعد النفسي للخصم ومحاولة التأثير في القرارات في المستويات المحلية والإقليمية والحكومية والمؤسساتية، وذلك عن طريق الاستهداف المتعمد لنقاط الضعف النظامية للدولة ومؤسساتها، من خلال مجموعة واسعة من الوسائل السياسية، والعسكرية، والنفسية، والاقتصادية، والإعلامية، التي تستغل نقاط الضعف لدى الخصم من أجل تحقيق أهداف هذه الحرب.
في حين ترى وجهة النظر الروسية بشكل مغاير بأن الحرب الهجينة هي نهج ضمن حرب تقليدية أوسع، تُستخدَم فيها العمليات النفسية أداة رئيسة في تحقيق الأهداف العسكرية، وهي عمليات نفسية يتم خلالها توظيف الحملات الإعلامية، إلى جانب مجموعة من الوسائل الأخرى لتحقيق سياسة الدولة، لذا يعتبر المحللون الروس أن هدف الحرب الهجينة اكتساب القدرة على المدى الطويل، والتأثير النفسي في الخصم من خلال التدخل في التوجه الإستراتيجي للدولة المستهدفة في هذه الحرب.
وعليه، فإن ممّا سبق عرضه من تطور أشكال الحروب وتداخل أبعادها العسكرية والتقنية والنفسية والسياسية، تبرز بوضوح الأهمية البالغة للبعد النفسي في الحروب الهجينة، بوصفه أحد أكثر أدواتها فاعلية وتأثيرًا في إضعاف الخصم وإرباكه على مختلف المستويات. وانطلاقًا من ذلك، تأتي هذه الدراسة لتتناول بالتحليل والتأصيل المفاهيمي دور الحرب النفسية في بنية الحروب الهجينة، وكيفية توظيفها بوصفها أداة إستراتيجية لتحقيق الأهداف الميدانية والسياسية، بما يسهم في إثراء الأدبيات العلمية، وتقديم إطار نظري أعمق؛ لفهم هذا النوع المعقد من الحروب.
