رؤية تركية
دورية محكّمة في
الشؤون التركية والدولية
ISSN 2458-8458
E-ISSN 2458-8466

| كلمة رئيس التحرير < رؤية تركية

كلمة رئيس التحرير

يتناول العدد الجديد من مجلة (رؤية تركية) مجموعة من الموضوعات البحثية المرتبطة بالتطورات والمواقف الدولية تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، وتأثير ذلك في دور القُوى الكبرى والتغييرات في هيكل النظام الدولي، كما يسلّط العدد الضوء على قضايا إقليمية أخرى مهمة، مثل عملية التطبيع في العلاقات التركية الإماراتية، وأثر ذلك في المنطقة... ويتميز بمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين: العرب والأتراك.

كلمة رئيس التحرير

يتناول العدد الجديد من مجلة (رؤية تركية) مجموعة من الموضوعات البحثية المرتبطة بالتطورات والمواقف الدولية تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، وتأثير ذلك في دور القُوى الكبرى والتغييرات في هيكل النظام الدولي، كما يسلّط العدد الضوء على قضايا إقليمية أخرى مهمة، مثل عملية التطبيع في العلاقات التركية الإماراتية، وأثر ذلك في المنطقة... ويتميز بمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين: العرب والأتراك.

نستهلّ بحوث العدد بدراسة الباحثينِ التركيينِ مراد أولغول وإسماعيل كوسا: "مشكلة التوسع المفرط: تحليل سياسات أمريكا في البحر الأسود" التي تحلّل إستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة البحر الأسود، وترى أنها مستقرة ومحدودة وغير طموحة. وقد بدأ تغيير هذه الإستراتيجية الدقيقة خلال إدارة كلينتون في منتصف التسعينيات، عندما بدأت الولايات المتحدة تتبع إطارًا واسعًا للسياسة الخارجية، يشمل جميع المصالح الوطنية الأمريكية، عبر ما عُرِف بنظام جينتلسون للمصالح الوطنية (4Ps)، أو [نظام الكلّ معًا] الذي صاغه بروس جينتلسون من مزيج (القوة والسلام والازدهار والمبادئ)، ويرى البحث أن هذا التحول كان إشكاليًّا بسبب عائقين، هما: أحادية القطب، والاستقطاب المتزايد في السياسة الداخلية الأمريكية. وهذا منع الولايات المتحدة من اتباع سياسة فعّالة في منطقة البحر الأسود.

وللإجابة عن التساؤلات التي طرأت حول إمكانية إغلاق مضيق البوسفور والدردنيل أمام حركة السفن العسكرية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، تتناول دراسة الباحث يوجل أجار من جامعة يلدرم بايزيد بأنقرة: "اتفاقية مونترو بشأن نظام المضايق وملاحظات على إطارها القانوني". وممّا جاء في هذه الدراسة أنّ مضيق الدردنيل، وبحر مرمرة، ومضيق البوسفور التي تُسمّى مجتمعة المضايق التركية- تُعَدّ ممرًّا بحريًّا مهمًّا إستراتيجيًّا للعديد من البلدان، فهو طريق الاتصال البحري الوحيد بين البحر الأسود والبحر المتوسط؛ ولهذا السبب الأساسي أصبحت هذه الممرّات باستمرارٍ موضوعًا للوائح الدولية الناظمة للملاحة البحرية. ويتكرّر الأمر اليوم كلّما أُثِير تطور مهمّ ذو طبيعة إقليمية، وتصبح اتفاقية مونترو موضوعًا للجدل، ويُثَار التشكيك فيها بوصفها الاتفاقية الدولية الحالية التي تنظّم الممرّات، ويكشف التحليل القانوني للنظام القائم أن الاتفاقية لا تشكّل نظامًا للمرور عبر المضايق فحسب، بل تؤسّس كذلك نظامًا شاملًا لأمن الدول المطلة على البحر الأسود، وفي مقدمتها تركيا.

 

وفي قراءة لرد الولايات المتحدة الأمريكية على الغزو الروسي لأوكرانيا يتناول الباحث محمد كوتشاك الباحث في جامعة فلوريدا الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية، تحليل الموقف الأمريكي، إذ يرى أن الولايات المتحدة أخذت تهديدات روسيا على محمل الجد، وحاولت حلّ التوترات دبلوماسيًّا، ولا سيّما مع أوكرانيا، وعندما أخفقت الدبلوماسية، بدأت الولايات المتحدة في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وتشجيعِ الدول الأخرى على فعل الشيء نفسه. تبحث هذه الدراسة في مدى نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في ردع روسيا من خلال العقوبات الاقتصادية، وتجادل بأن العقوبات ليست أدوات فعّالة في ردع روسيا، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية، من خلال تعزيز سلطة بوتين داخليًّا على النخبة والمجتمع الروسي.

 

وعلى المستوى الإقليمي ناقش جان أجون الباحث في مركز سيتا التأثيرات المحتملة للحرب الروسية الأوكرانية في سوريا، ورأى أنه يمكن تقييم العواقب المهمة للغزو الروسي لأوكرانيا على سوريا تحت ثلاثة عناوين: من الناحية العسكرية، سيميل ميزان القوى نسبيًّا ضد روسيا وحلفائها. ومن الناحية الاقتصادية، سيزداد الضغط الاقتصادي على النظام السوري يومًا بعد يوم. ومن الناحية السياسية، ستتحول جهود نظام الأسد لكسب الشرعية الدولية إلى حلم فارغ. وسيتعزّز موقف تركيا والمعارضة الشرعية التي تعمل معها في سوريا. من جهة أخرى، يمكن التنبؤ بأن إيران ستحاول سدّ الفجوة التي يخلّفها تراجع اهتمام روسيا بسوريا في ظلّ هيمنة النتائج المذكورة آنفًا مع طول أمد الحرب. وهذا يعني انخراطًا أكبر لـ"إسرائيل" ودول الخليج في المعادلة السورية. وفي سياق هذا المستوى الجيوسياسي الجديد الذي أنشأه الاحتلال الروسي لأوكرانيا؛ فإنّ تركيا ينتظرها دور أكبر، وفرص مهمّة في السياسة السورية.

ونظرًا لأهمية ملف الطاقة في الحرب الروسية الأوكرانية فقد تناولت الباحثة بشرى زينب أوزدمير داشجي أوغلو العقوبات على روسيا وتأثيرها في أمن الطاقة. تتناول الدراسة في البداية الدول الرئيسة التي تستورد صادرات الطاقة الروسية، وتحلّل آثار العقوبات المفروضة على قطاعات النفط والغاز الطبيعي والفحم الروسية في أسواق الطاقة العالمية. ثمّ تناقش انعكاسات هذه التأثيرات على بعض البلدان المختارة، وكيفية سدّ الفجوة الناشئة عن انحسار موارد الطاقة القادمة من روسيا، وبدائل الاتحاد الأوروبي في واردات الغاز الطبيعي.

وفي سياق قراءة التحول المحتمل في النظام الدولي يناقش الأكاديميان من جامعة سكاريا: كمال إنات، ومليح يلدز في بحثهما الصعود الصيني في ضوء البيانات الاقتصادية والعسكرية، ويحلّلان دلالة التحدّي الذي تشكله الصين للقيادة العالمية للولايات المتحدة، كما يفحص البحث التغيرات التي طرأت على مؤشرات القوة العسكرية والاقتصادية لكل من الولايات المتحدة والصين خلال العقود الثلاثة المنصرمة، ويبحث عن إجابة للسؤال الآتي: "ماذا ستكون تداعيات الصعود الصيني على النظام الدولي؟ وللإجابة عن هذا السؤال ستجري مناقشة سوابق "الصعود والتحدي" المشابهة لوضع التحدي الذي تمثله الصين في سياقه وتحليله. يشير البحث إلى أن الصين إذ تسعى إلى تحسين مكانتها العالمية تأخذ في حسبانها حالات التحدي التي أخفقت فيما مضى، فالصين التي لا ترغب في تكرار الأخطاء التي ارتكبتها ألمانيا والاتحاد السوفييتي مترددة في اتّباع سياسة عسكرية عدوانية، وتسعى إلى تضييق نطاق تنافسها مع الولايات المتحدة، وحصره في المجال الاقتصادي. وقد نجحت سياسة الصين لتجنب الصراع المباشر، والتركيز على التنمية الاقتصادية في جعلها أكبر منافس اقتصادي للولايات المتحدة، في حين فتح الصعود الصيني الباب أمام نقاشات حول نهاية النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والغرب.

ويُختَتم العدد بدراستين مهمتين؛ تقف الأولى عند فرصة التعاون الجديدة في العلاقات التركية الإماراتية حيث يناقش الباحث في جامعة سكاريا إسماعيل نعمان تلجي فيها تحول العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة من منظور تاريخي، وتحاول الدراسة الكشف عن الدوافع والأسباب التي دفعت الدولتين إلى اتباع نهجٍ جديد. وفي هذا الصدد، تحاول الدراسة بدايةً الإشارة بإيجاز إلى عملية التطبيع بينهما، وتسليط الضوء على خلفية هذه العملية. ثم تعمل على بيان نقاط الاختلاف، وفرص التعاون بين البلدين.

فيما تتناول الدراسة الأخيرة في هذا العدد انتخابات عام 2022 في جمهورية شمال قبرص التركية، والوضع الجيوسياسي في شرق المتوسط، حيث يتناول الباحث حاجي محمد بويراز فيها الانتخابات العامة المبكّرة التي جرّت في جمهورية شمال قبرص التركية في الثالث والعشرين من كانون الثاني (يناير) 2022 والمرحلة التي تلتها. وقد بدأ البحث بتقييم عام لبرامج الأحزاب التي تخطّت الحاجز الانتخابي بنسبة 5% من الأصوات، ثم يقيّم نتائج الانتخابات، والحكومة الائتلافية التي تمخّضت عنها وشكّلها حزب الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي وحزب الميلاد الجديد. إضافة إلى ذلك، يقدّم البحث تحليلًا للطريقة التي سيتشكّل بها الوضع الجيوسياسي في شرق المتوسط في المرحلة القادمة.

 

وبالإضافة إلى الدراسات القيّمة يضمّ العدد عروضًا لبعض الكتب المميزة الصادرة حديثًا، منها كتاب فخر الدين ألطون، وعنوانه: "تركيا بوصفها قوة استقرار في عصر الاضطرابات"، وكتاب محمود الرنتيسي، وعنوانه: العلاقات التركية القطرية في ظل التوازنات الإقليمية".

وختامًا نأمل أن تكون ملفّات العدد قد قدّمت للقارئ تحليلًا متماسكًا بمنظور مختلف ورصين، ورؤية واضحة للقضايا التي جرى تناولها، ونأمل أن نستمر في التواصل معكم عبر الأعداد القادمة من خلال المزيد من البحوث والدراسات العلمية الرصينة التي تتناول الظواهر والتطورات الإقليمية والدولية.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...