رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


تركيا وليبيا: الطاقة والنفوذ شرق المتوسط

يركز العدد الجديد من مجلة (رؤية تركية) على إحدى ساحات التنافس بين القوى الدولية والإقليمية في المنطقة، وهي ساحة شرق البحر الأبيض المتوسط، ولاسيّما بعد الاتفاق البحري بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية التي تعترف بها الأمم المتحدة، إذ عُدَّ هذا الاتفاق الذي وُقِّع في 27 كانون الأوّل/ ديسمبر 2019 مغيّرا لقواعد اللَّعب والتنافس، وقد تبعت ذلك عدةُ تفاعلات دولية... كما يتناول العدد بحوثًا ودراسات أخرى لملفات إقليمية كبيرة ومهمّة.

تركيا وليبيا: الطاقة والنفوذ شرق المتوسط

كلمة رئيس التحرير

 

ينشغل العالم اليوم بتداعيات "فيروس كوفيد 19" أو "كورونا" الذي انتشر في العالم انطلاقًا من مدينة ووهان الصينية، وأودى بحياة عشرات الآلاف، وأجبر جميع الدول على تطبيق إجراءات الحجر الصحي أو الحجر المنزلي، وقد فتح انتشار هذا الوباء الباب للكثير من الأسئلة المهمّة، مثل: متى سينتهي انتشار هذا الوباء؟ وما آثاره في النظام العالمي؟ وما تأثيره في الاقتصاد؟... وغيرها من الأسئلة التي تنتظر إجابات وافية؛ لذا سوف نسعى إلى الإجابة عن هذه الأسئلة، بتناول هذه القضية وتحليلها من جميع أبعادها، من خلال دراسات أكاديمية متنوعة، في الأعداد القادمة من مجلة رؤية تركية.

 يركز العدد الجديد من مجلة (رؤية تركية) على إحدى ساحات التنافس بين القوى الدولية والإقليمية في المنطقة، وهي ساحة شرق البحر الأبيض المتوسط، ولاسيّما بعد الاتفاق البحري بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية التي تعترف بها الأمم المتحدة، إذ عُدَّ هذا الاتفاق الذي وُقِّع في 27 كانون الأوّل/ ديسمبر 2019 مغيّرا لقواعد اللَّعب والتنافس، وقد تبعت ذلك عدةُ تفاعلات دولية... كما يتناول العدد بحوثًا ودراسات أخرى لملفات إقليمية كبيرة ومهمّة.

نستهلّ بحوث العدد بدراسة أمر الله إيشلر، وعنوانها: "العلاقات التركية الليبية: منظور تاريخي وتحليل حديث". تتميز هذه الدراسة بكون الكاتب يمتلك خلفية أكاديمية، وله اطّلاع مباشر على العلاقات، بحكم عمله ممثِّلًا خاصًّا لتركيا في ليبيا؛ ولأنّ العلاقات تستند إلى خلفية تاريخية عميقة فقد أشارت الدراسة إلى مراحل هذه العلاقة التي بدأت منذ عام 1551م، كما تناولت سياسةَ تركيا تجاه ليبيا خلال ثورة 17 شباط/ فبراير 2011م وبعدها، وركّزت على التطورات الأخيرة. وأكّدت الدراسة دعم تركيا طوال جميع هذه المراحل الحلول السياسية، وحتى الاتفاق الأمني مع حكومة الوفاق جاء خدمة لهذا الغرض، وهو ما ظهرت آثاره في مؤتمر برلين الذي لم يكن لينعقد لو استطاع حفتر السيطرة على طرابلس.

تنتقل المجلة من الدراسة الأولى إلى دراسة لا تقلّ أهمية؛ حيث يمتلك صاحبها تجربة عملية من خلال عمله قائدًا في البحرية التركية؛ إنّه اللواء المتقاعد جهاد يايجي الذي يشرح بالتفصيل وبالخرائط في دراسته: "المنطقة الاقتصادية الخالصة في مذكرة التفاهم الموقّعة بين تركيا وليبيا: النتائج والآثار" تسلسل العملية والتحضيرات لها منذ عام 2004، ويبيّن النتائج والآثار المترتبة عليها، ويفيد أن الاتفاقية عُقِدت بموجب القانون الدولي. كما يوضّح الباحث عددًا من الحالات والقرارات التي صدرت عن محكمة العدل الدولية، ويشير إلى بُعد آخر، يتمثّل في أنّ دولًا مثل مصر ولبنان و(إسرائيل) كان يمكنها أن تكسب مساحات بحرية أكبر لو اتّفقت مع تركيا بدلًا من الاتفاق مع قبرص الجنوبية.

 

أمّا الباحث فرقان بولاط فيقدّم في بحثه: "سياسات اللاعبين الإقليميين والعالميين في ليبيا" تحليلًا لسياسات اللاعبين الإقليميين والعالميين في ليبيا، مبيّنًا التهديدات والمصالح التي أراد اللاعبون التدخل من أجلها في ليبيا، كما أنّه يحلّل الأسباب البنيوية للأزمة الليبية، ويتوقف عند الأطراف المحلية وصراع السلطة قبل تسليط الضوء على التنافس الدولي في ليبيا.

ومن خلال بحث المنظور الليبي يقدّم الباحث الليبي نزار كريكش في دراسته: "السياق الليبي لمذكرة التفاهم التركية الليبية" تحليلًا للسياق الليبي الذي أدّى إلى توقيع مذكرة التفاهم بين ليبيا وتركيا، والخلفية السياسية والاقتصادية للمنطقة الاقتصادية الخالصة شرق البحر المتوسط، وعلاقة ذلك بالتحول الجيوإستراتيجي في مجال الطاقة، وآثار ذلك في ليبيا في ظلّ عدوان يشنّه الجنرال خليفة حفتر على طرابلس.

وقد كان واضحًا وجود إخفاق وتعارض أوروبي تجاه ليبيا؛ لذلك تناولت دراسة الباحثة نورشين غوناي التي عنوانها: "لماذا تخفق السياسات الأوربية في البحر المتوسط؟" أهدافَ وأدوات الوجود الفرنسي والإيطالي والأمريكي في البحر المتوسط، وتأثيرات تطوير الغرب إستراتيجيته في البحر المتوسط، وتطرقت في الوقت ذاته إلى سياسات تركيا في شرق البحر المتوسط، لدورها المهمّ بوصفها لاعبًا رئيسًا في إستراتيجيات التوازنات.

أمّا الباحثان محيي الدين أتامان ومحمد علي كارا دومان فيسلّطان الضوء في بحثهما: "سياسة الإمارات والسعودية تجاه أزمة ليبيا" على سياسة بعض الأطراف الإقليمية في ليبيا، والدور الإقليمي في تأييد خليفة حفتر بكلّ أنواع الدعم المالي والعسكري والسياسي والدبلوماسي؛ بسبب مخاوف هذه الأطراف من تغيير نوع نظام الحكم.

تحوّلَ شرق البحر الأبيض المتوسط إلى مركز جذبٍ تُشَدّ إليه الأنظار منذ تتابع الاكتشافات فيه في مطالع الألفية الثالثة، وأصبح يفرض نفسه على أجندات دول كثيرة، لكن المعاهدات التي ترسم الحدود البحرية قبل اكتشاف الموارد؛ خلقتْ –ولا تزال- مشكلاتٍ تفرض نفسها، وتشكّل عائقًا أمام إسهام احتياطات الطاقة في الحقول المتنازع عليها في اقتصادات هذه البلدان؛ لذلك يتناول  بحث بشرى زينب أوزدمير: "سياسة تركيا شرق المتوسط من منظور قوانين الملاحة البحرية الدولية" تقييمًا لأطروحات تركيا من منظور قوانين الملاحة البحرية الدولية، علمًا أن تركيا هي الدولة التي تملك الشريط الساحلي الأطول على البحر الأبيض المتوسط، وهي الدولة التي يجري العمل على تحييدها، وإبقائها خارج معاهدات ترسيم الحدود البحرية.

وفي المساحة ذاتها يدرس يونس فورونجو "سياسة تركيا في البحث والتنقيب عن الموارد الهيدروكربونية شرق البحر الأبيض المتوسط" في مياه يزيد عمقها على 300 متر، من خلال سفنها؛ لتقليل الاعتماد على الخارج، وتأمين حاجتها من الطاقة، وحماية حقوقها في المنطقة.

ومع تزايد سخونة التنافس على موارد الطاقة تبرز الخيارات العسكرية، وفي هذا السياق يدرس الباحث مليح يلدز التوازن العسكري شرق المتوسط من منظور تركيا في دراسته: "تركيا والتوازن العسكري في شرق المتوسط" التي تُجري مقارنة بين الدول المتنافسة في شرق المتوسط من حيث القوات البحرية والجوية.

وقد ظهر بوضوح أنّ العمل العسكري لم يقتصر على الدول، بل أسهمت فيه مجموعات عسكرية خاصّة؛ لذا تناولت دراسة الباحثين كوتلوهان غوروجو وآرزو بونيا مليشيات فاغنر الروسية من حيث التأسيس، والكادر القيادي، والعلاقات الداخلية، وبنية القيادة والتحكم، ودائرة نشاط المجموعة، والبعد القانوني لها، ويحلّل أنشطة شركة فاغنر، ولاسيّما في ليبيا وسوريا، وأسباب وأساليب لجوء السياسة الخارجية الروسية إلى شركة عسكرية خاصة.

ونختتم موادّ العدد ببحثين مهمّين؛ أولهما للباحث عمر أوزكيزلجيك، وعنوانه: "خريطة الطريق بعد وقف إطلاق النار في إدلب"، وثانيهما للباحث محمود الرنتيسي، وعنوانه: "السياق الأخلاقي لصفقة القرن: قراءة وتقييم".

أمّا الباحث عمر أوزكيزلجيك فيقدّم دراسة تحليلية لديناميكية النشاط الدبلوماسي والعسكري الجاري في سياق الوضع في إدلب، وبشكل رئيس خريطة الطريق فيها، وعملية تحقيق تركيا للاستقرار هناك؛ بعد التوصل إلى اتّفاق وقف إطلاق النار في 5 آذار/ مارس 2020م بُعَيد عملية درع الربيع التركية التي أثبتت فيها أنقرة قوة ردع من خلال تكبيد النظام خسائر عسكرية كبيرة، وتصميمها على تأمين مدينة إدلب؛ رغبة في تحويلها إلى منطقة آمنة. وقد قدّر الباحث أنّ من المفيد أن تحوّل تركيا إدلب إلى منطقة آمنة بشكل سريع؛ لأنّ هذا الأمر سيمنع نظام الأسد من إطلاق هجوم جديد، وما لم تُنشَأ المنطقة الآمنة الفعلية في إدلب فإن وقف إطلاق النار في هذه المدينة سيبقى هشًّا، وسيظل النظام الروسي ونظام الأسد يعتقدان أن هناك إمكانية لحلّ عسكري، وسيحاولان القيام بعمل عسكريّ في إدلب مرة أخرى، متجنّبينِ الحل السياسي.

وأمّا الباحث محمود سمير الرنتيسي فقدّم قراءة تقيمية لخطة صفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 28 كانون الثاني/ يناير 2019، والتي تختلف عن رؤى الرؤساء السابقين، رغم انحيازهم جميعًا إلى الجانب الإسرائيلي. وأظهر الباحث أنّ خطة ترامب تجاهلت حقّ الفلسطينيين في القدس، وتعاملت مع حقوقهم في العودة إلى ديارهم وفي إقامة دولتهم على أنها صفقة تجارية، يمكن تجاوزها بعدد من الجَزَرات الاقتصادية. ويرى الباحث الذي تناول عددًا من المواقف الدولية والإقليمية أن الخطة بدأ تنفيذها قبل الإعلان عنها، وقد ترافق معها انحدار أخلاقي كبير من الإدارة الأمريكية الحالية، والدول المؤيدة للصفقة. وفي القسم الأخير يطبّق الباحث ثلاثة معايير طرحها البروفسور جوزيف ناي للياقة الأخلاقية للرؤساء الأمريكيين- على صفقة القرن، وهذه المعايير هي: النوايا والدوافع، والوسائل، والعواقب.

وختامًا نأمل أن تكون ملفّات هذا العدد قد غطّت جزءًا كبيرًا من الفراغ المتعلّق بموضوع العدد، وقدّمت للقارئ تحليلًا متماسكًا بمنظور مختلف، ونرجو أن نلتقي معكم في الأعداد القادمة من خلال المزيد من البحوث والدراسات العلمية الرصينة التي تتناول التطورات في تركيا والمنطقة.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...