شكلت القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة بُعدًا مهمًّا وملمحًا بارزًا في السياسة الخارجية التركية، في الوقت الذي دفعت التداعيات التي أعقبت ثورات الربيع العربي الأزمة الفلسطينية إلى واجهة الأحداث مرة أخرى، على الرغم من تفاقم الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وتعاظمها، وبروز إشكاليات تخصّ بنى السلطة السياسية وأنظمة الحكم داخلها، وما رافقها من مخاضات ديموغرافية جديدة خالفت [تمظهراتها] التضاريسية والجغرافية والسياسية القديمة التي كانت قبل تلك الثورات العربية.
بيد أن التحولات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة ألقت بظلالها على المشهد السياسي والمجتمعي في الداخل الفلسطيني، وتأثرت بهما حزمة التكتلات الحزبية والسياسية، بينما امتدت آثارهما إلى الشارع الفلسطيني الذي بات الانقسام سمة أساسية له؛ تبعًا لحجم الاستقطابات القائمة هناك، كالوضع القائم بين حركة فتح في الضفة الغربية ورام الله وحركة حماس في قطاع غزة- اللتين ينشب عادة بينهما سجال سياسي بين الفينة والأخرى، فضلًا عن بروز ظواهر سياسية جديدة تلقى دعمًا خليجيًّا وعربيًّا تجاوزَ التشكلات السياسية التي تصدّرت المشهد السياسي الفلسطيني خلال العقدين الأخيرين بشقّيه القومي والإسلامي.
انطلاقًا من بعض تلك المشاهدات ورصدًا لحجم التحولات التي تعايشها القضية الفلسطينية وما تقتضيه ضرورات اللحظة الراهنة، ووفقًا لمستجدات الصراع مع الجانب الإسرائيلي وتداعياته إقليميًّا ودوليًّا- تقدّم مجلة رؤية تركية عرضًا [بانوراميًّا] تحليليًّا لأهم جوانب القضية وأزماتها في خِضمّ التحوّلات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، في محاولة لتفكيك المشهد الفلسطيني الداخلي، وطبيعة المواجهة مع الجانب الإسرائيلي بتنويعاته المتباينة والمتعددة، وبخاصة العسكري منها، إضافة إلى عرض عدد من البحوث والتحليلات المهمّة الجديرة بالوقوف عليها، تشمل أزمة الخليج وإيران والمنطقة المغاربية.
ينطلق الباحث أحمد الحيلة في بحثه: (مسارات القضية الفلسطينية بعد الربيع العربي) إلى سياقات مهمّة ذات دلالات جديدة مقترنة بالتحوّلات التي شهدتها القضية عقب ثورات الربيع العربي، والتي كان لها أثر عميق في التغيّر الكميّ والكيفيّ الذي لحق بها؛ نتيجة تصدّر ملفات أخرى أكثر سخونة، مثل الأزمة في كل من العراق وسوريا وليبيا… وشملت الدراسة أيضًا بُعدًا تاريخيًّا مهمًّا أسهم في التعرف عن قرب على صيرورة المشهد الفلسطيني وأطوار قضيته، بدءًا من (أوسلو) التي كانت لها آثار سلبية -بحسب وصفه- ولا تزال تعاني منها إلى وقتنا هذا، فيما سعت الدراسة رغم العرض التاريخي نحو تقديم رؤى استشرافية مهمّة انطلاقًا من معطيات الواقع الفلسطيني الراهن، مع التركيز على حجم المواجهة المتوقعة مستقبلًا من الجانب الإسرائيلي الذي يسعى بكل السبل نحو بث روح الانقسام الفلسطيني، وبث الفتنة من خلال ترويض بعض المحسوبين على القضية كما ذكر الحيلة في بحثه.
تمثل حركة فتح باكورة الحركات السياسية التحررية التي لها تاريخ حافل في المواجهة مع الكيان الإسرائيلي، وفي ذلك يقدّم الكاتب ماجد كيالي مقالته عن (تحولات حركة فتح ومآلاتها)، ساعيًا إلى عرض المسارات والتحولات التي شهدتها الحركة منذ انطلاقتها في ستينيات القرن الماضي، وذلك برؤى حيادية وموضوعية تسبر أغوار المشهد الفلسطيني الحزبي والجماعاتي، ولاسيّما من زاوية المقاومة ضد المحتل.
ظلّ وضع فلسيطيني الخط الأخضر من الإشكالات الهوياتية الكبيرة في المسألة الفلسطينية، من ناحية الصراع مع المحتل الإسرائيلي من جهة، ومدى القبول المجتمعي والتعاطي مع الحالة الفلسطينة والعربية بشكل عام من جهة أخرى، وانطلاقًا من تلك الرؤية الشاملة يحاول الباحث عزيز كايد إعادة الاعتبار إلى هذا المكون المجتمعي الفلسطيني من خلال تسليط الضوء على دوره الريادي في القضية الفلسطينية، وإسهاماته في الإبقاء على الهوية الفلسطينية للخط الأخضر وسط حصار ومضايقة المحتل الإسرائيلي.
يقدّم كايد عن فلسطينيي الخط الأخضر رؤية مغايرة للرؤى القديمة عن الدور الذي يمكن أن يقدّمه هذا المكون مستقبلًا للقضية، أو لأي مسار يمكن له أن يسلكه لإعادة الاعتبار إلى القضية الفلسطينية مجددًا، مع ضروة انتفاء التعامل معها على أنها هامش يتم تجاهله أو التغاضي عنه، وتتمثل قيمة المقالة في كونها قدّمت حزمة من المعلومات المهمّة والرصينة، إضافة إلى إعطاء رؤى استشرافية جديرة بالتعاطي معها، والمساعدة على إخصابها ونضجها من أجل وضع مسألة فلسطينيي الخط الأخضر في وضعها الصحيح.
وفي سياق القضية الفلسطينية نشهد عالميًّا من دولة البرازيل مواقف جادة ورصينة داعمة للشعب الفلسطيني وقضيته، وكان من المهمّ الوقوف عند هذا الموضوع في هذا العدد؛ وقد رصدت الباحثة صدفة محمود (الموقف البرازيلي من القضية الفلسطينية: الوضع الراهن وآفاق المستقبل) من خلال تقديم مدخل عن العلائق التاريخية التي تجمع بين دولة البرازيل والقضية الفلسطينية.
بيد أن التحولات التي يشهدها الغرب -ولاسيّما صعود اليمين المتشدد- التي طالت دولة البرازيل أيضًا تُنذر بكثير من التخوفات من أن تؤثّر في الفاعل السياسي البرازيلي الذي ظلّ متمسكًا بدعمه للقضية الفلسطينية خلال فترة حكم اليسار، وتحديدًا ما بين عامَي 2003 و2016، وهو ما عدّته الباحثة تغييرًا جذريًّا قد يطرأ على السياسة الخارجية البرازيلية مستقبلًا.
في موازاة ما سبق يستعرض الكاتب حسام شاكر، إشكالية أخرى تضاف لمثيلاتها في ملف القضية الفلسطينية، وهي (التهجير) الذي اقترن بالحالة الفلسطينية وعايشها ردحًا من الزمان، ففي مقالته: (من التهجير إلى الاستعادة: معالجة معضلة متفاقمة عالميًّا) يرتحل بنا الباحث إلى التغريبة الفلسطينية والتهجير عن الديار والتاريخ على أيدي المحتل الإسرائيلي.
ثم يأتي الحدث الجلل المتمثل في انتفاضة باب الأسباط التي مثّلت مشهدًا فارقًا في خضم المواجهة التاريخية والعقدية والإنسانية بين الشعب الفلسطيني والمحتل الإسرائيلي- التي أظهرت طبيعة الدور المقاوم وحجم الاستنفار الجاد في مواجهة خطة التهويد الكاملة على مدار العقود الفائتة، انتهاءً بوضع السياج الكامل، وبناء الجدران حول أكثر الأماكن رمزية في قلوب المسلمين والعرب في المنطقة العربية والإسلامية والعالم أجمع، بيد أن ما قدّمه المقدسيون من استبسال وصمود كان إيذانًا بمرحلة جديدة وضع خلالها الفلسطينيون القضية في مشهد مغاير عكس حجم النضج لديهم، وكان ذلك رسالة واضحة للمحتل بخطورة المساس بمقدساتهم ورموزهم في ظل وضع الاحتلال القائم والحؤول دون التهويد الممنهج والممارس منذ سنوات عدة.
أما الباحث عبد الله معروف عمر فيتناول في بحثه: (حادث المسجد الأقصى في يوليو 2017: تأكيد لسياسة الردع) هذه الحادثة، مبرزًا زواياها المختلفة، ومآلاتها، وما ترتب عليها في خضم المواجهة القائمة بين الشعب الفلسطيني والمحتل الإسرائيلي من جهة، ومستقبل القدس بوصفه رمزية دينية وسياسية ومجتمعية، ومحددات الصراع القائم حوله في اللحظة الراهنة من جهة أخرى.
على الضفة الأخرى من المشهد الفلسطيني يقف قطاع غزة في ظل الحصار المفروض عليه منذ عام 2006م في حالة تستدعي معرفة مسببات هذا الحصار وتداعياته على المشهد الفلسطيني والصراع مع الجانب الإسرائيلي، وانعكاسات ذلك على المقاومة الفلسطينية هناك، التي تتركّز بشكل كبير في القطاع، هنا تقدّم لنا الباحثة جيهان أبو شمالة مقالتها (حصار غزة: الواقع والأبعاد والتداعيات) محاولة كشف تداعيات الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال هذه السنوات ومآلاته المستقبلية.
وتشير الباحثة إلى البعد القانوني الدولي وحجم تعاطيه مع هذا الحصار، وإمكانية التحرك دوليًّا لفكّه عن القطاع، انطلاقًا من تداعياته إنسانيًّا، الذي يتطلب المزيد من تسليط الضوء إعلاميًّا على هذه القضية المهمّة داخل المشهد الفلسطيني المضطرب جراء الاحتلال الإسرائيلي.
ومن الملف الفلسطيني إلى أحداث الساعة في المنطقة؛ حيث يتناول كل من نبيل عودة وحقي أوغور موضوعين مهمّين: أولهما الموقف الإيراني من الحملة ضد قطر، وثانيهما الانتخابات الرئاسية الإيرانية ونتائجها؛ إذ تعيش المنطقة الخليجية على وقع سجال هو الأبرز منذ عقود، وله أثر عظيم في شكل التحالفات الإقليمية في المنطقة وتعاطي الأطراف النافذة والمؤثرة إقليميًّا في ظل التجاذبات والاستقطابات الدولية القائمة بين الفريقين المتساجلين. يبحث نبيل عودة في حجم التعاطي الذي قدمته إيران مع هذه الأزمة، وبخاصة في ظل سياق تعاطيها مع قطر، محاولة استثمار هذا الطقس الغائم بما يصبّ في مصالحها، والتعامل البراغماتي الواضح معها، وهذا يعني أن الحصار على دولة قطر جاء في مصلحة إيران.
وتأتي الانتخابات الإيرانية الأخيرة التي جرت في أيّار من هذا العام 2017، وأسفرت نتائجها عن فوز رئيس الجمهورية الحالي حسن روحاني في الدورة الأولى لها- لتلقي بظلالها على المشهد الداخلي والخارجي على حدّ سواء، وبخاصة في ظل الدور الإيراني الإقليمي المثير للجدل، الذي مثّل إبقاء روحاني على منصبه استمرارية في المنهج الذي سلكته الجمهورية مع إطلالة الربيع العربي في خضم التحولات التي شهدتها المنطقة منذ 2011-2017، وهو ما يقدّمه بالتفصيل الباحث حقي أوغور في مقالته: (الانتخابات الرئاسية في إيران ونتائجها).
ثم يأتي عبدالله أيربوغا في مقالته: (العلاقات الأمريكية الخليجية) بسرد تحليلي عن العلاقات الأمريكية الخليجية وتشعباتها التي تختلف بشكل كبير عن نظيرتها بين الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول، وهو ما دفع أيربوغا إلى وصفها بأنها ذات هوية خاصة.
وفي غمار [الماراثون] الانتخابي الإقليمي الذي شهده العام الجاري 2017 تأتي الانتخابات التشريعية في الجزائر لترسم لوحة أخرى في المسار السياسي في المنطقة، وتحديدًا في شمال إفريقيا. وهنا تأتي مقالة: (الانتخابات التشريعية في الجزائر 2017: تغيير أم استمرار…) للباحثة عبير شليغم التي ترصد بُعدًا مهمًّا في خضم المشهد السياسي الجزائري الذي يعايش منذ سنوات حالات من الصعود والهبوط، في ظل استقرار سياسي في السلطة يختلف بشكل كبير عن الجمهوريات التي تصدعت أجزاء كبيرة منها نتيجة تداعيات الربيع العربي.
وتعرض الباحثة الجزائرية خريطة تفصيلية للأحزاب السياسية بالداخل، التي تنافست على مقاعد المجلس الشعبي الوطني، في الانتخابات التي نُظّمت في مايو أيار الماضي 2017، وتبرز بإسهاب نتائج هذه الانتخابات وانعكاساتها المستقبلية على المشهد الجزائري.