رؤية تركية
دورية محكّمة في
الشؤون التركية والدولية
ISSN 2458-8458
E-ISSN 2458-8466

| المقالات والدراسات < رؤية تركية

حزب العدالة والتنمية ومستقبل تركيا

تحاول هذه الدراسة معالجة رؤية مئوية تركيا التي عرضها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتبناها حزب العدالة والتنمية مع دخوله العام 21 في الحكم، في ظل عدّ عام 2023 عامًا مفصليًّا في تركيا، وترى الدراسة أن هذه الرؤية للمئوية الثانية للجمهورية التركية التي عمل عليها حزب العدالة والتنمية كانت نتاج تجديد حزب العدالة والتنمية لنفسه، وكانت أيضًا نتاج تطوير سياسات شاملة. ومن أهم ما تقف عليه الدراسة حول هذه الرؤية أن هناك دمجًا بين الأهداف، مثل "إنشاء مصالح مشتركة بنظام قائم على القيم والإنصاف" مع الواقعية التي لا تتطلب فقط البحث عن حل وسط، ولكن القدرة على المخاطرة بالتوترات أيضًا.

حزب العدالة والتنمية ومستقبل تركيا

يتّجه حزب العدالة والتنمية، الذي يتمتع بمكانة استثنائية في الحياة السياسية التركية مع فترة حكمه المستمرة التي تبلغ حوالي 21 عامًا- إلى انتخابات عام 2023 برؤية "مئوية تركيا".

من الواضح أن هذه الرؤية، التي تهدف إلى تقديم اقتراح مستقبلي لتركيا للمئوية الثانية من الجمهورية- هي نتاج جهود حزب العدالة والتنمية لتجديد نفسه وتطوير سياسات شاملة. وفي الواقع، يرتبط هذا الجهد ارتباطًا وثيقًا بحقيقة أن حزب العدالة والتنمية يهتم بوضع رؤية وقصة جديدة أمام الناخبين في جميع الانتخابات منذ عام 2002.

يمكن طرح العديد من العوامل لتفسير بقاء حزب العدالة والتنمية في السلطة لفترة طويلة. ومن بين هذه العوامل، ستتبوّأ القيادة الكاريزمية للرئيس رجب طيب أردوغان والخطاب/القصة المتجددة باستمرار لحزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى. كما أن الأهداف الجديدة المصاحبة لتقييم الظروف السياسية المحلية والأجنبية هي جزء لا يتجزأ من القصة.

أُسِّس حزب العدالة والتنمية في عام (2001)، حيث أنتجت عملية 28 فبراير 1998م أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية. وقدَّم في الانتخابات الأولى (2002) رؤيته لحل مشكلات تركيا إلى الناخبين من خلال خطط العمل العاجلة للتغلّب على "أزمة الحكم" في تركيا، والديمقراطية والتنمية والعدالة. وتضمنت الرؤية التي عُرضت على الناخبين في الانتخابات والاستفتاءات التي أُجرِيت حتى انتخابات 2011- محاربة الوصاية الراسخة، وتقوية المؤسسة السياسية، و"دمقرطة" المجال السياسي. ونظرًا لنجاحه في الانتخابات بوصفها رافعة للشرعية في تحقيق الإصلاحات، حمل حزب العدالة والتنمية بهويته "الديمقراطية المحافظة" السياسة التركية إلى تحولات حاسمة.

نجح حزب العدالة والتنمية الذي أنهى الكثير من الأزمات في مجال السياسة- في جني ثمار سياسته في محاربة الوصاية مع تجاوز أزمة الانتخابات الرئاسية عام 2007 (367)، وأزمة المذكرة الإلكترونية وقضية الإغلاق (2008) التي جاءت على جدول الأعمال في وقت لاحق. وخلال هذا النضال، فضّل حزب العدالة والتنمية، الذي لم يتجاهل توسيع دعمه من خلال الوصول إلى شرائح مختلفة من المجتمع، تحديث سياسته وفقًا للتحول الاجتماعي.

لم يكتف بمراعاة الاتجاهات الشعبية في المجتمع التركي فقط، بل تابع أيضًا عن كثب التطورات في السياسة الدولية. كان حزب العدالة والتنمية، الذي يصر أحيانًا على فهم السياسة "المثالية" في أزمات معينة في السياسة العالمية، قادرًا على إقناع قاعدته الخاصة بصواب السياسة التي اتّبعها سواء خلال الفترة التي تحول فيها إلى تحدي خطاب السياسة الخارجية أم خلال فترة التطبيع عندما استعادت العلاقات الثنائية.

جذبت قصة حزب العدالة والتنمية، الذي دعم الحركات الشعبية الديمقراطية في الشرق الأوسط ودول شمال إفريقيا خلال الثورات العربية (2011)، تحول الانتباه في جميع أنحاء العالم حول مناظرات "النمذجة" حيث إن حزب العدالة والتنمية الذي أظهر إرادة الاندماج مع دول المنطقة وحل المشكلة الكردية- خاطب المجتمع بخطاب "حضارتنا" في هذه الفترة. وواجه الخطاب الحضاري متعدد الطبقات والشامل الذي يجمع بين الماضي العثماني والجمهورية تحديات في السياسة الداخلية والخارجية. وسرعان ما أصبح واضحًا أن مثال تركيا لا يمكن أن يكون نموذجًا في العالم العربي، ولكن يمكن تعلم بعض الدروس.

كما أثّر تحوّل الثورات العربية إلى حروب أهلية وانقلابات بتدخلات قوى الوضع الراهن في الخليج في المناخ السياسي بتركيا. لم يكن من قبيل المصادفة أن أحداث حديقة جيزي، التي أرادت الإطاحة برئيس الوزراء أردوغان وحزبه من السلطة، ومحاولة الانقلاب القضائي في 17-25 ديسمبر قد تزامنت في عام 2013 مع الأحداث الأخرى في المنطقة.

 تُمثّل نهاية عملية حل مشكلة إرهاب حزب العمال الكردستاني في عام 2015 نقطة تحول أخرى في السنوات المضطربة بين عامَي 2013 و2016 حيث أدّى استئناف القوميين الأكراد للإرهاب في سعيهم لثورة روجافا في سوريا- إلى تحوّل تركيا إلى سياسة أمنية استباقية في مجال مكافحة الإرهاب والأمن.

  وفي انتخابات ما بعد 2013 أعطى حزب العدالة والتنمية الأولوية لسياسة النضال مع المطالبة بحماية وتعميق الإصلاحات والمكاسب الديمقراطية التي حققها من قبل. وقد أدرج حزب العدالة والتنمية الذي قاتل بنشاط جماعات الوصاية الجديدة مثل منظمة فتح الله الإرهابية- في خطابه السياسي أنه لن يسمح بالتلاعب بمكاسب المجتمع التركي والتراجع عنها من قبل مجموعات النخبة التي تسعى إلى تحقيق المصالح الذاتية.

 وهكذا، أبقى حزب العدالة والتنمية على قيد الحياة خطابًا مفاده أنه سيواصل نضاله في كل مجال ضد التهديدات والهجمات ضد تركيا نتيجة التغيرات العالمية والإقليمية، وأنه سيجعل تركيا لاعبًا في السياسة العالمية.

ونتيجة لذلك تم إحباط محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016 بفضل قيادة الرئيس أردوغان والمقاومة المدنية للشعب التركي. وبعد محاولة الانقلاب، جرى تطهير هيكل الدولة الموازي من مؤسسات الدولة وجرى الانتقال إلى نظام الحكم الرئاسي. مرة أخرى في هذه الفترة، برزت العمليات العسكرية في سوريا بوصفها مؤشرًا على فهم أمني استباقي.

خلال هذه العمليات، كانت هناك توترات خطيرة بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وتركيا. تدور قصة/خطاب سياسات تركيا الجديدة، التي تعزز وجودها العسكري في سوريا والعراق وشرق البحر الأبيض المتوسط ​​وليبيا وكاراباخ- حول مفاهيم "النضال الوطنية في السياسة الداخلية والخارجية".

أعلن الرئيس أردوغان رؤيته لـ"مئوية تركيا" في أثناء ذهابه إلى انتخابات عام 2023، التي ستكمل الفترة الأولى من نظام الحكم الرئاسي. على الرغم من أن الرئيس أردوغان أعلن عنها على أنها دعوة للناخبين بدون لافتات حزبية، إلا أن رؤية مئوية تركيا يجري تبنيها بقوة من قبل حزب العدالة والتنمية وتحويلها إلى لغة جديدة.

في هذا البحث، سيجري أولًا، فحص حاجة الأحزاب السياسية والمرشحين لتقديم رؤية عند الذهاب إلى انتخابات 2023. ثانيًا، ثم سيجري التركيز على مقترح حزب العدالة والتنمية المستقبلي حول رؤية مئوية تركيا.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...