رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


وباء كورونا وتداعياته على النظام الدولي

يركز العدد الجديد من مجلتنا على ملفّ جائحة كورونا وتداعياتها على النظام الدولي؛ سياسيًّا واقتصاديًّا، ويتناول بحوثًا ودراسات أخرى لملفات إقليمية كبيرة ومهمّة.

وباء كورونا وتداعياته على النظام الدولي

كلمة رئيس التحرير

 

مرّت بضعة أشهر على تعرُّف العالَم فيروس "كوفيد 19" أو "كورونا" الذي انتشر في العالم انطلاقًا من مدينة ووهان الصينية، وأودى بحياة عشرات الآلاف، وأجبر جميع الدول على تطبيق إجراءات الحجر الصحي أو الحجر المنزلي. وقد فتح انتشار هذا الوباء الباب للكثير من الأسئلة المهمّة، مثل: متى سينتهي انتشار هذا الوباء؟ وما آثاره في النظام العالمي؟ وما تأثيره في الاقتصاد؟... وغيرها من الأسئلة التي تنتظر إجابات وافية.

سعى هذا العدد من مجلة (رؤية تركية) -كما وعدنا في العدد السابق- إلى الإجابة عن هذه الأسئلة، بتناول هذه القضية وتحليلها من جميع أبعادها، من خلال دراسات أكاديمية متنوعة، وإتاحة الفرصة أمام القارئ للحصول على المعلومة من مصادرها الأولى.

 يركز العدد الجديد من مجلتنا على ملفّ جائحة كورونا وتداعياتها على النظام الدولي؛ سياسيًّا واقتصاديًّا، ويتناول بحوثًا ودراسات أخرى لملفات إقليمية كبيرة ومهمّة.

نستهلّ ملفات العدد بإسهام نوعيّ ومميّز، متمثِّل في تقييم وزير الصحة التركي السيد فخر الدين قوجة إستراتيجية تركيا الصحية لمواجهة الوباء،  بعنوان: النموذج التركي في إدارة وباء كوفيد-19 المستجدّ: تدابير السياسة الصحية وإستراتيجياتها؛ يتناول فيه النموذج الذي صنعته تركيا في إدارة وباء كوفيد 19، وتدابير سياسة تركيا الصحية وإستراتيجياتها في مواجهة الوباء، حيث أدّت التدابير الأولية -حتى قبل إعلان الوباء من منظمة الصحة العالمية- إلى تأخّر دخول المرض إلى تركيا أكثر من شهرين، كما لم يكن الوباء مفاجئًا‏ لنظام الرعاية الصحية في تركيا؛ لوجود خطط مكافحة الأوبئة وتنفيذها منذ عام 2004. وبفضل الخطوات التي اتخذتها من خلال قطاعها الصحي وغيرها من القطاعات المعنية الأخرى تمكّنت تركيا من تخفيف عدوى الإصابة بالفيروس، والتحكّم بسرعة انتشاره، وتمكّنت من التشخيص والعلاج بطريقة فعّالة. ويُعَدّ معدّل الوفيات الناجمة عن كوفيد-19 في تركيا الأدنى بين عدد كبير من البلدان التي تعرّضت للوباء.

ينتقل العدد من زواية النظر الصحي إلى مدار أوسع، حيث يتناول الدكتور برهان الدين ضوران الأكاديمي بجامعة ابن خلدون بإسطنبول ورئيس مركز سيتا للدراسات في بحثه مستقبلَ تنافس القوى العظمى عالميًّا بعد كورونا، في ظلّ إعادة تأميم السياسة الدولية، حيث تولّت الدولة دورًا أكثر بروزًا، وقد استجابت البشرية للوباء على المستوى الوطني، فالدول وحدها لديها القدرة الإدارية اللازمة لتقديم المساعدة التي تشتدّ الحاجة إليها لمواطنيها. وبدلًا من ولادة نظام عالمي جديد، من المتوقّع أن ينتشر الاضطراب في فترة ما بعد الوباء. ولا يمكن أن يكون هناك نظام جديد على الساحة الدولية بدون توزيع جديد للسلطة، وبدون اقتصاد ومعايير سياسية جديدة، ولن تنخرط الدول الفردية في عمليات إعادة تقييم جذرية، ما لم تكن يائسة بما يكفي من التحالفات الجديدة.

وفي السياق ذاته يقدّم البروفسور بيرول آق غون ومتين جليك بحثهما حول عملية الحوكمة العالمية التي تضررت بشكلٍ كبيرٍ في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن، بالإضافة إلى عمل نظام الصحة العالمي خلال أزمة كورونا. ومن المؤسف أن منظمة الصحة العالمية التي تُعَدّ الجهة التنفيذية الرئيسة في نظام الصحة العالمي، وكذلك الأمم المتحدة، والاتحاد الأوربي، والناتو، ومجموعة G-7، ومجموعة G-20، ومنظمة التعاون الإسلامي، وغيرها- وقفت جميعًا عاجزة عن مكافحة خطر كوفيد-19.

 

وفي هذا المجال يسلّط الباحث طلحة كوسا الضوء على الحوكمة الدولية وإدارة الأزمات في عالم ما بعد كوفيد-19، ويرى أنّ فكرة الأممية التي تُعَدّ النموذج السائد للتعامل مع الأزمات الدولية منذ نهاية الحرب الباردة على وجه الخصوص بدأت في التراجع في أعقاب الأزمة المالية العالمية في سنة 2008. والمتوقَّع من وباء كوفيد-19 أن يسرِّع في إضعاف الآليات الجارية التي تشكّل النظام الدولي، وتقدّم الحلول للأزمات الدولية. وهناك ثلاثة سيناريوهات يمكن أن تكون عليها فترة ما بعد وباء كوفيد-19، هي: تعديل الأممية الليبرالية، أو قيام نظام دولي يتمحور حول الصين أو حول القوى الإقليمية، أو الفوضى.

 

ونظراً لأهمية تداعيات وباء كورونا على نظام الاقتصاد العالمي فقد تناول الباحث نور الله غور التداعيات المحتملة لأزمة فيروس كورونا على النظام الاقتصادي العالميّ من خلال ثلاث وقائع: الواقعة الأولى هي سلسلة التدابير العالمية وتقنيات الأتمتة الذكية، والواقعة الثانية هي السياسة الحمائية ودور الدولة في الاقتصاد، والواقعة الثالثة في البطالة وعدم المساواة والاقتراض.

وامتدادًا لدراسة تداعيات الوباء على صعيد التنافس الدولي يتناول الباحث ويسل كورت الحربَ الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتناقش دراسته التأثيرات المحتملة لوباء كوفيد-19 في السياسة الدولية عمومًا، وفي النظام الدولي بشكل خاص، وترى أن الدول ستنتهج نهجًا يرتكز حول المصلحة القومية بصورة أكبر، أمّا على الصعيد العالمي فسيزداد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وتناقش الدراسة كيفية نشأة أنماط النظم الدولية التي تشكلت خلال المراحل التاريخية المختلفة. كما تحلّل مصدر الاضطراب الذي حصل في النظام الدولي في العقد الأخير، وأخيرًا؛ تستعرض سيناريوهات تأثير وباء كوفيد-19 في هذه العملية.

 

وتزامنًا مع الذكرى السنوية الرابعة لمحاولة انقلاب 15 تموز 2016 في تركيا يتناول العدد هذه الذكرى في دراسة مميّزة أعدها ثلاثة أكاديميين: راسم أوزغور دونمز، وقاسم تيمور، وفاطمة أرمان تيك لويد، بعنوان: (العلاقة بين القيادة والتمكين السياسي والتعبئة الاجتماعية: محاولة انقلاب 15 تموز في تركيا نموذجًا)، وتحلّل هذه الدراسة علاقات "التمكين المتبادل" بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأتباعه، وكيف عملت القيادة والصورة الكاريزمية لأردوغان في حشد أتباعه ليلة 15 تموز (يوليو)‏‏ 2016، عندما احتشدت أعداد كبيرة منهم ضدّ محاولة الانقلاب. يتكوّن هذا البحث من ثلاثة أقسام: يشمل القسم الأول مناقشة نظرية إلقاء الضوء على المفهوم والآليات الأساسية للتمكين السياسي، وآثاره في العلاقات بين القادة والأتباع من أجل فهم كيفية تأثير كلٍّ منهما في الآخر، وبخاصة في أوقات الأزمات السياسية، ويقيّم القسم الثاني خصائص أردوغان وأسلوب حكمه اللذين كان لهما دور أساسي في الحثّ على مقاومة الانقلاب الفاشل، من أجل تحديد مدى صلة أطروحة التمكين بالحالة الخاصة لتركيا، وأخيرًا، يحلّل القسم الثالث الوسائل المختلفة التي تمكّن بها أردوغان من إلهام الجماهير للتعبئة ضد الانقلابيين.

 

وخارج سياق ملفّ كورونا يتناول هذا العدد طائفة أخرى من الدراسات تتناول جملة من القضايا المهمّة في السياق الإقليمي والدولي، منها دراسة فاتح موصلو الباحث في مركز سيتا التي تتناول الحكومة المشكَّلة حديثًا في العراق وآفاق عملها، فيما تتناول دراسة الباحث الفلسطيني عبدالعزيز أبو عليان مخطّط الضمّ الإسرائيليّ لأراضي الضفّة الغربية وغور الأردن، أما الباحث عباس صالح فيسلّط الضوء على السياسة الخارجية للسودان تجاه ثلاث دول مجاورة له، هي: مصر وليبيا وإثيوبيا.

 ويُختتَم العدد بمقالة الدكتور فتحي غونغور التي تضع القارئ العربي أمام دراسة لحياة وإسهامات العالم التركي فؤاد سزكين، الذي يمثّل أحد أهم علماء الحضارة الإسلامية التي يمتدّ تاريخها أربعة عشر قرنًا. وقد كان فؤاد سزكين يتقن 27 لغةً، منها السريانية والعبرية واللاتينية والعربية والألمانية، وكان عضوًا في العديد من الأكاديميات الدولية، وحاز عددًا كبيرًا من الجوائز والأوسمة، منها عضوية الشرف في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ومجمع اللغة العربية بدمشق، وأكاديمية الملكية في الرباط بالمغرب، ومجمع اللغة العربية ببغداد، وأكاديمية العلوم بتركيا.

 

وختامًا نأمل أن تكون ملفّات هذا العدد قد غطّت جزءًا كبيرًا من الفراغ المتعلّق بموضوع العدد، وقدّمت للقارئ تحليلًا متماسكًا بمنظور مختلف، ونأمل أن نتواصل معكم في الأعداد القادمة من خلال المزيد من البحوث والدراسات العلمية الرصينة التي تتناول التطورات في تركيا والمنطقة.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...