كثيرًا ما يربط المراقبون الوضع الهشّ في منطقة الساحل الإفريقي بالتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي حدثت في دول شمال إفريقيا عقب أحداث الربيع العربي، وحالة الفراغ الأمني التي أدت إلى نشاط المنظمات المسلحة التي يغذّيها عدم الاستقرار وحروب الوكالة في منطقة الشرق الأوسط. في واقع الأمر بدأت التحولات الدراماتيكية في حزام الساحل الإفريقي في عام 2012م عندما قامت الحركة الوطنية لتحرير أزواد -وهي جماعة مسلحة انفصالية يهيمن عليها الطوارق- مدعومة بعودة عدة آلاف من المقاتلين من ليبيا، باحتلال شمال مالي بالكامل تقريبًا، وأعلنت مدينة غاو عاصمة دولتهم المعلنة ذاتيًّا. وردًّا على أعمال العنف التي ارتكبتها ميليشيات الطوارق وحلفاؤها في شمال مالي، ظهرت حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، المرتبطة بتنظيم القاعدة، التي استغلت تطلعات السكان المحليين ومخاوفهم الأمنية والاجتماعية واستمدت دعمها من المنظمات المنظمة الموجودة في المنطقة. واجتذبت الحركة أعدادًا كبيرة من المجنّدين من وسط مالي والنيجر وشمالهما، ومن ذلك ميليشيات الدفاع عن النفس التابعة لجماعة الفولاني، وأفلحت الحركة في طرد مقاتلي الحركة الوطنية لتحرير أزواد من غاو في يوليو/تموز 2012، وهذا سمح لها بتوسيع نفوذها على طول الحزام المالي في منطقة الساحل، وتسارعت وتيرة الأحداث الأمنية بصورة سريعة حتى عمّت أغلب دول الساحل وبدأت في جذب اهتمام القوى الإقليمية والدولية.
ومثلت المتغيرات الأمنية والعسكرية في إقليم الساحل الإفريقي فرصًا كبيرة للقوى العظمى للتدخل في المنطقة من أجل توطيد النفوذ، وتوسيع دائرة التأثير الجيوبوليتيكي على المستوى الإقليمي. حيث سعت فرنسا صاحبة النفوذ التقليدي من خلال عملية سيرفال العسكرية إلى تقوية حضورها العسكري في المنطقة. مع العلم أن هذه العملية لم تعالج الهشاشة بصورة أساسية، بل فاقمت الأوضاع من نواحٍ عديدة، وامتد انعدام الأمن والاستقرار إلى البلدان المجاورة. واليوم توظف الولايات المتحدة الأمريكية نشاط العديد من الحركات المسلحة الإسلامية المرتبطة بتنظيمَي القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في جميع أنحاء منطقة الساحل من أجل توسيع دائرة نفوذها في المنطقة، وتشبيك علاقات عسكرية مع دول الإقليم وإقامة الشراكات الأمنية مع المؤسسات العسكرية، وزيادة عدد قواعدها العسكرية.
ويشير تصاعد الهجمات المسلحة والتوترات بين المجتمعات المحلية إلى أن السلطات الحكومية في دول منطقة الساحل بدأت تفقد السيطرة على الوضع الأمني بدرجات متفاوتة في مناطق مختلفة، حيث تزايدت الهجمات ضد المدنيين والقوات المسلحة في الفترة من نوفمبر 2018 إلى مارس 2019، حتى ارتفع عدد القتلى في صفوف المدنيين بنسبة 7000% في بوركينا فاسو، و500% في النيجر، و300% في مالي. وقد نزح نصف مليون مواطن داخليًّا نتيجة عدم الاستقرار، في حين يواجه 1.8 مليون آخر انعدام الأمن الغذائي، ويحتاج 5.1 ملايين آخرين إلى مساعدة إنسانية عاجلة بحسب بيانات المنظمات الأممية.
ويرى محللون أن أزمات منطقة الساحل نتائج طبيعية للصراع الجيوبولتيكي الحاصل بين الأطراف الدولية والإقليمية للاستحواذ على موارد المنطقة. وأدى صراع النفوذ على المنطقة إلى حالة من التباين الحاد بين مكونات المنظومات الإقليمية حول التعاطي مع متغيرات المنطقة، وبالنتيجة تسببت في مضاعفات أمنية من شأنها التأثير في الراهن السياسي لبلدان المنطقة. كما أن الوضع الأمني المأزوم حمل صناع القرار في إقليم الساحل الإفريقي إلى توسيع نطاق التعاون الأمني والعسكري مع قوى خارجية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وتركيا وإيران، وقد أدى ذك إلى تحويل المنطقة إلى ساحة تنافس دولي وإقليمي أفرزت تحولات دراماتيكية تمثلت في سلسلة الانقلابات العسكرية.