ملخّص: يتناول هذا البحث السياسات الأمنية في العراق بعد تنظيم داعش، ويقف على مقوماتها، وفي المقابل يحلّل نقاط الضعف في المراحل المختلفة من الأحداث الكبرى التي أدخلت البلاد في فوضى، وجعلتها على حافة الهاوية، ولاسيما بعد الأعوام: 2003 و2006 و2014. وهذا يقودنا إلى إشكالية بحثية مفادها أن التضخم الكبير في العسكرة والأمننة لم يستطع أن يحقّق الأمن المنشود منذ عام 2003، ومن ثَمّ لا بدّ من الإجابة عن مجموعة تساؤلات رئيسة، مثل: ما جذور انحدار مستوى الأمن في العراق؟ وما أسباب الضعف في السياسات الأمنية للأجهزة الأمنية المتعددة؟ وهل استطاع العراق أن يستفيد من تجارب مكافحة الإرهاب في رسم إستراتيجية أمنية شاملة لمرحلة ما بعد داعش؟ إنّ هذه الدراسة تدعو إلى إيجاد إستراتيجية شاملة للأمن الوطني بحيث تشمل مختلف المجالات؛ لمعالجة الإخفاقات السابقة، بدلًا من التركيز على القوة الخشنة فحسب.
عند البحث في حيثيات الأمن والاستقرار نجد أنهما يقومان على مجموعة من القواعد والمرتكزات في كل دولة، ومع غياب تلك المنطلقات التي تتكئ عليها أسس الأمن تكون الفوضى، ويكون عدم الاستقرار وانعكاساته على جميع مفاصل الحياة التي قد تسبب انهيارًا مجتمعيًّا يهدّد سيادة الدولة باتجاه التفكّك على أسس الهويات الفرعية الطائفية والعرقية. وبقدر تعلق الأمر بالسياسة الأمنية للعراق نجد أنها أُسِّست على تلك المعطيات السلبية الآنفة الذكر، ولاسيّما مع مرحلة ما بعد عام 2003 التي رسختها الولايات المتحدة الأمريكية التي لم يكن لديها برنامج عمل لبناء السياسات الأمنية لما بعد احتلال العراق بقصد أو بدون قصد، وكان الشرخ الكبير للسياسات الأمنية التي فرضتها قوات الاحتلال الأميركي هو حلّ الجيش العراقي والأجهزة الأمنيةـ وهذا جعل من مئات الآلاف من قوى الأمن المنحلة قوة مضادة لبناء الدولة وانعدام الأمن، ولاسيما مع وجود المسوّغ الوطني والشرعي في مقارعة المحتل.
واستمرت تلك الإخفاقات رغم الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية إلى القوات العراقية الناشئة، والموازنات الخيالية التي أُنفِقت على الدفاع والأمن، إذ نجد وتيرة العنف وعدم الأمن تتصاعد تارة وتنخفض تارة، وفق المتغيرات الداخلية والخارجية.