دخلت اليمن مع انقلاب جماعة الحوثي على السُّلطة، باقتحام العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014م، وإصدار "الإعلان الدستوري" في 4 مارس 2015م، مرحلة جديدة مِن الصِّراعات الدَّامية، التي سعى اليمنيُّون إلى طي صفحتها بالتَّوافق على مخرجات "مؤتمر الحوار الوطني الشامل"، والتَّوقيع عليها، مِن قبل كلِّ مكوِّناتهم السِّياسية والاجتماعية، في 25 يناير 2014م. فقد صنعت سيطرة جماعة الحوثي على السُّلطة، بالتَّحالف مع الرَّئيس السَّابق، علي عبدالله صالح، والقوى الموالية له، واقعًا جديدًا يمسُّ التَّقاطعات الإقليمية والدّولية المرتبطة بالجغرافيا اليمنية التي تتَّسم بالأهميَّة والحساسية للإقليم والعالم، وهو ما فرض تحوُّلًا في المشهد اليمني لا تزال تداعياته تتراكم حتَّى اللَّحظة.
ففي 25 مارس 2015م، ونتيجة تقدُّم مليشيا جماعة الحوثي، مسنودة بالقوَّات الموالية للرَّئيس "صالح"، نحو مدينة عدن، التي فرَّ إليها الرَّئيس، عبد ربِّه منصور هادي، ليعلنها عاصمة مؤقَّتة، ومنطلقًا لمواجهة قوى الانقلاب، وجَّه الرَّئيس "هادي" خطاب استغاثة إلى قادة مجلس التَّعاون لدول الخليج العربية، يدعوهم فيها إلى التَّدخُّل في اليمن لمواجهة القوى المتمرِّدة على الدَّولة والتَّدخُّل الإيراني في اليمن. في اليوم التَّالي، أعلنت الرِّياض عن تشكيل "التَّحالف العربي"، وقيام عمليَّة "عاصفة الحزم" العسكرية استجابة لنداء الرَّئيس اليمني.
هكذا أصبحت اليمن ساحة للصِّراع الإقليمي والدّولي، وميدانًا للتَّنافس على اقتسام هذا البلد المنكوب بما يتيح الحضور في جغرافيَّته "الإستراتيجية"، حيث يمتدُّ اليمن جنوب الجزيرة العربية، على ضفاف البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن وبحر العرب، ليشكّل بوابة على طريق التِّجارة العالمية وخطوط الملاحة البحرية الدّولية. فالجمهورية الإيرانية الإسلامية تطمح مِن تثبيت وجود لها في هذه المنطقة؛ لاستكمال "الهلال الشِّيعي''، الذي تسعى إلى تشكيله في المنطقة، ابتداء مِن لبنان وسوريا في الشّمال، والعراق والبحرين شرقًا، واليمن جنوبًا. والمملكة العربية السُّعودية تحاول استعادة نفوذها في اليمن، والتَّمكُّن مِن إبقائه في فلكها، تخوُّفًا مِن تحوُّله إلى تهديد فعلي لها. فيما تسعى دولة الإمارات العربية المتَّحدة للوصول إلى موانئ اليمن وسواحله وجزره؛ لوضع يدها عليها بأيِّ صيغة تمكِّنها مِن الإفادة مِنها؛ لمصالح مشروعاتها وأجنداتها الخاصَّة.
هذا الواقع الذي تنخرط فيه قوى خارجية في اليمن ليس هو الأوَّل على مدى التَّاريخ اليمني، القريب مِنه والبعيد، بل والحديث، فقد عانت اليمن التَّدخُّل الخارجي خلال حقب مختلفة، وتركت تلك الحقب آثارها على وجه اليمن، وإن ظلَّ اليمن -مِن ناحية أخرى- عصيًّا على التَّركيع والاستلاب. ومِن غير الممكن فهم واقع اليمن بدون السِّباحة في تاريخه، والغوص في عوالمه وحوادثه ومنعطفاته، إذ هو المدخل الحقيقي لفهم المسألة اليمنية التي تتكرَّر أحداثها وإن اختلفت الشُّخوص والأطراف.