شهدت فلسطين يوم السابع من أكتوبر 2023 حدثًا مهمًّا في تاريخ مقاومة الاحتلال الصهيوني انطلق من قطاع غزة، ومَثَّلَ الحدث تحولًا نوعيًّا في المقاومة، كسر كثيرًا من المسلّمات التي روّج لها الاحتلال طيلة 75 سنة، في أنه قوة لا تُقهَر، وأنه يسيطر على الجو والبر والبحر، وأن أجهزة استخباراته تعلم بأدنى تحرك في فلسطين المحتلة.
ولكن الحدث كسر كلّ هذا، وجعل القوى الغربية تسارع إلى الوقوف داعمة للاحتلال الصهيوني، بقوة الجيوش، والدعم المالي، والتغطية الإعلامية من قبل المؤسسات الإعلامية الغربية الكبرى، ومنع المؤسسات الدولية من اتخاذ أي قرار ضد الكيان الصهيوني ودعم غزة.
وهذا بقدر ما أدى إلى اكتشاف هشاشة الكيان الاحتلالي، ونبه العالم إلى جوهر القضية الفلسطينية، التي هي قضية إنسانية؛ قضية مقاومة شعب لاحتلال استيطاني يمارس أبشع وسائل الاحتلال- فإن هذه الأحداث أيضًا كشفت مدى تغلغل اللوبي الصهيوني في المؤسسات الرسمية الغربية ووسائل إعلامها الكبرى، ونفوذه لدى مراكز صنع القرار الغربية.
لذلك عاد النقاش في موضوع النفوذ اليهودي في العالم عمومًا وفي الغرب بوجه خاص، وكيفية تشكل هذا النفوذ، حتى جعل القوى الغربية تسارع إلى نجدته ودعمه في جرائمه الاحتلالية، ومنع اتخاذ أي قرار دولي فاعل يناصر المقاومة الفلسطينية أو يحمي المدنيين الفلسطينيين من القتل والمذابح التي ترتكبها آلة الحرب والقتل الصهيونية في غزة والضفة وبقية الأراضي الفلسطينية.
إن هذا الموقف الغربي الرسمي مما يفعله الكيان الصهيوني، والتأييد الكبير الذي لقيه وهو يرتكب جرائم ضد الإنسانية وتتجاوز القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني- يطرحان تساؤلات عن مدى النفوذ اليهودي في هذه الدوائر الرسمية الغربية وفي وسائل إعلامها وشركاتها الكبرى ودوائر صنع القرار فيها.
في هذا السياق، فإن كتاب مالك بن نبي "وجهة العالم الإسلامي: المسألة اليهودية" يُعَدّ واحدًا من الكتابات المبكّرة التي تناولت هذا النفوذ اليهودي الصهيوني في أوروبا والغرب. وعليه فإن هذه الورقة تتناول "المسألة اليهودية" من منظور مالك بن نبي؛ أي كيف تناول مالك بن نبي موضوع النفوذ اليهودي في العالم، وفي الغرب خصوصًا؟ وما السياق الذي تناول فيه الموضوع؟ وما الحلول التي اقترحها لمواجهته والتقليل من أثره في الأمة، بما يخدم قضية تحرير لفلسطين من الاحتلال، واستعادة التوازن بين العالم الإسلامي والعالم الغربي؟
تهدف الورقة إلى استخلاص المنظور الذي عالج به بن نبي الموضوع، والخلاصات التي توصل إليها، بما يخدم موقف المسلمين من الموضوع، ويعطي للنخبة المسلمة فهمًا للمسألة اليهودية، يُسهم في التخلص من العنصرية والاستعمار والمادية التي كانت من آثار النفوذ اليهودي في الحضارة المعاصرة، ويفتح مجالًا لإسهام الإسلام في تقديم بديل روحي وحضاري يحقق السلام العالمي، ويحفظ إنسانية الإنسان.