المقدمة
تبوّأَ العراق أهمية كبيرة في مجالات الدور السياسي الإيراني عبر مراحل تاريخية مختلفة، رسخت هذه الأهمية بدورها جملة من التوجهات والآليات التي أطّرتها إيران في طبيعة تعاملها مع العراق، فإيران ظلت تنظر إلى العراق على أنه الفراغ الذي ينبغي أن تملأه هي سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا ودينيًّا...إلخ، ولعل هذا ما دفع إلى سيطرة عقلية الهيمنة والتمدد والنفوذ على العقل الإستراتيجي الإيراني، حينما يفكر في العراق بوصفه موقعًا جيوستراتيجيًّا متعدد المزايا.
ظلّت هذه النظرة ملازمة لإيران فى تعاملها مع العراق، وهذا ولّد الكثير من الأزمات والصراعات بين البلدين، وكانت أكثر صور هذا الصراع دمويةً الحرب العراقية الإيرانية، التي وجدت فيها إيران فرصة مناسبة لتصدير نموذجها الثوري التوسعي إلى العراق على أنّه مرحلة أولى، تستهدف بعد نجاحه النفوذ والهيمنة على مجمل الشرق الأوسط، بهياكله الثقافية والاجتماعية والدينية والمؤسساتية، وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، ونتيجة لحالة الفوضى المتعددة المجالات التي أفرزتها السياسات الأمريكية في العراق؛ بسبب حلّها كل مؤسسات الدولة العراقية، وإفراغها من كل مقومات الحياة- وجدت إيران في ذلك فرصة حقيقية للنفوذ إلى الداخل العراقي، عبر اعتماد إستراتيجية متعددة المراحل والأشكال والأنماط؛ إستراتيجية قائمة على احتواء كل الدولة العراقية، وإعادة هندستها من جديد، وفق آليات وصيغ وأنماط تحفظ الوجود الإيراني في العراق.
أنتجت الأدوار الإيرانية في العراق حالة من الفوضى والتأزم، وقد هدفت إيران عن طريق تطبيقاتها الإستراتيجية في العراق إلى تقديم العراق بوصفه أنموذجًا استرشاديًّا للمجتمعات الشيعية في دول الجوار العراقي؛ فضلًا عن تحويل العراق إلى قاعدة دائمة للوجود العسكري الإيراني، للانطلاق عن طريقه إلى مجمل ساحات الصراع العسكري في الخليج العربي والشرق الأوسط، وبهذا فإن إيران سعت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق إلى خلق حكومة موالية لها في بغداد، وإعادة بناء وصياغة أنظمته المعرفية والتعليمية والقيمية، دعمًا لتنامي هيمنتها ووجودها الدائم فيه.
وعليه فإن هذه القراءة تشير إلى أن طبيعة الدور الإيراني في العراق أكبر من مجرد ساحة لتصفية الحسابات والصراع على النفوذ مع القوى الإقليمية والكبرى، إنّه يهدف إلى إعادة صيغة وهندسة المشهد العراقي بكل توجهاته ومساراته؛ ليتحول من ثَمّ إلى نسخة إيرانية جديدة في الشرق الأوسط.