ملخّص: تحاول هذه الدراسة تفسير سلوك السياسة الخارجية في عهد العدالة والتنمية من خلال النظر في العوامل الداخلية والخارجية، وترى أن حزب العدالة والتنمية أعاد هيكلة السياسة الخارجية, وقد أثّرت في ذلك عدة عوامل، هي: القيادة السياسية، والهوية التي حدّدتها للدولة، والأثر المتزايد للفاعلين الدوليين العابرين للحدود، إضافة إلى التطورات الإقليمية. وتناولت الدراسة كذلك دور بعض السمات في السياسة الخارجية، مثل المبادرة، وتحمّل المسؤولية، والانفتاح... وأفادت الدراسة أنه رغم استخدام تركيا القوة الخشنة مؤخرًا لمعالجة التهديدات التي تهدّد أمنها ووحدة أراضيها فإنها ستحافظ على سمة الأخلاقية في سياستها الخارجية.
مقدمة: نهج نظري لتحليل السياسة الخارجية
تقليديًّا، يُفسَّر سلوك الدول في السياسة الخارجية من خلال عوامل داخلية أو خارجية، وتدرُس بعض المناهج السياسة الخارجية مع أخذ كلا العاملين بالاعتبار في الوقت نفسه؛ لذلك، هناك ثلاث مجموعات من الأساليب الأساسية لتحليل السياسة الخارجية في تخصّص العلاقات الدولية: النظامية، والسياسة الداخلية، والمناهج الشاملة، ولأجل إجراء تحليل سليم وواف للسياسة الخارجية التركية في فترة حزب العدالة والتنمية من الضروري إجراء تقييم موجز في ضوء المناهج في هذه الفئات الثلاث.
تركز المناهج النظامية بشكل أساسي على هيكل النظام الدولي، وتأتي النظرية الواقعية البنيوية على رأس النظريات التي تفسّر سلوكيات السياسة الخارجية للدول التي تتحرك عبر النظام، وبناء عليه، فإن صنع السياسة الخارجية هو إجراء رشيد من قبل صانعي القرار العقلانيين لضمان أمن الدولة.
وعلى رأس المحددات الرئيسة للسياسة الخارجية الطابع الفوضوي للنظام الدولي، وبنيته (أحادي أو مزدوج أو متعدد القطبية)، يضاف لذلك التوزيع النسبي للقوة على الدول، إن تصرّفات السياسة الخارجية للدول التي يجب أن تكون هو سلوك صراعي من حيث المبدأ،[1] ولذلك، فإن تغيير الدولة لسياستها الخارجية يرتبط أيضًا بمكانتها في النظام الدولي.
أما نظرية الاستقرار المهيمن فهي تفسر السياسة الخارجية للدول بوجود الدولة المهيمنة الليبرالية، ومن ثّمّ، فإن أي تغيير في نظام الهيمنة يتطلب من الدول أن تغير سياساتها الخارجية، فالدول التي تتسم بقدر أكبر من الشفافية والاستقرار والليبرالية في حالة الاستقرار المهيمن تصبح أكثر قدرة على المنافسة وكسب الصراع في فترة ما بعد الهيمنة.[2]
وبالمثل، فإن (نظرية الاعتماد المتبادل المعقّدة) و(مدرسة الاعتماد) تفسران السياسات الخارجية للدول في سياق النظام الدولي. وتدّعي نظرية الاعتماد المتبادل أن المؤسسات والأنظمة الدولية يمكن أن تضعف الطابع الفوضوي للنظام الدولي، ومن المرجّح جدًّا أن يُضمَن بذلك التعاون بين الدول.
إن (نظرية النظام العالمي) التي يمكن وصفها بأنها صيغة متقدمة من نظرية (مدرسة الاعتماد) تقرأ دوليًّا من خلال فئات الدولة المختلفة،[3] وبناء على ذلك، فإن البلدان تُقسم إلى بلدان المركز وبلدان الأطراف وبلدان شبه الأطراف،[4] ويركز هذا النهج على مستويات التنمية الاقتصادية للدول، ويشير إلى أن البلدان المتقدمة تُملي السياسات الخارجية على الدول المتخلفة باستخدام القوة الاقتصادية التي تمتلكها.[5]
ووفقًا للمناهج التي تحلّل سلوك الدول في السياسة الخارجية في ضوء العوامل السياسية المحلية، فإن الدول لا تتأثر بالنظام الدولي بل تشكّله، ووفقًا لنهج السياسة المحلية، فإن هيكل الدولة والعلاقات بين الدولة والمجتمع وعملية صنع القرار والسياسات البيروقراطية والصراع الداخلي على السلطة وأيدولوجية النظام والشرعية الأيديولوجية- من أهم العوامل التي تحدّد السياسة الخارجية،[6] ويدرس كاتسنستين، الذي يدرس السياسة الخارجية لستة بلدان كبيرة ومتقدمة، اختلافات السياسة الخارجية في هذه البلدان إزاء هياكلها السياسية والاقتصادية،[7] ويرى شنايدر أن السياسة الخارجية العدوانية للبلدان الرأسمالية المتقدّمة تعتمد على ضغط المجموعات الإمبريالية التي تعمل من أجل مصالحها الخاصة.[8]
من ناحية أخرى، يقيّم بعض الأكاديميين السلوك السلمي للسياسة الخارجية للدول من خلال النظر فيما إذا كانت هذه الدول ديمقراطية أم لا، ووفقًا لهذا النهج، الذي يوصف بأنه (نظرية السلام الديمقراطي) فإن البلدان الديمقراطية أكثر استقرارًا وسلمية من الدول غير الديمقراطية،[9] ويشرح غراهام أليسون، الذي يدرس أزمة الصواريخ الكوبية، سلوك السياسة الخارجية من خلال العوامل السياسية الداخلية في نموذجين تم تطويرهما كبديل للنمذجة العقلانية، ووفقًا لأليسون، فإن السياسة الخارجية هي، في بعض الحالات، نتيجة للمساومة بين البيروقراطيين في الحكومة الوطنية، وفي بعض الحالات نتيجة تنافس بين مؤسسات الدولة.[10]
وثالثًا، يمكن ذكر المناهج التي تستخدم العناصر الداخلية والخارجية على السواء، ويوضّح النهج المتكامل الذي تم تطويره من هذا التقليد الأخير سلوكيات السياسة الخارجية للبلدان ذات الأحجام المختلفة ومستويات التنمية والبلدان في نظم منفصلة، وقد تنوّعت التوليفات المختلفة المنجزة بهذه الطريقة في تحليل السياسة الخارجية؛ لأنها أكثر شمولية وقدرة على التفسير، ومن هذه التوليفات (إعادة هيكلة السياسة الخارجية)، و(تثبيت السياسة الخارجية)، و(إعادة توجيه السياسة الخارجية)، واتباع نهج (التوازن الكلي).[11]
وفي عالم اليوم (المعولَم) والمترابط، أدّى استخدام المناهج الشمولية إلى خلق حالة حراك حول نقاش: ما أفضل طريقة انتقائية أو مجمعة للوصول للتوليفة الخاصة بك؟ وفي حالة تركيا هناك تأثير للمناهج الثلاثة الوطنية والإقليمية والدولية، ولكن يبدو أن تطورات السياسية الداخلية هي الأكثر تأثيرًا.[12]
في هذا الجزء الثاني من الدراسة سنحلّل العوامل المحددة لإعادة تشكيل السياسة الخارجية في عهد حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، وسيتم تحليل السياسة الخارجية في ضوء التطورات التي حدثت في الثلاث حالات التي نوقشت آنفًا باختصار، وفي هذا القسم، سنقف على العوامل الرئيسة التي حدّدت اتجاه السياسة الخارجية خلال حكومات حزب العدالة والتنمية (قيادة حزب العدالة والتنمية، والهوية الحكومية الجديدة التي وضعتها هذه القيادة، والحركات العابرة للقومية، والمنظمات التي تمثل هذه التحركات، وتغيير السياق الإقليمي)، وفي الجزء الثالث من الدراسة، ستُناقَش مفاهيم ومبادئ السياسة الخارجية التي تحددها المتغيرات في الأبعاد الثلاثة، كما ستُناقَش الثوابت والمتغيّرات في اتجاهات السياسة الخارجية للبلاد.
محددات السياسة الخارجية في فترة حزب العدالة والتنمية
يمكن تفسير توجهات السياسة الخارجية في فترة حزب العدالة والتنمية في تركيا، والتغيير والاستمرار في هذه التوجهات من خلال ثلاثة معايير رئيسة: أولها وأهمها القيادة السياسية المسيطرة في البلاد، وهوية الدولة المحددة من خلال هذه القيادة. وثانيها التأثير المتنامي للمنظمات عبر الوطنية، وثالثها التوازنات الإقليمية المتغير في المنطقة التي توجد بها تركيا. وفي حين أن كل عامل من هذه العوامل الثلاثة يمكن أن يفسّر لوحده سلوك السياسة الخارجية لتركيا فإن هذه العوامل يمكن أن تؤثر في بعضها؛ لأنّ هذه العوامل ليست منعزلة عن بعضها؛ بل توجد علاقات تربطها.
القيادة السياسية الجديدة و(هوية الدولة) المعاد تعريفها
شهدت تركيا في عهد حكومات حزب العدالة والتنمية أكثر التغييرات الشاملة والجذرية في تاريخ السياسة الداخلية والخارجية للجمهورية، وقد وصف قادة الأحزاب والمراقبون التغيير في هذه الفترة بأنه (ثورة صامتة)،[13] وفي هذا القسم، سنستكشف المنظور الرئيس للقيادة السياسية لحزب العدالة والتنمية.
طوال تاريخ الجمهورية كانت هناك قيادتان لديهما القدرة أن يكونا في رأس الحكم في تركيا. وبطبيعة الحال، كانت لكل من هاتين القوّتين معارضة سياسية، ويمكن وصف القيادة السياسية خلال الفترة من 1923-1983 بأنها الكمالية، وذلك بعد إعلان الجمهورية، حيث أنشأ مصطفى كمال أتاتورك قوة سياسية جديدة مع إعادة هيكلة جذرية، ووضع هوية للدولة الجديدة، ويكشف هذا المنظور من القيادة الكمالية عن ستة أسهم: (الجمهورية، والقومية، والشعبية، والعلمانية، والدولتية، والثورية) تمثّل المبادئ الأساسية للكمالية، وكانت المعارضة السياسية في هذه الفترة هي (الإسلاموية) التي تمثّل الشرقيين والمعادين تمامًا للغرب، وبعبارة أخرى، أصبحت الكمالية معادية للإسلاموية سياسيًّا.
وقد حدّدت السياسةَ الخارجية القيادةُ الكمالية التي حددت هوية الدولة، وتحديدًا بعد وفاة أتاتورك، وبينما كانت السياسة الخارجية متجهة غربًا وقائمة على المحافظة على الوضع الراهن؛ أي سلبية، وتقوم على رد الفعل، وذات مستوى منخفض وأحادية البعد- كانت اقتصاديًّا تعتمد على الدولة ومنطوية نحو الداخل؛ ولأنها اعتمدت على البعد الأمني بشكل كبير فقد تجاهلت السياسة الخارجية الكمالية العالم الشرقي للأمن، وخاصة الشرق الأوسط.[14]
وتُمكِن ملاحظة عمليات إعادة هيكلة سياسة تركيا الداخلية والخارجية في الفترة من 1983-1993 (فترة أوزال)، وفترة ما بعد عام 2003 إلى اليوم (حكومة حزب العدالة والتنمية)، حيث يمكن أن نسميها (قيادة مرحلة ما بعد الكمالية)، ويمكن أن نعدّ السنوات التي بين 1993 و2003 في الغالب فترة فاصلة، وإذا أطلقنا على فترة حكم أوزال في الثمانينيات اسم (الأوزالية) فإن فترة الانقطاع هي فترة اجتثاث أو وأد (الأوزالية) التي قصدنا بها التغييرات التي قام بها أوزال في حقبة حكمه، أما في عام 2000 فقد أُعيدت (الأوزالية)، حيث اُعِيدت الحياة للتغييرات التي بدأها أوزال، ووفقًا لذلك، فإن رجب طيب أردوغان بدأ سياسته على أرض الواقع انطلاقًا من الأرضية التي أسّسها أوزال. وبمعنى ما، إذا وُصِفت هذه القيادة السياسية الجديدة بأنها (الإسلاموية الجديدة) فإن المعارضة لها يمكن أن توصف بأنها ( الكمالية الجديدة).
والسبب في هذا التعبير واستخدام كلمة (جديدة) في التعبير عن السلطة السياسية والمعارضة هو ظهور تغيير في المنظورات الرئيسة لكلا الجانبين، حيث إن (الإسلاموية الجديدة) أنهت التوجّه المطلق للغرب ووضعت نهجًا انتقائيًّا في مفهوم الغرب والشرق، أما (الكمالية الجديدة) فقد حاولت، من جهة أخرى، تبنّي موقف خجول لا يدعمه أي من الجانبين، مع اتباع نهج متشكّك تجاه الغرب والشرق.
حاول تورغوت أوزال، الذي جاء إلى السلطة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، تغيير القيادة السياسية، واتّخذ خطوات مهمّة جدًّا، وحقّق تغييرًا شاملًا يمكن وصفه بالتنوع والتحرر والتطبيع في السياسة الداخلية والخارجية على حد سواء، وقد وضعت قيادة أوزال حدًّا لأحكام العلمانية والدولة القاطعة بخصوص مفاهيم، مثل حرية الفكر وحرية الدين والهندسة الاجتماعية من قبل العلمانية.[15]
إن التغيير الذي أجراه أوزال تعرّض لانتكاسة وتراجع بدأ مباشرة بعد وفاته، إذ أًلغِي العديد من الخطوات التي قام بها، وقد بدأت الأحزاب السياسية والهياكل البيروقراطية التي تمثّل القيادة الكمالية عملية "إلغاء آثار الحقبة الأوزالية" في كل ميدان تقريبًا. في عهد أوزال فًتِح العديد من الإشكاليات أمام عملية التغيير من واقع معيشة الأكراد والعلويين مرورًا بحرية التدين والتحرر إلى موضوعات أخرى، وكانت العودة إلى الوراء في هذه الملفات مؤلمة، وخلال التسعينيات، أدّى الاستقطاب السياسي المتزايد إلى استقطاب اقتصادي واجتماعي، وقد انتهت هذه الفترة بتصفية الأقسام غير الكمالية، ونتيجة لذلك، وعلى الرغم من برنامج التغيير الشامل الذي بدأ في الثمانينيات، لم تنجح القيادة (الأوزالية) في إحداث تغيير حقيقي، وخصوصًا بعد تنفيذ انقلاب ما بعد الحداثة ضد حكومة أربكان في 28 شباط من عام 1997، الذي كان بمثابة تصفية شاملة على يد الكمالية، وفي التسعينيات، سيطرت حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي بسبب الحكومات الائتلافية، وأصبحت هذه الفترة فترة فاصلة.
في عام 2002، قدّم الشعب التركي في الانتخابات العامة الإجابة اللازمة لجميع الفاعلين السياسيين الذين تسبّبوا في هذه الفوضى وتركهم خارج أبواب البرلمان، وعندما استطاع حزب العدالة والتنمية الذي أُنشِئ حديثًا تشكيل الحكومة بمفرده، كان حزب الشعب الجمهوري، الذي لم يكن ممثلًا في البرلمان آنذاك، هو حزب المعارضة الرئيس.
وبدأت حكومات حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان في بناء قيادة سياسية جديدة على أساس حملة أوزال في الثمانينيات، ونتيجة لذلك، كان هناك قبول سواء من مؤيديه أم من خصومه عمومًا بأن أردوغان أنشأ قيادة جديدة، ولذلك، فإن الجميع اليوم حتى لو كان لأسباب مختلفة يتحدث عن إنشاء تركيا جديدة.
وقد وُصِف التغيير في فترة حزب العدالة والتنمية بأنه (ثورة صامتة)،[16] وقد اتّخذت حكومات حزب العدالة والتنمية خطوات مهمّة لتهيئة بيئة يمكن فيها لأفراد المجتمع الذين تُرِكوا محرومين طوال تاريخ الجمهورية أن يعبّروا عن أنفسهم بسهولة أكبر، وأن يعيشوا بحرية، وقد تطورت هذه المنطقة بسبب التطورات الملموسة في كل قضية تقريبًا، حيث كانت هناك مشكلة في العلاقات بين الدولة والمجتمع.
وأزالت قيادة حزب العدالة والتنمية في تركيا التعامل من منطلق أمني مع بقية مختلف شرائح المجتمع. وفي هذا السياق، حدثت تطورات مهمّة في قطاعَي الإسلاميين والأكراد، وهما القطاعان الأكثر إشكالية وتعرضًا للعزل في السابق، كما أدّت إعادة تعريف العلاقة بين المدنيين والعسكريين في مرحلة تغييرية إلى تقليص الوصاية العسكرية على السياسة، وهذا أسهم في إعادة تحديد توجهات السياسة الخارجية.
وكانت قضية الحجاب على رأس أهم الخطوات المتّخذة بالنسبة لقطاع المتدينين، وكانت النساء المتدينات في السابق لا يُسمَح لهن بالالتحاق ببرامج التعليم العالي، لكن حزب العدالة أزال هذا المنع، ولم يكتف بذلك، بل أقرّ قوانين تسمح لهن بالعمل، ونتيجة لذلك، أصبح من الممكن والطبيعي للفتيات ارتداء الحجاب في مدارس التعليم الثانوي، وفي وظائف الخدمة المدنية في المؤسسات الحكومية، وفي الجيش والشرطة، ومن ناحية أخرى، أُنشِئت بيئة تكون فيها الطوائف الدينية أكثر نشاطًا في الأنشطة الاجتماعية. وقد انخفضت التحيّزات ضد الأشخاص المتدينين في مؤسسات الدولة انخفاضًا كبيرًا، ومع محاولة تنظيم فتح الله غولن الإرهابي التأثير في السياسة بشكل مباشر من خلال الانقلاب ظهر بعض الأحكام المسبقة تجاه المتدينين، لكن يمكن القول إنها تراجعت بعد ذلك.[17]
واتُّخِذت خطوات ملموسة عديدة في سياق المشكلة الكردية، التي تعد من أهم المشكلات في البلد. فقد أُلغِي جزء كبير من القيود الاجتماعية المفروضة على الأكراد، وتم توفير دراسة اللغة الكردية في التعليم الابتدائي والمتوسط والعالي، بل إن مؤسسات الدولة مثل وزارة الثقافة، ورئاسة الشؤون الدينية، ومستشارية الأمن العام، والأمن- نشرت كتبًا باللغة الكردية، وتم افتتاح قناة تلفزيونية حكومية باللغة الكردية تُبَثّ لمدة 24 ساعة، وسرعان ما أصبحت واحدة من القنوات الكردية الأكثر مشاهدة في العالم، وقد بدأت اللغة الكردية تُستَخدم في الإجراءات الرسمية.
وبصرف النظر عن هاتين القضيتين والمسائل الأخرى، حدثت تطورات مهمّة، إذ فُتِحت مؤسسات المجتمع غير المسلمة في المجتمعات المحلية، ووُسِّعت مجالات الحرية، في حين وُفِّرت مرافق لترميم الكنائس والأديرة، واتُّخِذت خطوات للتسهيل على غير المسلمين لأداء عبادتهم، وفي سياق إضفاء الطابع الديمقراطي على الدولة، كُسِرت الوصاية العسكرية التقليدية في البلاد، كما وُجِّه الجيش نحو أداء مهمته الرئيسة التي تتمثل في حماية الدولة والأمة ضد التهديدات الخارجية.
زيادة أثر المنظمات عبر الوطنية
وازدادت آثار المنظمات عبر الوطنية في اتجاهات وسلوكيات السياسة الخارجية للدول بشكل كبير في الآونة الأخيرة، والآن نجد أنه ليست الدول القومية فقط هي وحدها الفاعل المهمّ، بل هناك جهات فاعلة غير حكومية هي أيضًا من الجهات الفاعلة المهمّة في السياسة الدولية، وفي الوقت الحاضر فقَد التمييز بين السياسة المحلية والسياسة الخارجية تدريجيًّا معناه، حيث ازدادت أعداد الجهات الفاعلة عبر الوطنية، وكذلك الحال فإن تأثيرها اكتسب زيادة كبيرة.
ومن الطبيعي أن يرتبط ردّ فعل الدول على الجهات الفاعلة المعنية ارتباطا وثيقا بهويتها، فقد ترى الدول، بحسب الحالة، أن الجهات الفاعلة المتطرفة العصبية تشكل تهديدًا. وبناء على ذلك، قد تقوم بوضع سياسة تقوم على خطاب متعارض، وتذهب إلى التعامل معها عن طريق التدابير العسكرية.
وعند الحديث عن تركيا خلال حكم حزب العدالة والتنمية: فكريًّا أو إثنيًّا على حد سواء- نجد أنّ الجهات الفاعلة العابرة للحدود أصبحت فعالة جدًّا وحاسمة، حيث إن التهديد الذي يشكّله كل من حزب العمال الكردستاني أو تنظيم غولن يؤثّر بشكل كبير وعميق في السياسة الخارجية، وفي الآونة الأخيرة، كان أهم عوامل الإزعاج في علاقات تركيا مع الغرب هو ما يتعلق بهذين التنظيمين، ويشكّل هذان التنظيمان أخطر تهديد للاستقلال الوطني للدولة وسلامة أراضيها، حيث لديهما القدرة على الحصول على الدعم المالي والسياسي من الدول الغربية، وبعبارة أخرى، إن السياسات الغربية تجاه تركيا التي تعدّ بلدًا عضو في حلف الناتو لا ترتقي إلى حالة التحالف؛ بل تقوّض علاقات تركيا مع الغرب.
وكانت المنظمات والجهات الفاعلة السياسية التي شُكِّلت حول القومية الكردية من أكثر قضايا السياسة الخارجية نقاشًا أكثر من أي وقت مضى في عهد حزب العدالة والتنمية، وقد اكتسبت القضية الكردية بعدًا دوليًّا بعد حرب العراق التي جرت لأول مرة في عام 1991، وبدعم من الرأي العام العالمي والقوى العالمية، أُنشِئت بنية مستقلة بحكم الأمر الواقع في شمال العراق، وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، اكتسب هذا الحكم الذاتي أساسًا دستوريًّا، وسرعان ما طورت حكومة حزب العدالة والتنمية علاقاتها مع حكومة إقليم كردستان في العراق، لذلك، دخلت العلاقات بين الطرفين في عملية إيجابية.
ومع ذلك، كان لا بد من سياسة نشطة للحد من نشاط حزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي والمليشيات التابعة لها التي عملت على إعادة ترسيخ القومية الكردية في أراضي واسعة شمال سوريا خلال الحرب الأهلية، وقد حاول مسعود البارزاني مؤخرًا، في سبتمبر 2017 إجراء استفتاء على استقلال الأراضي التي يسيطر عليها في شمال العراق، وهذا أجبر تركيا والعراق وإيران -التي تختلف على العديد من القضايا- على العمل بشكل مشترك ضد نتائج هذا الاستفتاء.
ومن خلال قبول العديد من الدول الغربية التعامل مع امتدادات حزب العمال الكردستاني الذي تعدّه منظمة إرهابية، مثل الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب وغيرها بتقديم الدعم المباشر لها ولملحقاتها العاملة في دول أخرى- فإنّ ذلك أدّى إلى زيادة نشاط هذه الأحزاب، وهذا يسمح للدول الغربية باستخدامها وكلاء في المنطقة بشكل عام، وللعمل ضد تركيا وإيران بشكل خاص، وبسبب علاقات الدول الغربية مع ممثلي القومية الكردية أصبحت السياسة الخارجية التركية مع هذه الدول أكثر صدامية، لكن التهديد الذي تشكّله القومية الكردية، سمح لتركيا بالتعاون مع بلدان أخرى في المنطقة.
وكان من أكثر التحدّيات العابرة للحدود التي شغلت تركيا خلال فترة حزب العدالة والتنمية تنظيم غولن، الذي استغلّ الأدوات الدينية لأهداف سياسية، ونصبَ في البداية المكائد للكماليين بإضعافهم، ثم انضمّ إلى جهود الجهات الفاعلة المحلية والدولية العاملة على إزالة قيادة حزب العدالة والتنمية من الحكم، وقد سعى إلى تغيير السلطة الحاكمة من خلال عدة مواقف، كان أولها في أحداث غيزي بارك إذ كان من المحرّضين على النزول إلى الشوارع، ثم في محاولة 17-25 كانون الأول/ديسمبر من خلال القضاء والقانون، وأخيرا محاولة الانقلاب التي وقعت في 15 تموز/ يوليو، من خلال القوات العسكرية المباشرة، ولكن في كل مرة، تعرّض للهزيمة أمام قيادة أردوغان القوية والمحاطة بمقاومة وكفاح ودعم جماهيري، وعلى الرغم من هزيمة تنظيم غولن إلا أن أعضاءه الذين هربوا إلى عدة دول بدأوا بتنظيم حملات ضد حكومة حزب العدالة والتنمية من البلدان التي فروا إليها، وفي هذا الصدد، فإن التنظيم استمرّ في التعاون مع جميع أنواع الجهات الفاعلة التي تعادي تركيا.
تغيير التوازنات الإقليمية
تتأثر الدول بعوامل نظامية مختلفة، ومع ذلك، فإن ذلك يختلف وفقًا للعامل الذي يؤثر في الدولة والنسبة التي يؤثر بها، وفي حال الدول متوسطة القوة مثل تركيا التي ليست لديها القدرة على تغيير النظام العالمي فإنها تتأثر بتغييرات السياق الإقليمي بشكل أكبر، ولذلك، فإن دولًا مثل تركيا تكوّن السياسة الخارجية لها محدَّدة بشكل أكبر بديناميات المناطق التي توجد فيها، ويمكن أن يؤثر السياق الإقليمي في السياسات الخارجية للدول بطرق مختلفة.
أوّلًا، إن الخصائص التاريخية والسياسية والاقتصادية والجيوسياسية والجيوستراتيجية والثقافية للمنطقة لها آثار جدية في السياسات الخارجية للبلدان في تلك المنطقة، والدول، الموجودة في منطقة مثل منطقة الشرق الأوسط بصفتها منطقة يمكن اختراقها- هي في وضع يمكّنها من أن تكون أكثر انفتاحًا على التدخل الخارجي.
ثانيًا، تنظر الدول الصغيرة والمتوسطة بشكل أكثر اهتمامًا إلى التهديدات من جانب الدول المجاورة للحدود، وهي أيضًا حساسة للمخاوف الأمنية فيما يتعلق بالبلدان المجاورة، ومن المرجح جدًّا أنّ السياسات الخارجية للدول التي تقع في منطقة مضطربة وغير مستقرة تكون متضاربة،[18] وقد تتطلب البيئة السياسية الإقليمية من البلدان الإقليمية انتهاج سياسة خارجية عدوانية أو دفاعية أو نشطة أو سلبية. فعلى سبيل المثال، تحدّد دوافع وصراعات وأيديولوجيات القوى الإقليمية في الشرق الأوسط سياساتها الخارجية بمعزل عن النظام الدولي، وتحدّد موازين القوى الإقليمية وتطوراتها إستراتيجيات الدول في مجال السياسة الخارجية المباشرة، ولذلك فإن القضية ذات الأولوية ليست متعلقة بهيكل النظام الدولي بل هي صراع من أجل الهيمنة الإقليمية.
ثالثًا، إنّ المشكلات المحتمَلة للبلدان التي رسمت حدودها من قبل الدول الإمبريالية هي أكثر عددًا، فعلى سبيل المثال، تمّ فرض حدود تركيا مع سوريا والعراق من قبل القوى العالمية؛ لذا فإن علاقات الجهات الفاعلة العالمية مع دول مثل تركيا يأخذ مكانًا عبر السياق الإقليمي المفتعل، ومن ناحية أخرى، تتشكل سلوكيات السياسة الخارجية للفاعلين العالميين كالتعاون والمنافسة و/أو الصراع في سياق البعد النظامي.
وتجلب الخصائص الجيوستراتيجية والجيوسياسية للمنطقة التي تقع فيها تركيا فرصًا وقيودًا أيضًا للسياسة الخارجية التركية، أوّلًا، إن قرب تركيا من مصادر الطاقة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وشرق البحر الأبيض المتوسط جعلها واحدة من أهم مفترقات الطرق في العالم، حيث يوفر الموقع الجغرافي مزايا مهمّة لأنقرة في هذا الخصوص، وقد حث هذا الأمر تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية في سنواته الأولى في الحكم على تطوير العلاقات مع جميع دول المنطقة، أما الأمر الثاني فهو الثورات العربية والبيئة الفوضوية التي شكّلت تهديدًا أمنيًّا لتركيا، وخصوصًا في العراق وسوريا، مع إضعاف أو إزاحة سلطة الدولة حيث أصبحت الجهات الفاعلة غير الحكومية في المقدمة.
ومن ناحية أخرى أثّر التوتر السياسي بين إيران والمملكة العربية السعودية مع السياسة الخارجية الطائفية المتَّبعة والمواجهة التي تنتهجها هاتان الدولتان بشكل مباشر- في سياسة تركيا الإقليمية، وفي حين تحركت إيران من خلال المقاربة الشيعية وتحركت السعودية بطريقة احتكار الفكر السلفي اتجهت تركيا إلى الشارع العربي وإلى الإصلاح في الغالب، متمنّية تحقّق مطالب الشعب، ونتيجة لذلك، مع تصاعد الأزمات الإقليمية بين إيران والسعودية، والتي كانت أحيانًا في صورة صراع غير مباشر- أدّت هذه المواجهة بينهما إلى صعوبات أمام تركيا في إيجاد صيغ مشتركة.
المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية التركية في فترة حزب العدالة والتنمية
سيركّز هذا القسم على الكيفية التي شكّلت بها الجوانب الثلاثة المذكورة آنفًا السياسةَ الخارجية لتركيا خلال حكم حزب العدالة والتنمية، وبهذه الطريقة، ستُناقَش المفاهيم والمبادئ التي ركز عليها قادة حزب العدالة والتنمية.
إعادة ضبط السياسة الخارجية
كانت عملية معايَرة أو إعادة ضبط السياسة من بين أهم بنود جدول أعمال عهد حزب العدالة والتنمية، وكان هناك اهتمام بإعادة معايَرة السياسة الداخلية والخارجية، وفي سياق عملية تطبيع السياسة الداخلية، كان هناك توجه تصالحي بين (الدولة) والشعب. وبالمثل، اتبعت حكومات حزب العدالة والتنمية الأمر نفسه في السياسة الخارجية، وكان هناك عاملان مهمّان جدًّا كانا يُؤخَذان بعين الاعتبار، ذكرهما أحمد داود أوغلو الذي عمل لفترة طويلة في الشؤون الخارجية، وهما الجغرافيا والتاريخ.[19]
وقد اتخذت حكومة حزب العدالة والتنمية خطوات للتطبيع في هاتين المسألتين، وكان هناك اهتمام عن قرب بالمناطق ذات الروابط الجغرافية والتاريخية، وقاد أردوغان تركيا أيضًا في رحلة تطبيع مع الهوية التاريخية ومع ماضيها القريب، كما تمّ إحياء العلاقات مع الفاعلين الذين ارتبطوا مع تركيا بعلاقات تاريخية مشتركة من دون الدخول في رهانات التاريخ، ونتيجة لذلك، أُعِيد النظر في الشركاء التاريخيين المهمَلين منذ فترة طويلة، وتمّ التركيز على تنمية العلاقات مع جميع الجيران، بدون تمييز، وعلى الرغم من أن البعض يسمي ذلك (تحوّلًا محوريًّا) إلا أن ذلك لم يكن إدارة ظهر من تركيا إلى الغرب، بل هو إظهار للاهتمام اللازم بالدول التي أهملتها تركيا.
وكانت سياسات (تصفير المشكلات) و(أقصى قدر من التعاون)، التي وُضِعت منذ السنوات الأولى لحكومة حزب العدالة والتنمية، هي نتيجة لهذا التطبيع، وقد أُعِيد تعريف مقولة: "سلام في الداخل، سلام في العالم" التي قالها أتاتورك، وقد تمّ ترك إحساس أن الدولة محاطة بالأعداء من جميع الجهات، وبدأت عمليات الحوار والتعاون مع جميع البلدان المجاورة، وأُضفِي طابع مؤسسي على التعاون الواسع النطاق مع جميع الدول المجاورة والبعيدة، وبخاصة مع سوريا والعراق وإيران، من خلال (اجتماعات تعاون إستراتيجي رفيع المستوى)، التي شملت بلدانًا في الشرق الأوسط، والبلقان، وشرق المتوسط، والقوقاز، والبحر الأسود، وآسيا الوسطى.
وقد تمّ تطبيع العلاقات مع بلدان الشرق الأوسط، وأبرز مثال على ذلك العلاقات مع حكومة إقليم كردستان العراق، التي أُنشِئت وفقًا للدستور العراقي لعام 2005، وبدلًا من تصوّر المحصّلة الصفرية التي وُصِفَ في وقت سابق كلّ مكاسب الأكراد في شمال العراق على أنّها خسائر لتركيا- تم تطوير علاقات وثيقة مع إستراتيجية المكسب للجانبين، وقدّم ذلك إسهامات جادة لاقتصاد المنطقة.
وقد عُزِّزت العلاقات مع العراق وسوريا في جميع النواحي تقريبًا، ونُفِّذت سياسة تكامل قائمة على الترابط في هذه البلدان. ومع ذلك، فإن الثورات العربية والظروف الإقليمية التي حدثت بعد ذلك أدّت إلى تدهور علاقات تركيا مع كلا البلدينِ، وأدّت الفوضى الناجمة عن إضعاف سلطة الدولة في سوريا والعراق إلى التأثير بشكل مباشر في الأمن القومي لتركيا، وعند ذلك، اضطرت تركيا إلى وضع سياسات أكثر اعتمادًا على الجانب الأمني.
وقد عُزِّزت العلاقات مع بلدان البلقان من دون أي تمييز، وأعربت تركيا عن اعتزامها التعاون مع اليونان وأرمينيا، وهما دولتان مصنفتان أنهما ضد تركيا تاريخيًّا، واتُّخِذت خطوات ملموسة في العلاقات الثنائية مع الدولتين، وأُكِّدت ثقافة التعايش السلمي في العهد العثماني والرغبة في إحيائها، وقد اتُّخِذت خطوات مهمّة، على وجه الخصوص، لضمان استمرار وجود كوسوفو والبوسنة والهرسك في حالة سلم وأمن في المنطقة، وتم التوسط في توقيع اتفاق سلام بين صربيا والبوسنة والهرسك.
عقلنة السياسة الخارجية
أصبح جهد تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية يعمل على تطوير العلاقات مع كل الأطراف الدولية الفاعلة من دون التصرف بشكل يعتمد على الأيديولوجية و/أو العاطفة، ومع تراجع تأثير الأيديولوجيا مع نهاية الحرب الباردة سارت تركيا تحت قيادة أردوغان بتحرك يشبه تحرك أوزال، وكان تحرّكًا يركز على مقتضيات المصالح الوطنية، وكان من أهم مكونات السياسة الخارجية متعددة الأبعاد النظر في المصالح الوطنية الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية لجميع القضايا بدون تمييز، إضافة إلى ذلك، اتُّبِعت سياسة خارجية متعددة الأطراف مع وجهة نظر عقلانية ليست مبنية على الأيديولوجيا، بل على الشراكة والتناظر.
وبعض النقاط الرئيسة التي تقوم عليها هذه السياسة هي: أوّلًا، التخلي عن فهم السياسة الخارجية التي كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، والتخلي عن تأثير المؤسسات العسكرية في السياسة الخارجية، ونتيجة لتراجع دور الجيش التركي في السياسة الخارجية تمّ التخلي عن عملية بناء السياسة الخارجية الموجّهة وفق توجّه أمني، وبعد ذلك أصبح التعامل يتمّ مع كل مجال تقريبًا بصفتها مهمّة رئيسة للسياسة الخارجية، ولم يعد ينظر الآن في المسائل العسكرية والأمنية فحسب، بل في المسائل الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والدينية والعرقية أيضًا، وتمّ تبني سياسة خارجية متعددة الأبعاد في عهد حزب العدالة والتنمية الذي نُظِر إلى تركيا في عهده على أنها دولة تجارية، ومن ناحية أخرى، بدأت تركيا في الاستثمار في القضايا الاقتصادية ليس فقط مع الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضًا مع الولايات المتحدة، وتقليديًّا، كانت العلاقات مع الولايات المتحدة تقتصر على الأبعاد العسكرية، ولكن الاتصالات الثنائية تنوعت مؤخرًا.
ثانيًا، وافقت حكومات حزب العدالة والتنمية من حيث المبدأ على التعاون مع جميع البلدان بدون أيّ تمييز بين نظرائها، وخلافًا لما حدث مع القيادة السياسية السابقة أنتجت تركيا بقيادة أردوغان، سياسة تتبنى تحسين العلاقات مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية، وبعبارة أخرى، يعدّ حزب العدالة والتنمية هو الذي اعتمد توجه السياسة الخارجية متعددة الأبعاد في تركيا، كما تمّ العمل على معالجة قضايا السياسة الدولية في آن واحد مع جميع النظراء، وعلى سبيل المثال، فإن تركيا عندما حاولت تحسين علاقاتها مع جميع الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط لم تستبعد إسرائيل من هذه الجهود، كما عملت مع العرب وغير العرب والسنة وغير السنية والمسلمين وغير المسلمين، ولكن هذا لا يعني أنّها ليست طرفًا في قضايا معينة، فتركيا لم تنظر إلى القضايا والجهات الفاعلة بصفتها بدائل لبعضها بعضًا؛ بل نظرت من المنظور التكاملي ومنظور الاعتماد المتبادل.[20]
المبادرة والمسؤولية في السياسة الخارجية
إذا أغفلنا السنوات الأولى التي بُنِيت فيها الجمهورية فإن السياسة الخارجية في الفترة الكمالية كانت متسمة بالانكفاء، وكانت تتعامل مع القضايا من منظور الدفاعية والسلبية، وقد بدأت تركيا في عهد تورغوت أوزال في أخذ زمام المبادرة لأول مرة، وازدادت هذه المبادرة في عهد أردوغان ،سواء في السياسة الخارجية تجاه الإقليم أم تجاه قضايا السياسة العالمية.
وأدّت سياسة (الدبلوماسية الايقاعية) التي تبنتها تركيا بقيادة أردوغان إلى أن تصبح تركيا دولة مركزية في استضافة القمم والاجتماعات الدولية المهمّة، وتشمل أهمّها، مثل قمة منظمة حلف شمال الأطلسي، وقمة منظمة التعاون الإسلامي، وقمة تركيا وبلدان إفريقيا، وأول قمة للإنسانية عالميًّا، وقمة مجموعة العشرين، إضافة إلى العديد من الاجتماعات الدولية الأخرى.[21]
وقد توسّطت تركيا بقيادة أردوغان في العديد من الأزمات في المنطقة، وهذا خلق لها منصّة دولية لأخذ زمام المبادرة في بعض الأزمات، وعلى سبيل المثال، اتبعت تركيا تجاه الطوائف السنية والشيعية في العراق سياسة متوازنة، وحاولت منع انهيار الهيكل السياسي للبلاد من خلال مبادرات الوساطة، وقد حاولت مع البرازيل حلّ النزاع بين الدول الغربية وإيران، وعلى الرغم من نجاح هذه العملية، إلا أن القوى العالمية لم تقبل بهذه المبادرة، وبالمثل، أُنشِئت منصّة دولية خلال حرب جورجيا عام 2008.
وإن من أهمّ مؤشرات المبادرة وتحمل المسؤولية في السياسة الخارجية لتركيا نزول الجهات الفاعلة الجديدة في السياسة الخارجية التركية إلى الميدان، وقد عملت هذه الفواعل الجديدة على تعزيز النفوذ الإقليمي والعالمي لتركيا، وكانت بشكل خاص المحدد الرئيس لقوة تركيا الناعمة، وقد أثبتت وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) أنها ناجحة جدًّا في مجال السياسة الخارجية في المناطق القريبة والبعيدة بدعمها للمساعدات الإنسانية والتنمية.
وعملت بعض المؤسسات التركية القديمة نسبيًّا مثل الهلال الأحمر التركي ومؤسسة الشؤون الدينية، والمؤسسات التركية الحديثة مثل تنسيقية الأتراك في الخارج والمجتمعات ذات الصلة (YTB)، ورئاسة إدارة الطوارئ والكوارث (AFAD) ومعهد يونس أمره إضافة إلى عدد من المنظمات العابرة للحدود الرسمية وشبه الرسمية- على زيادة تأثير تركيا في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى ذلك، فإن ممثلي عالم الأعمال مثل توسياد وموسياد وإسهام المنظمات الإنسانية مثل İHH زادوا بشكل كبير، وبدأت تركيا مع جهود جميع الجهات الرسمية والمنظمات غير الحكومية بالتدخل الإنساني في كل مناطق الأزمات في العالم تقريبًا.
وكانت المبادرة في موضوع المساعدات الإنسانية واحدة من السمات البارزة للسياسة الخارجية التركية في الآونة الأخيرة، وقد حظيت تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية بتقدير كبير من الأطراف الفاعلة؛ بسبب جهودها في المساعدات الإنسانية وإعطائها الأولوية لما يسمى بـ(الدبلوماسية الإنسانية ودبلوماسية الضمير)[22]، وبخاصة في موضوع اللاجئين، حيث تُعدّ تركيا الأولى من حيث استضافتها لأكبر عدد من اللاجئين، وهي عالميًّا أعلى بلد يقدم مساعدات إنسانية مقارنة مع الناتج القومي الإجمالي، وقد تبنت تركيا خلال الحروب تقريبًا سياسة الحدود المفتوحة، بينما أغلقت جميع الدول تقريبًا حدودها أمام المظلومين، حيث أنقذت مئات الآلاف من الموت والمجاعة.
ويُعدّ المثالان الأكثر وضوحًا على هذه السياسة ما قامت به تركيا إزاء قرابة 3.5 مليون لاجئ سوري تعّرضوا للتهجير خلال الحرب في سوريا، واضطروا إلى الفرار إلى تركيا، أما المثال الثاني فهو حملة دعم الصومال ومساعدتها للوقوف على قدميها كدولة بعدما تعرضت للانهيار، وبينما امتنع العالم كله عن اتخاذ خطوات ملموسة إزاء هاتين الأزمتين اتخذت تركيا زمام المبادرة وحدها، وتمكنت من ذلك بنجاح، إضافة لذلك ردّت تركيا من خلال سياسة واضحة وقوية أيضًا على السياسة التوسعية والعدوانية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وسياسة الإبادة الجماعية نحو مسلمي الروهينغا في بورما، وأرسلت المساعدات الإنسانية اللازمة.
تطوير السياسة الخارجية وتطوير المعارضة العالمية
لم تقتصر عملية المبادرة التي بدأت بها تركيا بقيادة أردوغان في تركيا في مختلف المجالات في تحركات السياسة الخارجية على المحيط الإقليمي، بل نُفِّذت حملات مهمة ورئيسة حتى في المناطق النائية في العالم، ومن بينها المبادرات، ولاسيما الانفتاح على إفريقيا وأمريكا اللاتينية ودول آسيا البعيدة. وأظهرت تركيا بقيادة أردوغان في كل من الخطوات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الجادة نجاحها في مجال القوة الناعمة، ورفع مكانتها فيما يقرب من كل جزء من العالم. وقد اكتسبت مؤسسات مثل تيكا، وآفاد، والهلال الأحمر، فضلًا عن المنظمات غير الحكومية التركية- تقدير الجمهور العالمي من خلال جهود المساعدات الإنسانية في كل أزمة طبيعية أو سياسية في العالم.
وقد اعترض حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان من موقع تمثيله لتركيا- على النظام الدولي من داخل النظام لا من خارجه، وقد أبدت تركيا حرصًا كبيرًا على ممارسة هذه المعارضة من هذا الموقع، وبعبارة أخرى، أرادت تركيا تغيير قواعد اللعبة من خلال البقاء في اللعبة، وقد استخدم الرئيس أردوغان خطابًا سياسيًّا احتوى انتقادًا جدّيًّا للنظام الدولي المتمركز غربيًّا، والقائم على الهيمنة الأمريكية.[23]
إنّ كلمات الرئيس أردوغان: "العالم أكبر من خمسة" تحوّلت إلى نقد عالمي للأمم المتحدة، وهذا يؤكّد الحاجة الملحّة لتغيير هيكل الأمم المتحدة، التي لا تستطيع حل الأزمات النظامية والإقليمية اليوم، وقد تحولت حقيقة أن مجلس الأمن الدولي لا يستطيع اتخاذ قرار من دون موافقة الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي- إلى عقبة خطيرة تعرقل عمل النظام العالمي، حيث إن عجز الأمم المتحدة عن حلّ الأزمات يُعدّ واحدا من الأسباب الهيكلية التي تؤدّي إلى اعتراض تركيا.
من ناحية أخرى وفي ظل عدم وجود معارضة سياسية ضد الهيمنة الأمريكية من بقية القوى الدولية تقريبًا فإن الخطاب السياسي التركي في هذا السياق يحمل معاني كبيرة، وخصوصًا المقاربات التي يطرحها الرئيس أردوغان كثيرًا بوصفها مقاربات بديلة لإيجاد حلول لمشكلات النظام الدولي، مثل (المنظور الحضاري) و(رؤية السلام العالمي)،[24] وفي هذا السياق تجري محاولات لعقاب تركيا حتى لا تكون نموذجًا يُحتَذى به من بقية الدول في انتقاد بنية النظام الدولي.
خاتمة
فسّرت هذه المقالة توجهات السياسة الخارجية التركية في عهد حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان من خلال دور القيادة السياسية، وهوية الدولة التي حددتها هذه القيادة، وتزايد أدوار الفاعلين من غير الدول العابرين للحدود، والتطورات التي تحدث في السياق الإقليمي، وقد أثرت هذه الجوانب الثلاثة في سلوك السياسة الخارجية التركية، كما أنها أثرت في بعضها بعضًا، ووفقًا لهذا وفي ظل حكومة حزب العدالة والتنمية وتماشيًا مع الهوية الجديدة للقيادة السياسية الجديدة أُعِيدت هيكلة السياسة الخارجية التركية، وكان هناك أثر كبير لأفعال التنظيمات العابرة للحدود، مثل حزب العمال الكردستاني وتنظيم غولن، سواء في تركيا أم خارجها، إضافة إلى هذه القضايا، أدّت التطورات في الشرق الأوسط على وجه الخصوص إلى تطوير حزب العدالة والتنمية سياسة خارجية تركّز على الأمن بعد تبنيه سياسة خارجية مرتكزة على التنمية.
أنجزت حكومة حزب العدالة والتنمية عملية إعادة هيكلة السياسات الداخلية والخارجية التي بدأت تحت قيادة أوزال في الثمانينيات، واستطاعت إجراء تغييرات على النظام السياسي في تركيا.
وبينما كان أردوغان وحكوماته يمثلون الحكم على المستوى الوطني، فإنهم يمثلون المعارضة في النظام العالمي، وفي هذا السياق كانت تركيا أكثر مَن انتقد الهيمنة الأمريكية، وتريد تركيا أن يتغير نظام الأمم المتحدة، وهي تدعو إلى نظام سياسي دولي أكثر إنسانية وعدالة، ونظرًا لأن تركيا في الآونة الأخيرة استطاعت القيام بخطوات ناجحة في المعارضة للنظام الدولي- فقد أصبحت هدفًا لقوى إقليمية ودولية، وبصفة خاصة مع السياسات والمبادرات النشطة التي بدأتها تركيا في المنطقة، بدأت القوى العالمية بوضعها تحت الضغط المستمر، حيث لوحظ أن المشروعات التي تريد تركيا تحقيقها في المنطقة تعمل عدة قوى دولية على عرقلة نجاحها.
وقد حشدت الدول الغربية أنفسها عندما رأت أن حكومة حزب العدالة والتنمية تخطّت الحدود التي كانت تتصورها لتركيا، ومن الممكن القول إنه في هذا الإطار تمّ التخلي عن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي تمامًا تقريبًا، وبدأت تتزايد المسافات بين جميع البلدان الأوروبية وتركيا، كما أنّ هذه الدول سعت إلى تهميش الحضارة الإسلامية، ونتيجة للموجة الصاعدة من القوميين المتطرفين في الغرب، أصبحت تركيا مادة رئيسة في جميع عمليات الانتخابات الأوروبية تقريبًا، وقدمت الدول الغربية دعمها علنًا للجهات الإرهابية الفاعلة التي تعمل ضد تركيا، ومن ناحية أخرى، فإن أوضح مؤشر على ذلك هو أن الولايات المتحدة تستضيف قيادة تنظيم غولن، وتقدّم جميع أنواع الدعم العسكري والسياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب في سوريا، وأن ألمانيا احتضنت ضباط الانقلاب الهاربين، وقد كان الدعم الغربي المباشر لهذه التنظيمات بشكل مباشر وصريح واحدًا من أهم التحديات أمام السياسة الخارجية، ومع ذلك، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية تصرّ على مواصلة الحوار مع الدول الغربية.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها تركيا بحسن نية تصرّ كل الدول الغربية على الحفاظ على موقفها ضد تركيا، ولاسيّما في المناطق التي تُعدّ من أخطر التحديات التي تهدد تركيا، وخصوصا الأزمات المستمرة في العراق وسوريا، حيث تهدد هذه الأزمات أمن تركيا ووحدة أراضيها.
وثَمّة تحد آخر، وهو أن الدول الغربية لا تسهم بشكل جدّي في مساعدة تركيا في تكاليف استضافة اللاجئين والهجرة الدولية، فمن ناحية لا تَفي هذه الدول بتعهداتها بالإسهام في تحمل عبء مساعدة اللاجئين، كما أنها تقف ضد تركيا عندما يتعلق الأمر بالعمل على إزالة المخاطر الأمنية التي تتسبب بموجات اللجوء، ومن الآثار الجانبية للهجرة غير القانونية أنها تسهل حركة الأشخاص المنتمين إلى منظمات أجنبية ومنظمات إرهابية، ومع مواجهة تركيا لهذه المخاطر الأمنية فإنه للأسف لا يوجد دعم لازم من الحلفاء في مجال مكافحة الإرهاب على الجبهات المختلفة.
وقد شكّلت السياسة الخارجية التي سلكتها تركيا أمام هذه الأزمات تحديات بينها وبين السياسات الخارجية الأخرى لدول المنطقة من حيث المبدأ، وفي هذا السياق اتّبعت تركيا سياسة خارجية مرتكزة بشكل مبدأي على الأخلاق والقيم لا على المواجهة والصراع، وهناك آراء بأن حزب العدالة والتنمية مارس سلوك السياسة الخارجية من منظور (الواقعية الحضارية) في الفترة 2002-2010، وأنه منذ عام 2010، وإلى يومنا هذا قد اتّبع سياسة خارجية على أساس نهج (الواقعية الأخلاقية)، وفي الواقع، ليس هناك فرق كبير بين هذين المنظورين.[25] ونتيجة لذلك، يُعدّ كل من السياسة الأخلاقية والاستباقية أحد العناصر الأساسية للسياسة الخارجية، ومع أن كلًّا منهما أخلاقي بحد ذاته إلا أنه يُنظَر إلى الأول على أنه أكثر مثالية وإلى الثاني على أنه أكثر واقعية.
ومن خلال إصرار القوى الغربية على مواصلة حرب الاستنزاف ضد تركيا تم إضعاف تأثير قوة تركيا الناعمة، وعلى الرغم من كل ذلك اليوم، فإنه عندما تُستخدَم القوة الصلبة أيضًا فإن تأثير القوة الناعمة يزداد، كما يمكن القول إن سلوك تركيا في السياسة الخارجية سيبقى استباقيًّا وأخلاقيًّا في الفترة المقبلة، وهذا يعني أن تركيا ستستمر في تبنّي الخطاب الإنساني في سياستها الخارجية.
ومن خلال رحلات أردوغان الدولية المكثفة والاستمرار في أخذ زمام الحكومة المبادرة والتواصل عبر علاقات متعددة الأبعاد مع جميع الأطراف الفاعلة- سوف تكون تركيا أكثر فعالية في النظام الدولي الذي يجري تشكيله من جديد، كما أن استمرار خطاب السياسة الخارجية الحالي سيسمح لتركيا أن تكون أكثر فعالية في توازنات القوى الدولية، ومع ما سبق فإن استمرار السلطة السياسية في البلاد، وحماية الاستقرار السياسي الداخلي، وتجنب فقدان السيطرة في موضوع القضية الكردية- قضايا مرتبطة باستمرار التوازن السياسي الداخلي في تركيا من دون تغيير.
الهوامش والمراجع:
[1] Kenneth Waltz, Theory of International Politics, (Reading Massachusetts, Addison-Wesley: 1979), s. 105.
[2] Robert Gilpin, The Political Economy of International Relations, (Princeton University Press, Princeton: 1987).
[3] Andrew Moravcsik, “Introduction: Integrating International and Domestic Theories of International Bargaining”, Double-Edged Diplomacy: International Bargaining and Domestic Politics, ed. Peter B. Evans, Harold K. Jacobson ve Robert Putnam, (University of California Press, Berkeley: 1993), ss. 6-7.
[4] Immanuel Wallerstein, The Capitalist World-Economy, (Cambridge University Press, Cambridge: 1974), s. 18.
[5] Jack Snyder, Myths of Empire: Domestic Politics and International Ambition, (Cornell University Press, New York: 1991); Stephen David, Choosing Sides: Alignment and Realignment in the Third World, (The Johns Hopkins University Press, Baltimore, MR: 1991); Stephen M. Walt, The Origins of Alliances, (Cornell University Press, Ithaca, NY: 1987).
[6] Peter Katzenstein, “Conclusion: Domestic Structures and Strategies of Foreign Economy Policy”, International Organizations, Cilt: 31, Sayı: 4, (1977), ss. 881-920.
[7] Snyder, Myths of Empire: Domestic Politics and International Ambition.
[8] John M. Owen, “How Liberalism Produces Democratic Peace”, International Security, Cilt: 19, Sayı: 2, (1994), s. 87-125; Edward Mansfield ve Jack Snyder, “Democratization and the Danger of War”, International Security, Cilt: 20, Sayı: 1, (1995), ss. 5-38.
[9] Graham T. Allison, “Conceptual Models and the Cuban Missile Crisis”, The American Political Science Review, Cilt: 63, Sayı: 3, (1969), ss. 689-718.
[10] Holsti, (1982); Goldman, (1988); Hermann, (1990); David, Choosing Sides: Alignment and Realignment in the Third World.
[11] Muhittin Ataman, “An Integrated Approach to Foreign Policy Change: Explaining Changes in Turkish Foreign Policy in the 1980’s”, (Yayınlanmamış Doktora Tezi, Kentucky Üniversitesi, ABD, 1999), ss. 61-66.
[12] Sessiz Devrim: Türkiye’nin Demokratik Değişim ve Dönüşüm Envanteri (2002-2012), (Güncelleştirilmiş 2. Baskı), (Kamu Düzeni ve Güvenliği Müsteşarlığı, Ankara: 2013).
[13] Ataman, An Integrated Approach to Foreign Policy Change, s. 294.
[14] Muhittin Ataman, “Özalizm: Türkiye’de Yeniden Yapılanma Teşebbüsü”, Liberal Düşünce Dergisi, Sayı: 19, (2000), ss. 53-63, s. 55.
[15] Sessiz Devrim: Türkiye’nin Demokratik Değişim ve Dönüşüm Envanteri (2002-2012).
[16] Ali Balcı, Dış Politikada Hesaplaşmak: AK Parti, Ordu ve Kemalizm, (Etkileşim Yayınları, İstanbul: 2015), ss. 18-19.
[17] Walt, The Origins of Alliances.
[18] Ahmet Davutoğlu, “Turkey’s Foreign Policy Vision: An Assessment of 2007”, Insight Turkey, Cilt: 10, Sayı: 1, (2008), ss. 77-96, s. 78-79.
[19] Murat Yeşiltaş ve Murat Balcı, “AK Parti Dönemi Türk Dış Politikası: Kavramsal Bir Harita”, Bilgi Dergisi, Sayı: 23, (2013), ss. 9-34.
[20] Davutoğlu, “Turkey’s Foreign Policy Vision: An Assessment of 2007”, s. 82.
[21] Özden Zeynep Oktav ve Helin Sarı Ertem, “Giriş”, 2000’li Yıllarda Türk Dış Politikası: Fırsatlar, Riskler ve Krizler, ed. Özden Zeynep Oktav ve Helin Sarı Ertem, (Nobel Yayın Dağıtım, İstanbul: 2015), ss. 5-12.
[22] Oktav ve Ertem, “Giriş”, s. 3.
[23] Recep Tayyip Erdoğan, Küresel Barış Vizyonu, (Medeniyetler İttifakı Yayınları, İstanbul: 2012).
[24] Mevlüt Çavuşoğlu, “Turkish Foreign Policy in a Time of Perpetual Turmoil”, Insight Turkey, Cilt: 19, Sayı: 1, (2017), ss. 11-16.
[25] E. Fuat Keyman, “A New Turkish Foreign Policy: Towards Proactive ‘Moral Realism’”, Insight Turkey, Cilt: 19, Sayı: 1, (2017), ss. 55-69.