رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


العملية السياسية العراقية في ظل حكومة عادل عبد المهدي

إن الأزمة الحالية التي يمر بها المشهد العراقي الذي تتنازعه مصالح وصراعات الأحزاب الطائفية هي تحصيل حاصل لطبيعة النظام السياسي المفروض على العراق بعد عام 2003. ويعتقد مراقبون أن كثيرًا من القوى السياسية الفاعلة في الساحة العراقية ترى أن حكومة عبد المهدي تسير نحو طريق الإخفاق، وهذا يدعو إلى القفز من مركبها قبل الغرق، خصوصًا أن هذه الأحزاب السياسية لا تريد أن تتحمل مسؤولية إخفاق الحكومة، ولاسيّما وهي تستعد للمشاركة في انتخابات محلية العام المقبل. كما تواجه حكومة عادل عبد المهدي انتقادات سياسية ودينية وشعبية بعد أن تنصّلت عن وعودها في تنفيذ البرنامج الحكومي واتخاذ خطوات فاعلة إزاء مكافحة الفساد المستشري في الوزارات والمؤسسات الحكومية وانتشار السلاح بشكل واسع.

العملية السياسية العراقية في ظل حكومة عادل عبد المهدي

مقدمة

    تشهد الساحة السياسية العراقية صراعًا يُعدّ الأكثر تعقيدًا وخطورة، خصوصًا بعد نتائج الانتخابات التي تلت داعش، حيث مثلت عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي مجموعة تحديات جديدة في مسار الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي في العراق؛ بدأت التحديات بمعضلة الكتلة الأكبر في البرلمان التي يجب أن تعلن تشكيل الحكومة والتي لم يُحسَم الجدل في تحديد أو تفسير من هي الكتلة الأكبر، وهو ما أسهم في استمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار في العملية السياسية العراقية. وهذا أدى إلى تمحور الأحزاب حول قطبين رئيسين، هما: كتلة الإصلاح والإعمار، وكتلة البناء. إنّ النواة والقوة الدافعة داخل كتلة الإصلاح هي كتلة "سائرون" بقيادة مقتدى الصدر، ونواة كتلة البناء هي كتلة "الفتح". بادرت القيادات داخل الكتلتين إلى اتفاق بينهم للمضي بالعملية السياسية وأداء دور المحرك الأساسي داخل البرلمان، وبتوافق ضمني استطاعتا ترشيح محمد الحلبوسي لرئاسة البرلمان، وبرهم صالح لرئاسة الجمهورية، وكانت هاتان الكتلتان قد اتفقتا من قبل على إزاحة حزب الدعوة من رئاسة مجلس الوزراء وكلّفتا عادل عبد المهدي برئاسة مجلس وزراء بعيدًا عن الأحزاب الحالية.

   إقليميًّا بذلت إيران والولايات المتحدة جهودًا كبيرة في التسابق من أجل التأثير في العراق خلال عملية تشكيل الحكومة، في الوقت الذي تظهر به أمريكا أنّها راضية بنجاح تشكيل الحكومة، تبدو نتائج هذا التسابق أنها انتهت بما يخدم مصالح إيران في المحافظة على نفوذها في العراق، من خلال تسمية الرئاسات الثلاث الجديدة. تعاملت الولايات المتحدة مع عادل عبد المهدي على نحو مكثف حين كان وزيرًا للنفط في العراق، ولكنّها دعمت آنذاك رئيس الحكومة حيدر العبادي خلال الانتخابات، متغاضيةً عن جميع التحليلات المنطقية للوضع. ومن خلال سوء قراءتها للمشهد السياسي خسرت واشنطن فرصة التأثير في مرشح لديه بعض الشعور بالولاء. وفي المقابل، بذلت طهران بعض الجهود الاستثنائية في بناء تحالفات سياسية لم تكن واشنطن تعتقد أنها ممكنة. على سبيل المثال، ضُمّ ما يقارب نصف السُنّة إلى كتلة "البناء" التي تُعدّ الجناح السياسي لبعض الميليشيات الشيعية، والتي بدورها رشحت محمد الحلبوسي لرئاسة البرلمان. وعلى الرغم من ممارسة إيران نفوذًا كبيرًا في العراق بسبب المؤسسات العراقية الضعيفة وسياسات البلاد القائمة على الصفقات، لكن لا يجب غض النظر عن نفوذ الأحزاب والقيادات المحلية في البلاد.

     المشهد السياسي العراقي كعادته مليء بالأزمات، ويبدو أن النخبة السياسية تعيش على هذه الأزمات. حيث إن السنوات الماضية كانت سياسة الإدارة بالأزمات هي السائدة في البلاد، وكانت الحلول في أكثر الأحيان تأتي من خلق أزمة جديدة وأكبر لتحلّ محلّ الأزمة القائمة حتى تُنسَى الأزمة الأولى؛ لتتجه الأنظار نحو الأزمة الجديدة. ولا يخفى على أحد بأن هناك توجّسًا وترقّبًا لما قد تحمله التحديات القادمة من جراء ما قد يحدث في المنطقة برمتها، وخصوصًا ما يتعلق بتطورات الصراع الأمريكي- الإيراني، واحتمالية عودة داعش إلى المناطق النائية، وهو ما يضع قادة البلد أمام تحديات كبيرة. إضافة إلى عدة عقبات، منها إكمال الحقائب الوزارية، وعجز وتأخر إعادة هيكلة الحكومة كما جاء في البرنامج الحكومي لإنهاء إدارة المناصب بالوكالة، وتعين رؤساء الهيئات المستقلة ووكلاء الوزراء والمديرين العامّين وغيرها من المناصب، إضافة إلى مواجهة التهديدات الأمنية المتصاعدة، والتدهور الاقتصادي، وسوء الخدمات التي تجعل الشعب العراقي في حالة من الغضب وعدم الرضا على الأداء الحكومي بشكل عام، حيث يجب على حكومة عادل عبد المهدي التعامل مع ثلاثة مجتمعات مختلفة تضررت بشدة من قضايا فريدة من نوعها. فالأكراد غاضبون من فقدانهم السيطرة على كركوك، أما السُّنّة فبأمسّ الحاجة إلى إعادة الإعمار بعد الحرب على "داعش"، ويشعرون بالقلق من معاودة ظهور داعش، وسئموا من استبعادهم عن مناصب السلطة السياسية الكبرى في بغداد. ويشعر الشيعة بالغضب من عجز الحكومة عن توفير الخدمات الأساسية.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...