ملخص يحاول البحث الوقوف على محددات العلاقات التركية الروسية، وبخاصة في سياق مواطن التعاون والاختلاف، حيث يرى البحث أن هناك مواطن كثيرة للتعاون بين البلدين تبشّر بآفاق واسعة للتعاون في المستقبل، في مجالات الطاقة والتجارة والسياحة والتعليم وغيرها، ولكن هذه المجالات تبقى عرضة للتهديد بسبب الخلافات المتعلقة بمشكلات بنيوية بين البلدين في أكثر من قضية، ولهذا يوصي هذا البحث صانعي القرار بضرورة مراعاة كل خطوة يقومون بأخذها في هذا السياق، وقد أشاد الباحث بقدرة البلدين على تجاوز أزمة إسقاط الطائرة واغتيال السفير، لكنه لايزال يخشى من التأثير السلبي للخلافات في مواطن التعاون، ويدعو لبذل مزيد من الجهد لتوسيع مجالات التعاون بين البلدين وتحصينها.مدخل
تكمن الديناميات الرئيسة للعلاقات بين تركيا وروسيا في التنافس الجيوسياسي الإستراتيجي بين البلدين، فضلًا عن التعاون الذي تطور منذ تفكك الاتحاد السوفياتي. مع نهاية الحرب الباردة، أتيحت لكل من تركيا وروسيا الفرصة لتطوير العديد من مجالات العمل المشتركة التي كان لا يمكن تحقيقها بين الاتحاد السوفياتي وتركيا. ومع ذلك، ونتيجة للديناميات الطبيعية والمصالح الجيوسياسية للبلدين والموروثة من حقبة الحرب الباردة- كانت هناك اختلافات بين البلدين في عدة مناطق، منها القوقاز والشرق الأوسط، وغيرها من القضايا الدولية. ومن خلال تغيير الظروف بعد الحرب الباردة، عُزِّزت مجالات عديدة، ولاسيّما في ميدان الأعمال التجارية الكبيرة، وخصوصًا في مجالات الطاقة والسياحة، وشكلت مبادرة البلدين إسهامًا إستراتيجيًّا واقتصاديًّا مهمًّا في علاقة الطرفين. من ناحية أخرى، وكما رأينا جعلت أزمة إسقاط طائرة سوخوي 24 في عام 2015، التعاون بين تركيا وروسيا دائمًا تحت تهديد المنافسة الجيوسياسية بين البلدين؛ ولهذا فإن هناك ارتباطًا بين إدارة التعاون وبين المنافسة الجيوسياسية بين كل من تركيا وروسيا.
يُعَدّ كل من روسيا وتركيا فاعلينِ إقليميين نشطين في منطقة القوقاز ومنطقة الشرق الأوسط وحوض البحر الأسود؛ فالبلدانِ متنافسان جيوسياسيًّا في كل هذه المجالات. وقد شهدت علاقة تركيا القديمة التي تعود إلى قرون تراجعًا شديدًا في العلاقة مع الإمبراطورية الروسية، وفي وقت لاحق مع الاتحاد السوفيتي. وخلال فترة الحرب الباردة، لم تتمكن العلاقات بين الاتحاد السوفياتي وتركيا من الارتقاء إلى أيّ تحسن ملموس في أي مجال تقريبًا داخل حدود المناخ السياسي العالمي.
وبعد نهاية الحرب الباردة، وخصوصًا منذ أوائل عام 2000 اتبعت روسيا سياسة إحياء جدية في العلاقات بين روسيا وتركيا. وقد استكشفت موسكو وأنقرة الإمكانيات الموجودة، ولاسيما في مجالات التجارة والسياحة والطاقة، وتمت تعبئة الآليات اللازمة لتطوير العلاقات بشكل يعود بالنفع على كلا الجانبين، ومع ذلك، فإن المصالح المتضاربة بين البلدين في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأسود وجنوب القوقاز تشكل الجانب الهش للعلاقات بين تركيا وروسيا، إضافة إلى أن تركيا جزء من حلف الناتو الذي شُكِّل لوقف الاتحاد السوفيتي. وقد أثارت التطورات الحديثة في سوريا وأوكرانيا فترة كان يمكن فيها إعادة تعبئة هذه الخطوط الهشة، وإعادة اكتشاف أبعاد العلاقات بين أنقرة وموسكو من جديد.
وقد أثبتت روسيا وتركيا أن إدامة التعاون ممكنة في الأعمال التي تعود بالفائدة على الطرفين بطريقة جدية منذ انتهاء الحرب الباردة وحتى اليوم. وفي هذا السياق، سارت الدولتان في مجالات التجارة والسياحة والطاقة. وقد زادت التجارة بينهما كل عام تقريبًا نتيجة للجهود المتبادلة. وكانت تركيا تكسب كل عام دخلًا كبيرًا تبلغ الملايين من السائحين الروس الذين يزورون السواحل الجنوبية للبلاد. وفي مجال الطاقة، دعمت روسيا أول مشروع محطة للطاقة النووية في تركيا، وتمّ التوصل إلى اتفاق لبناء خط أنابيب الغاز الطبيعي المعروف باسم (السيل التركي). وتسهم العلاقات الاجتماعية والجهود التي يبذلها الطرفان في الاعتراف ببعضهما في زيادة الثقة المتبادلة بين تركيا وروسيا. ومن ذلك تزايد عدد حالات الزيجات الروسية- التركية في السنوات الأخيرة، كما أن حجم مشاهدة المسلسلات التركية، قد كسر الأرقام القياسية في روسيا، وهذا من شأنه أن يسمح بوضع تركيا في إطار التصورات الإيجابية في المخيلة الجَمعية للمجتمع الروسي.
إن هذه الفرص والأمور الإيجابية التي تُسهم في تطوير العلاقات بين البلدين، تُعدّ محدودة بسبب المصالح المتضاربة في السياسات الإقليمية؛ حيث قامت موسكو في أعقاب أزمة الطائرة بمجموعة من التدابير المفاجئة في العلاقات الثنائية، وفي عدة مجالات، من الاقتصاد إلى التعليم، وهذا أدى إلى صعوبات جدية في تركيا. وكانت أنقرة ترى أن التدخل العسكري الأول لروسيا في أوكرانيا ثم في سوريا، يهدّد المصالح الإقليمية لتركيا. في تشرين الثاني / نوفمبر 2015، تسببت إحدى العمليات الجوية الروسية في سوريا، في انتهاك الحدود التركية، وهو ما أدّى إلى إسقاط الطائرة الروسية النفاثة. وتسبب هذا الحدث في حثّ روسيا على إعادة النظر في جميع العلاقات التجارية القائمة مع تركيا، ونتيجة للتدابير المتخذة، كان الضرر في العلاقات التركية الروسية مكلفًا للغاية.
وتتعدد المجالات التي تتعاون فيها كل من تركيا وروسيا من إمكانات التنمية، ولاسيّما التجارة والطاقة والسياحة. إن تطوير العلاقات التجارية بين تركيا وروسيا -وهما قوتان مهمّتان في المنطقة- له القدرة على التقليل من حماسة الأطراف في العالم الغربي تجاه الفرص التجارية المتوفرة. وسيؤدي التعاون في مجال الطاقة إلى زيادة الثقة في إمدادات الطاقة في تركيا وزيادة أهميتها الإستراتيجية. وفي المجال الأمني سوف تتمكن الدولتان من تحقيق وضع أكثر استقرارًا ليس فقط في تركيا وروسيا، ولكن في العديد من المجالات والمناطق التي يكون فيها للبلدين رأي معتبر. وستعزز العلاقات التجارية العديد من القطاعات المختلفة الأخرى، وبخاصة السياحة والتعليم والعلاقات بين مواطني البلدين، وستفتح أبوابًا أوسع لتطوير العلاقات. إضافة إلى ذلك، فإن التقدم المحرز في هذه المجالات التجارية سيقدم إمكانيات في مختلف المجالات في العلاقات بين البلدين لتصبح أكثر انفتاحًا مع الثقة التي ستتحقق. إن الاستثمار في مجالات التوافق المحتملة من خلال العمل بطريقة مسؤولة، مع الوعي بالتناقضات السياسية بينهما، على المدى الطويل سوف يفيد كلًّا من تركيا وروسيا.
وقد نجحت تركيا وروسيا في فصل روابطهما التجارية ومجالات الصراع بينهما عن العلاقات الثنائية منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وحققتا تقدمًا كبيرًا من نواح كثيرة. في بداية الحرب الأهلية في سوريا وبخاصة ما أدّت إليه حادثة الطائرة التي سببت ضررًا في العلاقة، وكانت يمكن أن تكون مسوِّغًا لتضارب المصالح، ولكن بتعاون الدولتين في حل الأزمة تم أُعِيد إحياء العلاقات مرة أخرى؛ لإنتاج مستوى أكبر من التعاون. ويتوقف استمرار مجالات التعاون في الأعمال التجارية التي تتميز بها العلاقات بين تركيا وروسيا لكلا الجانبين على الإدارة المنسقة لهذه العلاقات من جانب صانعي القرار مع مراعاة المخاطر المحتملة.
الفُرَص: مجالات التعاون وتصورات التهديدات المشتركة
إن انشاء التعاون بين كل من روسيا وتركيا، وبخاصة في مجالات الاقتصاد والأمن والطاقة سيخلق حالة إيجابية تحالفية بين البلدين، وهو أمر ضروري لإقامة علاقة صحية مع الجهات الفاعلة الأخرى. حيث إن روسيا طرف فاعل وصاحب موقف رئيس في الوصول إلى أسواق الشرق الأوسط والأسواق الأوروبية، وخصوصًا في تصدير موارد الطاقة. وإن روسيا بالنسبة لتركیا سوق كبيرة من حيث العديد من أنشطة الإنتاج التي يمكن أن تستهدفها تركيا بالتصدير. وإلى جانب البحر الأسود والقوقاز على وجه الخصوص، يظهر أيضًا أن هناك أهمية جيوسياسية بين البلدين، حيث إن الموضوع الجغرافي من أسس التعاون في المجال الأمني، ويوجد لهذا اعتبارات خاصة في الأهداف الإستراتيجية. وإن المبادرة التي تقوم بها روسيا وتركيا اليوم من أجل التوصل إلى حل للأزمة في سوريا، تدل على أبعاد إمكانات التعاون بين أنقرة وموسكو. في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من المخاطر المرتبطة بتعميق العلاقات بين البلدين سجلت العلاقات تقدّمًا كبيرًا في جميع المجالات، ووصلت أنقرة وموسكو معًا اليوم إلى نقطة القدرة على إيجاد حلول مشتركة للمشكلات الموجودة.
الطاقة
لا يُعَدّ الغاز الطبيعي الروسي أهم قضية في العلاقة مع تركيا فحسب، بل إن العديد من دول المنطقة يُعطي أهمية لموضوع الغاز فيما يتعلق بالعلاقة مع روسيا. وبفضل مواردها الطبيعية الغنية فإن اقتصاد روسيا يمنحها المزيد من فرص التجارة الخارجية كل عام، حيث إن جزءًا كبيرًا من صادراتها في الأشهر الـ11 الأولى من عام 2016 الذي وصل إلى 225 مليار دولار كان في معظمه من الغاز الطبيعي والنفط والمعادن الثقيلة الأخرى.[1] وإضافة إلى الدخل الذي تولّده صادرات روسيا من الطاقة، فإن موارد النفط والغاز الطبيعي لها مكانة مهمّة في العلاقات الخارجية للبلد. وقد تجلى هذا الوضع في الصراع الذي دخلته روسيا مع العالم الغربي حول أوكرانيا، وبخاصة في الماضي. وفي هذه الفترة، وُجِدت مزاعم وادعاءات مفادها أن الانخفاض الكبير في أسعار النفط كان ورقة رابحة استخدمتها الولايات المتحدة ضد روسيا منذ عام 2014. وإضافة إلى ذلك، فإن اعتماد الاتحاد الأوروبي على الموارد الطبيعية الروسية في الفترة نفسها تسبب في تردد بعض الدول الأعضاء في الضغط على روسيا فيما يتعلق بمسألة أوكرانيا.[2]
أما في مجال الطاقة النووية فإن روسيا واحدة من أهم القوى في العالم في هذا المجال، ويرجع ذلك إلى مواردها الطبيعية، وكذلك مع تجربتها النووية الموروثة من الاتحاد السوفياتي. في السنوات الأخيرة، كان هناك نطاق كبير من أرضيات التعاون بين روسيا وتركيا في مجالات الطاقة النووية ونقل الغاز الطبيعي الروسي. وعلى الرغم من احتجاج تركيا على ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم، حيث إن تركيا تقف إلى جانب أوكرانيا في هذه العملية، فإن التوتر بين الكرملين وكييف يدفع روسيا إلى الاقتراب من تركيا فيما يتعلق بمجال الطاقة. في هذه العملية، يأتي المشروع التركي في المقدمة، ويُتوقَّع أن ينتقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تراقيا. وإذا تمّ الانتهاء من المشروع بنجاح، فسوف يُصدَّر الغاز الطبيعي الروسي إلى تركيا من خلال خط أنابيب سيتمّ بناؤه. وإضافة إلى ذلك، ستتاح الفرصة لتركيا لشراء الغاز الطبيعي من روسيا بسعر أقل. ومن المتوقع أن يسهم المشروع إسهامًا كبيرًا في الأهمية الإستراتيجية الإقليمية لتركيا.[3]
ومن القضايا المهمّة الأخرى التي عملَ عليها كل من تركيا وروسيا معًا في السنوات الأخيرة قضية الطاقة النووية. وقد تم البدء في الخطوات الأولى للتعاون مع روسيا في هذا المجال بالاتفاق الذي وقع عليه وزراء الطاقة في البلدين في عام 2010. وبعد هذه الخطوة وُقِّع على اتفاق بين قادة الدولتين لإقامة تعاون في المنشأة النووية. وفي إطار المشروع أيضًا، أُرسِل مرشحون من المهندسين الأتراك إلى روسيا للمشاركة في محطة أكويو للطاقة النووية، وأُعِدَّت البنية التحتية القانونية اللازمة للمرفق النووي في تركيا. وقد تحوّلت تركيا إلى مجال الطاقة النووية لأسباب من قبيل الحدّ من الاعتماد الخارجي على الطاقة، والتقليل إلى أدنى حد من التأثير البيئي لإنتاج الطاقة، وتوفير احتياجات البلد من الطاقة بموارد موثوقة.[4] وحتى بعد أزمة إسقاط الطائرة التي أصيبت فيها علاقات أنقرة وموسكو بأضرار بالغة، لم يُلغَى مشروع محطة أكويو للطاقة النووية، وذلك على عكس العناوين الأخرى للعلاقات بين البلدين. ويظهر هذا الوضع الأهمية الرئيسة للطاقة في العلاقات التركية الروسية، وعلى وجه التحديد المشروع النووي المشترك.
الأمن
تسببت الحرب الأهلية في سوريا والأزمة السياسية في أوكرانيا في إشغال جدول أعمال السياسة العالمية لبضع سنوات. وقد برز كلٌّ من تركيا وروسيا جهات فاعلة رئيسة في حل هاتين الأزمتين. وإنّ روسيا-وهي طرف أساسي في أوكرانيا- زادت من نشاطها الحالي في سوريا مع الوجود العسكري الذي بدأته بشكل مباشر منذ عام 2015. ومن ناحية أخرى، أيدت تركيا المعارضة السورية بعد أن تجاهل النظام مطالبات الشعب السوري بالتغيير. وقد رفعت عملية درع الفرات، التي أطلقتها تركيا في أغسطس 2016، من مستوى نفوذها العسكري في الميدان، وتمكنت من زيادة نفوذها بشكل عام في هذا المجال. وفي أوكرانيا، وبسبب العلاقة مع سكان شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، مكنت العلاقات بين تتر القرم والأتراك- تركيا من أن يكون لها رأي في الأزمة الأوكرانية. وإلى جانب ذلك، فإن روسيا وتركيا تقومان بالعمل بشكل نشط في مشكلة كاراباخ التي استمرت لسنوات. وفي التحليل النهائي، تقع مسؤولية الأمن الإقليمي لحوض البحر الأسود والشرق الأوسط وجنوب القوقاز تحت مسؤولية روسيا وتركيا. ومن ثم فإن العلاقات الثنائية وكذلك سياسات البلدين ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحل المشكلات السياسية في هذه المناطق.
إن انعكاسات ذوبان الجليد بعد أزمة الطائرة بين روسيا وتركيا كان يُنظَر إلى أن تكون سوريا هي المكان المحتمل لها، وفضلًا عن العلاقات بين الطرفين ونتيجة لعلاقاتهما مع نظام الأسد وإيران، والجماعات المعارضة التركية، اتخذت الدولتان مبادرة جادة في سوريا. ونتيجة للاتفاق الموقع بين وزراء خارجية تركيا وايران وروسيا في موسكو يوم 20 ديسمبر، بُدِئ بوقف دائم لإطلاق النار في الأزمة السورية. وقد وفّق الطرفان بين وحدة أراضي سوريا والقضايا المهمّة جدًّا، مثل فصل جماعات المعارضة عن الجماعات الإرهابية. ولا تزال عملية أستانا اللاحقة تشكل أحد الأسباب الأكثر واقعية لمحادثات السلام السورية. وعلى الرغم من أنه من المبكر إجراء تقييم لنتائج المصالحة، فإن هذا الاتفاق هو بالفعل إشارة إلى أن التعاون التركي الروسي لديه القدرة على القيام بدور نشط في حل المشكلات الإقليمية. وبعبارة أخرى، ستظل القدرة على إجراء مفاوضات بناءة بين البلدين في نقاط الأزمات تؤدي دورًا حاسمًا في الحل.
السياحة
وثمة موضوع مهمّ آخر في العلاقات بين تركيا وروسيا هو السياحة. ولإعطاء تعريف أوضح، فإن الملايين من السياح الروس الذين يفضلون تركيا لقضاء عطلة كل عام هم عنوان مهمّ في علاقات أنقرة مع الكرملين. ومن الطبيعي جدًّا أن تكون العقوبات الروسية هي أشد ما يكون في هذا القطاع بعد 24 نوفمبر 2015 عندما أسقطت تركيا طائرة روسية تجاوزت الحدود.
وبعد الحرب الباردة، أظهر عدد السائحين القادمين من روسيا كل عام اتجاهًا متزايدًا، حيث تجاوز أربعة ملايين في عام 2010. وفي عام 2015، كان هناك انخفاض بنسبة 20 في المئة بسبب الوضع الاقتصادي الروسي. وقد اكتسب هذا الانخفاض زخمًا بعد التوتر بين تركيا وروسيا. وقامت روسيا خلال الأشهر الستة بين ديسمبر 2015 ويونيو 2016، من خلال شركات الرحلات الروسية بالعديد من الترتيبات القانونية لمنع ترتيبات الجولات السياحية إلى تركيا. ونتيجة لهذه الأنظمة، أصيبت السياحة التركية بجروح خطيرة، حيث كان جزء كبير من الفنادق في موسم صيف 2016 في أنطاليا على سبيل المثال فارغًا. وكما هو مبين في الجدول1، انخفض عدد السائحين القادمين من روسيا إلى تركيا في عام 2016 إلى أدنى مستوياته في السنوات الأخيرة.
التغيير في عدد السائحين الروس في تركيا بحسب السنوات
ومع تطبيع العلاقات بين البلدين ازداد عدد السائحين الروس القادمين إلى تركيا بشكل كبير. وعلى الرغم من أن الأرقام لم تصل بعد إلى فترة ما قبل الأزمة، فإنها تظهر علامات على اتجاه تصاعدي ونقطة تحول في المستقبل القريب؛ لأن تركيا لا تزال وجهة جذابة للمواطنين الروس. وإلى جانب إسهام السائحين الروس في الاقتصاد التركي بطريقة جدية، تسهم السياحة أيضًا إيجابيًّا في التفاعل الثقافي بين البلدين. كل عام، يعود الملايين من السياح الروس القادمين إلى تركيا إلى بلادهم. وفي الوقت نفسه، يعيش الآلاف من الروس الآن في مدينة أنطاليا التركية والمدن المحيطة بها. ويأتي السياح الروس إلى تركيا بطريقة منتظمة لقضاء العطلات، وكذلك يوجد عدد من المواطنين الروس المقيمين في تركيا، الذين لديهم القدرة على أداء دور حاسم في تعزيز العلاقات مع روسيا.
التجارة
وعلى الرغم من أن جزءًا كبيرًا من تجارة تركيا مع روسيا قد تمّ من خلال استيراد تركيا من الغاز الطبيعي، فإنه ينبغي اعتبار أن الواردات والصادرات غير هذا المبلغ تصل إلى مليارات الدولارات. وكما يتبين من الجدول2، فقد أظهر حجم التجارة الخارجية لتركيا وروسيا انخفاضًا خطيرًا في السنوات الأخيرة. في هذه الحالة، كانت الأزمة في روسيا قد تسببت في عواقب وخيمة. ومع ذلك، لا تزال روسيا واحدة من الشركاء التجاريين الرئيسين لتركيا.
السنة |
الصادرات |
الواردات |
الحجم |
الميزان التجاري |
|||
2012 |
6.680.586 |
26.625.286 |
33.305.872 |
-19.944.700 |
|||
2013 |
6.964.209 |
25.064.214 |
32.028.423 |
-18.100.004 |
|||
2014 |
5.943.014 |
25.293.392 |
31.239.105 |
-19.347.679 |
|||
2015 |
3.588.657 |
20.401.756 |
23.990.413 |
-16.813.099 |
|||
2015 |
3.588.331 |
20.401.757 |
23.990.088 |
-16.813.426 |
|||
2016 |
1.529.432 |
13.808.704 |
15.338.136 |
-12.279.271 |
التجارة الخارجية بين تركيا وروسيا 2012-2017
تلبي تركيا جزءًا كبيرًا من احتياجاتها من الطاقة من روسيا. كما تصدر أنقرة كمية كبيرة من المواد التجارية إلى روسيا، على الرغم من العجز التجاري الكبير في التجارة مع موسكو. وقد أنشئت آليات مؤسسية مختلفة للحفاظ على استمرار العلاقات التجارية بين تركيا وروسيا. وأسس كل من الاتحاد السوفيتي وتركيا في عام 1967، بقرار من صناع القرار في البلدين اللجنة الاقتصادية المشتركة، وفي عام 2010 أُنشِئ مجلس التعاون الاقتصادي الأعلى وتحولت معه اللجنة الاقتصادية المشتركة إلى منصة تُناقَشُ فيها تفاصيل الموضوعات التي ستُناقَش في مجلس التعاون الأعلى ليتم حلها على مستوى وزراء ورؤساء البلدين، ويُعقَد المجلس مرة واحدة في السنة، وتُعقَد القمة مرة في تركيا ومرة في روسيا. وقد ألغت روسيا الاجتماع الذي كان من المقرر عقده في عام 2015، أي قبل أسبوعين من أزمة إسقاط الطائرة.
وقد عُقِد الاجتماع الأخير لمجلس التعاون الأعلى بمشاركة الرئيس أردوغان في موسكو في مارس 2017. وأُدخِلت تحسينات في نظام التأشيرات لرجال الأعمال الأتراك، كما أُلغِيَت مجموعة من القيود لبعض المنتجات الزراعية، وجُعِلت التجارة من خلال العملات الوطنية، كما تمّ التوافق حول قرارات، مثل إنشاء صندوق استثماري مشترك، وكل هذه الأمور كانت ستغدو صعبة لو استمرت الأزمة، حيث شهدت هذه المجالات مراحل حرجة بعد الأزمة. وتطبق تركيا سياسة مشابهة مع دول مثل اليونان وإيران، حيث يوجد تعاون إقليمي عميق. إن صادرات تركيا إلى روسيا تتركز في مجالات السيارات، والفواكه والخضروات، والآلات. ويوفر الارتفاع الكبير في أرقام انفتاح التجارة الخارجية في تجارة أنقرة مع موسكو مكاسب مهمّة في العلاقات الثنائية. وبعد الأزمة في نوفمبر 2015، فرضت روسيا قيودًا خطيرة على استيراد المنتجات التركية في القطاعات ذات الصلة، وهذا جعلها في وضع صعب، وأثّر في السياسة الخارجية لتركيا، ولذلك، فإن تنويع واردات الطاقة في تركيا مهمّ أيضًا لكي تكون هناك راحة تركية في العلاقات مع روسيا.
الشعوب التركية في روسيا ومحيطها
إن ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم لا يقيَّم في تركيا فقط من حيث القرابة الموجودة بين الأتراك وتتار القرم الذين يعيشون في شبه الجزيرة، بل أيضًا لأن ذلك يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن. إنّ الشعوب التركية الموجودة في روسيا أو في الدول التي تقع في محيط روسيا المباشر- تشكّل دعامة رئيسة لعلاقات أنقرة مع موسكو. وتؤدّي الشعوب التركية دورًا مهمًّا سواء في النشاط التجاري التركي في روسيا أو في إقامة علاقات سياسية، إضافة إلى أن تركيا من خلال دعمها في مجال تنمية الشعوب التركية في محيط روسيا وفعالياتها التي تقوم بها من خلال المؤسسات الدينية والثقافية في تركيا تبني مجتمعات صديقة ووفية لتركيا في المنطقة المجاورة لروسيا مباشرة.
بعد عدة سنوات من الخبرة والتي اكتسبتها تركيا بعد تقديمها المساعدة للملايين من الشعوب التركية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والتي سهلتها الجذور القومية والدينية بين تركيا وبين هذه الشعوب، مما وفر أبوابا جديدة لكي تفتح تركيا التواصل من جديد مع هذه الشعوب على العديد من المستويات. وتعمل تركيا، من خلال رئاسة الشؤون الدينية، في شراكة مع الجهات الفاعلة في المنطقة لتطوير الخدمات الدينية في المناطق التي يتركز فيها السكان المسلمون في روسيا. وإضافة إلى ذلك، يعمل معهد يونس أمره على نشر اللغة والثقافة التركية في المناطق التي تتركز فيها الشعوب التركية. وتعمل رئاسة مؤسسة الأتراك في الخارج والمجتمعات القريبة مع طلاب الدراسات العليا، حيث تُعطَى أولوية للشعوب التركية من خلال المنح الدراسية الشاملة للدراسات العليا في تركيا. وبالرغم من أن مؤسسة تيكا، وهي مؤسسة تنمية قوية ليس لديها مكتب في روسيا بسبب العقبات التي تضعها الحكومة الروسية، فإن الأنشطة التي تقوم بها تركيا من هذا القبيل تجاه الشعوب التركية في روسيا ومحيطها تكتسب أهمية استثنائية مقارنة بنشاطات تركيا في بقية مناطق العالم.
وقد أظهرت الحكومة الروسية عدم رضاها عن أنشطة تركيا من خلال منع افتتاح مكتب تيكا في روسيا. وعلى الرغم من أن روسيا لم تمنع المؤسسات الأخرى من ممارسة الأنشطة، إذ افتُتِح مركز أبحاث تركيا في جامعة قازان بدعم من معهد يونس أمره، ولكن بعد اندلاع أزمة إسقاط الطائرة أُغْلِق المركز، حيث يُعتَمد استمرار أنشطة هذه المؤسسات على مستوى العلاقات بين تركيا وروسيا.[5] ولا تتأثر الشعوب التركية في المنطقة المجاورة بالعلاقات بين تركيا وروسيا فحسب بل إن السياسة الداخلية والخارجية للكرملين مؤثرة جدًّا. وعلى سبيل المثال في هذه الحالة، نتيجة لسياسات روسيا استمرت عملية حرمان سكان شبه جزيرة القرم من خلال عملية ضم القرم. وقد تسببت الصراعات في القرم، وكذلك في أوكرانيا وجورجيا، في صعوبات كبيرة للأتراك (أهسيكا) الذين يعيشون في المنطقة. وبالرغم من أن تركيا تابعت التطورات في المنطقة، ووفرت استقرار مئات من هذه العائلات في تركيا Ahıskalı فإن تركيا كانت قادرة على تضميد جزء من الجراح فقط.[6]
وفيما تتأثر علاقات روسيا وتركيا بالسياسة تجاه الشعوب التركية في محيط روسيا في المقام الأول فإن علاقات أنقرة مع موسكو تتأثر بعد ذلك بالديناميات السياسية الإقليمية والعالمية الراهنة. وإذا قُيِّمَت فرصة العلاقة مع الشعوب التركية في محيط روسيا بشكل جيد فإن هذا سيكون أمرًا استراتيجيًّا مهمًّا.
التعليم
يُعَدّ التعليم من بين العناوين المتقدمة في العلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا. كل عام يدرس الآلاف من الطلاب الأتراك في الجامعات في مناطق مختلفة من روسيا. ومعظم هؤلاء الطلاب إما يعملون في الشركات التركية العاملة في روسيا، أو يقومون بإنشاء أعمالهم الخاصة. إن الطلاب الأتراك الذين يدرسون في روسيا لديهم أكثر من جمعية طلابية نشطة جدًّا ومقرها في موسكو. وعلى غرار تركيا تقدّم روسيا كل عام عشرات المنح الدراسية للطلاب الذين يأتون من جميع مناطق روسيا على المستوى الجامعي. لكن لسوء الحظ، كان أحد المجالات التي فرضت فيها روسيا عقوبات على تركيا بعد أزمة إسقاط الطائرة التي وقعت في نوفمبر من عام 2015- هو التعليم. وفي ذلك الوقت، ألغيت تأشيرات العديد من الطلاب الأتراك الذين يدرسون في روسيا، أو قُطِعت صِلاتهم مع الجامعات بسبب هذه الظروف. وعلى الرغم من أن التعاون في هذا المجال لم يصل إلى المستوى المطلوب، إلا أنه يمكن القول إن هناك إمكانات مهمّة جدًّا بين البلدين في مجال التعليم.
المشكلات الهيكلية والبيئية
إن الفرص والمقومات في العلاقة بين تركيا وروسيا ومناطق التعاون الحالية والمحتملة والتي ذكرت في القسم السابق، تقع تحت التهديد بسبب المنافسة الجيوسياسية الحالية بين البلدين.
إن أهم عقبة أمام تطوير العلاقات بين تركيا وروسيا هو التنافس الجيوسياسي بين البلدين. وبسبب هيمنة تركيا على البوسفور والبحر الأسود، تعتبر تركيا بوابة روسيا إلى الجنوب والغرب. كما يدعم البلدان جهات فاعلة مختلفة في جنوب القوقاز والشرق الأوسط، وقد ازدادت حدة التنافس الجيوسياسي بين البلدين في السنوات الأخيرة؛ نتيجة لتحركات روسيا المصممة. فقد ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، ووسعت سيطرتها على حوض البحر الأسود. وفي الشرق الأوسط، أدى التدخل العسكري السوري إلى إدامة حياة نظام الأسد. وقد أظهرت أزمة إسقاط القوات التركية الطائرة الروسية التي تجاوزت الحدود التركية إلى أي مدى يمكن أن تصل العلاقات إلى عواقب وخيمة بين الطرفين.
وفي العلاقات بين البلدين يوجد موضوع آخر مهمّ جدًّا -وإن لم يكن كبيرًا كما ينبغي أن يكون– هو الأتراك الذين يعيشون في روسيا. حيث تستخدم تركيا قنوات الدولة المختلفة لدعم القضايا الاقتصادية والثقافية والدينية للشعوب التركية التي تعيش في أراضي الاتحاد السوفيتي السابق. وتؤدّي الشعوب التركية التي تعيش في روسيا دورًا نشطًا في تسهيل عمل تركيا في المنطقة.
إن معوّقات التعاون بين روسيا وتركيا لها جذور خطيرة من التاريخ، وقد برزت نتيجة لعوامل متعلقة بالجغرافيا السياسية بين البلدين. ويجب أن تسترشد العلاقة بين الطرفين بعناية فائقة، بافتراض وجود نطاق معين من الاختلافات في الرأي.
الشرق الأوسط
توجد اختلافات شديدة في المنظور السياسي لكل من تركيا وروسيا حول العديد من الموضوعات في الشرق الأوسط. وكما ذُكِر آنفًا، كانت العلاقات بين الاتحاد السوفياتي وتركيا ضعيفة جدًّا خلال الحرب الباردة بسبب تأثير الديناميات الدولية. وعلاوة على ذلك، فقد كان دور تركيا في الحرب الباردة بمثابة موقع متقدم لقوات حلف الناتو ضد الاتحاد السوفياتي الذي أسّيس حلف وارسو هو الآخر. ونتيجة لذلك، طور البلدان علاقات مع مختلف الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط. وبالرغم من وجود مناخ يسمح بظهور العديد من مجالات التعاون والتنمية بين البلدين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لم يحدث تطور كبير في العلاقة بين روسيا وتركيا، وتحديدًا في رؤاهما في منطقة الشرق الأوسط. وفي هذه الحالة، تعرضت مجالات التعاون الإنمائي التي عمل البلدان على تطويرها إلى التهديد من وقت لآخر؛ بسبب وجهات النظر المتصادمة في مناطق أخرى. وحتى اليوم يوجد خلاف بين روسيا وتركيا حول قضايا سوريا وقبرص ومصر وليبيا؛ حول الاتجاه السياسي والجهات الفاعلة التي تُدعَم. كما أن البلدين حساسان جدًّا تجاه هذا، ويعملون بشكل دقيق لكي لا تسبب هذه الأعمال بالإضرار بأعمال التعاون الأخرى. ولكن أزمة إسقاط الطائرة الروسية أظهرت أن الخلافات السياسية الحالية في الشرق الأوسط يمكن أن تهدد مجالات التعاون الأخرى.
بينما اصطفت روسيا منذ بداية عملية الربيع العربي مع خيار الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة ارتأت تركيا الوقوف في الجانب الآخر ودعم المطالب المشروعة للشعوب.
وقد تطورت الحركة السياسية المناهضة للأسد في سوريا، والتي كانت تعدّ في البداية جزءًا من عملية الربيع العربي، إلى حرب أهلية وعملت روسيا على انتهاج سياسة تعويقية من خلال الدعوة لإيجاد حلول عبر الأمم المتحدة، وهو ما أدّى إلى تغيير جذري للديناميات السياسية في الشرق الأوسط. وقد تعرض ملايين من السوريين أيضًا للهجرة القسرية، وأدت الحرب إلى خسائر في أرواح مئات الآلاف، وفي الوقت الذي كانت فيه تركيا تقف مع جانب المعارضة، كانت روسيا تدعم نظام الأسد منذ بداية الصراع.
إن النقطة التي حصلت فيها المواجهة حقًّا بين تركيا وروسيا كانت بعد قيام روسيا بالتدخل العسكري في سوريا. ففي 24 نوفمبر 2015 قامت الطائرات الحربية الروسية باختراق المجال الجوي التركي عند الحدود، وعّدَّت تركيا هذه الحركة من المواقف العدائية، لذلك أسقطت طائرة روسية، وهو ما هدّد العلاقات في جميع مجالات التعاون القائمة بين البلدين، واتُّخِذت بعد ذلك تدابير صارمة. وفي هذا السياق غدا من الصعب تنفيذ السائحين الروس زياراتهم المخططة إلى تركيا في هذه الأجواء، وأُعيقَت عملية دخول البضائع التركية إلى روسيا إلى حد كبير، كما أُلغِيَت ميزة السفر إلى روسيا بدون تأشيرة، وهذا أثَّر بشكل جدي في ممارسة الأعمال التجارية، وبقية أعمال التعاون الأخرى في روسيا، ولم يقتصر ذلك على تعطيل الدراسة لعدد من الطلاب؛ بل أُلغِيَت تأشيرات أعداد من المواطنين الأتراك المقيمين في روسيا لأسباب مختلفة. وقد تسببت هذه العملية في توليد أضرار يصعب إصلاحها في جميع مواطن التعاون بين البلدين.
ونتيجة للخطوات التي قامت بها تركيا في أواخر حزيران/يونيو 2016، ذاب الجليد بين أنقرة وموسكو إلى حد كبير. وانطلاقًا من الشراكات في مجال الطاقة، بدأ البلدان في اتخاذ خطوات إيجابية في مراحل متتالية في مجالات السياحة والتجارة والأمن. كما كانت المحاولة الانقلابية في 15 يوليو في تركيا بمثابة رافعة للعلاقات بين البلدين، حيث قدّمت روسيا في هذه المحطة موقفًا داعمًا للحكومة التركية، وهو ما أسهم في تحسين العلاقة بين البلدين، وبينما لم تتلقّ تركيا خلال محاولة الانقلاب الدعم الكافي من العديد من الدول الغربية التي كانت معها في حالة تحالف إستراتيجي كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أحد أوائل قادة الدول الذين اتصلوا بالرئيس رجب طيب أردوغان، وبعد محاولة الانقلاب في 9 آب/أغسطس، اجتمع الرئيس أردوغان وبوتين للمرة الأولى في بطرسبرغ بعد أزمة إسقاط الطائرة. وكانت هذه الزيارة أيضًا الزيارة الأولى التي قام بها الرئيس أردوغان إلى الخارج بعد محاولة الانقلاب التي وقعت يوم 15 يوليو.[7]
وإضافة إلى هذه الخطوات الانفتاحية التي اتّخذت في مجالات التنمية بين تركيا وروسيا، انخرطت الدولتان أيضًا في خضم مبادرة مشتركة لإنهاء الحرب الأهلية الجارية في سوريا وبمشاركة دولة ثالثة هي إيران، وبينما كانت التحضيرات تجري لهذه العملية أصيبت العلاقات بين البلدين مرة أخرى لحادثة خطيرة، إذ بينما كان وزراء خارجية الدول الثلاث يخططون لعقد اجتماع في موسكو للتوصل إلى حل دائم للحرب الأهلية في سوريا تعرض السفير الروسي لدى أنقرة أندريه كارلوف في 19 ديسمبر/كانون الأول إلى حادث اغتيال أودى بحياته، وكان هذا سيغدو عرضًا آخر لمنزلق جديد يتعرض له التعاون التركي الروسي. وفي وقت وقوع الحادث، كان وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو مسافرًا إلى موسكو للمشاركة في القمة الثلاثية بين تركيا وروسيا وإيران. وبعد الحادث، أظهر زعماء البلدين مسؤولية كبيرة تجاه حادث الاغتيال، وعلى الرغم من أنهم واجهوا مشكلة مماثلة في حادثة إسقاط الطائرة الروسية، عدّ أردوغان وبوتين وقوع الحادث بقصد تخريب العلاقات التركية الروسية، ولم يسمحا لهذا الحادث بالتأثير السلبي في التعاون بين البلدين، وبخاصة في مجالات التعاون من أجل حلّ الأزمة في سوريا. وهكذا، عُقِدت القمة الثلاثية بمشاركة وزراء خارجية الدول الثلاث، واتُّفِق على بعض النقاط في سوريا، وقُرِّر عقد اجتماع رفيع المستوى في يناير 2017 في أستانا.
وقد أدى التغلب على الأزمة في العلاقات الثنائية إلى تخفيف مأزق السياسة الإقليمية لتركيا، ولاسيما في عملية درع الفرات، وبعد ذلك اكتسبت العلاقات العسكرية والمخابراتية بين الطرفين أهمية كبيرة مع عملية درع الفرات التي شنتها تركيا في 25 آب/أغسطس، والتي كانت تهدف إلى طرد وإزالة العناصر الإرهابية التي تهدد أمنها على الحدود السورية. وفي أثناء عملية الفرات، أصبحت الزيارات المتبادلة التي قام بها مسؤولو الجيش والمخابرات إلى أنقرة وموسكو أحد أهم مؤشرات الزخم الذي تمّ التوصل إليه في أعقاب التغلب على أزمة إسقاط الطائرة في العلاقات بين تركيا وروسيا.
وفي الوقت الذي كُتِبَت فيه هذه السطور، كانت العملية التي لا تزال ينخرط فيها كل من تركيا وروسيا في سوريا- لا تزال عملية غير مسبوقة تقوم فيها الدولتان من خلالها بدور مؤسسي لحل الأزمة في سوريا. وتعتمد نتائج هذه المبادرة التي تبنتها تركيا وروسيا على الموقف السياسي للجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية الأخرى وعلى تصميم كل من تركيا وروسيا. وستتخذ الخطوة مزيدًا من الجدية نحو تحقيق أمن المنطقة إذا أخذت الأطراف الأخرى بالمبادرة في سوريا وتعاملت معها بشكل إيجابي. وإضافة إلى ذلك، فإن اجتياز البلدين اختبار الاستقرار الصارم هذا سيفتح الطريق أمام تحالف قوي بين أنقرة وموسكو في الشؤون الإقليمية الأخرى.
جنوب القوقاز
ثَمّة منطقة أخرى تتحرك فيها تركيا وروسيا بتوقعات وانعكاسات سياسية مختلفة أيضًا، وهي جنوب القوقاز. فالجهات الفاعلة التي تتعامل معها الدولتان؛ أي تركيا وروسيا في هذه المنطقة السياسية هي جهات متعارضة، وتعمل ضد بعضها بنسبة كبيرة. وقد قدّمت تركيا في سياق سياستها تجاه جنوب القوقاز دعمًا نشطًا في كل مقام تقريبًا لدولة أذربيجان، وعملت على تطوير التعاون مع جورجيا. ومن جهة أخرى تستمرّ التوترات والخلافات المجمّدة بين روسيا وجورجيا، بينما يواصل الكرملين تقديم الدعم الفعال لأرمينيا في العديد من الملفات والقضايا ضد تركيا، بما في ذلك مزاعم الإبادة الجماعية للأرمن. ولكن هذه السياسات المتعارضة التي تقوم بها تركيا وروسيا لم تصل بالدولتين حتى الآن إلى نقطة نزاع كبرى، لكن حرب روسيا وجورجيا عام 2008 شكّلت تحدّيًا خطيرًا على العلاقات بين البلدين. في ذلك الوقت، أراد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجاوز المرور عبر الأراضي الروسية من خلال نقل إمدادات الغاز الموجودة في بحر قزوين عبر تركيا، مع مساعدة من خلال المزيد من الجهود نحو تحقيق عضوية جورجيا في حلف شمال الأطلسي، وكان يتمّ إحراز تقّدم على هذا الطريق، لكن الأهم من ذلك، هو أن الولايات المتحدة أرادت استخدام المضائق التركية لتوصيل المساعدات إلى جورجيا خلال الحرب مما كان من شأنه أن يضع تركيا في موقف صعب في مواجهة روسيا. وبالرغم من أن تركيا لم تعط الإذن لمرور سفينتين طبيتين أمريكيتين من المرور وفقًا لشروط اتفاقية مونترو فإن موسكو في تلك الفترة قامت بوضع صعوبات أمام انتقال قوافل التجارة من تركيا إلى روسيا تركيا وهو ما وضع تركيا في موقف صعب.
ونتيجة لذلك، كما هو الحال في الشرق الأوسط، فإن سياسات تركيا وروسيا في منطقة جنوب القوقاز تهدد جميع أعمال التعاون الأخرى بين البلدين. وعلى الرغم من أن البلدين في سياستهما تجاه جنوب القوقاز يعملان على إعاقة حدوث مواجهة بينهما فضلًا عن انتقال الضرر إلى مناطق أخرى، ولكن طبيعة القضايا في المنطقة والتوترات التي تحدث بين الحين والآخر قد تكون كفيلة بجعل البلدين في مواجهة مع بعضهما، وهذا من شأنه أن يتسبب بالضرر لمناطق تعاون أخرى.
حوض البحر الأسود
أدت الأزمة السياسية التي بدأت في أوكرانيا في نهاية عام 2013 إلى هروب فيكتور يانوكوفيتش من البلاد. وحتى تلك اللحظة، فإن التطورات التي كان يمكن تصنيفها على أنها قضية داخلية في أوكرانيا انتقلت إلى بعد مختلف تمامًا مع دمج روسيا لشبه جزيرة القرم. والحقيقة أنّ سبب الغضب المجتمعي الموجه ضد الزعيم الأوكراني المخلوع يانوكوفيتش يرتبط إلى حد كبير بالتراجع عن التوقيع على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. وعقب ضمّ روسيا لجزيرة القرم، فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عزلة سياسية وعقوبات اقتصادية ضد الكرملين. وفي حين لم تعترف تركيا بضم شبه جزيرة القرم في هذه العملية، فإنها أكّدت أنها تؤيد أيضًا حقوق تتار القرم وذلك في جميع المنابر الدولية.
لا يمكن القول إن السياسة التي اتبعتها تركيا خلال التوترات التي عاشتها روسيا مع أوكرانيا والمجموعة الغربية من جرائها- كانت تشكل تحدّيًا للكرملين. عززت تركيا علاقاتها التجارية مع أوكرانيا في هذه العملية، ودعمت تتار القرم في الأوساط الدبلوماسية الدولية. ولاسيما أن ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا يجعل اليد العليا في حوض البحر الأسود لمصلحة روسيا وضد أمن تركيا وعلى الرغم من أن الخطوة تهدد بتغيير قواعد اللعبة في المنطقة وتؤثر في التجارة إلا أن تحولها إلى مسألة ذات أبعاد عالمية في التوترات الحاصلة بين الولايات المتحدة وروسيا حال دون ارتفاع صوت تركيا ضد روسيا فيما يتعلق بأوكرانيا.
ويقع حوض البحر الأسود ضمن الأولويات الإستراتيجية لتركيا على محور الأمن والتجارة والمجتمعات المحلية القريبة. وبعد ضم شبه جزيرة القرم، أكد رئيس الأركان العامة الروسي في حديثه عن وضع تركيا في البحر الأسود أن نفوذ تركيا في البحر الأسود محدود بشدة وجاء ذلك من خلال الإدلاء ببيان صارخ تعلّق بتوجهات تركيا.[8] ويعدّ البحر الأسود جيوسياسيًّا أهم بوابة ربط بين آسيا الوسطى وجنوب القوقاز وبين أوروبا عن طريق البحر. ولهذا السبب، توجد في حوض البحر الأسود طرق للتجارة والطاقة، فضلًا عن الأمن، سواء على مستوى المنطقة أم على الصعيد العالمي. وقد استخدمت روسيا سواء في جورجيا أم أوكرانيا القوة العسكرية لمنع تطوير العلاقات مع المؤسسات التي يهيمن عليها العالم الغربي، مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ويبين ذلك لنا إلى أي مدى يمكن أن تكون موسكو عدوانية في حماية مصالحها ووجهة نظر الكرملين في تلك المنطقة.
وقد تصرفت تركيا ضد روسيا من خلال الدخول في تعاون مع جهات فاعلة أخرى، مثل الولايات المتحدة وأوكرانيا، وهي لديها القدرة على التصرف بمفردها في حوض البحر الأسود، وكذلك الحال مع روسيا التي زادت في السنوات الأخيرة وتيرة نشاطها في حوض البحر الأسود باتخاذها العديد من الخطوات، وعلى رأسها عملية ضمّها القرم.
السياسات المقترحة:
- إن التعاون بين روسيا وتركيا يقع تحت تأثير العناوين السياسية للبلدين مباشرة. وكما رأينا في أزمة الطائرة الأخيرة أن خطوة سلبية في هذا المجال يمكن أن تؤثر بسهولة في الأعمال التعاونية الأخرى. وهذا يتطلب من صناع القرار السياسي التفكير مرتين في نتائج كل خطوة يتخذونها.
- إن روسيا بلد كبير جدًّا، وهو من حيث السكان يقترب من ضعف سكان تركيا، أما من حيث المساحة فإن مساحة روسيا تشكل 17 ضعفًا من مساحة أراضي تركيا. وتعد تركيا من بين الدول التي دخلت في تعاون إستراتيجي مع روسيا، وهي تعلق أهمية على هذه العلاقات. ولأن روسيا لم تكمل بعد الانتقال السلس من الاقتصاد المركزي إلى اقتصاد السوق الحرة فإن إمكانية دخولها في جميع أنواع النشاط التجاري الممكنة في بيئة تنافسية- منخفضة، وهذا سيجعلنا أمام أسواق معطاءة. وقد دخلت تركيا السوق الروسية من خلال شركات البناء الكبيرة. وعلى الرغم من أن الاستثمارات التي تقوم بها شركات البناء التركية في روسيا كبيرة ومهمة إلا أنه لا يُستفاد من الإمكانات الموجودة في قطاعات أخرى من البلاد. ومن أجل التغلب على هذا الوضع، ينبغي تشجيع الشركات التركية في جميع القطاعات على الاستثمار في روسيا، وينبغي إجراء مفاوضات مع الحكومة الروسية، من أجل ضرورة تأمين الضمانات اللازمة لتشجيع الشركات.
- ونتيجة للتقدم الذي أُحرِز خلال حكم الاتحاد السوفيتي، أصبحت روسيا في طليعة الدول التي تمتلك تكنولوجيا الفضاء والطاقة النووية، وعلى غرار التعاون النووي بين تركيا وروسيا، وبمساعدة روسيا، يمكن إحراز تقدم كبير في مجالات إستراتيجية، مثل تكنولوجيا الفضاء في تركيا.
- يعتمد قطاع السياحة، الذي يُعدّ عنصرًا مهمًّا في العلاقات بين أنقرة وموسكو، إلى حدّ كبير على التسويق الجيد للجولات السياحية للسائحين الروس من خلال الشركات السياحية العاملة في روسيا. ومن خلال إدخال فسيفساء دينية وثقافية من تركيا إلى السائحين الروس، يمكن أن تسهم تركيا في تنمية السياحة في هذه المناطق، ويمكن أيضًا جذب السائحين الروس من أصحاب مستوى الدخل الاقتصادي الأعلى إلى تركيا، حيث إن الخطوات التي يتعين اتخاذها في هذا الاتجاه ستمكن تركيا من تعزيز ثرواتها المختلفة، وتوليد المزيد من الدخل من السياحة.
- ونتيجة للخطوات المهمّة التي اتخذتها تركيا وروسيا في سوريا، فقد تم إخلاء آلاف السوريين بشكل آمن من حلب، وتم التوافق على عملية درع الفرات التركية من دون حدوث أزمة. وتواصلُ الدولتان العمل من خلال المفاوضات للتوصل إلى حلّ دائم للقضية السورية؛ لأن روسيا وتركيا ممثلان لحضارتين متقدمتين، وهما دولتان تتمتعان بقوة عسكرية واقتصادية لا لبس فيها، ولديهما علاقات قوية مع العناصر الإقليمية والعناصر المحلية الفاعلة. وتحديدًا إذا توجت جهود البلدين تجاه القضية السورية بنجاح، فإنه من الممكن طرح إرادة جديدة للتغلب على العديد من المشكلات في المنطقة تحت قيادة البلدين. كما أن وجود تركيا وروسيا مع مختلف الجهات الفاعلة يمكن أن يكون له عواقب إيجابية إذا مُورِس الضغط على الجهات الفاعلة والأساسية في الجوانب المختلفة في الأزمات الإقليمية.
- إن الحقيقة التي مفادها أن العلاقات بين تركيا والاتحاد السوفيتي خلال فترة الحرب الباردة كانت ضعيفة جدًّا أدت إلى منع تأهيل خبراء في تطوير العلاقة بين البلدين. في ذلك الوقت، كان الطلاب والأكاديميون الذين زاروا الاتحاد السوفياتي، أو ببساطة الذين قرّروا أن يتعلّموا اللغة الروسية لأي سبب من الأسباب- قد عانوا من عدة قيود، على رأسها قيود وضعهم تحت الملاحقة القضائية والأمنية. وهذا ما جعل تركيا غير مستعدة تمامًا لتطوير جوّ جديد في العلاقات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ولفتح علاقات جديدة مع الدول الناشئة في المنطقة بعد ذلك. إن من أهم العقبات أمام تعميق وتوسيع عمليات التعاون مع روسيا قلة وجود الباحثين والصحفيين والأكاديميين الأتراك الذين يعرفون روسيا جيدًا. ومن أجل التغلب على هذه العقبة، ينبغي دعم المعاهد والمشروعات ذات الصلة المتاحة في الجامعات، وينبغي دعم الجامعات التي تعطي أهمية وأولوية لتعلم اللغة الروسية على مستوى طلبة الجامعات. والأهم من ذلك، ينبغي توسيع مجالات التعاون والتنسيق بين الجامعات والمعاهد الروسية والجامعات والمعاهد التركية، حيث يمكن تقديم العديد من الإسهامات لتركيا في العديد من المجالات، بما في ذلك علوم اللغة والآداب التركية (تركولوجي). إضافة إلى ذلك، ينبغي فتح المجال لمثل هذه المؤسسات المذكورة آنفًا من خلال وضع التشريعات اللازمة لتمكين الفكر ومجموعات المشروعات العاملة في هذا المجال، ومن أهم هذه المؤسسات التي يمكن التعاون معها في ذلك مؤسسة (توبيتاك).
- في روسيا، يوجد تعاطف كبير تجاه تركيا، حيث أصبحت تركيا واحدة من أهم المقاصد الشهيرة للروس من أجل قضاء عطلاتهم، كما أن مشاهدة المسلسلات التركية في روسيا قد كسرت الأرقام القياسية؛ لذا فإن هناك تعاطفًا جديًّا تجاه تركيا في المجتمع. إن قوة تركيا الناعمة لديها القدرة على القيام بدور رئيس في فتح العديد من مجالات التعاون الجديدة مع روسيا.
- أما فيما يتعلق بالشعوب التركية التي تعيش في روسيا ومحيطها فإن تركيا تعد رمزًا كبيرًا جدًّا لوجود هذه الشعوب التركية، كما أن هذه الشعوب تُعدّ مهمّة جدًّا وفرصة كبيرة لتركيا، حيث إن وقوف الشعوب التركية في روسيا ومحيطها مع تركيا سيجعل تركيا في موقف أقوى في منطقتها، وسيجعلها تحظى بثقة أكبر في النفس، وسيضيف ذلك قيمة إلى ارتباطات تركيا الإقليمية. وعلاوة على ذلك، فإن حقيقة أن بعض كبار ممثلي الشعوب التركية يرتبطون ارتباطًا وثيقًا بالكرملين، يضيف بعدًا مختلفًا لعلاقات تركيا مع روسيا. إن تطوير تركيا لعلاقاتها مع الشعوب التركية وفي روسيا ومحيطها بما في ذلك مع تتارستان ذات العلاقة شبه المستقلة مع روسيا سوف يزيد من قوة تركيا، وسوف يزيد من عمق علاقاتها.
- يوجد لدى تركيا موقف جيوسياسي تجاه روسيا، حيث تُعدّ المضائق التي تسيطر عليها تركيا ومنطقة البحر الأسود نقاطًا جيوسياسية مهمّة تريد روسيا زيادة سيطرتها عليها. وتبحث روسيا عن هيمنة نموذجها الفكري الأوراسي في كثير من الأماكن، حيث تقع مصالحها الجيوسياسية، بما في ذلك مناطق الاتحاد السوفياتي السابق، وبخاصة من خلال تشكيلات، مثل الاتحاد الأوراسي. وينبغي أيضًا أن يُوضَع في الاعتبار أن روسيا تعمل على هذا في جميع المنظمات التي تكون عضوًا فيها.
- وأخيرًا، إذا أُدِيرَت العلاقات بشكل جيد، فإن المرحلة التي وصلتها تركيا في علاقاتها مع روسيا يمكن أن تكون لديها القدرة على الإسهام في توسيع خيارات تركيا في مجالات السياسة الخارجية والتجارة والطاقة. ومع ذلك، فإن الصراع الجيوسياسي لسياسات البلدين في العديد من النقاط يجلب معه عامل خطر كبير على العلاقات بينهما. وفي هذه الحالة، يتعين على صانعي القرار توجيه العلاقات الروسية التركية من خلال النظر بشكل شامل في هذه الديناميات المعقدة التي تتكون من قطع متعددة الطبقات ومتعددة الأبعاد.
الهوامش والمصادر:
[1] معهد الإحصاء الروسي، ديسمبر 2016.
[2] أنثوني زورتشر، هل هبوط أسعار النفط حرب سرية على روسيا؟ بي بي سي، 16 أكتوبر 2014.
[3] أردال كاراغول، نحو السيل التركي، يني شفق، 11 مايو 2015.
[4] معلومات عن المحطات النووية، والمحطات النووية التي سيتم إنشاؤها في بلادنا، رئاسة دائرة تطبيق مشروعات الطاقة النووية، ص27.
[5] أُغْلِق مركز الأبحاث التركي في كازان، سبوتنيك تركيا، 4 ديسمبر 2015.
[6] تركيا تفتح حضنها لأتراك (الأهيسكا)، حرييت، 25 ديسمبر 2015.
[7] أول اتصال بالرئيس أردوغان كان من الرئيس الروسي، موقع الرئاسة الروسية، 17 تموز 2016
[8] رئيس الأركان الروسي: تركيا لم تعد سيدة البحر الأسود بعد ديسمبر، سبوتنيك تركيا، 14 أيلول 2016.