رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

مسارات العلاقات التركية- العراقية: آفاق جديدة في مواجهة معوّقات قديمة

تتناول الدراسة الحالية آفاق العلاقات التركية العراقية في ظل جملة من الملفات الثنائية منها الأمن الاقتصاد والطاقة والمياه في مواجهة مجموعة من التحديات في مرحلة تاريخية مهمة، وترى الدراسة أن هنالك فرصة حقيقية في الوقت الحاضر لنقل العلاقات بين البلدين إلى مسارات متقدمة وخطوات إستراتيجية في التعاون، بخاصة في المجالين الاقتصادي والأمني. فبرغم تعقيدات الأوضاع الدولية والإقليمية الحالية، واتسامها بعدم الاستقرار، إلا أنها ربما تكون فرصة لتحويل العوامل التي تضعف العلاقات العراقية-التركية إلى عوامل قوة لتعزيز المصالح المشتركة بين البلدين وشعبيهما.

مسارات العلاقات التركية- العراقية: آفاق جديدة في مواجهة معوّقات قديمة

في 21 مارس/آذار 2023 زار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تركيا للمرة الأولى منذ توليه السلطة في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، والتقى بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. تحدث الزعيمان للإعلام عن مخرجات الاجتماعات والتفاهمات والاتفاقات التي عُقِدت بين الطرفين على هامش تلك الزيارة بدرجة عالية من التفاؤل، وعرضا للرأي العام تصورهما للآفاق الواعدة للتعاون بين البلدين، في المجالات الاقتصادية والأمنية. ولكن بعد يومين من الزيارة، في 23 مارس/آذار، قررت تركيا إيقاف تصدير النفط العراقي عبر أراضيها وموانئها، بعد صدور قرار في ذات اليوم من هيئة تحكيم دولية، يقضي بدفع أنقرة تعويضات لبغداد عن كميات النفط التي قامت حكومة إقليم كردستان العراق بتصديرها عبر الأراضي والموانئ التركية بين عامي 2014 و2018، بناءً على دعوة سابقة قدمتها الحكومة العراقية المركزية لتلك المحكمة، عدّت فيه تلك الصادرات النفطية غير قانونية.

قال الرئيس أردوغان في 18 أيلول/ سبتمبر 2023، خلال مشاركته في قمة "كونكورديا" السنوية الثالثة عشرة، بمدينة نيويورك: "إن مشروع طريق التنمية التركي- العراقي سيتيح فرصة لبناء عالم جديد". في ذات اليوم 18 أيلول/ سبتمبر، شنّت طائرات تركية بدون طيار هجومًا جويًّا على مطار "عربت" في مدينة السليمانية في شمال العراق، استهدف ذلك الهجوم الجوي مجموعة مسلحين من منظمة حزب العمال الكردستاني "PKK"، المناهضة للدولة التركية، التي تصنفها تركيا ومعظم دول العالم منظمة إرهابية. إلى جانب عناصر PKK الذين جرى تحييدهم في تلك قُتِل ثلاثة عناصر من قوات مكافحة الإرهاب التابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وقد أصدر الناطق باسم القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية اللواء يحيى رسول بيانًا استنكر فيه ذلك الهجوم، وذكر أنّه "يشكل انتهاكًا لسيادة العراق، وأمنه وسلامة أراضيه"، بينما ردت وزارة الخارجية التركية في بيانها حول تلك العملية بأن "عناصر -مجموعة مكافحة الإرهاب- التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني كانوا يتدربون سوية مع عناصر منظمات PYG/PKK الإرهابية في مطار عربت.. وهذا تطور خطير يوضح أن العناصر الأمنية التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني أظهرت علنًا تعاونها مع تلك المنظمات الإرهابية". بعد أسبوعين من تلك الحادثة قام وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي بزيارة رسمية إلى أنقرة، على رأس وفد عسكري وأمني كبير، وأُجريت خلال الزيارة عدة لقاءات واجتماعات بين الجانبين، التركي والعراقي؛ لمناقشة سبل تطوير التعاون الأمني والعسكري بينهما، بما فيها مجالات التسليح والصناعات العسكرية.

هذه المسارات غير المتسقة من العلاقات التركية العراقية، التي تتباين بين التعاون والتوتر، ربما تعطي انطباعًا بعدم استقرار العلاقات بين البلدين، أو أن علاقاتهما تشوبها حالة من اللايقين، لكنها تجسد بوضوح الطبيعة الحالية للعلاقات بين تركيا والعراق، التي تتسم بالتعقيد، وبوجود فرص واعدة للتعاون، في آن واحد. إذ طالما وضعت العوامل والظروف الدولية والإقليمية وبعض الأطراف المحلية في العراق وتركيا قيودًا ومحددات على مساعي تطوير وتحسين العلاقات بين البلدين، والمفارقة أن تلك العوامل كانت تنطوي في مجملها على تأثيرات وعناصر خارجية غير مرتبطة بالمصالح المشتركة للبلدين، ولكنها كانت قادرة على إضعاف زخم العلاقات بينهما، وإجبارهما على الدخول في نفق الخصومة والخلافات.

لذلك فإن العلاقات بين البلدين بحاجة إلى انطلاقة جديدة، تستند إلى إرادة حقيقية لإعادة تقييم مصالحهما المشتركة، وفق رؤية واقعية موضوعية للتحديات التي يواجهانها، والفرص المتاحة أمامهما للتعاون. وهذا ما يفسر لنا السياسات الجديدة التي تتبعها حكومتا البلدين تجاه بعضهما التي يمكن توصيفها بمرتكزين أساسيين: تعزيز فرص التعاون ضمن مبدأ رابح-رابح، واحتواء الخلافات إلى الحد الممكن وعدم السماح لها بعرقلة فرص التعاون.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...