رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

الكوارث الطبيعية والمساعدات الإنسانية الدولية

تتناول هذه الدراسة موضوع المساعدات الإنسانية الدولية في فترات الكوارث، فالكوارث الطبيعية والحروب تؤدي إلى تكوين مجتمعات بشرية تعجز عن الوصول إلى الغذاء الأساسي والمأوى والرعاية الصحية، ومن ثَم تُقَّدم إليهم مساعدات إنسانية قصيرة الأجل أو مؤقتة ريثما تصل المساعدات طويلة الأجل. وتفيد الدراسة أنه كان لتزايد دور تركيا في مجال المساعدات الإنسانية تأثير كبير في سرعة الاستجابة الدولية لتلبية نداء تركيا للمساعدة في أعقاب زلزال 2023م.

الكوارث الطبيعية والمساعدات الإنسانية الدولية

إن فترات الكوارث الطبيعية والحروب والكساد الاقتصادي تفتح الطريق لاهتزاز النظام الاجتماعي العادي بشدة، والعجز عن استيفاء بعض الاحتياجات الأساسية، وتؤدي إلى تكوين مجموعات من الناس لا يستطيعون الوصول إلى الغذاء الأساسي والمأوى والرعاية الصحية والمواصلات والاتصالات. وجميع أنواع المساعدات الطارئة التي تقدم بدون مقابل، في سبيل تلبية الاحتياجات الأساسية لمن وقعوا في هذه الحالة، مثل الغذاء والمأوى والعلاج وما شابه ذلك- هو نشاط إنساني ومجتمعي معروف منذ العصور القديمة.

المساعدات الإنسانية مساعدات مؤقتة أو قصيرة الأجل نسبيًّا، تُقدَّم إلى أن تعمل الحكومات والمؤسسات الأخرى على تقديم المساعدات طويلة الأجل، أو إلى أن تعود الحياة إلى مجراها الطبيعي، وتبقى "مأسسة" هذه المساعدات على الصعيد المجتمعي والوطني ظاهرة قديمة تطورت في الغالب على أساس القواعد الدينية.

وقد بدأت "مأسسة" المساعدات التي تجاوزت حدود الدولة، أي "مأسسة" المساعدات التي أخذت طابعًا دوليًّا، بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتطورت المساعدات الإنسانية الدولية المؤسساتية استجابةً للانهيارات الإنسانية الكبيرة التي خلفتها الحروب، سواء في أثناء الصراعات المسلحة واسعة النطاق أم بعدها، وبمرور الوقت شرع في توفيرها عدد كبير من المنظمات الوطنية العابرة للحدود (المنظمات غير الحكومية الدولية) والمؤسسات (المنظمات) الدولية.

هناك أمثلة كثيرة عن المنظمات الدولية العابرة للحدود، ولعل أولها "اللجنة الدولية لمساعدة المصابين في الحروب" التي أنشأتها جمعية الرفاه العام (Geneva Public Welfare Society) في جنيف عام 1863، بجهود الطبيب السويسري هنري دونان. فيما بعد أُسِّست اللجنة الدولية للصليب الأحمر إثر المؤتمر التأسيسي الذي انعقد في أكتوبر 1863. وهناك أيضًا الجمعية العثمانية لمساعدة الجنود الجرحى والمرضى، التي أُسِّست تقريبًا في التاريخ نفسه في 11 يونيو 1868 بهدف مساعدة الجنود المصابين في ساحات المعركة، من دون تمييز، وأُطلِق عليها في العهد الجمهوري اسم جمعية الهلال الأحمر التركي.

وفي القرن العشرين، بدأت تظهر منظمات المساعدات الإنسانية الدولية التي تُعنَى بمساعدة المتضررين من أحداث غير الحروب، مثل المجاعات والكوارث الطبيعية. وهناك مثالان مهمان عن هذه المنظمات، هما: لجنة شندونغ للمساعدات في أوقات المجاعة، التي أُسِّست استجابة لمجاعة شمال الصين في (1876-1879)، التي نتجت عن الجفاف الذي بدأ في شمال الصين عام 1875، والتي يُقدَّر أنها حصدت أرواح ما يقرب من 10 ملايين شخص، وحملة المساعدات التي انطلقت في الهند، استجابة للمجاعة الكبرى التي عاشتها خلال الفترة (1876-1878).

بعد الحرب العالمية الثانية، حصلت زيادة سريعة في عدد المنظمات غير الحكومية التي جرى إنشاؤها للمساعدة الإنسانية الدولية. ففي السنوات الأربع التي تلت الحرب، أُسِّس ما يزيد على 200 منظمة غير حكومية. في السنوات التالية، استمر عدد المنظمات غير الحكومية ومنظمات الإغاثة في الزيادة؛ بسبب الكوارث الطبيعية والاحتياجات والأزمات الإنسانية المتزايدة، ولاسيّما في فترة ما بعد الاستعمار.

وفي التسعينيات من القرن الماضي، بدأت حركات الإغاثة من المجاعة على نطاق واسع تحت قيادة الحكومات استجابةً للكوارث في جميع أنحاء العالم، وقُدِّمت مساعدات كبيرة خلال المجاعة الإثيوبية (1983-1985) التي تسببت في وفاة مليون شخص أو يزيد.

وشهدت الأمم المتحدة أيضًا هيكلة مؤسسية، حتى تستطيع الاستجابة بشكل سريع وفعال للاحتياجات الإنسانية الطارئة، مع التفريق بين مفهوم المساعدات التنموية ومفهوم المساعدات الإنسانية الطارئة. والأمثلة على ذلك هي: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) التي أُسِّست عام 1950 بعد الحرب العالمية الثانية، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) الذي أُنشِئ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 46/182 الذي جرى تبنيه في ديسمبر 1991، وتنسيقية المساعدات الإنسانية في حالات الطوارئ. وبعد ذلك بوقت قصير، أنشأت الأمانة العامة للأمم المتحدة قسم الشؤون الإنسانية (DHA) الذي أُعِيد تنظيمه في عام 1998 ليُعرف باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. كما أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة صندوق الأمم المتحدة العالمي للاستجابة لحالات الطوارئ (CERF) في عام 2005. وحاليًّا، تقدم الأمم المتحدة الغذاء والمساعدات الأخرى إلى 91,1 مليون شخص في 83 دولة حول العالم.

وتُموَّل المساعدات الإنسانية الدولية أيضًا بالتبرعات والهبات التي يقدمها الأفراد والشركات والحكومات والمنظمات الأخرى، فضلًا عن المساعدات القادمة من هيئات الأمم المتحدة. في هذا السياق، أصبح تمويل المساعدات الإنسانية وتوزيعها دوليًّا بشكل متزايد، وأصبح التعامل مع حالات الطوارئ واسعة النطاق التي تؤثر في أعداد كبيرة من الناس أكثر سرعة وحساسية وفاعلية. وأصبحت المساعدات الإنسانية تركز من الناحية المؤسساتية والتشغيلية منذ زلزال هايتي عام 2010 على وجه التحديد على الاستفادة من التكنولوجيا، مثل تكنولوجيا الأقمار الصناعية لتعزيز العمل الإنساني، وتطوير التفاعل بين المنظمات الإنسانية الرسمية مثل الأمم المتحدة.

وفي المرحلة الحالية، أصبحت المبادئ الأساسية المتمثلة في "الإنسانية والحياد والاستقلالية" المبادئ الدولية الأساسية التي تهيمن على المساعدات الإنسانية. وعبّرت عن هذه المبادئ رسميًّا الجمعية العامة للأمم المتحدة في عامي 1991 و2004، وشُكِّلت وثيقة أخرى تحدد الإطار الأساسي، من خلال اعتماد "مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك للإغاثة في حالات الكوارث" من قبل أكثر من 490 منظمة إغاثية.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...