مدخل لفهم تعقيدات المُشكِل اليمني وتداعياته الإقليمية
لا شك أن الحديث عن الوضع في اليمن هو حديث عن مشكلات مركّبة، وتعقيدات "مجتمعية"، إضافة إلى صراع نفوذ إقليمي محتدم، وأبعاد دولية لها أهداف ومصالح متضادة ومتنافرة، ومن هنا فإن البحث عن مستقبل اليمن في إطار السؤال البدهي والمنظور أمام أيّ مهتم بشأن هذا البلد ذي الوضع المتفجر، وارتداداته الإقليمية، وصلاته بالمشروعات الدولية الكبرى، وتحديدًا "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، أو حتى صلته بالمصالح الدولية- يستلزم الخوض في كل تلك التركيبات المعقدة، والتداخلات التي باتت تحكم وتتحكم في اليمن، وقد أصبح ساحة صراع مكشوفة أمام المشروعات الخارجية والمطامع والمصالح الإقليمية، وتلك مهمة ليست بالسهلة؛ لأن البحث في ملف شائك مثل الملف اليمني الذي خرج من دائرة اهتمام الكتّاب والمفكرين لمصلحة غرف المخابرات واللوبيات وصناع السياسات- أشبه ما يكون بتجديف في الجهات الأربع؛ بحثًا عن طريق مفقود.
وبعيدًا عن إشكالية التوصيف، فإن الإجابة عن هذا السؤال: إلى أين يتجه اليمن؟ لم تعد اليوم بيد اليمنيين؛ لأسباب عدة، أهمها:
ـ أن اليمنيين لا يريدون أو لا يقدرون على تحديد مستقبل بلدهم بإجراءات مضمونة وموثوقة التنفيذ، وهذا نعدّه أوّل مبحث في تحليلنا هذا.
ـ كما أن فهم مستقبل اليمن وإلى أين يمكن أن تنتهي به الحرب الإقليمية الدائرة رحاها حاليًّا في عرضه وطوله- يقتضي أوّلًا فهم تصورات تلك الأطراف لليمن المراد له أن يكون، وخصوصًا السعودية التي يتحدّد مستقبلها هي أيضًا بمآل اليمن حتمًا.
ولهذا القول أو الاستنتاج أسباب وارتباطات موضوعية، سنأتي على ذكرها لاحقًا، وهذا نعدّه مبحثًا ثانيًا لما سنأتي على شرحه في هذا التحليل.
سياسة السعودية تجاه الانتقال الديمقراطي في اليمن
قبل الولوج إلى عمق المُشكل اليمني ينبغي التنبيه والإشارة إلى أن عام 2011، كان بداية لهذه الرحلة التي امتدت من الثورة إلى التسوية السياسية التي فرضتها تعقيدات المشهد في الداخل، وتداخلات الإقليم (المبادرة الخليجية في عام 2012) ، مرورًا بحالة التوافق السياسي التي أنتجت سلطة شرعية -برئاسة الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي- استمدت مشروعيتها من الثورة السلمية، واستفُتِي عليها الشعب في انتخابات توافقية، ثم الانقلاب على تلك السلطة الشرعية في ديسمبر من عام 2014 من قبل جماعة مسلحة، أتت من خارج كيان الدولة، وبمساندة ودعم من النظام السابق؛ نظام الرئيس علي عبدالله صالح، الذي التقت
مصالحه مع مصالح الإقليم المناهض لربيع الثورات العربية، وصولًا إلى حالة الاحتراب الداخلي ثم الحرب الإقليمية.