رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

دور المجتمع المدني في تطوير العلاقات التركية الإفريقية

تسلّط هذه المقالة الضوء على دور مؤسسات المجتمع المدني في تطوير العلاقات التركية الإفريقية

دور المجتمع المدني في تطوير العلاقات التركية الإفريقية

ملخص تسلّط هذه المقالة الضوء على دور مؤسسات المجتمع المدني في تطوير العلاقات التركية الإفريقية، وتهدف إلى تقييم المساعي والبرامج التي تنفذها المؤسسات التركية غير الحكومية في إفريقيا. مهّدت الدراسة بمدخل لهذا الملف تحدّثت فيه عن تراث العمل المدني في تركيا، ثم عن تقييم أدوار مؤسسات المجتمع المدني الدولية في إفريقيا. ومن أهم ما توصلت إليه الدراسة أن كلّ ما يُقدّم حاليًّا في إفريقيا لايزال غير كاف مقارنة بمتطلبات الأزمات في بعض الدول، وأن المساعدات التركية لها تختلف في بعض أبعادها عن الأهداف أو الأطماع التي تسعى إليها دول أخرى، كما يؤكد الباحث أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني في التمهيد لتقوية العلاقات الدبلوماسية مع إفريقيا.

إن العلاقات التركية الإفريقية شهدت تطورًا كبيرًا على الصعيد التجاري، والسياسي، والثقافي، والإنساني- منذ أن أعلنت تركيا أن عام 2005 هو عام إفريقيا، ولاتزال هذه العلاقات في تطوّر وتقدّم مستمر.

كما شهدت الاتصالات التركية بإفريقيا ومبادراتها هناك، تسارعًا كبيرًا، وكأن قارة إفريقيا التي أهملتها تركيا حتى تسعينيات القرن الماضي تُكتَشف لأول مرة من الجانب التركي.

وبافتتاح السفارات التركية الجديدة في إفريقيا يكون عددها قارب 90 سفارة، وبالتوازي مع افتتاح السفارات التركية افتُتِحت مكاتب لوكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا" في إثيوبيا، والسنغال، وتونس، وغيرها من الدول الإفريقية. إضافة إلى ما سبق شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في عدد الطائرات والمسافرين الذين توجهوا من تركيا إلى العواصم الإفريقية.

وفيما بلغت التجارة بين إفريقيا وتركيا 20 مليار دولار، قام رجال أعمال أتراك باستثمارات كبيرة على الأصعدة المختلفة في القارة الإفريقية.

 في ظل هذه التطورات التي شهدتها علاقات تركيا بإفريقيا، أدّت منظمات المجتمع المدني دورًا فعّالًا على الصعيدين التنموي والإنساني، وأولت هذه المنظمات اهتمامًا كبيرًا بالآفات والمشكلات المزمنة التي تعاني منها إفريقيا على الصعيدين التعليمي والصّحّي، لتصبح بذلك ممثلة لوجدان الإنسان التركي، في محاولة منها لبناء جسر إنساني بين الشعبين الإفريقي والتركي من خلال الإمدادات والمساعدات التي قدّمتها تركيا.

 

ونحن في هذا البحث سنلقي الأضواء من خلال أعمال منظمات المجتمع المدني في إفريقيا- على الأعمال الإنسانية التي تقدمها هذه المنظمات، وسنقوّم المساعي الحثيثة التي تبذلها لتطوير العلاقات بين تركيا وإفريقيا.

ومثل هذا التقويم لا يمكن أن يكتمل إلا من خلال الإشارة إلى مرحلة التنمية والعولمة التي مرت بها المنظمات. ومن هنا خُصِّص القسم الأول من البحث لدراسة هذه المرحلة، ومن جهة أخرى سنقوِّم الدور الذي تؤدّيه منظمات المجتمع المدني الدولية في إفريقيا وآلية عملها هناك، ثم سنُعقِّب على أهم أعمال المنظمات ونشاطاتها، ومساعيها في تطوير العلاقات بين الدولتين.

 

 

 

تراث المجتمع التركي ونمطُه وعاداته في مساعدة الآخرين

 

إن حب التعاون والتضامن يعّد من أهم المشاعر الإنسانية الأساسية والقيّمة، ويُعَدّ قضاء حاجات الآخرين، والتضحية بالمال من أجل مساعدتهم أمورًا مهمّة تتطلب تقديم المصلحة الجماعية على المصلحة الفردية، ولاسيما في هذا العصر الذي أخذت هذه القيم فيه بالتآكل.

 

لم تبق هذه المساعي محصورة في حدود محلية، بل بتأثير العولمة استطاعت أن تتجاوزها إلى حدود جغرافية مختلفة. فقد استطاعت وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة -ولاسيما وسائل التواصل الاجتماعي التي ظهرت في السنوات الأخيرة- أن تنقل لنا الحروب الأهلية، والكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية أولًا بأول.

إن هذه الوسائل الإعلامية التي قرّبت المسافات الجغرافية أسهمت بشكل كبير في إيصال صوت المظلوم أينما كان إلينا وكأنه بجوارنا، إذ لم يعد أمام الفرد مجال ليبقى منقطعًا عن أي خبر في ظلّ وجود هذه الوسائل.

إلى جانب ما تقوم به الدول الإقليمية القومية من تضميد جراح الآخرين- علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الجهود والفعاليات التي تقوم بها المنظمات الإنسانية غير الحكومية في هذا المجال، وهذا الأمر يقودنا تلقائيًّا إلى دور المنظمات الدولية غير الحكومية في الغرب وما تقوم به في المجال نفسه.

وكما ذكرنا آنفًا سنسلّط الضوء في هذه الدراسة على ما تقوم به المنظمات الإنسانية التركية غير الحكومية في إفريقيا، وأهم ما يعنينا هنا هو استقلالية هذه المنظمات غير التابعة للدولة في تقديمها مشروعات ذات صلة بالتنمية والمساعدات.

 

إن ظهور ثقافة التعاون وتحولها إلى ثقافة مؤسسات، وارتباطها بالقيم الأخلاقية والإنسانية- ممتدة إلى حقبة تاريخية قديمة، وإنّ ارتباط مفهوم ثقافة التعاون الموجود منذ العصور الإنسانية القديمة بمفهوم (العصرنة) أدى إلى تحوّل هذا المفهوم إلى المؤسساتية.

وقد وصل عدد المنظمات الإنسانية غير الحكومية المعنية بتقديم المساعدات في يومنا هذا إلى عشرات الآلاف، وهذه المنظمات تسهم بشكل كبير في عملية التنمية، ومن هنا كان مهمًّا تسليط الضوء على المراحل التي مرت بها هذه المنظمات المدنية، وتناول ما تقوم به مديريات الوقف من إسهامات في المجال نفسه.

 

ومن الجدير بالذكر أن مديريات الوقف التي تسير وفق المنهج الإسلامي معتمدة على الثقافة الإسلامية تتمتع بأهمية كبيرة، ليس في تركيا فقط بل في معظم الدول الإسلامية.

 

 

إن مفهوم الوقف (تسمية الوقف) الذي ظهر بظهور الإسلام اكتسب أهمية كبيرة، وأخذ هذا المفهوم يشهد تطورًا أكبر في العهدين السلجوقي والعثماني، وصار الوقف يقدّم خدمات جليّة في مجال التعاون والمساعدات، وبخاصّة مديريات الأوقاف التي استمرت حتى نهايات العهد العثماني، وأدّت دورًا مهمًّا في تطوير المدن العثمانية، ولاسيّما في الحياة الاجتماعية.

إن الفعاليات التي نظمتها هذه المديريات التابعة للوقف تظهر جلية من خلال خدماتها في بناء الجوامع والمدارس والمستشفيات والحمّامات ومراكز العمل ومشروعات المياه والمقابر وغيرها... بالإضافة إلى الدور الذي أدّته في تطوير المجال التجاري من خلال تأمين الطرق التجارية وتسهيلها أمام التجار. [1]

 

على الرغم من ارتباط مفهوم الوقف بالدين الإسلامي، واعتباره أساسًا أخلاقيًّا في الفكر الإسلامي، إلا أنّه لم يكن خاصًّا بالمسلمين فقط.

وأهم المجالات التي اهتمت بها هذه المديريات التي يُسيّرها أصحابها الذين أنشأوها- هو: التعليم، والصحة، وتنمية المجتمع، ولم تكن هذه المؤسسات آنذاك تابعة للدولة، إنما كانت مؤسسات مدنية.[2]

إن هذه المؤسسات التي قدّمت خدماتها حتى نهاية العهد العثماني استطاعت أن تحافظ على استمراريتها من خلال دمجها بالبنية التركية.[3]

منذ إعلان الجمهورية اتُّخِذ قرار بجعل هذه الأوقاف مركزية، في الوقت الذي تمت فيه تصفية قسم كبير منها. إن القانون المدني الذي أُسِّس عام 1926 اقترح تغيير اسم الوقف إلى اسم المؤسسة، ولكن في عام 1967 تمّت العودة إلى استخدام مصطلح الوقف مرّة أخرى. وأُنشِئت مؤسسات وقفية عديدة بين عامي 1926 و1967 بسبب الأزمات الاقتصادية التي مرّت بها الدولة حينها، كما أدّى تحويل هذه الأوقاف إلى المركزية دورًا مهمًّا في زيادة عددها.

إن التطورات السياسية الحاصلة بعد عام 1967 وخصوصًا بعد عام 1980 أدت إلى تطور المجتمعات المدنية والمؤسسات التابعة لها.[4]

ومن اللافت أن هذه المؤسسات غير الحكومية أدّت دورًا كبيرًا في تقديم المساعدات ليس في داخل تركيا فحسب بل خارجها أيضًا، كدول البلقان وإفريقيا والقوقاز. إن تحويل الجمعيات ومديريات الأوقاف إلى مفهوم مؤسساتي أسهم إسهامًا كبيرًا في إنهاء الحرب الباردة، في الوقت الذي أدّت فيه هذه المؤسسات دورًا كبيرًا في إيصال المساعدات إلى كثير من دول العالم التي تشهد اضطرابًا، وتعاني من الوحشية... ومن بين الحالات التي قُدِّمت إليها المساعدات في معاناتها مع الصراع الخارجي، المقاومة الأفغانية ضد الاتحاد السوفيتي، والبوسنيون إبان إبادة الصّرب الجماعية لهم في البوسنة، والظلم الذي عانى منه الفلسطينيون في مواجهة إسرائيل، بالإضافة إلى أن هذه المؤسسات بعد الاستقرار الاقتصادي في تركيا عام 2002 استطاعت أن تصل إلى مناطق جغرافية أبعد كالصومال، وشرق تركمانستان، وهاييتي... وغيرها من الدول البعيدة.

إن الصراعات التي ظهرت في الدول الإسلامية بعد الحرب الباردة أدت إلى أزمات إنسانية كبيرة، لكن هذه الأزمات لم تلق أي اهتمام من الأطراف الكمالية واليسارية في تركيا، في الوقت الذي نجد فيه أن المحافظين الإسلاميين لم يقفوا صامتين حيال هذه الأزمات الإنسانية، إذ قاموا بإنشاء مؤسسات لمعالجتها. وهذا أدى إلى أن تأخذ هذه المؤسسات التركية أمام الرأي العام طابعًا إسلاميًّا، وهذا الطابع الإسلامي هو السائد إلى يومنا هذا.

إن المنظمات الدولية التي ظهرت، أو التي بدأت بالظهور في تركيا- لاقت دعمًا ماديًّا كبيرًا، وهذا الدعم المادي تبلور وقُدّم تحت ما يُسمَّى بالزكاة تارة، و بالصدقة تارة أخرى، أي باختصار تبلور تحت مسمَّيات إسلامية، ولذلك كان من البدَهي أن تكسب هذه المساعدات طابعًا دينيًّا. إن هذه المؤسسات أكّدت ضرورة إيصال المساعدات لذويها، ليس فقط بالقول بل بالفعل.

بالإضافة إلى تطوير وتوسيع عمل المنظمات الدولية المعنية بتقديم المساعدات في تركيا لوحظت مساعٍ حثيثة لتنمية المجموعات والجماعات الدينية. ولم تبق هذه الجماعات الدينية الكبيرة منغلقة في بقعة جغرافية واحدة، بل انفتحت على العالم من خلال الفعاليات التي أقامتها في مجال التعليم، واستطاعت من خلالها إنشاء شبكة واسعة من الخدمات التي تعنى بتقديمها.

ومن بين هذه الجماعات على سبيل المثال: جماعة عزيز محمود هدائي، وجماعة سليمان أفندي، اللتان أقامتا فعاليات كبيرة في عدّة دول خارج تركيا، وهذا الأمر أدّى بدوره إلى إكساب الطرق المتّبعة في تقديم المساعدات في تركيا مفهومًا مختلفًًا ممّا كانت عليه. وهذه الجماعات لم تكتفِ فقط بإيصال المساعدات، بل كوّنت مجموعات مشابهة للجماعات الدينية، ومن أهم ما قامت به أنّها استطاعت من خلال مؤسسات التعليم الاهتمام بتكوين الإنسان.

إن تركيا التي هدفت إلى تنظيم مساعدات دولية من خلال المنظمات الإنسانية اهتمت في الوقت نفسه بالتنمية، إذ أنشأت المدارس والجوامع والمستشفيات التي تشكل آثارًا حية على ما قامت به هذه المؤسسات. وبلغ حجم المساعدات التي قدمتها تركيا في مجال التنمية والتطوير حتى عام 2013 ما يقارب 280 مليون دولار.[5]

 

 

كيف فُهِمت المساعدات التي قُدِّمت في إفريقيا؟

 

بدأت التنمية الدولية والمساعدات الإنسانية في الدول الإفريقية خلال مراحل استقلالها، ولاتزال هذه التنميات حتى الآن مرتبطة بحجم الاستقلال الذي تحققه دولة إفريقية ما.

إن الشعور بضرورة التنمية في الدول المستقلة، بالإضافة إلى الأزمات السياسية التي تزامنت مع الأزمات الإنسانية- أجبرت الدول الإفريقية على طلب المساعدات من الخارج.

وكانت المساعدات الإنسانية التي قُدّمت في الصومال وإثيوبيا وغيرهما بهدف حلّ الأزمات الإنسانية- تقدّمها المنظمات غير الحكومية المعنية بتقديم المساعدات تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية.

إن المناطق التي لم تتمكن الحكومات من الوصول إليها استطاعت هذه المؤسسات غير الحكومية أن تصل إليها بغرض تضميد الجراح.

على الرغم من كتابة عدة بحوث تحمل عناوين خاصة بالأزمات، والاهتمام الكبير الذي أبدته المنظمات غير الحكومية بهذا المجال- يبقى ما تقدمه تركيا غير كافٍ، ولا يفي بمتطلبات تلك الدول التي تعاني من هذه الأزمات.

عندما نترك الدوافع السياسية والدينية جانبًا، يبقى السؤال المثير للجدل هو: هل هذه المؤسسات غير الحكومية في البلدان المتقدمة تجدي نفعًا أم لا؟

إن كتَّابًا من أمثال (دانبيسا موليو[6]، وليندا بولما[7]) وغيرهما انتقدوا هذه المساعدات في كتاباتهم، ووصفوها بأنها غير كافية، ولا تفي بالغرض المطلوب. وذهبت انتقادات تناولت هذا الشأن إلى أن هذه المساعدات تقدم النّفع الأكبر للدول التي تقدّمها بدلًا من الدول التي تتلقاها.

ورأت أن 80 بالمئة من المساعدات التي تمول عن طريق شركات في الولايات المتحدة الأمريكية سوقت لمنتوجاتها المحلية من خلال افتتاحها لأسواق جديدة.[8]

إن الدول التي تقدم المساعدات عن طريق هذه المؤسسات غير الحكومية كانت تؤمِّن المواد الضرورية من الأسواق المحلية، وهذا في نظر بعض المتابعين يحرّك ويُطوِّر السوق الداخلية الخاصة بها، بدلًا من تنشيط السوق التي تُقدَّم إليها المساعدات.[9]

فعلى سبيل المثال سيتوقف مصنع في إفريقيا يوظِّف 10 أشخاص ويُنتج 500 قطعة كِلَّة (ناموسية)- عن الإنتاج والعمل بمجرد أن تجلب منظمة غير حكومية هذه الناموسيات من بلدانها وتوزعها مجانّا للشعب، وهذا يعني أن مجال صناعة الناموسيّات سيشهد انخفاضًا في الإنتاج خلال السنوات المقبلة، ثمّ هبوطًا كاملًا إلى حد الانقطاع عن إنتاج هذا النوع من البضاعة.[10]

إن الانتقادات التي وُجّهت إلى المؤسسات لم تتناول مناقشة الجانب الاقتصادي فقط، بل اهتمت بتناول الصّراع الإنساني في المجتمعات.

وبناء على ما سبق فإن مؤسسات التعاون تصنف الناس من خلال وضعهم في قائمتين، هما: أصحاب الحاجة وغير المحتاجين، وعلى هذا الأساس بدأت المنافسة، وبدأ الصراع بين الفئات المستفيدة، وغير المستفيدة من المساعدات.

وأضاف المنتقدون لهذه المساعدات، أن الضرائب والرُّشا التي تدفع للجماعات المسلّحة لتمرير هذه المساعدات من شأنها أن تؤدّي إلى استمرارالقتال المسلّح في هذه البلدان.[11]

فالآراء حول هذا الموضوع تدور بشكل عام بين من يثق بهذه المؤسسات غير الحكومية ويقدّرها، وبين من يرى أن هذه المؤسسات غير مجدية للنفع، ولا تصلح لحلّ المشكلات والآفات التي تعاني منها الدول الإفريقية.

في يومنا هذا نجد أن الثقة مزعزعة بين الرأي العام، والمؤسسات غير الحكومية، والدول الإفريقية.

ومن الحوادث التي أخذت مكانًا في الإعلام، وذات صلة بالموضوع نفسه المثال الآتي:  عانت إثيوبيا بين عامي 1984-1985 من تقشّف حادّ، فقدّمت المؤسسات غير الحكومية مساعدات إنسانية تبلغ قيمتها مليون دولار. وفي عام 2010  ادّعى "مارتن بلادت" محرر القسم الإفريقي في الـ"بي بي سي" ادّعاء خطيرًا مفاده أن العاملين في مجال المساعدات الإنسانية في إثيوبيا وقعوا في فخ كبير، وبحسب بلادت فإن 95 بالمئة من المساعدات الإنسانية التي تبلغ قيمتها مليون دولار، ذهبت إلى تنظيم تجراي الذي كان يخطط للقيام بانقلاب على الحكومة التي تنحو منحى سوفيتيًّا.

إن هذا التنظيم بحصوله على هذا المبلغ تمكّن من شراء ما يحتاج إليه من الأسلحة.

وإن التقرير الذي صدر عام 1985 يشير إلى أن التنظيم اشترى الأسلحة فعلًا، وهذا الرأي يدعمه الدبلوماسي الأمريكي "روبرت هاودك" الذي عمل في إثيوبيا، وكذلك السياسيون المنفيون عن إثيوبيا، أمثال: "جبر مهدين، وأريا، وآركوي، وبيرد" كلّ هؤلاء دعموا هذا الادّعاء، ونقلوه إلى العناوين الرئيسة في الصحف.[12]

وفي عام 2006 عانت أريتيريا من المجاعة التي أدت حينها إلى عدد كبير من الوفيات، إذ واجه كل 1 من أصل 3 الموت بسبب المجاعة، ومع ذلك أوقفت الحكومة عمل 3 مؤسسات غير حكومية، ثمّ طردتها خارج الحدود، وحينها لم يُدلي "مرسي كروبس، وأرش إي جنسي" اللذان أُنهي مهامهما بأي تصريح للدفاع عن أنفسهما.

ووقعت حادثة أخرى مشابهة في السودان عام 2009، ففي المرحلة التي كان يحكم فيها "عمر البشير" اتُّهِم 10 أجانب بأنهم على صلة مع محكمة الخبراء "USM"، ولذلك طُرِدوا خارج حدود السودان.[13]

وأُوقِف عمل هذه المنظمات غير الحكومية في "دارفور"، ثم رفعت وزارة المساعدات الإنسانية هذا العدد في السودان من 10 إلى 13، وكانت من بينها منظمة إنقاذ الطفولة، والأوكزفام التي اتهمت بإجراء أنشطة وفعاليات خارج إطار المساعدات الإنسانية.

 

اتُّهِمت هذه المؤسسات بأن لها علاقة بعدة بممارسات، منها ختان النساء والتسليح وغيرهما من الفعاليات، وهو ما أدّى إلى تغيّر في نظرة الرأي العام إليهم.[14]

ومن ثَمّ كان لهذه المؤسسات دور في تشكيل ضغط سياسي على الحكومات.

وبهذا أصبحت الدول الإفريقية مع كونها بأمس الحاجة إلى المساعدات، تشعر بعدم الارتياح لعمل هذا المؤسسات، وترغب في عدم توسعها، لذا نجد العديد من المؤسسات غير الحكومية التي عرفت أنها ستفقد المصداقية أمام الشعوب- أعادت النظر في فعالياتها والآلية التي تعمل بها.

إن بعض هذه التُّهم التي وُجّهت إلى هذه المؤسسات التي تقدِّم خدماتها في الدول الإفريقية كانت صحيحة وحقيقية، لكن لا يجوز وضع هذه المؤسسات جميعها بكفة واحدة، والنظر إليها من منظار واحد.

على الحكومات أن تدعم عمل هذه المؤسسات لكي تعمل بحرية في إيصال المساعدات إلى الناس بيسر، ولكن مع إبقاء الرقابة عليها.

إن المؤسسات غير الحكومية التركية التي تعمل في إفريقيا نفّذت مشروعات مختلفة، وطوّرتها تطويرًا جادًّا، وهذه المؤسسات التركية مقارنة بالمؤسسات الغربية فعّالة إلى حدّ كبير، وتتميز بديناميكية عالية. ولكن لا نستطيع أن ننكر أن المؤسسات الغربية بسبب بعض فعالياتها الشاذة شوّهت سمعة المؤسسات التركية، ولكن استطاعت المؤسّسات التركية بسبب اختلاف السياسات المتبعة تطوير علاقاتها مع الدول الإفريقية، ونيل ثقة إفريقيا على عكس المؤسسات الأخرى.

 

المنظّمات غير الحكومية والتغيير الثقافي والاجتماعي في إفريقيا

 

في الوقت الذي تمكنت فيه المجتمعات المدنية في السنوات الـ20 الأخيرة من أداء دور فعّال في مجال التعاون، وتنفيذ عدد من النشاطات في مجال التنمية العالمية- استطاعت من خلال سياسات الدول الخارجية أن تحصل على لقب "القوة الناعمة".

إن 15 بالمئة من المساعدات التنموية التي وصلت إلى الدول النامية في ظل الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي بعد عام 1980 وصلت عن طريق المؤسسات غير الحكومية.[15]

إن البحوث الأكاديمية التي أجريت على هذه المنظمات غير الحكومية تشير إلى أن أنشطة هذه المنظمات زادت بالتوازي مع تطورات الحرب الباردة.

وبناء على ذلك فإن الوعود التي أطلقتها الحكومات الإفريقية بعد الحرب الباردة على الصعيدين السياسي والاقتصادي إن لم تدخل حيز التنفيذ فإن حاجة الشعب للمساعدات الخارجية ستشهد ازديادًا.

وهذه الحاجة هي التي أدّت إلى ظهور عشرات الآلاف من مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالمساعدات في الدول الإفريقية.

إن هذه المؤسسات التي تديرها حكومات مختلفة بإمكانها القيام بفعاليات في أكثر من صعيد، بدءًا من الصحة وانتهاء بالتعليم.

وبعد أن بدأت هذه المؤسسات بالاعتماد على ميزانيات أكبر مما هي عليه في الماضي من أجل تنفيذ مشروعاتها بدأت تتبوّأ مكانًا مهمًّا لدى سياسات الحكومة.

فالدول الغربية ولاسيّما أمريكا عندما تقرر تقديم مشروعات تنمية للدول النامية تفضّل تقديمها عن طريق المؤسسات غير الحكومية.

 

إن هذه المنظمات عندما تقدّم مساعدات إنسانية وتقنية مادية، تُسهم في الوقت نفسه في التغييرات الثقافية والاجتماعية في المناطق التي تقدّم فيها مساعداتها.

إن التغييرات الاجتماعية والثقافية التي تشهدها قارة إفريقيا نفذّت بالتوازي مع الأنشطة التبشيرية والمساعدات الإنسانية، خلال الحقبة الاستعمارية.

وقد أثّر ما فعلته الكنيسة خلال الفترة الاستعمارية الطويلة في إفريقيا من خلال الأنشطة الإنسانية التي نُفّذت بالتوازي مع الفعاليات التبشيرية- تأثيرًا كبيرًا في التغييرات الاجتماعية والثقافية التي حصلت في البلاد.

وأسهمت هذه المؤسسات من خلال النشاطات التي أقامتها على الصعيدين التعليمي والصحي في جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا في انتشار المسيحية إلى حدّ كبير.

وبينما كان 9 بالمئة من سكان الصحراء الكبرى يدينون بدين المسيحية في بدايات القرن العشرين نجد أن هذا العدد ارتفع في يومنا هذا إلى 62 بالمئة.[16]

ونستطيع أن نأخذ جنوب السودان مثالًا لفهم الفعاليات التي تُقيمها هذه المؤسسات التي تعتمد مبدأ التبشير. إن تأثير الأنشطة التي تُنفّذها المنظمات غير الحكومية في المجالين الثقافي والاجتماعي يظهر واضحًا من خلال جنوب السودان الذي أعلن استقلاله وانفصاله عن السودان خلال السنوات الماضية.

فقد حثَّت المنظمات غير الحكومية من خلال التطور الثقافي الذي حققته في جنوب السودان- الجنوبَ على الاستقلال عن السودان، ومن المعروف أن هذه المنظمات كانت تديرها قيادات خارجية، ومن المهمّ أن نشير إلى أن السودان طوال الفترة الاستعمارية كانت خاضعة للاحتلال الإنكليزي.

إن هذه  المنظمات أقامت نشاطاتها التبشيرية في المناطق الجنوبية القائمة على الاعتقاد الوثني، إذ اعتنق العديد من سكان المنطقة الجنوبية دين المسيحية، فيما لم تقرب هذه المنظمات من مناطق دارفور التي تقطنها الغالبية المسلمة.

واستطاعت هذه المنظمات من خلال المدارس التي أنشأتها في السودان بعد استقلالها عن إنكلترا ومصر عام 1956 أن تنفذ مشروعها في توجيه الجنوب نحو الغرب، وجعله يدين بدين المسيحية.

وقد فُصِل جنوب السودان عن شماله عقب استفتاء في عام 2011.

 

وتُعدّ السودان التي عانت من تبعات الحرب الأهلية الطويلة التي امتدت من عام 1983 إلى 2005، على رأس اهتمامات المنظمات غير الحكومية.

وأستطيع القول من خلال تجربتي الشخصية بصفتي عاملًا في إحدى المنظمات التي تقدم أعمالًا إنسانية: إنّكم تستطيعون أن تروا المنظمات التابعة للدول الإسلامية والدول الغربية بأعداد كبيرة في جنوب السودان وشماله، ووجود هذه المنظمات هناك بسبب الحرب الأهلية، والأزمة التي تعاني منها دارفور.

 

وقد أنشأ مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان "يوناميد" بالشراكة مع منظمة "فاونديشين هيروندل" التي تُنشِئ محطات إذاعية خاصة في العديد من الدول الإفريقية- محطةً إذاعية محلية باسم "ميرايا"، كان لها دور كبير في انفصال جنوب السودان عن السودان.

وأسهمت الإذاعة التي تُبَثّ من جوبا عاصمة جنوب السودان، في إيصال المعلومات عن استفتاء الانفصال عام 2001 إلى الشعب الذي كان يفتقر إلى التلفاز، ويعاني انقطاع التيار الكهربائي.

 

وقدّمت "فاونديشين هيروندل" 24 مليون دولار إلى إذاعة "ميرايا" التي بدأت بثها عام 2006. إن هذا المبلغ الضخم لإذاعة محلية تُبَثّ من الجنوب السوداني أمّنته الدول الآتية: سويسرا، النرويج، هولندا، كندا، والاتحاد الأوربي.[17]

ومن خلال مشاهداتي في المنطقة وجدت أن الشعب الذي يفتقر إلى التيار الكهربائي والتلفاز يولي الاستماع إلى الراديو أهمية كبيرة، سواء أكان ذلك الأخبار أم غيرها.

ويُعَدّ هذا مثالًا واضحًا على ما يمكن أن تتركه هذه المنظمات غير الحكومية من تأثير في الشعب.

ومثال آخر على التغييرات التي من الممكن أن تقوم بها هذه المنظمات على الصعيد الاجتماعي ما يخص "ختان الإناث"، فبعض الدول، سواء لأغراض دينية أم موسمية، مثل السنغال ومالي- يقوم بختان الإناث بأعداد كبيرة، إلا أن الوعي الذي نشرته هذه المنظمات في السنوات الأخيرة أدّى إلى منع هذه العادة، كما حصل في عدد من الدول، مثل نيجيريا.[18]

ويمكنني أن أقدّم مثالًا آخر، وهو تنفيذ منظمة "حقوق الإنسان والحريات" (IHH) التركية مشروعًا يحمل اسم (الساد) (KATARAKT) يروم معالجة الكفيفين في إفريقيا، وقد هدف المشروع إلى جانب إجراء العمليات للكفيفين إلى تدريب الأطباء الأفارقة على إجراء العمليات بأنفسهم، وقد شاهدتُ بعيني أن تعامل الأطباء مع المرضى بعد الدورة التدريبية التي خضعوا لها كان مختلفًا تمامًا عما كان عليه الحال قبل ذلك.

فقد تقرّب هؤلاء المتدرَّبون من جميع الأطباء، ولكنهم تأثروا بالأطباء الأتراك بشكل أكبر، إذ لم يتعلّموا منهم التدرب على إجراء العمليات فقط، بل اكتسبوا منهم ميزة الانضباط التي يتحلى بها الأطباء الأتراك.

وفي المجال نفسه نُقِلت آلية العمل والخدمات المقدمة في المستشفيات التركية إلى السودان، والآن نستطيع أن نقول: إن آلية العمل في السودان المتعلّقة بالخدمات في المستشفيات هي نفسها المتبعة في تركيا.

واستطاعت هذه المنظمات من خلال إنشائها المدارس والمستشفيات ووصولها إلى المناطق التي لم تستطع الحكومات الوصول إليها- أن تترك أثرًا واضحًا في التغييرات الثقافية والاجتماعية.

ففي الوقت الذي تحاول فيه الدول الغربية تقديم المساعدات عن طريق هذه المنظمات غير الحكومية، فإن هذه المنظمات أصبحت بطريقة أو بأخرى ذات صلة بالسياسات الخارجية للدول التي تمثلها.

وقد أعلنت الدول الغربية ولاسيّما أمريكا، أنها ستقدم المساعدات عن طريق هذه المنظمات غير الحكومية. ولا يخفى على أحد أن سجل إفريقيا الحافل بالأزمات وضرورة إيجاد حل لها كانا سببَ هذا الأمر.

إن الدول التي تقدم المساعدات ولا تثق بحكومات الدول المنكوبة، لا تفضّل أن تُقدَّم مساعدات من دولة إلى دولة بشكل مباشر، بل تفضل أن تكون عن طريق هذه المنظمات.[19]

وأخذت تركيا التي أدركت مؤخرًا أهمية المجتمعات المدنية- تميل إلى هذه الفكرة بشكل كبير.

واتُّخِذ قرار عام 2009 بإنشاء منظمة "تيكا" -وهي منظمة مدنية تعاونية- من أجل إضفاء الطابع المؤسساتي على المنظمات غير الحكومية، ولتصبح داعمة ومتعاونة مع الدولة.[20]

ولم تكن المساعدات الخارجية للمنظمات غير الحكومية تدرج فيما سبق ضمن التقارير، ولكن أخذت تدرج وفق قوائم بيانية بعد التنمية التي حققتها تركيا،.

وكانت هناك زيادة كبيرة في تمويل المنظمات غير الحكومية في السنوات الأخيرة، ومع كل هذه التطورات السابقة كان من الطبيعي أن تقوى العلاقة بين هذه المنظمات وأجهزة الدولة.

 

البرامج التي نفذتها المنظمات التركية غير الحكومية في إفريقيا

 

إن فعاليات المنظمات التركية غير الحكومية في إفريقيا زادت وتطورت مع تطور العلاقات التركية الإفريقية.

وازدادت الميزانية المخصصة للمشروعات التنموية في إفريقيا بازدياد المنظمات التركية هناك، وجاءت هذه الزيادة بتمويل من إدارة وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا"، وبسبب النمو الاقتصادي الذي حققته تركيا في السنوات الأخيرة.

وفي الوقت الذي فتح فيه بعض هذه المنظمات غير الحكومية مكاتب خاصة لها في إفريقيا، شارك بعضها الآخر في المجال الطبي في العمليات الجراحية التي أجريت هناك.

كان إعلان المبادرة الإفريقية والانفتاح عليها عام 1998، إلا أن تحقيق خطوات جادة في هذا المجال لم يحصل إلا بعد عام 2002، ثُمّ أُعلِن عام 2005 عام إفريقيا.

وشهدت العلاقات التركية الإفريقية بعد إعلان عام إفريقيا تحسُّنًا كبيرًا، إذ تطورت العلاقات السياسية، وفُتِحت سفارات في عدد من العواصم الإفريقية، كما افتُتِحت مكاتب لمنظمة "تيكا"، ووقِّع على العديد من المشروعات الاقتصادية، بالإضافة إلى ازدياد عدد الطائرات والمسافرين الذين توجهوا إلى البلدان الإفريقية.

وكان من شأن كل هذه التطورات أن تزيد المنظمات غير الحكومية مشروعات التنمية والتعاون في إفريقيا.

عملت هذه المنظمات التركية في جو من الثقة المتبادلة بين الطرفين، في الوقت الذي وضعت فيه المنظمات ضمن أولوياتها معالجة المشكلات المزمنة التي تعاني منها الدول الإفريقية في مجال الصحة والتعليم، لتغدو بذلك ممثلة للوجدان التركي، بانية جسور الأخوة والتعاون بين تركيا وإفريقيا.

وقد نفّذت جمعيات ومنظمات تركية مختلفة مشروعات متنوعة في إفريقيا، من هذه المنظمات والجمعيات "أطباء ير يوزو"، وجمعية "جان سويو"، ومنظمة "إي ها ها"، ووقْف علي محمود هدائي، وجمعية "بشير"، وجمعية "دنيز فاناري"، وجمعية "ياردم إيلي"، وجمعية "دوست إيلي"، وجمعية "دوست إيلّيري"، وكلُّها منظمات قدّمت مشروعات متنوعة ومتعددة في إفريقيا.

ويقول السفير التركي السابق في كينيا والسودان "علي إينكين" في هذا المجال: "إن المنظمات غير الحكومية دعمت فكرة الحكومة في المبادرة الإفريقية والانفتاح عليها، وأصبحت الشعوب الإفريقية ترى وتُقدّر هذه المنظمات".[21]

نستطيع أن نشهد بشكل واضح زيادة ميزانية هذه المنظمات ونمو آلية عملها من خلال التقارير، إذ يشير التقرير الذي صدر عام 2013 الخاص بالتنمية والتعاون التركي [22] إلى أن ميزانية المنظمات المعنية بالمساعدات الإنسانية بلغت 280 مليون دولار، وهذا يشكل زيادة ملحوظة مقارنة بعام 2012 الذي بلغت فيه المساعدات 151 مليون دولار. هذه الزيادة دليل واضح على نمو وتطور المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال المساعدات الإنسانية.

وفي رأيي الشخصي أن تكلفة الميزانية المخصصة للأعمال الإنسانية أكثر مما ذكر، نظرًا إلى أن العديد من فعاليات الأعمال الإنسانية لم يُدوَّن، إضافة إلى أن المنظمات التركية الموجودة في أوربا لم تدخل ضمن هذا التقرير.

وإذا نظرنا إلى التقارير الخاصة بالمساعدات التي قدمتها المنظمات غير الحكومية التركية في إفريقيا لعام 2013- نجد أنها تصل إلى 93 مليون دولار، وأن الدول التي أُعطِيت لها الأولوية في تقديم المساعدات هي "النيجر"، و"مالي"، و"تشاد"، و"الصومال".[23]

وقد بلغت تكلفة مشروعات التعاون الاقتصادي 122 مليون دولار، فيما خُصِّص150 مليون دولار للأعمال الإنسانية العاجلة، و7 ملايين دولار للأمور الإدارية.[24]

ويعود إعطاء الأولوية في تقديم المساعدات لتشاد ومالي والنيجر والصومال إلى تفاوت درجات الحاجة بين الدول الإفريقية، فشعوب هذه البلدان في أمس الحاجة إلى هذه المساعدات.

فالدول التي تُعَدّ إمكانياتها المادية أفضل من هذه الدول التي ذكرناها تحظى بكميات أقل من المساعدات الإنسانية. ولكن في الوقت نفسه لابد من الإشارة إلى أن المساعدات التي تُوصَل إلى دول إفريقيا غير كافية لمتطلبات الأزمة التي تعيشها تلك البلدان.

ولهذا السبب نجد أن الدول التي تتلقى أكبر كمٍّ من المساعدات الإنسانية لا تتغير من عام لآخر.

إنّ المنظّمات التركية استطاعت أن تسدّ الحاجة الغذائية للصومال خلال الأزمة التي عاشتها عام 2011. كما أنّ زيارة "رجب طيب أردوغان" رئيس مجلس الوزراء آنذاك إليها بعد انتهاء الحرب الأهلية- كانت مشجِّعة على القيام بأعمال في الصومال".

ووصل عدد العاملين الأجانب حتى عام 2010 في قطاع المساعدات الإنسانية في الصومال إلى 1500 شخصًا، وهؤلاء أداروا العمل الإنساني من العاصمة الكينية نيروبي، وذلك بسبب الظروف الأمنية، والخشية من عمليات الاختطاف، وفي هذا السياق ونظرًا لما سبق فإن إصرار الحكومة الصومالية على نقل مركز عمليات الإغاثة من "نيروبي" إلى "مقديشو" لم يكن مؤثرًا.

وذكرت تحليلات عديدة أن هذه الحملات كان من شأنها إنعاش الحركة الاقتصادية في الصومال.[25]

وتشير بعض البحوث المستقلّة إلى أن الأمم المتحدة أغدقت 70 بالمئة من التمويلات لموظفيها العاملين في مجال المساعدات الإنسانية الذين يعيشون في رفاهية تامّة في كينيا.[26]

إن الأعمال الإنسانية التركية في الصومال ذهبت بشكل مباشر إلى الصوماليين.

وأثَّرت المدارس والمستشفيات والدُّور الخاصة بالأيتام التي بنتها المنظمات غير الحكومية في الصومال- بشكل كبير في تغيير الوضع الثقافي والاجتماعي.

وأدّت العلاقات الودية التي رسمتها تركيا حيال الصومال إلى تطوير العلاقات التركية الإفريقية.

ولأول مرة في التاريخ تتضافر وتتوحد الجهود الرسمية وغير الرسمية من أجل إمداد الصومال بالمساعدات الإنسانية؛ إذ اجتمعت المديريات التي تمثّل الحكومة، مثل مديرية الأوقاف، والهلال الأحمر التركي "كزلاي"، ووكالة تيكا- والمنظمات الأخرى غير الحكومية مع بعضها بعضًا وضاعفت جهودها للتعاون المشترك فيما بينها.

وأكسبت المشروعات التي اتّفق عليها الطرفان تركيا أهمية كبيرة، ولوحظ أن هذه المشروعات كانت تسير بالتنسيق مع العاصمة التركية أنقرة.[27]

ولاقت الحملة التي بدأت من أجل الصومال عام 2011 ترحيبًا وتقديرًا من الدول الإفريقية ودول العالم أجمع.

ومما أدى إلى إضفاء القوة على حملة الإغاثة الجهودُ التي بذلتها المنظمات غير الحكومية جنبًا إلى جنب مع المنظمات والمديريات التابعة للحكومة.

واستطاعت تركيا بعد تجربة الصومال أن تبني مع إفريقيا جسرًا من العلاقات الإنسانية الجديدة.

ويرى بعض الباحثين أن للثقافة الإسلامية وحضها على علاقات الأخوّة أثرًا كبيرًا في أداء مثل هذه الأعمال، وبناء علاقات التعاضد والتعاون مع الدول المحتاجة.

وهذه القيم الدينية تكاد تكون الدافع الرئيس للعاملين في مجال المساعدات في المنظمات غير الحكومية التي تعمل في إفريقيا.[28]

 

إن هذا التقارب يسلّط الضوء من جهة على الممارسات التي تقوم بها منظّمات المجتمع المدني على الصعيدين التعليمي والصحي، ومن جهة أخرى على العلاقات الدبلوماسية والتجارية وتطوراتها مع إفريقيا.[29]

 

الخاتمة

إن مفهوم الوقف الذي برز في العهد العثماني -وإن كان قد تعرض لخطر الزوال مع بداية العهد الجمهوري- عاد ليتبلور من جديد بعد الحرب الباردة، لتشمل هذه المساعدات الإنسانية التي تقدمها مديريات الوقف خارج حدود الجغرافيا التركية.

كانت هذه المنظمات تقدم المساعدات في مطلع التسعينات إلى الجوار القريب، إلا أنها مع حلول عام 2000 توسعت لتشمل مناطق جغرافية أبعد، حتى إنها وصلت إلى النيجر، والصومال، وباكستان، وغيرها من المناطق البعيدة.

واستطاعت هذه المنظمات زيادة الميزانيات المخصّصة للأعمال الإنسانية، ومن ثَمّ استطاعت أن تكتسب طابعًا مؤسساتيًا، وهذا أهّلها للدخول إلى مستوى التنظيمات العالمية المعنية بتقديم المساعدات في الغرب.

وتمكنت هذه المنظمات من إثبات وجودها وتعزيزه في الدول التي ذهبت إليها، بعد أن أصبحت تمثّل وجدان الإنسان التركي.

ومن الجدير بالذكر أيضًا أن النمو الاقتصادي الذي شهدته تركيا أسهم بشكل كبير في تمويل هذه المنظمات... وإثر تطور العلاقات التركية الإفريقية بعد عام 2005، أسهمت المنظمات غير الحكومية أيضًا في دعم الفكرة التي طرحتها الحكومة بشأن الانفتاح على إفريقيا.

واستطاعت تركيا مع بدء فعاليات منظمة "تيكا" الحكومية عام 2009 أن تحصل على تقارير فيما يخص التنمية التي حققتها.

وأدّى هذا المجال إلى جعل تركيا أقوى، من خلال وجود تقارير تُحْصي المساعدات التي تقوم بها بالأرقام.

واكتسبت هذه المنظمات بعد الأزمة الغذائية التي مرت بها الصومال قوة كبيرة من خلال وصولها إلى تلك المناطق وتقديمها للمساعدات الإنسانية، ولاسيما أن بعض وسائل الإعلام مثل "BBC"، و"CNN" كانت قد أعلنت أنّ تلك المنطقة خطيرة جدًا، ولا يمكن الوصول إليها أبدًا.

فللمساعدات الإنسانية التي قدّمتها هذه المنظمات تأثير كبير لا تقلّ أهمية عن المساعدات التي قدّمتها الحكومة.

ولكون المساعدات والمشروعات التي قدمتها المنظمات غير الحكومية بطريقة أو بأخرى صبّت في مصلحة الحكومة التركية، فإن العلاقات التركية-الإفريقية بدورها كسبت قوة كبيرة.

 

الهوامش والمصادر

 

[1] Bayartan, Mehmet: “Osmanlı Şehirlerinde Vakıflar ve Vakıf Sisteminin Şehre Kattığı Değerler”, Osmanlı Bilimi Araştırmaları, Sayı: X-1, 2008, s. 157

[2] Şentürk, Mustafa: “Vakıf Kültürünün Kur’an’daki Referansları”, İslam San’at, Tarih, Edebiyat ve Musiki Dergisi (İstem), Sayı: 16, 2010, s. 144

[3] Işık, Hayriye: “Bir Kamu Hizmet Birimi Olarak Vakıfların Osmanlı Toplum Yaşamındaki Rolü”, Akademik Bakış, Sayı: 16, 2009, s. 3 http://www.akademikbakis.org/eskisite/16/1vakif.pdf (Giriş Tarihi: 10.09.2015)

[4] Şenel, Şennur; Tuyan, Zehra: “1926-1967 Yılları Arasında Türkiye Cumhuriyeti’nde Kurulan Tesisler (Vakıflar)”, Gazi Akademik Bakış, Sayı: 5, 2009, s. 126-134

[5] Bkz. Tika tarafından yayınlanan “Türkiye Kalkınma Yardımları Raporu 2013” http://www.tika.gov.tr/upload/oldpublication/KalkinmaYardimlariRaporu2013.pdf (Giriş Tarihi: 15.09.2015)

[6] Bkz. Moyo, Dambisa: Dead Aid, Penguin Books, Londra, 2009 

[7] Bkz. Polman, Linda: The Crisis Caravan, Picador, New York, 2011

[8] Jamieson, Dale: “Duties to the Distant: Aid, Assistance, and Intervention in the Developing World”, The Journal of Ethics, Sayı: 9, 2005, s. 159

[9] Bkz. Sempozyum notları, Smock, R. David: “Humanitarian Assistance and Conflict in Afrika”, United States Institute of Peace, Washington, 1996, p. 4 http://www.usip.org/sites/default/files/pwks6.pdf (Giriş Tarihi: 18.09.2015)

[10] Moyo, a.g.e, s. 44

[11] Lassiter, L.S. Randi: “How Aid Negatively Impacts Conflict: the Moral and Practical Dilemmas Faced by Humanitarian Organizations”, The Monitor, Fall 2007, s. 51

 

[12] “On the Trail of Ethiopia Aid and Guns”, BBC News, http://news.bbc.co.uk/2/hi/programmes/from_our_own_correspondent/8548412.stm (Giriş Tarihi: 20.09.2015)

[13] “Drought-hit Eritrea Expels NGOs”, BBC News, http://news.bbc.co.uk/2/hi/africa/4834936.stm (Giriş Tarihi: 20.09.2015)

[14] “Health Fears as Sudan ExpelsNGOs”, Al Jazeera News, http://english.aljazeera.net/news/africa/2009/03/200935174114968814.html (Giriş Tarihi: 01.10.2015)

[15] Anup Shah, “Non-Governmental Organizations on Development Issues” http://www.globalissues.org/article/25/non-governmental-organizations-on-development-issues, (Giriş tarihi: 01.10.2015)

[16] “Global Christianity-A Report on the Size and Distribution of the World’s Christian Population”, Pew Reserach Centre, Aralık 2011 http://www.pewforum.org/2011/12/19/global-christianity-exec/ (Giriş Tarihi: 05.10.2015)

[17] 16 Mayıs 2014 tarihinde Hirondelle Foundation UNMISS ile Radio Miraya üzerindeki partnerlik ilişkisini sona erdirdiğini açıklamıştır http://www.hirondelle.org/index.php/en/our-media-outlets/completed-projects/radio-miraya (Giriş Tarihi: 05.10.2015)

[18] Topping, Alexandra: “Nigeria’s female genital mutilation ban is important precedent , say campaigners”, the Guardian, 29 Mayıs 2015 http://www.theguardian.com/society/2015/may/29/outlawing-fgm-nigeria-hugely-important-precedent-say-campaigners (Giriş tarihi: 05.10.2015)

[19] Chege, Sam: “Donors Shift More Aids to NGOs”, Africa Recovery, Sayı: 13-1, Haziran 1999, s. 6 http://www.un.org/en/africarenewal/subjindx/131ngo.htm (Giriş Tarihi: 08.10.2015)

[20] Bkz. Tika tarafından yayınlanan “2009 TİKA Faaliyet Raporu”, http://www.tika.gov.tr/TR/Yayin_Detay.asp?Yayin=40 (Giriş Tarihi: 10.10.2015) 

[21] Oba, Ali Engin: “Afrika’da Barış, Güvenlik Sorunu ve Sivil Toplum Kuruluşları”, TASAM,  http://www.tasamafrika.org/pdf/afk5/02-Ali-Engin-OBA.pdf (Giriş Tarihi: 10.10.2015) 

[22] Bu makalenin yazıldığı süreçte daha güncel veriler henüz yayınlanmadığı için 2013 Raporu verileri baz alınmıştır. “2013 Türkiye Kalkınma Yardımları Raporu”, http://www.tika.gov.tr (Giriş Tarihi: 15.09.2015)

[23] İbid., s. 77

[24] İbid., s. 76

[25] Warsame, A. Hussein: Role of International Aid and open Trade Policies in Rebuilding the Somali State”, Bildhaan: An International Journal of Somali Studies, Sayı: 11, 2011, s. 58

[26] Ali, Abdirahman: “Turkey’s Foray into Africa: A new Humanitarian Power?”, Insight Turkey, Sayı: 13/4, 2011, s. 71

[27] Orakci, Serhat & Ozkan, Mehmet: “Viewpoint: Turkey as a “political” actor in Africa-an assessment of Turkish involvement in Somalia”, Journal of Eastern African Studies, Sayı: 9/2, 2015, s. 346

[28] Özkan, Mehmet: “Turkey’s Religious and Socio-Political Depth in Africa”, Emerging Powers in Africa, LSE IDEAS Special Report 16, 2013, s. 46  http://www.lse.ac.uk/IDEAS/publications/reports/pdf/SR016/SR-016-Ozkan.pdf (Giriş Tarihi: 12.10.2015) 

[29] Tank, Pınar: “Turkey’s new humanitarian approach in Somalia”, NOREF Policy Brief, Aralık 2013 http://www.peacebuilding.no/var/ezflow_site/storage/original/application/bbea860140d9140ccbcb6c5d427b4f28.pdf (Giriş Tarihi: 12.10.2015)

 


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...