يتناول كتاب (الصراعات في الشرق الأوسط منذ عام 1945) الصراعات الرئيسة التي وقعت في الشرق الأوسط في الفترة من 1947 إلى 2007، ويتطرق كذلك إلى التطورات الدبلوماسية والسياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، ويشمل التوجهات الداخلية، وحالة الدولة، بين الصراعات الإقليمية التي تدور في المنطقة في شمال إفريقيا والجزائر وإيران، والمؤلّفانِ على دراية بالديناميات الأمنية والجيوسياسية في المنطقة، وكذلك بدور الجهات الفاعلة الأيديولوجية المحلية داخل الدولة، وبالصراعات الإقليمية (العربي والإسرائيلي والإيراني)، والجهات الدولية الفاعلة في المنطقة (أوروبا والولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق وروسيا). ويقدّم الكتاب سردًا للاتفاقات والخلافات في الحوارات الرئيسة وعمليات السلام والتفاهمات لوقف إطلاق النار بين أطراف الصراعات في الشرق الأوسط، مثل إسرائيل ومصر، وإسرائيل والأردن، وإسرائيل ولبنان، وإسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، والعراق وإيران، والعراق والكويت... وغيرها.
ومن جهة أخرى فإن اللغة والمفردات المستخدمة في الكتاب شاملة ومتماسكة ووصفية، تعرض تاريخًا من الأحداث الرئيسة ذات الصلة بطريقة مبسّطة جدًّا تساعد القراء على بناء تصوّر تاريخي لطبيعة ونطاق وأهمية عدد من الصراعات المستهدفة في الشرق الأوسط. ويعتمد المؤلّفانِ على المفهوم النظري لـ(توماس هوبز) في (حرب الجميع ضد الجميع)؛ لتوضيح ظاهرة الاضطرابات والنزاعات والحروب.
قد يُنتَقد الكتاب بسبب بعض التحيزات الأيديولوجية فيه، وبعض أوجه القصور في مضمونه:
أوّلًا: يتّخذ المؤلّفان موقفًا من خلال بدء كتابهم بالإشارة إلى بيان متطرف جدًّا (ص8) أدلى به الجنرال موشي دايان، وزير الخارجية السابق ووزير الدفاع السابق ورئيس الأركان العامة السابق لقوات الدفاع الإسرائيلية الذي أشار من طرف واحد إلى المصلحة الوطنية لإسرائيل التي انتهت بإعلان الحرب مع العرب من خلال تسخير العنصر الغربي للهوية الإسرائيلية لإضفاء الشرعية على تدخلها التاريخي القوي من خلال غزو واحتلال فلسطين.
ثانيًا: على الرغم من أن المؤلّفينِ يعترفان بأن الحدود الحالية للشرق الأوسط اصطنعتها القوى الاستعمارية والإمبراطوريات الغربية (معظمها بريطانيا وفرنسا) فإنّهما يصفان العرب بأنهم محبّون للحرب، ولديهم نوايا عدوانية ضد إسرائيل وإيران وأشقائهم العرب، متجاهلَينِ حقيقة أن العرب كانوا يشاركون بشكل مباشر أو غير مباشر في العديد من الصراعات بسبب ضرورات الدفاع، مثل (الصراع العربي- الإسرائيلي، وأزمة قناة السويس، وعاصفة الصحراء... وما إلى ذلك) من خلال التدخلات العسكرية المختلفة، والعقوبات الاقتصادية، وحظر الأسلحة، والمنافسة بين القوى العظمى، وإشعال العنف العرقي في المنطقة، ولذلك، يبدو أنه لا جدوى من إلقاء اللوم على العرب باعتبارهم مسؤولين عن إخفاق عملية السلام من جانب واحد.
ثالثًا: يبدو محتوى الكتاب غير كاف، حيث يفتقر إلى معلومات حول بعض الأسئلة التي يجب الإجابة عنها، مثل؛ مَن درّبَ الجماعات المسلحة الإرهابية اليهودية (التي شكّلت لاحقًا جيش الدفاع الإسرائيلي) على تكتيكات وخطط الحرب مع العرب؟ ، وكيف تدرّبت؟ وأين تدرّبت؟ وما مقدار الدعم العسكري والاستخباراتي الذي قدمه حلفاؤها الغربيون لمواجهة التهديد العسكري للعرب؟ ولماذا اعترف الاتحاد السوفييتي بتسوية وضع إسرائيل في الأمم المتحدة، مع معرفته بأنها عضو مهمّ في الكتلة الغربية المنافسة المؤيدة للرأسمالية؟ هل تمتلك إسرائيل أي أوراق دينية لتأسيسها بصفتها دولة لليهود أو أنّ هناك يهودًا معادين للصهيونية أو يهودًا معادين لإسرائيل في العالم يرون أنّ إسرائيل دولة غير شرعية في ضوء النبوءات اليهودية؟ هل كان إلغاء الولاية البريطانية في فلسطين إستراتيجية لدعم قضية تأسيس إسرائيل بشكل غير مباشر (كما وعدت بها المنظمة الصهيونية من خلال إصدار إعلان بلفور في عام 1917)؟ لماذا لا يتردّد الغرب في تجهيز ودعم بعض الفصائل في قضية الأكراد القومية على الرغم من تفكيكها الانسجام الاجتماعي والتلاحم الوطني لتركيا والعراق وإيران وسوريا؟ ولماذا لم تحلّ المشكلة الكردية بصدق في وقت سابق بموجب ولايتها في أوائل عام 1920؟ (ص74-86). ومن الحقائق المذهلة جدًّا أن المؤلفينِ لا يقدّمان أيّ معلومات ولا يثيران بعض الأسئلة الأساسية التي يُردَّ عليها بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة وغير المعروفة الهوية في ضوء الإخفاق المؤسسي لوكالة التحقيق المركزية (ومنها الأمم المتحدة) للعثور على أسلحة الدمار الشامل قبل غزو العراق (ص124).
رابعًا: إلى جانب أوجه القصور في مضمون الكتاب، هناك بعض التناقضات الأيديولوجية أيضًا، مثل مفهوم الجهاد في الإسلام، وهو ما لم يُفسَّر في ضوء السياق الأصلي للإسلام، بل وُصِف بأنه استجابة شرعية للمجتمع الإسلامي (ككلّ) للعدوان المتعدّد الأبعاد من الغرب. وبالمثل، ذكر المؤلِّفان أن حادثة 11 أيلول/ سبتمبر أحيت المنظور الغربي (لصراع الحضارات)، والصراع المحتمل مع الإسلام. وشوّها صورة السكان العرب من خلال القول إنّ الحرب والتطرف طريقة حياة العرب (ص109-110). وذكَرا أيضًا أنّ صعود المسيحية الإنجيلية لم يكن عنيفًا مقارنة بحركات عودة ظهور الإسلام في الشرق الأوسط (ص52). كما أن المؤلِّفينِ مقتنعان من جانب واحد بأن الإسلاميين أرادوا إنشاء دولة ثيوقراطية في مصر والجزائر (ص53-55). لذلك، لم يشعرا بأي تردّد في تسويغ الجانب العنيف المتمثّل في القمع والأعمال غير الديمقراطية من قبل الأنظمة الديكتاتورية ضد إرادة الشعب والأحزاب السياسية المحلية في كل دول الشرق الأوسط.
وفي حين يدعم المؤلّفان الديمقراطية بشكل سطحي، فإنهما لا يُدينان في بلدان الشرق الأوسط المستهدفة الأنظمةَ الديكتاتورية التي ألغت رؤية القيادة الاجتماعية والسياسية المدنية في السياسة الخارجية، والسياسة الأمنية، والشؤون الاقتصادية الإستراتيجية في تلك البلدان، وشاركت في الفساد المالي وانحطاط المؤسسات العامة (ص55-57).
خامسًا: إن محتوى الكتاب يتحايل لبناء تصوّر تاريخي للواقع بتكريس الدور المتحيّز للمنظمات الحكومية الدولية والقوى الغربية، من خلال إبراز نفسها بصفتها قوات حفظ سلام حقيقية في المنطقة، وتشويه الدين (الإسلام)، ورفع قيمة الممثّلين العلمانيين لبلدان الشرق الأوسط المستهدفة.
ومن المخالف للواقع في الكتاب قول المؤلفينِ إن الولايات المتحدة (درَّبت وسلّحت) حركة المقاومة الأفغانية ضد احتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان في عام 1979؛ والواقع أن الولايات المتحدة قدّمت أسلحة متطورة (معظمها صواريخ ستينغر)، وموارد مالية، إضافةَ إلى الدعم الضخم من حلفائها الغربيين والعرب لاستئصال احتلال اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية من أفغانستان (منذ) الربع الأول من ثمانينيات القرن الماضي، لا منذ عام 1979 (ص38-43)، ولا شكّ أنّ محتوى الكتاب يشوبه نقص في بعض التقديرات الإحصائية المكتسبة لقياس المؤشرات الرئيسة لقوة الاقتصاد والدفاع في بعض دول الشرق الأوسط التي تمّ نقاشها.
وعلى الرغم من هذا النقد، فإنّ هذا الكتاب يمكن أن يكون مفيدًا للطلاب الجامعيين في تخصّصات العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون الدولي والسياسة العامة ودراسات الشرق الأوسط... إلخ، كما أنّه يقدّم خطابًا تاريخيًّا حول الصراع والتعاون في الشرق الأوسط من عام 1945 حتى الآن، وكان من الجيد لو أضاف المؤلِّفانِ بعض الفصول ذات الصلة، بشأن أزمة اللاجئين، والربيع العربي، والموجة الحديثة من التشدّد، والإخفاق المؤسّسي للمنظمات الحكومية الدولية: (الأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأوروبي... وغيرها) في حلّ الأزمات في الشرق الأوسط.