ملخص: تتناول هذه الورقة تحليلًا للتغطية الإعلامية التي تمّت حول زيارة رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان إلى النمسا وخطابه في فيينا في يونيو 2014، وودراسة لمدى جودة التغطية الصحفية النمساوية لزيارته وخطابه، ومدى تأثير الصورة المتخيّلة القديمة للمسلم الشرقي، التي لا تزال تُستخدَم في كتابات اليمين المتطرف حول (الفاشية الإسلامية)- في هذه التغطية. تهدف هذه الورقة إلى تحليل كتابات المستشرقين المعادين للإسلام عن تركيا وأردوغان في وسائل الإعلام النمساوية، هذه الكتابات التي نعتقد أنها أثّرت وستؤثّر أيضًا في التغطية الإعلامية حول تركيا في السنوات القادمة، ولاسيما في أثناء محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016 وبعدها، وقد حلّل الباحث المقالات التي هي موضع اهتمام البحث بأساليب مدرسة فيينا لتحليل الخطاب النقدي.
المقدمة
هناك تاريخ طويل في الفكر السياسي الغربي للصورة المتخيّلة (للمستبدّ) المسلم الشرقي، وعلى الرغم من أن شخصية (المستبد) المسلم الشرقي لم تكن أبدًا متجانسة وثابتة، إلا أنها بمثابة خزان معرفي لنوع مزعوم ومختلف لنظام سياسي شرقي، على نقيض النمط الغربي الديمقراطي المستنير والمتدرج في الحكم. يستخدم العديد من الكتاب المعادين للإسلام في المناقشات الجارية حول العالم الإسلامي- مفهوم الفاشية الإسلامية لوصف النمط المختزل سلبًا لـ(طريقة الحكم الإسلامية) بالإشارة إلى العديد من هذه الصور القديمة.
أدّى الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا بقيادة جماعة فتح الله غولن، والتدابير التي اتخذتها الدولة التركية للتخلص من أتباعه، الذين اخترقوا مؤسسات الدولة لنحو أربعة عقود- إلى حدوث فزع في العديد من وسائل الإعلام الغربية من تركيا، وبخاصة من الرئيس الحالي للجمهورية التركية رجب طيب أردوغان. وقد كانت التغطية الغربية حول تركيا من جانب واحد فقط، وأصبح أردوغان محور الاهتمام في وسائل الإعلام الغربية، كلما علّقوا على التطورات الداخلية في تركيا أو سياستها الخارجية. ولكن ينبغي على المرء أن يلاحظ أن هذا الموقف السلبي بدأ قبل فترة طويلة من الانقلاب العسكري الفاشل، وأن العديد من وسائل الإعلام الغربية استخدمت الصور النمطية واختزلتها، واستخدمت مصطلحات سلبية، مثل "السلطان المستبدّ، والمتسلّط، والدكتاتور..." وغيرها من المصطلحات[1] لفترة طويلة من الوقت.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل تغطية اثنتين من كبريات الصحف النمساوية لزيارة رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان إلى فيينا في 16 يونيو 2014. وسنحلّل أيضًا كتابات المستشرقين المعادين للإسلام حول تركيا وأردوغان في وسائل الإعلام النمساوية. كما أنّ هذه التغطية توضح السياسات المجحفة للعديد من السياسيين النمساويين، مثل المستشارة كريستيان كيرن، ولاسيما معارضتها للمفاوضات الجارية مع تركيا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي[2].
ضمن تغطية صحيفتي (دير ستاندرد)، و(دي برس) لزيارة أردوغان وخطابه في فيينا نشرت الصحيفة الأخيرة 19 مقالة، في حين نشرت صحيفة الأولى أكثر من ضعف هذا العدد، إذ بلغت 43 مقالة من المقالات التي تحتوي على عناصر، مثل (الترك) و(أردوغان). ومن الجدير بالذكر أنّ العديد من المواد المنشورة في وكالة الصحافة النمساوية (APA) انتشر عن طريق الصحف اليومية. وغالبًا ما تنقل هذه البيانات الصحفية بعض العبارات المناهضة لأردوغان ومن جانب واحد، ونادرًا ما يُرَدّ عليها، ومِن ثَمّ، فإن أهمية التحليل تتجاوز الصحيفتين. ولابد أيضًا من ذكر أن الصحافة الشعبية تميل إلى إعطاء صورة غير متوازنة بخلاف صحافة الجودة، علاوة على ذلك، كان لوسائل الإعلام في ألمانيا تغطية متحيّزة حول زيارة أردوغان إلى كولونيا قبل شهر من زيارته إلى فيينا. فمثلًا: عندما غطّت مجلة دير شبيغل الأسبوعية الكارثة في جبال تركيا في سوما، جاءت مقالتها تحت عنوان: (اذهب إلى الجحيم يا أردوغان)[3].
سيبدأ التحليل بلمحة عامة عن التغطية الأولية لدير ستاندرد، التي كانت أول صحيفة تناولت هذه القضية، واستعملت صورًا نمطية مختلفة لوصف أردوغان. كما أن كلتا الصحفتين تناولت بأمثلة النمساويين ذوي الأصول التركية. وسيُطرَح تساؤل حول ما إذا كانت صورة المشرق الإسلامي الاستبدادي لاتزال قائمة في تصوير أردوغان باعتباره أبرز القادة السياسيين في العالم الإسلامي المعاصر. وإذا كانت الإجابة بنعم، فإلى أيّ مدى تعبّر هذه الصور عن الحقيقة؟
الطريقة المستخدمة في هذا التحليل هي طريقة مدرسة ﻓﻴﻴﻨﺎ للتحليل اﻟﻨﻘﺪي ﻟﻠﺨﻄﺎب (CDA)، التي كثيرًا ما تُستخدَم لتحليل الخطابات العنصرية والتمييزية[4]، وكذلك الخطابات القائمة على الهوية بشكل عام[5]، وهي تستند إلى مفهوم فوكو للسلطة والخطاب. وإن نهج الخطاب التاريخي لمدرسة فيينا الذي نعتمد عليه هنا- هو التركيز في المقام الأول على المجال السياسي، أما نظرية الحِجاج (Argumentation theory) التي هي مجموعة الصور الأولية للأفكار المسلَّم بها، والتي تعدّ أحد العوامل الأساسية لنظرية (الأمكنة)، لمدرسة ﻓﻴﻴﻨﺎ للتحليل اﻟﻨﻘﺪي ﻟﻠﺨﻄﺎب، المرتبطة بأوضاع نمطية- فتُعرَّف بأنها "أجزاء من الحُجج التي تعود إلى مقدّمات منطقية، والتي قد تكون صريحة أحيانًا، أو قابلة للاستنتاج. أما بالنسبة للصور الأولى للأفكار المسلّم بها، فتتعلق بالمحتوى أو (قواعد الاستنتاج)، التي تربط الحُجة أو الحُجج بالنتيجة، التي يزعمونها"[6]. وصمّم فوداك وريزجل طريقة لتحليل الخطابات العنصرية والتمييزية تتكون من أربع مراحل تحليلية، تبدأ بتتبع المحتوى أو الموضوعات المحددة؛ ثم تقييم الإستراتيجيات الخطابية (بما في ذلك إستراتيجيات الحُجج.)؛ ثم استخدام الأساليب اللغوية؛ وبعد ذلك يُقيَّم الإدراك اللغوي السياقي للقوالب النمطية التمييزية. إن مصطلح (إستراتيجية) يعني "خطة مقصودة ودقيقة من الممارسات... يتمّ تبنيها لتحقيق هدف اجتماعي وسياسي ونفسي، أو لغوي معين"[7]. يركز منهج الخطاب التاريخي في دراسات مدرسة ﻓﻴﻴﻨﺎ للتحليل اﻟﻨﻘﺪي ﻟﻠﺨﻄﺎب حول تنمية المجتمع- على الإستراتيجيات الخطابية الآتية: "إستراتيجية المرجعية أو إستراتيجية الترشيح، حيث تُستخَدم الأدوات اللغوية، مثل الاستعارات والكناية والبدل؛ ثم إستراتيجيات التنبؤ التي تظهر في الخصائص التقييمية للصفات الإيجابية أو السلبية والمستندات الصريحة أو الضمنية؛ وبعد ذلك إستراتيجيات الحُجج التي تنعكس على الصور الأولى للأفكار المسلّم بها، والتي تستخدم لتبرير الضمّ السياسي أو الاستبعاد؛ ثم أخيرًا إستراتيجيات المنظور، والتأطير أو التمثيل الخطابي يستخدم التقارير والوصف، والسرد أو الاقتباس من الأحداث والتصريحات.5 وإستراتيجيات التكثيف والتخفيف تحاول تكثيف أو تخفيف حدة الكلام"[8].
تُحلل الورقة الآتية النصوص التي تحتوي على عنصري (تركيا) و( أردوغان) في الفترة بين 3 إلى 23 يونيو، حيث أوردت صحيفة دير ستاندرد تقاريرعن الزيارة المرتقبة آنذاك لرئيس الوزراء التركي أردوغان للمرة الأولى، وتناولت تحوّل تركيز المناقشات من إقامته في فيينا إلى ترشّحه للرئاسة ودور تركيا في الحرب في العراق وسوريا.
الشخصيات القديمة
شخصية المستبد المسلم في التمثيل الغربي ليست بجديدة، فالعالم السياسي مايكل كورتيس يحلّل في كتابه الاستشراق والإسلام Orientalism and Islamكتابات المفكرين الستة الرئيسيين في الغرب: مونتسكيو، وإدموند بيرك، وإلكسيس دو توكفيل، وجيمس وجون ستيوارت ميل، وكارل ماركس، وماكس فيبر، حول الكيفية التي فسروا بها (الشرق الاستبدادي)[9]. وبصرف النظر عن بعض الاستثناءات، فإن جميع الكتَّاب، يتفقون على السمات الأساسية للطبيعة الاستبدادية للأنظمة السياسية الشرقية، وقد أكّد كلّهم الفروق بين النظم السياسية الغربية والشرقية؛ أولًا، لاحظوا جميعًا غياب الحرية الفردية في الأنظمة الشرقية، وغياب الملامح الغربية، مثل حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتعددية، والفصل بين السلطات، وحقوق الأقليات، والقانون العلماني، وما إلى ذلك. وأشار كتّاب، مثل مونتسكيو، وميل وتوكفيل، وبورك إلى غياب وتضييق ممارسة السلطة، وكان مونتسكيو أول من أدخل تعريف الاستبداد الشرقي، وفسّر وجوده من خلال الإشارة إلى الدين الإسلامي والمذهب القدري والطبيعة السلبية للسكان الشرقيين، أمّا توكفيل، فإن كتاباته عن الجزائر، والثقافة الإسلامية تقرّر أنّه لا يمكن إدماجهما مع القيم التقدمية الفرنسية، أما ويبر، كما فعل ماركس، "فيعتقد أن التمسك بالتقليد التراثي، والقدرية الإسلامية، وحقيقة طبيعة المحارب المسلم، كل هذه الأشياء كانت قوية بحيث لم تستطع أن تظهر عندهم الرأسمالية، والمدن المستقلة، والحرية الضرورية جدًّا للرأسمالية، ونظام العدالة"[10]. على الرغم من أن هذه الشخصية للمستبد المسلم الشرقي لم تكن يومًا متجانسة وثابتة، إلا أنها كانت بمثابة خزان معرفي لنوع مزعوم ومختلف لنظام سياسي شرقي على نقيض النمط الغربي الديمقراطي المستنير والتدريجي للحكم.
في السياقات الجديدة
يوضح إدوارد سعيد في ثلاثيته -وخصوصًا في تغطية الإسلام Covering Islam: كيف تحدد وسائل الإعلام والخبراء كيفية رؤيتنا لبقية دول العالم؟- أنه استُخدِمَ النموذج الاستشراقي لشرح وإضفاء الشرعية على السياسة الحالية[11]. وقد عملت صورة المسلم الهمجي السيئ على إضفاء الشرعية على التدخل في سياسة (العالم الإسلامي)، ولاسيّما بعد منعطف الإسلاموفوبيا على مستوى السياسة العالمية، بدءًا من نظرية صدام الحضارات لصموئيل هنتنغتون، ثم ازدادت وتيرتها بعد الهجمات على مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمبر، فحوّل عدد من المؤلفين تركيزهم على إضفاء الشرعية على التدخل السياسي في البلدان ذات الأغلبية المسلمة برسم صورة للعدو المسلم. وقد كان أحد تلك المصطلحات الجديدة التي اختُرِعت في ترسانة الخطاب الإسلاموفوبياوي مصطلح (الفاشية الإسلامية Islamofascism)، الذي ورد في أكثر الكتب مبيعًا، World War IV – The Long Struggle Against Islamofascism الحرب العالمية الرابعة- الكفاح الطويل ضد الفاشية الإسلامية (2007)، لكاتبه الناقد الأمريكي من المحافظين الجدد نورمان بودهوريتز (1930م). بالنسبة لبودهوريتز، كانت الفاشية الإسلامية مصطلحًا محددًا، استُخدِم لوصف التطرف الإسلامي، وهي "حركة شمولية في جميع أنحاء العالم"[12]. ويرى أن الفاشية الإسلامية نشأت من النازية والشيوعية السوفيتية[13]، وعلى منوال هذه الجماعات الأيديولوجية، فإن الفاشيين الإسلاميين "حرصوا على تدمير الحريات التي نعتزّ بها، والتي تقف أمريكا ورائها"[14]، والتي تهدف إلى تحويل أوروبا معقل الحضارة الغربية إلى (يورابيا Eurabia)[15].
وبمرور الوقت، وجد هذا المصطلح أيضًا طريقه إلى العالم الناطق باللغة الألمانية. خصوصًا العالم السياسي حامد عبد الصمد الذي يصوّر نفسه على أنه عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين، وهو رفيق هنريك برودر المعادي للإسلام[16] الذي ينشر بشكل مستمر عن الإسلاموية. ومن أحدث منشورات حامد عبد الصمد كتاب الفاشية الإسلامية الذي نشرته دير شبيغل في عام 2014 وكان من الكتب الأكثر مبيعًا، وقد احتدمت النقاشات حوله، كما لاقى انتقادات واسعة[17]. وقد هدفَ المؤلف في هذا الكتاب إلى مقارنة العناصر الشمولية المزعومة للإسلام بالفاشية. وفي نهاية كتابه، قام بمناقشة دور أردوغان كرجل دولة، ويقول في هذا السياق:
"قبل عشر سنوات، عندما جاء أردوغان إلى السلطة، عَدَّ كثير من علماء العلوم الإسلامية بأنه إسلامي معتدل، أما أنا فلا يمكن أن أقبل مثل هذه الفكرة، فالتيار الإسلامي والاعتدال لا يجتمعان في تقديري. الإسلامي الذي يسعى إلى السلطة، يستثني المعارضين ويؤمن بالهوية المغلقة، التي تطغى على كل الهويات الأخرى... ولكنه إسلامي معتدل وتصالحي طالما ظل خارج السلطة. وبمجرد وصوله إلى السلطة ينكشف القناع[18]".
ويمضي عبد الصمد في سرد الأفعال التي ارتكبها رئيس الوزراء التركي، ويصوّره حاكمًا شموليًّا، ويخلص بعبارة: "اليوم، تركيا لم تعد مثالًا للزواج الناجح بين الإسلام والديمقراطية. بل بدلًا من ذلك، أصبحت موطنًا لنسخة من الفاشية الإسلامية"[19]. أصبح عبد الصمد معلقًا، بشكل منتظم، على الحياة السياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأصبح ضيفًا شهيرًا في وسائل الإعلام، علاوة على ذلك، قدّم كتابه مع سياسيين من النمسا من حزب اليمين المتطرف FPÖ فضلًا عن النائب التركي الأصل عن حزب الخضر النمساوي[20].
أردوغان في النمسا
يعتزم التحليل الآتي تناول تغطية اثنتين من كبريات الصحف النمساوية زيارة رئيس الوزراء أردوغان إلى فيينا في 16 يونيو 2014. فقبل أسابيع من زيارته، ثار نقاش حول التأثير المحتمل لخطاب رجب طيب أردوغان في عملية دمج الأتراك في النمسا. بشكل عام، قضية (الدمج) تعدّ قضية في غاية الحساسية، وتتداخل بشكل مؤثر مع المواقف المعادية للمسلمين التي غالبًا ما تعتمد على الشخصيات التاريخية العثمانية[21]، التي تحمل ملامح عدائية في الوجدان المعاصر[22]. نُظِر إلى زيارة أردوغان على أنها تأتي في إطار حملته الانتخابية الرئاسية في 10 اغسطس 2014. وعلى الرغم من أن 10507 ناخبين فقط من أصل 105478 شخصًا، ممن يحق لهم التصويت- شاركوا في الانتخابات، أثير جدل كبير حول خطاب أردوغان والانتخابات قبل زيارته. في هذه الورقة، سنحلل التغطية الإعلامية لزيارة أردوغان إلى فيينا في الصحف النمساوية بشكل مختلف: الصحيفة الأكثر ليبرالية ويسارية (دير ستاندرد)، والصحيفة اليمينية الأكثر برجوازية (دي برس) وهما صحيفتان توصفان بـ(الصحافة الجيدة). يبلغ قراء دي برس حوالي ربع مليون، في حين أن دير ستاندرد يبلغ عدد قرائها حوالي 380000 (من مجموع السكان البالغ تعدادهم 8.6 مليون نسمة الذين يعيشون في النمسا).
دير ستاندرد
بدأ هانز روشر، وهو نجم من نجوم كتّاب الأعمدة، نقاشًا حول خطة أردوغان لزيارة النمسا. بالنسبة له، أردوغان هو الزعيم القوي لأتراك النمسا. بوصفه الزعيم Führer ، لا يشير فقط إلى القيادة بشكل وصفي ولكنه يشير إلى السلوك الدكتاتوري على جانب من شخصية أردوغان. تاريخيًّا، بعد الحرب العالمية الثانية استُخدِمت كلمة Führer الفوهرر فقط للإشارة إلى هتلر أو أي شخص يشبه هتلر. من هنا تبدو فكرة الفاشية الإسلامية قريبة جدًّا. أردوغان، في نظر روشر، دكتاتور.
نقلًا عن منظمة غير حكومية متعلقة بتركيا ومقرّها النمسا، "الحنين يتوقف: السيد (أردوغان، الزعيم Führer) يأتي إلى فيينا"[23]، وبعيدًا عن وصف أردوغان، يعود كاتب العمود إلى الأتراك المولودين في النمسا، ويرجع ثقافة التسلط إليهم. ومِن ثَمّ، تُستخدَم زيارة أردوغان لانتقاد النمساويين من ذوي الأصول التركية. وعلى النقيض ومما يقوله دي برس ومن معظم المقالات الأخرى، يتحدث روشر عن المجتمع النمساوي التركي ويطلق عليهم اسم "الطائفة التركية في النمسا"، ومِن ثَمّ يفرق بين كون الشخص نمساويًّا وبين كونه نمساويًّا من أصل تركي. ووفقًا له، يهيمن على هذا المجتمع منظمات محافظة، مثل ATIB (الاتحاد الإسلامي لأتراك أوروبا Avrupa Türk-İslam Birliği) بوصفها امتدادًا للدولة التركية، ومنظمة الرؤية الوطنية Millî Görüş-. ويجادل روشر أن "هناك العديد والعديد من العلويين الأتراك في النمسا، الذين لا يفسّرون الإسلام بطريقة عقائدية"[24]. ثم يرسم الكاتب صورة للمسلم الجيد والسيئ. المسلم الجيد بالنسبة له هو العلوي الليبرالي، والمسلم السيئ هو المسلم التقليدي السُّنّي. هذا هو المقال الأول الذي يناقش القضية ويعطينا فكرة عن كثير من الصور الأولى للأفكار المسلّم بها وديناميكية الخطاب. لنعلمْ أولًا أن مناقشة أردوغان لا تدور فقط حولأردوغان بل تشمل كل نمساوي من أصل تركي، والذي يُنظَر إليه على أنه مواطن غير متساو، أو أنه الآخَر، أو أنه أدنى بطريقة أو بأخرى، وأنه متخلّف سياسيًّا يتوق إلى الزعيم المتسلّط. في الوقت نفسه، يَستخدم صحفيون آخرون من دير ستاندرد مثل بترا ستوبر النقاش حولأردوغان لانتقاد معاملة النمسا التاريخية والحالية للعمّال الأتراك الضيوف وأبنائهم. أما صحيفة دي برس فتناقش هذه القضية بعد يومين من صحيفة دير ستاندرد. في الفقرات الآتية، سوف نُدرِج عددًا من الصور الأولى للأفكار المسلّم بها في النصوص لمناقشة أردوغان بصفته زعيمًا سياسيًّا والنمساويين من أصل تركي، وكذلك سياسة الدمج النمساوية.
تصوير أردوغان بأنه (زعيم) متسلّط
بطريقة ساخرة، انتقد روشر أردوغان لإلقائه خطبة انتخابية في فيينا، في حين "يُضرَب المتظاهرون بالهراوات في بلده"[25]. رُسِمت صورة أردوغان على أنه زعيم متسلّط يتخذ تدابير قمعية، وهذا يتّفق مع تقرير آخر، أفاد بأن مستشار رئيس الوزراء، يغيت بولوت قام بـ"تهديد الصحافة الألمانية" بألا تقوم بالهجوم على الدولة التركية، أو الحكومة أو الرئيس. وبالنسبة لروشر فهو يساوي أردوغان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ووفقًا له، كلاهما يرتكز على القومية، ويخلط بين الدين والسياسة، ويسير ضد القيم الغربية: مثل حقوق الإنسان، وحقوق المعارضة والتسامح (الجنسي)[26]. وفي مقال آخر، أطلق عليه "النظام الأبوي السلطوي" و"القومي الديني"[27].
أما مراسل دير ستاندرد في إسطنبول، ماركوس بيرناث، فقد صور أردوغان: بصفة رجل غليظ، وقال: "عندما يتحّدث رجب طيب أردوغان فإنه يَضرِب". ووفقًا له، فإنه أصبح "أقلّ صبرًا، وأكثر عدوانية، وأشدّ استبدادًا". يستشهد بيرناث بالمعلّق السياسي ألتر توران، الذي يصور أردوغان على أنه أول سياسي يخاطب بقسوة وغلظة. إن أردوغان "صقوري متشدّد". وقد وُصِف حكم أردوغان بأنه "استبدادي بـ"عدد قليل من الدوافع" غير المنطقية ووفقا لبيرناث، أصبحت فرضية حفاظ أردوغان على سلطته هي التقسيم لا إيجاد توافق في الآراء، وإيجاد كبش فداء في حركة غولن، والجيش، والقوى الأجنبية، وما إلى ذلك[28]. وفي صحيفة دير ستاندرد أصبح أردوغان الرجل السيئ في نهاية المطاف. وحتى في مناقشة مقالة حول إعادة انتخاب الأمين العام للمجلس الأوروبي، ذُكِر عدم انتقاد الأخير لـ"النمط السلطوي لأردوغان"[29]. كما تمّ الاستشهاد بالقيادي في حزب اليمين المتطرف FPÖ، هاينز كريستيان شتراخه الذي أطلق على أردوغان "المستبدّ التركي... والقومي الراديكالي والإمبريالي العثماني الجديد"[30].
ومِن ثَمّ تفردت صحيفة دير ستاندرد بالمجال لنقد أردوغان وكل نمساوي من أصل تركي، ففي مقال افتتاحي عن المجتمع الثقافي التركي في النمسا (Türkische Kulturgemeinde Österreichs (TKÖ))، انتقدت ميليسا جوناش حكومة أردوغان، واتهمتها بأنها تدوس على حقوق الإنسان وحرية التعبير، وتتدخل في السياسة النمساوية عن طريق التحدث إلى النمساويين من أصل تركي قبل وقت قصير من الانتخابات الرئاسية، وأنها "تكدّر عيش العلويين في تركيا وتجعل حياتهم جحيمًا". في نفس الوقت، تتهم حلفاء حزب العدالة والتنمية في النمسا بالقمع والتشهير وإثارة العداء تجاه المعارضة في النمسا[31].
وليس اللافت هنا مساحة النقد التي أُتيحت لعدد كبير من النقاد فقط، ولكن الحقيقة أن هذا النقد لا يقابله أي رد من الطرف الآخر. فالاستشهاد بأناس من أقصى اليمين، وقوميين أساسًا، لانتقاد أردوغان كزعيم قومي هو أمر يثير الشكوك.
تصوير أردوغان أنه ضد التكامل
بينما أورد أحد تقارير دير ستاندرد، في اليوم الذي ألقى فيه أردوغان خطابه في فيينا، أن أردوغان حثّ "الأتراك في الخارج على الاندماج في المجتمع، وتعلّم اللغة الألمانية، ولكن لم يحثهم على الاستيعاب... كما فعل في كولونيا"- كان الاتجاه العام في وسائل الإعلام في النمسا انتقاد أردوغان؛ لكونه ضد الاستيعاب.
كانت قضية التكامل أحد أهم القضايا التي نوقِشت في وسائل الإعلام. ورغم أن معظم خطاب أردوغان ركّز على النمو الاقتصادي لتركيا والمشروعات المستقبلية له، إلا أن قضية التكامل أخذت موقعًا مركزيًّا في وسائل الإعلام النمساوية. في معظم مقالات دير ستاندرد ودي برس، وُجِّه نقد لاذع لأردوغان بشكل غير مباشر لاعتباره أن "الاستيعاب" هو "جريمة" خلال زيارته لمدينة كولونيا، حيث ألقى رئيس الوزراء خطابًا قبل شهر من الذهاب إلى فيينا[32]. ووفقًا لبيان صحفي صادر عن وكالة الصحافة النمساوية (APA)، دعا أردوغان (أتباعه) إلى عدم الاستيعاب خلال زيارته. وعدَّ وزير الخارجية كورتس، أن هذا يُعدّ "استفزازًا". ووفقًا لرئيس تحرير دي برس فإن موقف أردوغان تجاه الاستيعاب يُعدّ ضد التكامل[33]. عمومًا هذه المواقف تثير التعجب؛ فهناك كتّاب أعمدة، مثل روشر يفرقون ويميزون بين الأتراك والنمساويين. فماذا يعني التكامل بالنسبة للصحفيين؟ (التكامل)، على ما يبدو، هو كلمة تثير الجدال. فلا تُعرَّف الكلمة بشكل دقيق. بدلًا من ذلك، فإن فهم معنى التكامل يميل أكثر إلى التخلي عن التقاليد الثقافية والدينية، والتي يبدو أنها الاستيعاب في نظر أردوغان. وبترديد مقولة قيصر الشهيرة veni vidi vici، جاء عنوان تعليق رئيس تحرير دي برس، راينر نوفاك: "جاء أردوغان، فرأى وأفسد القضية". وفقًا لنوفاك، لا يلقى أردوغان احترامًا في النمسا وأوروبا. ويرى أن موقف أردوغان تجاه الاستيعاب هو في الواقع ضد التكامل[34]. حتى في دي برس، استشهد بالنائب التركي الأصل علو كورون بقوله إن أردوغان، يعدّ أن أي شخص إما تركي أو نمساوي ولا يقبل بإمكانية وجود هوية متعددة[35].
المحافظة الإسلامية (الأردوغانية)
وُصفت حكومة أردوغان في دير ستاندرد، ودي برس بأنها "إسلامية محافظة"، وهي المصطلحات التي تستخدمها وكالة الصحافة النمساوية (APA)، وتقتبس منها كل الصحف اليومية[36]. في دير برس، استُشهِد بزعيم حزب اليمين المتطرف FPÖ في مقابلة له، حيث اتّهم أردوغان بالسعي لبناء (الأردوغانية)، وأشار إلى أنه "يمتدح الإمبريالية العثمانية الجديدة والغيتو ghetto(Parallelgesellschaft)، يتحدث حرفيًّا عن (مجتمع مواز) في فيينا". وفي المقابلة نفسها قال إنه سيترشّح في الانتخابات في فيينا، ورأى أن كلّ من سيصوّت له لن يمنع فقط أعداءه اليساريين -كحزب الخضر والحزب الاشتراكي الديمقراطي- من الوصول إلى السلطة، بل سيمنع أيضًا "التوقيع بأسماء تركية في فيينا"، بالنسبة له (الأردوغانية) تعني الأسلمة وتتريك النمسا[37]. في هذه المرة، استُخدِم أردوغان لانتقاد سياسة الدمج الفاشلة للنمسا من منظور أقصى اليمين. باستعارة مصطلح ghetto غيتو (مجتمع مواز) تم العمل على خلق عدو مسلم داخل الحدود النمساوية بهدف تدمير التراث الثقافي "يافطات أسماء الأماكن التركية في فيينا" من خلال هوية وطنية نمساوية متجانسة، وهو ما يسود خطابات اليمين المتطرف[38]،.
وصُوِّر أردوغان أيضًا واعظَ قيمٍ محافظة. عمومًا، من الناحية الاقتصادية، يُنظر إليه على أنه مؤيد للمحسوبية. أما بترا ستوبر فتنتقد أردوغان في تعليق لها لاستخدامه الخطاب الإقصائي (نحن) و(هم)، ورؤيته أن المجتمعات الغربية لن تقبل الأتراك، ومن هنا فإن الأتراك (في أوروبا) يجب أن يبقوا بين أنفسهم. الصور الأولية للأفكار المسلّم بها هنا هي "تعزز مجتمع مواز تركي"[39].
يرى كاتب العمود روشر، أنه ليس من قبيل المصادفة أن يطلق أردوغان على النمساويين من الأصل التركي "أحفاد مصطفى قره وسليمان القانوني". ويوضح أن الاثنين كانا أبرز "القادة الميدانيين للحروب التركية التوسعية"، وهو ما عدّه روشر (إهانة). بالنسبة لروشر الأتراك في النمسا، "ليسوا أحفاد (المستبدّ العثماني)، بل هم مواطنون أو مقيمون في دولة دستورية ديمقراطية حديثة"[40]. وقد انتقد كلام أردوغان أيضًا وزير الخارجية، والنائب علو كورون من الخضر[41] وممثلي TKÖ.[42]
لا زيارة رسمية
أُبلِغت وسائل الإعلام النمساوية أن أردوغان لن يقوم بأيّ زيارات رسمية مع رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية. واستخدمت مرارًا وتكرارًا عبارة (لا زيارة رسمية) للتشكيك في مصداقية رئيس الوزراء أردوغان، ولتصوير زيارته على أنها لدوافع شخصية، ومن أجل حملته الانتخابية الرئاسية[43]. ثم حثّ النائب أفغاني دونماز، التركي الأصل، وصاحب الميول اليمينية المتطرفة على الرغم من كونه من حزب الخضر، حثّ السياسيين على بعث رسالة إلى الحكومة التركية غير الديمقراطية بعدم استقباله[44].
وأورد بيان صحفي لوكالة الصحافة النمساوية APA ، أن فيينا انزعجت قبيل زيارة أردوغان. ونقلت معظم الصحف في النمسا هذا الخبر، ووصفوا وزير خارجية النمسا بأنه أول سياسي "يخرج من جحره ويحذّر أردوغان من تقسيم المجتمع"[45]. تجدر الإشارة إلى أن وصف وزير الخارجية بـ"الخروج من الجحر"، وكأنه يختبئ بسبب قوى عظمى، يعطي صورة ضمنية لأردوغان بصفته سياسيًّا قويًّا، وفي المقابل تُصوَّر النمسا على أنها الطرف الأضعف. في الوقت نفسه، صُوِّر وزير الخارجية بوصفه أحد الشجعان الأقوياء الذين يتحدون أردوغان القوي. واعتُبِرت زيارته السابقة إلى ألمانيا وسيلة خاطئة للتعامل مع هذه القضية. ما رُدِّد مرارًا وتكرارًا عن أردوغان هو دعواه ضد (الاستيعاب)، لذلك حثّ وزير الخارجية أردوغان على "تناول القضايا الصحيحة"، وهي "تعلم اللغة الألمانية والولاء للوطن"، وهو ما لم يفعله أردوغان في ألمانيا[46]. وتابع: "بصراحة أحذر أردوغان: أنه لا ينبغي تقسيم المجتمع النمساوي. التكامل شائك وصعب في بعض الأحيان. خطاب خاطئ يمكن أن يرجعنا إلى الوراء لسنوات، ويلوّث المناخ"[47]. ودعَم هذا البيان في وقت لاحق وزير الداخلية. وفي بيان صحفي لوكالة الصحافة النمساوية APA ، استشهد وزير الخارجية النمساوي بعبارة "تدخل تركيا يضرّ بعملية التكامل في النمسا"[48]. وأيضًا قوله إنه "كانت هناك مظاهرات ومظاهرات مضادة: وهذا لن يساعد في عملية التكامل في النمسا". في النهاية، المظاهرات هي جزء لا يتجزأ من الديمقراطية[49].
في نفس الوقت يؤكّد كورتس فهمه أن النمساويين من أصل تركي هم نمساويون لا جسم غريب[50]. بعد يومين، انتقدت كاتبة العمود بترا ستوبر رئيس وزراء النمسا لاعتباره أن الأشخاص من ذوي الأصول التركية نمساويون في حين لا يتناول إدخال اللغة التركية باعتبارها لغة حية في النظام المدرسي النمساوي[51]، وهذا يشكّك بالتالي في موقفه من الأتراك النمساويين.
وقد حرصت وسائل الإعلام على تغطية الاجتماع بين وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتس ورئيس وزراء تركيا بعد خطابه بيوم واحد، لكن وزير الخارجية النمساوي انتقد (خطاب الحملة)، ورأى أنه "سبّب اضطرابات في بلادنا"، وذلك قبل لقائه أردوغان. كما تحدث عن (الاستفزازات). وأردوغان -وفقًا لكورتس- "تطرق لقضية الهوية، التي تعدّ من المسائل الشائكة". ويقول وزير الخارجية إن السبب وراء هذا البيان يكمن في تركيز أردوغان على دمج الناس من أصول تركية من دون الاستيعاب. من الملاحظ، أنه ذكر نقاد من الخضر ومن اليمين المتطرف، في حين لم يتم تغطية موقف أردوغان بشكل جيد[52]. في المقابل، أتاحت دي برس المجال لمنظِّمي زيارة أردوغان. وبحسب وكالة الصحافة النمساوية، فإن زعيم اتحاد الأتراك الأوروبيين الديمقراطيين في النمسا (UETD) عبد الرحمن قرايازلي يستشهد بعبارة "نحن مع النمسا القوية". ودعا قارايازلي كورتس أيضًا للتعاون مع أردوغان بدلًا من تحذيره[53]. وتستشهد دي برس بقول كورتس بعد لقائه أردوغان بالعبارة الآتية: "جاء أردوغان بحملته الانتخابية التركية إلى النمسا، وأحدث ضجة كبيرة في شوارعنا". ويبدو أن تقييم كورتس لاقى صدى كبيرًا في دي برس أيضًا[54].
المسلمون المحافظون السيئون في مقابل المسلمين العلمانيين الجيدين
في أحد أطول المقالات، أُتِيحت الفرصة لعدد من ذوي الأصول التركية من النواب وقادة المجتمع المدني، للحديث عن زيارة أردوغان، وقد انتقد المشاركون كلهم -باستثناء نور الدين يلماز من الحزب الاشتراكي الديمقراطي- بقسوة أردوغان وسياساته المحلية فيما يتعلق بسياسة الأقليات وكذلك سياسته الخارجية[55]. بالطبع، إتاحة المجال للنقاد النمساويين من أصل تركي أعطى وسائل الإعلام النمساوية الضوء الأخضر لإمكانية النقد. وفي تقرير لوكالة الصحافة الألمانية بعد الزيارة، استُشهِد بواحد فقط من مؤيدي أردوغان وثلاثة من معارضيه. وكان من بينهم، الناشط واليميني المتطرف هانيلور شوستر، في حين حاول أحد المحللين فقط (الأكاديميين) تفسير الحدث بطريقة أكاديمية[56]. ونشر عدنان أصلان، وهو أستاذ في علم تدريس العلوم الإسلامية في جامعة فيينا مقالة افتتاحية في دي برس، والنائب أفغاني دونماز من الخضر في دير ستاندرد. وهذا يكشف عن إستراتيجية الاستهداف. إن إتاحة المجال للنمساويين من ذوي الأصول التركية الذين ينتقدون أردوغان والسماح لهم بوصفه بسمات "الديكتاتورية، والمحافظة والاسلامية" جعل تغطية وسائل الإعلام العامة غير عادلة وغير موضوعية.
اشتهر أفغاني دونماز بمواقفه المعادية للمسلمين والنقد القاسي لما يُسمَّى بالإسلام السياسي. وقد انتقد رئيس الوزراء أردوغان لمجيئه بسياساته الداخلية وأسلوبه الاستقطابي إلى النمسا. ورأى أن معارضي أردوغان في النمسا يُهانون و يُهدَّدون علنًا بالعنف... أردوغان يشنّ دومًا هجمات خطابية ضد المعارضين في أوروبا- سواء أكان ذلك ضد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والنائب الألماني جام أوزدمير، أم ضد مواطني المجتمع المدني، سّباق مع اليمين الأوروبي إلى الاستبعاد والتشهير والاستقطاب... لابدّ أن يختار أردوغان كلماته بعناية كبيرة في النمسا، الوضع هنا مختلف عن ألمانيا، لا لتشويه سمعة الممثلين لبلادنا أو حتى تهديدهم. حرية التعبير في دولة ديمقراطية لا تعني التشهير بالمنشقّين تحت عباءة الحصانة"[57].
صُوِّر أردوغان على أنه نقيض لـ(القيم الغربية)، وعدو لحرية التعبير، وقومي متطرّف يهدّد السياسيين. وبالفعل نُشِرت افتتاحية أخرى طويلة جدًّا لعدنان أصلان بعنوان، "حملة رجب طيب أردوغان في أوروبا". انتقد أصلان فيها أردوغان قبل زيارته إلى فيينا، وقال إنه سيقف "بالمرصاد ضد أعداء ازدهار تركيا اقتصاديًّا"[58]. وبطريقة ساخرة، أطلق أصلان على أردوغان لقب "الرجل القوي ومخلّص الشرق"، الذي من شأنه إنقاذ الأتراك الأوروبيين من "الاستغلال والتمييز والظلم"[59]. ، يقول أصلان: إن هذا من شأنه أن يعزّز مشاعر "كون المرء ضحية الاغتراب" عند الأتراك الأوروبيين. كما أن الخطب "القومية" لأردوغان تقضي على تطلع الأتراك نحو التكامل، وتقودهم إلى هامش المجتمع. هنا، صُوِّر أردوغان على أنه مفسد النمساويين من أصل تركي. ورُسِمت صورة لأردوغان على أنه مجرد رجل تركيا القوي. يقول أصلان: إن حزب أردوغان يحاول "إنشاء مستعمرات أجنبية"[60]، وهكذا يتم استخدام مصطلحات سلبية جدا لوصف سياسته.
وثمة طريقة أخرى لاستخدام "الصوت التركي ضد أردوغان، وهو تأكيد الاحتجاج ضد ظهوره في كولونيا وفيينا. يذكر هانز روشر، على سبيل المثال، أن أردوغان أثار آلاف الأشخاص، وجعلهم يتظاهرون ضده خلال إقامته في مدينة كولونيا[61]. هذا الاقتباس يهدف إلى إظهار أن أردوغان لا يحظى بتأييد الأتراك الأوروبيين. وبالطريقة نفسها أفاد بيان صحفي لوكالة الصحافة النمساوية، ونقلته عنها دي برس- أن العلويين في النمسا ينتقدون أردوغان بسبب دعوته إلى المزيد من التسامح تجاه المسلمين في النمسا، بينما هناك تعصب تجاه العلويين في تركيا[62].
صُوِّر الأتراك النمساويون على أنهم مؤيديون مهمّون بالنسبة لأردوغان، يتضح ذلك من خلال مناقشة شبكة المؤسسات الاقتصادية والمنظمات المدنية التي تتعاون مع حكومة حزب العدالة والتنمية[63]. وبالطريقة نفسها انتُقِدت هذه الشبكات بطريقة سلبية، لكونها رجعية ودينية ومحافظة وإسلامية.
يقول أفغاني دونماز إن "المنظّمات الصغيرة التي لديها أجندة إسلامية محافظة خارج تركيا تسهم في توسيع الفجوة مع مجتمع الأغلبية دائمًا". ويرى أن المنظمات الإسلامية هي سبب العزل الاجتماعي[64]. هذا التوصيف السلبي موجود أيضًا في خطاب كاتب دير ستاندرد هانز روشر، الذي لا يقتصر تعليقه على المنظمات، وإنما يتحدث عن الناس بشكل عام: ماذا تركت زيارة أردوغان وراءها؟ يتساءل هانز روشر. وكانت إجابته واضحة: على الرغم من أن العديد من الأتراك الليبراليين، والعلويين والأكراد لا يتعاطفون مع رئيس الوزراء التركي، "إلا أن جزءًا كبيرًا منهم ينتمي إلى المجتمع الذكوري القومي الديني، الذين يصعب التعامل معهم". الأتراك النمساويون يعشقون أردوغان. وفقًا لاثنين من الصحفيين الشباب من دير ستاندرد، تقريبًا كل النساء اللاتي حضرن حديث أردوغان كن يرتدين الحجاب، في حين أن النساء داخل المعسكر المضاد لا يرتدين الحجاب[65]. ويرى عدنان أصلان، أن أردوغان معبود الأتراك الأوروبيين، وينتقد في إحدى الافتتاحيات "النزعات الانعزالية داخل المهاجرين الأتراك"، كما يؤمن بأن المساجد ذات الميول المعادية للغرب تتلقى الدعم من الحكومة التركية. ويرى أن الدعم المالي يعزّز اتساع الفجوة في المجتمع النمساوي. بشكل عام، يعتقد أصلان أن هدف حزب العدالة والتنمية والمنظمات الموالية له في الخارج هو "السيطرة على النزعات الانعزالية". لذا فإنه ينتقد سياسة الحكومة التركية والمؤسسات الإسلامية والمسلمين أيضًا في النمسا. كذلك انتقد رئيس تحرير دي برس افتتاح الاتحاد الإسلامي مدرسة الأئمة والخطباء، ورأى أن ذلك استفزاز ضد برنامج تدريب الأئمة المخطط له في جامعة فيينا، برئاسة عدنان أصلان[66]. وقد ذُكر أن حزب الحرية النمساوي FPÖ حثّ على تجريد المواطنين ذوي الجنسية المزدوجة من النمسا وتركيا من الجنسية النمساوية[67].
سياسة الدمج الفاشلة
وثمة طريقة شائكة للتغطية الإعلامية لزيارة أردوغان، وهي الصور النمطية لـ"سياسة الدمج الفاشلة". ففي مقابلة مع أستاذ العلوم السياسية ستيفاني ماير نُشرت على الإنترنت فقط، تمّ التحليل بشكل نقدي لسياسة الدمج في النمسا، والتي تمثّل تحدّيًا للصور النمطية الواسعة الانتشار وأسلمة خطاب التكامل النمساوي[68]. وتجيب الصحفية بترا ستوبر من دير ستاندرد، على دونماز، على أنه تمّ الرد على سياسة الفصل العنصري المزعومة لأردوغان بـ"السياسة الأكثر عنفًا وقسوة تجاه الاتراك النمساويين من قبل السياسيين النمساويين"[69]. وجادل بأن "الأتراك لعقود تتم معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، وترى أنه لا يجب على المرء أن يخشى من "حسم أردوغان"[70].
الخاتمة: الطاغية المسلم المُتخيَّل في الصحافة النمساوية
في حين نُشِرت 19 مقالة في دي برس، نشرت دير ستاندرد أكثر من ضعف العدد الذي يحتوي على مفردات (الترك) و(أردوغان): الإجمالي 43 مقالة. ومن الجدير بالذكر أن العديد مما نشرته وكالة الصحافة النمساوية (APA) انتشر عن طريق الصحف اليومية. هذه البيانات الصحفية يتمّ اقتباسها والاستشهاد بها في التصريحات المناهضة لأردوغان والتي نادرًا ما يتمّ الرد عليها.
رُسِمت صورة "الفاشي الإسلامي" بأيدي الكتّاب المعادين للمسلمين، مثل بودهوريتز أو عبد الصمد. لقد رُسِمت صورة المستبد الشرقي كديكتاتور مسلم محافظ، يعمل ضد حرية التعبير والقيم الديمقراطية...إلخ. وقد ظهرت هذه الصورة في كلمات زعيم اليمين المتطرف شتراخه بوصفه له بأنّه مستبد تركي قومي وراديكالي وعثماني إمبريالي جديد. وخلاصة القول أن المناقشة حول زيارة أردوغان كما رأت النائبة عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي نورتان يلماز، على الرغم من تعاطفها مع حزب الشعب الجمهوري- هي أنها كانت مناقشة عامة "مسيئة"[71].
ناقشت كل الصحف تأثير أردوغان في عملية دمج الأتراك النمساويين. وصوّرت (دير ستاندرد) بشكل صريح و(دي برس) بشكل ضمني- أتباع أردوغان بأنهم مقلدون عميان لـ(الزعيم) و( السيد) أردوغان، ومِن ثَمّ صوّر الأتراك النمساويين على أنهم غير ناضجين. في الواقع، النقاش حول التكامل يكشف عن اثنين من التفاهمات المتناقضة للتكامل. في حين دعا أردوغان الأتراك النمساويين إلى الدمج وعدم الاستيعاب، موضحًا أنه لا ينبغي على المرء أن يفقد هويته، وثقافته ودينه- يبدو أن السياسيين النمساويين والصحفيين كان لديهم فهم مخالف للتكامل، أي الاستيعاب. يمكن ملاحظة ذلك في نصوص الكاتب هانز روشر، الذي يتحدث عن العلويين بصفتهم مسلمين معتدلين جيدين، وعن أتباع منظمة ATIB والاتحاد الإسلامي بصفتهم مسلمين سيئين محافظين. السياق الذي ينظر منه الكتّاب النمساويون، يعدّ العلويين ليبراليين؛ لأنهم لا يمتنعون عن شرب الكحول، والنساء لا يغطين شعرهن...إلخ. ومن ثم استخدم العديد من الصحفيين مفهوم التكامل بمعنى الدمج الثقافي والديني.
صُوِّرت السياسة النمساوية على أنها تقاوم "استبداد وفساد" أردوغان الذي يصل نفوذه إلى وسط النمسا. ويستند هذا الرأي إلى إستراتيجية الاستهداف، حيث أُتيحت الفرصة للشخصيات العامة الشهيرة من ذوي الأصول التركية لانتقاد أردوغان. فأعطت دي برس مساحة كبيرة للأصوات المناهضة لأردوغان من المجتمع التركي.
القضية الحاسمة الوحيدة التي تمت مناقشتها، لاسيما من قبل الصحفية في صحيفة دير ستاندرد، بترا ستوبرهي فشل سياسة التكامل للحكومة النمساوية.
لا جدال أنه يجب أن يُعاد النظر في كون أردوغان زعيمًا مستبدًّا، حيث إن كل السياسات الاستبدادية هي جزء لا يتجزأ من أي نظام سياسي. ثانيًا، العديد من الحجج التي طرحت في وسائل الإعلام الرئيسة يجب أن توضع في إطارها الصحيح. أيضًا الاتهام بأن أردوغان يراقب ويسيطر على وسائل الإعلام، لابد أن يُعاد النظر فيه، حيث إن مجموعة دوغان الإعلامية، إحدى المجموعات الإعلامية القوية في تركيا، تتبع سياسة إعلامية ناقدة لأردوغان بشكل كبير. ومن الواضح، أن العديد من المشكلات الهيكلية مثل المعركة الطويلة الأمد بين المعسكرات السياسية وتأثيرها في الصحافة المتأصلة في النظام الاجتماعي والسياسي في تركيا- ليس جديدًا على حكم حزب العدالة والتنمية. أبعد من ذلك، إلغاء عقوبة الإعدام في عهد أردوغان على سبيل المثال، عارضها جميع الأحزاب الأخرى، بينما صور العديد من وسائل الإعلام الأوروبية أردوغان بوصفه الداعم الوحيد لعقوبة الإعدام بعد مقتل ثلاثة أطفال في عام 2012. وعلى نحو مماثل، لم يُناقَش التصويت المباشر للرئيس خلال 91 عامًا في تركيا على أنه غير ديمقراطي. بدلًا من ذلك، نُعِت سياسيٌّ قوي وناجح مثل أردوغان بأنه استبدادي على الرغم من أنه هو الذي قام بفتح الطريق أمام اجراء الانتخابات الرئاسية المباشرة[72].
يبدو أن تصوير أردوغان كان أبعد ما يكون عن التوازن، حيث استُخدِمَ لإبرازه نقيضًا للغرب المستنير. حتى إن صحفيًّا مقيمًا في تركيا بدا منحازًا تمامًا، ومثّل إحدى وجهات النظر الموجودة في تركيا تجاه أردوغان وحزب العدالة والتنمية. ولاشك أن تدريس وجهات نظر أكثر تطورًا وأقلّ انحيازًا حول تاريخ تركيا والسياسة التركية للصحفيين النمساويين ستساعد على إلقاء الضوء على السياسة التركية المعاصرة.
الهوامش والمراجع:
[1] على سبيل المثال ؛ أردوغان ديمقراطي أم سلطان؟ الإيكونومست، 8 يونيو 2013؛ الاستبداد يتعمق في تركيا، واشنطن بوست، 3 يوليو 2016. دارون أجموغلو، المتسلّط الفاشل والشؤون الخارجية 22 مايو 2014.
[2] Enes Bayrakli; Orientalism Reloaded: How Western Media Covered the Coup Attempt in Turkey, SETA Perspective No 24, August 2016,
[3] Hasnain Kazim, ‚Grubenunglück in der Türkei: "Scher dich zum Teufel, Erdogan!"‘, Der Spiegel, 2014 May 14, http://www.spiegel.de/politik/ausland/soma-in-der-tuerkei-grubenunglueck-wut-auf-erdogan-waechst-a-969471.html [2014 August 20]
[4] See: Teun A. Van Dijk & Ruth Wodak, Racism at the Top. Parliamentary Discourses on Ethnic Issues in six European States, Klagenfurt: Drava-Verlag, 2000 and: Michal Krzyzanowski & Ruth Wodak, The Politics Of Exclusion. Debating Migration in Austria. Transaction Publishers, New Brunswick, New Jersey: Transaction Publishers, 2009.
[5] Rudolf de Cillia, Ruth Wodak, Martin Reisigl & Karin Liebhart, The discursive construction of national identities, Edinburgh: Edinburgh University Press, 1999.
[6] Michal Krzyzanowski & Ruth Wodak, The Politics Of Exclusion. Debating Migration in Austria. Transaction Publishers, New Brunswick, New Jersey: Transaction Publishers, 2009, p.22.
[7] نفس المصدر
[8] نفس المصدر
[9] Apparently, the title is a bit confusing, as Curtis explicitly does not rely on Edward Said’s notion of Orientalism, but rather supports an essentialist reading of culture and terminologies such as Orient and the West. He explains his refutation of the Foucaultian analysis (2009, 1-9) and sees an apparent incompatibility of liberal democracy, popular sovereignty of contemporary Western systems with the religion of Islam (2009, 308-9) and thus rather reproduces the Orientalist paradigm. See: Michael Curtis, Orientalism and Islam, European Thinkers on Oriental Despotism in the Middle East and India, Cambridge: Cambridge University Press, 2009.
[10] Michael Curtis, Orientalism and Islam, European Thinkers on Oriental Despotism in the Middle East and India, Cambridge: Cambridge University Press, 2009, 307.
[11] Edward W. Said, Covering Islam: How the Media and the Experts Determine. How We See the Rest of the World, New York: Pantheon Books, 1981
[12] Norman Podhoretz, World War IV. The Long Struggle Against Islamofascism, New York: Vintage Books, 2007, pp. 226-7
[13] نفس المصدر، ص 6-7
[14] نفس المصدر، ص 14
[15] نفس المصدر، ص107
[16] Thorsten G. Schneiders, ‘Die Schattenseiten der Islamkritik. Darlegung und Analyse der Argumentationsstrategien von Henryk M. Broder, Ralph Giordano, Necla Kelek, Alice Schwarzer und anderen’, in: Thorsten G. Schneiders (ed.), Islamfeindlichkeit. Wenn die Grenzen der Kritik verschwimmen, Wiesbaden: VS, 2009, pp. 403-432.
[17] Joseph Croitoru, ‚Islamismus und Faschismus. Die Halbwahrheiten des Hamed Abdel-Samad‘, Süddeutsche Zeitung, 29 April 2014, http://www.sueddeutsche.de/politik/islamismus-und-faschismus-die-halbwahrheiten-des-hamed-abdel-samad-1.1945667 [05 August 2014]
[18] Hamed Abdel-Samad, Der islamische Faschismus. Eine Analyse, Munich: Droemer Verlag, 2014, 202.
[19] نفس المصدر ص 203
[20] The discussion entitled ‚Political Islam in Austria and Europe‘ (Der politische Islam in Österreich und Europa) was held by moderator Oliver Pink and discussants Hamed Abdel-Samad, Birol Kilic, Efgani Dönmez, Franz Obermayr on 12 May 2014 at 07:00 p.m. at Hotel de France in Vienna.
[21] André Gingrich (2003 [1998]), Grenzmythen des Orientalismus. Die islamische Welt in Öffentlichkeit und Volkskultur Mitteleuropas, in: Erika Mayr-Oehring & Elke Doppler (Eds.), Orientalische Reise. Malerei und Exotik im späten 19. Jh. Wien: Museen der Stadt Wien, pp. 110-129.
[22] Farid Hafez, ‚Von der Verjudung zur Islamistenpartei. Neue islamophobe Diskursstrategien im Wiener Wahlkampf 2010‘, Jahrbuch für Islamophobieforschung 2011, Bozen, Innsbruck, Wien: Studienverlag, pp. 83-98
[23] Hans Rauscher, Der Meister kommt, Der Standard, 2014 June
[24] نفس المصدر
[25] Hans Rauscher, ‚Der Meister kommt‘, Der Standard, 2014 June 3
[26] Hans Rauscher, ‚Unsere Festwochen der autoritären Herrscher‘, Der Standard, 2014 June 18
[27] Hans Rauscher, ‚Enkel von Süleyman oder Verfassungsbürger?‘, Der Standard, 2014 June 21
[28] Markus Bernath, ‚Erdogan: Vom Reformer zum Spalter der Türken und Europäer‘, Der Standard, 2014 June 17
[29] APA & dpa, ‚Europarats-Generalsekretär Jagland wiedergewählt‘, Die Presse, 2014 June 24
[30] APA & desk, ‚Kritik an Erdogan-Auftritt in Wien: Gefährliches Spiel‘, Der Standard, 2014 June 21
[31] Melissa Günes, ‚“Wir sind nicht stolz, Herr Erdogan“‘, Der Standard, 2014 June 23
[32] Hans Rauscher, ‚Der Meister kommt‘, Der Standard, 2014 June 3
[33] Rainer Nowak, ‚Erdogan kam, sah und schadete der Sache‘, Die Presse, 2014 June 20
[34] Rainer Nowak, ‚Erdogan kam, sah und schadete der Sache‘, Die Presse, 2014 June 20
[35] APA, ‚Alev Korun: "Erdogan stellt das Trennende in den Vordergrund"‘, Die Presse, 2014 June 16
[36] APA, ‚Amnesty: Polizeigewalt in der Türkei hält an‘, Die Presse, 2014, June 10
[37] desk, ‚Strache: "Erdogan bleib daham!"‘, derStandard.at, 2014 June 8 & ‚FPÖ: Strache 2015 in Wien als Spitzenkandidat‘, Die Presse, 2014 June 8
[38] Farid Hafez, Islamophober Populismus, Moschee- und Minarettbauverbotsdebatten österreichischer Parlamentsparteien, Wiesbaden: Verlag für Sozialwissenschaften, 2010
[39] Petra Stuiber, ‚Späte Angst vor Erdogan‘, Der Standard, 2014 June 18
[40] Hans Rauscher, ‚Enkel von Süleyman oder Verfassungbürger?‘, Der Standard, 2014 June 21
[41] APA, ‚Kurz: Protest gegen Erdogan-Besuch nicht übertrieben‘, 2014 June 23
[42] Melissa Günes, ‚“Wir sind nicht stolz, Herr Erdogan“‘, Der Standard, 2014 June 23
[43] Gian, ‚Erdogan-Besuch in Wien fixiert‘, derStandard.at, 2014 June 5
[44] Efgani Dönmez, ‚Österreich als Hinterland des politischen Islam‘, Der Standard, 2014 June 17
[45] APA, ‚Erdogan-Besuch: Kurz warnt vor Spaltung der Gesellschaft‘, 2014 June 12
[46] نفس المصدر
[47] نفس المصدر
[48] APA, ‚Außenminister Kurz traf Erdogan: Gespräch "sehr emotional"‘, 2014 June 20
[49] نفس المصدر
[50] APA, ‚Erdogan-Besuch: Kurz warnt vor Spaltung der Gesellschaft‘, 2014 June 12
[51] Petra Stuiber, ‚Integrationsprobleme: Kurz warnt Erdogan‘, Der Standard, 2014 June 14
[52] APA & desk, ‚Kritik an Erdogan-Auftritt in Wien: "Gefährliches Spiel"‘, Der Standard, 2014 June 21
[53] APA, ‚Erdogan-Besuch: UETD kritisiert politische Interventionen‘, DiePresse.com, 2014 June 13
[54] Desk‚ ‚"Schädliche Einmischung": Kurz trifft Erdogan‘, Die Presse, 2014 June 20
[55] Rusen Timur Aksak, Irene Brickner, Katharina Mittelstaedt, Markus Hametner, ‚Erdogan in Wien: Ein Privatbesuch wird zur Staatsaffäre‘, Der Standard, 2014 June 17
[56] APA, ‚Kurz: Protest gegen Erdogan-Besuch nicht übertrieben‘, 2014 June 23
[57] Efgani Dönmez, ‚Österreich als Hinterland des politischen Islam‘, Der Standard, 2014 June 17
[58] Ednan Aslan, ‚Der Europa-Feldzug des Recep Tayyip Erdoğan‘, Die Presse, 2014 June 12
[59] نفس المصدر
[60] نفس المصدر
[61] Hans Rauscher, ‚Der Meister kommt‘, Der Standard, 2014 June 3
[62] APA, ‚Erdogan-Besuch: Aleviten fordern Rechte ein‘, Die Presse, 2014 June 18
[63] ruta, ‚Das weite Netzwerk der AKP in Österreich‘, Der Standard, 2014 June 17
[64] Efgani Dönmez, ‚Österreich als Hinterland des politischen Islam‘, Der Standard, 2014 June 17
[65] Sophie Pennekamp & Jakob Sturn, ‚„In der Türkei wird es geschätzt, wenn jemand Durchsetzungsvermögen hat“‘, derStandard.at, 22.6.2014
[66] Rainer Nowak, ‚Erdoğan kam, sah und schadete der Sache‘, Die Presse, 2014 June 20
[67] Rainer Nowak, ‚Erdoğan kam, sah und schadete der Sache‘, Die Presse, 2014 June 20
[68] Maria Sterkl, ‚"Am Kopftuch der PutzfHans Rauscher hat sich niemand gestoßen"‘, derStandard.at, 2014 June 16
[69] Petra Stuiber, ‚Späte Angst vor Erdogan‘, Der Standard, 2014 June 18
[70] نفس المصدر
[71] TV debate ‘Erdogan-Wahlkampf in Wien: Schlechtes Omen für die Integration?‘, Puls4, Pro/Contra, 2014 June 16.
[72] Gründe, warum Erdogan kein Diktator ist, 2014 June 21, menabuzz http://menabuzz.de/5-gruende-warum-erdogan-kein-diktator-ist/ [2014 August 20]